مقتل سليماني وتأكيد العلاقات التاريخية بين حماس وإيران
الثلاثاء 07/يناير/2020 - 12:36 م
طباعة
حسام الحداد
بعدما شارك رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في مراسم تشييع جثامين قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري سليماني ونائب رئيس الحرس أبو مهدي المهندس ورفاقهما، التقى، الاثنين، هنية ونائبه صالح العاروري والوفد المرافق قائد فيلق القدس الجديد المدعو إسماعيل قاآني.
ولم تكتف حركة حماس بنعي وإقامة بيت عزاء واتصال هنية بوزير الخارجية الإيراني للتعزية في مقتل سليماني، بل شارك في مراسم التشييع أيضا. وقال في كلمة له في طهران: "إن هذه الجريمة تستحق العقوبة وتزيدنا قوة لتحرير القدس". وتابع "الشهيد سليماني هو شهيد القدس"، بحسب تعبيره.
"مفاجأة وبيت عزاء"
ووفق أسوشييتد برس، فإن زيارة هنية لإيران جاءت مفاجئة. فقد سمحت له مصر بالسفر في ديسمبر 2019، في أول جولة إقليمية له منذ انتخابه عام 2017 لقيادة حماس شريطة عدم زيارته لإيران، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام العربية والإسرائيلية.
وكانت حماس، أعلنت الأحد، أن إسماعيل هنية اتصل هاتفياً بوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، وقدم العزاء في مقتل سليماني، الذي قتل بغارة أميركية في بغداد فجر الجمعة. وأشاد إسماعيل "هنية بدور سليماني في دعم المقاومة"، بحسب تعبيره.
بدورها، نددت قيادات في حركة حماس، بمقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في تصريحات تلفزيونية ووصف إسماعيل رضوان – قيادي بالحركة - مقتل سليماني بأنه خسارة كبيرة لفلسطين والمقاومة.
والسبت، أقامت حركة حماس، في قطاع غزة، بيت عزاء لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وتعليقا على زيارة هنية لإيران قالت صحيفة هآرتس الاسرائيلية الصادرة اليوم الثلاثاء ان مشاركة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في جنازة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني قد تؤدي الى ردود فعل غير متوقعة من اسرائيل ومصر.
وأوضحت الصحيفة إن اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وضع حماس في مأزق كبير بين اختيارها لترتيبات الهدوء ب غزة ، أو الدعم من إيران.
وقالت الصحيفة، "إن التأثير الاستراتيجي العسكري الإيراني على حماس والجهاد قد يؤثر على ترتيبات الهدوء والاتصالات المكثفة في الأسابيع الأخيرة بين إسرائيل وحماس بشكل غير مباشر وبرعاية المخابرات المصرية ومبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ميلادينوف.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في حماس قوله إن الزيارة إلى طهران لم يكن منسق لها، بل تمت على خلفية اغتيال سليماني، مشيرًا إلى أن هنية أبلغ القاهرة قبيل سفره إلى طهران.
ورجح المسؤول أن لا تلقى تلك الزيارة معارضة مصرية، خاصةً وأن مصر لا تتوافق بالضرورة مع الرؤية الإسرائيلية بشأن إيران، لاسيما وأن حماس لا زالت متمسكة بمبادئها التوجيهية واتفاقياتها مع القاهرة.
وقالت مصادر أخرى من حماس، إن المحادثات الرامية إلى تحقيق الاستقرار والهدوء وصلت إلى مراحل متقدمة، لافتة إلى أن هناك تسهيلات من الجانبين الإسرائيلي والمصري والجميع يريد الاستمرار في ذلك.
وأوضحت الصحيفة، "أن المعضلة ليست بسيطة لهذه الدرجة، فحماس لا يمكن أن تتخلى عن إيران وحزب الله من وجهة نظرها العسكرية الاستراتيجية، ولكن من ناحية أخرى تتحمل الحركة مسؤولية 2 مليون مدني في غزة، ومصر لن تسمح لأحد بالتحكم بمصيرهم، لذلك الاتجاه الحالي هو الحفاظ على توازن صارم، والدليل على ذلك أن حماس والجهاد عبرتا عن غضبهما وإدانتهما لعملية اغتيال سليماني لكن لا أحد يفكر بالرد عسكريا"، وفق ما ورد في الصحيفة.
وقال مسؤول مصري كبير للصحيفة، "إن التقديرات بأن مصر لن تتخذ على الفور إجراءات ملموسة ضد هنية وقيادة حماس، لكن قد يضطر هنية الانتظار فترة طويلة حتى يسمح له بالعودة إلى غزة، أو أن يسمح له بالسفر مجددا خلال المستقبل القريب في حال عاد لقطاع وفكر بالسفر.
وأشار إلى أن مصر لن تغير من سياساتها ولا تريد كسر الصيغة الحالية بالحفاظ على الهدوء في غزة ومنع انهيار الوساطة التي تقوم بها لأجل ذلك.
تاريخ العلاقات بين حماس وايران
وموقف هنية هذا انما يجعلنا نعيد النظر في العلاقات المتبادلة بين حماس وايران حيث بدأت بذرة العلاقة بين الطرفين خلال مؤتمر أقامته طهران لدعم الانتفاضة الفلسطينية عام 1990، وذلك بعد مضي 3 أعوام على تأسيس حركة حماس، شارك فيه آنذاك القيادي في الحركة خليل القوقا. وتطورت العلاقة بينهما عندما افتتحت طهران مكتباً للحركة في العام التالي، وعيّنت القيادي المبعد عماد العلمي ممثلاً لحماس في إيران، لطلب الأخيرة وجود تمثيل سياسي لها في طهران خلال المؤتمر الثاني لدعم الانتفاضة.
اتجهت علاقة طهران بمنظمة التحرير الفلسطينية للفتور، بعد اتخاذ الأخيرة المفاوضات مع “إسرائيل” طريقاً لحل القضية الفلسطينية، في حين تبنت حماس المقاومة المسلحة ورفضت الاعتراف بإسرائيل. بدأت طهران ترى في حماس ممثلاً للشعب الفلسطيني، وذلك بناءً على وثيقة بين الطرفين كشفها مصدر فلسطيني في تونس عام 1993. ليتبعها بعد ثلاث سنوات تصريح لممثل حماس في طهران آنذاك عماد العلمي، بأن حماس تعتبر إيران حليفاً استراتيجياً لها.
حقق فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، خطوة أخرى في تعزيز العلاقات الثنائية، إذ أعلنت طهران عن دعمها المالي للحركة والذي يقدر بمئات ملايين الدولارات، فضلاً عن الدعم العسكري الذي مكنها من امتلاك ترسانة عسكرية مسلحة جيداً، ممثلة بكتائب القسام، لتصبح حماس ثاني أكبر فصيل يتلقى دعماً من إيران بعد حزب الله.
وصل التقارب بينهما حدَّ تغني رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشعل عام 2007 في لقاء له مع نجل الإمام الخميني بالقاهرة بقوله: “أن حماس هي الإبن الروحي للإمام الخميني”.
عام 2011.. بداية تأرجح العلاقة
تراجعت العلاقة بين الطرفين مع اندلاع الأزمة السورية، ونقل رئيس المكتب السياسي للحركة آنذاك خالد مشعل مقر إقامته من العاصمة دمشق إلى قطر، مع إعلان الحركة اتخاذها موقفاً معارضاً للنظام السوري في الأزمة التي اندلعت عام 2011، ما أثار حفيظة طهران الحليف السياسي للنظام السوري. وكان قد كشف مشعل في مقابلة له مع قناة “فرانس24″، عن تراجع الدعم الإيراني للحركة بعد أن كانت أحد الداعمين الأساسيين لها، بسبب رفض الحركة تأييد النظام السوري عقب إندلاع الأزمة السورية عام 2011، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن العلاقة لم تصل إلى حالة القطيعة الكاملة، بل بقيت في حالة جمود، يتخللها إرسال الوفود لطهران بين الحين والآخر.
عام 2016 تصاعد التوتر بالتوازي مع تصاعد الأوضاع الانسانية في سوريا وخصوصا في حلب، وخروج آلاف الصور التي تبين الدمار الهائل والجثث، عبر الفضائيات العربية ومواقع الإعلام الاجتماعي، تزامن هذا مع تضييق حماس الخناق على حركة “الصابرين” الموالية لإيران بقطاع غزة، نتيجةً للمذابح التي ارتكبها جيش النظام في حلب، وأعتبارهم أن حركة الصابرين تنشر الأفكار الشيعية في المنطقة، كما جاء في قول المحلل الإسرائيلي للشؤون العربية “يوني بن مناحيم”.
وفي 1017، أشار الكاتب “محمد قواص” إلى أن قيادة مشعل كانت ميالة للتحالف مع تركيا وقطر على حساب العلاقة مع إيران، مع احتفاظ كتائب القسام على علاقة متينة مع طهران.
إلا أن تصريحات النائب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في نفس التوقيت مع صحيفة “شرق” الإيرانية، بيّن فيها أن علاقة الحركة مع إيران وحزب الله “الفصيل اللبناني المقرب لطهران”، ليست مرتبطة بالعلاقة مع سوريا، وأن الحركة لم ولن تنحاز إلى أي طرف أثناء الأزمة السورية، ورداً على سؤاله بخصوص مدى ثقة طهران بالحركة بعد التزامها الموقف المحايد، أجاب العاروري: “لم يطلب منا أحد التعاون معه لنكون إلى جانب طرف أو مجموعة أو دولة ما في الصراعات الإقليمية، لم يحدث ذلك لا في الماضي ولا اليوم ولا حتى مستقبلاً”.
وقد شكل انتخاب يحيى السنوار قائداً لحماس في قطاع غزة قفزة كبيرة تجاه تحول العلاقات بين طهران وحماس، فبالرغم من العلاقات التي ربطت الحركة بالدول الخليجية بعد تدهورها مع ايران وتحديداً بقطر، التي كانت منبراً لإعلان حماس عن وثيقتها الجديدة قبل أشهر من الآن. إلا أن الخلافات وصلت إلى حد قطع العلاقات معها لإتهامها بدعم جماعات متشددة بينها حماس وتنظيم الإخوان المسلمين، الأمر الذي دعى إلى خروج قيادات الحركة من الدوحة، كان أبرزهم النائب السياسي لحركة حماس حالياً صالح العاروري.
وعبرت الحركة على لسان خليل الحية نائب رئيس مكتبها السياسي السابق أن “خروج بعض قيادات حماس من قطر جاء في إطار إعادة الانتشار”، أما القيادي في الحركة أحمد يوسف فقال “أن القيادات غادرت قطر طوعاً,، رفعاً للحرج عن قطر، في ظل الظروف الراهنة”.
وفور إعلان انتخاب السنوار رئيساً لحركة حماس، تدفقت التحليلات عن مصير العلاقة بين الحركة وإيران، باتجاه ترجيح تقارب العلاقة أكثر بين الطرفين، كون السنوار جاء من صلب الجهاز العسكري لحماس والذي كان يتلقى الدعم المسلح من إيران. وهذا ما تطابق مع تقديرات إسرائيلية على لسان المراسل الحربي رون بن يشاي، قوله إن السنوار سيسعى إلى إعادة تمتين علاقات حركته مع إيران للحصول على مزيد من الدعم العسكري والتدريبي.
هذه التحليلات لم تختلف كثيراً عن الواقع، إذ قال السنوار حينها، خلال لقاء جمعه مع صحفيين، أن حركته تواصل تعزيز قدراتها العسكرية، مؤكدا أن إيران هي الداعم الأكبر للجناح العسكري، وأن الدعم الإيراني العسكري هو دعم “إستراتيجي”، والعلاقة بينهم أصبحت ممتازة جداً وترجع لعهدها السابق، خصوصاً بعد زيارة وفد حماس لإيران.
كما وصف السنوار علاقة الحركة مع قطر وتركيا اللتين تشكلان الداعم الأكبر للحركة في السنوات السابقة، بالممتازة.
هذا التحول الكبير الحاصل في علاقات حماس مع القوى المحورية في الشرق الأوسط، من جمهورية مصر إلى إيران، وعملها على جمع التناقضات في آن واحد، يزيد من صعوبة تخيل مستقبل نفوذ وقوة الحركة في التأثير على مسار القضية الفلسطينية، فهي تتحالف مع قطر وتقف مع إيران ومع مصر وتتصالح مع السلطة الفلسطينية في آن واحد. هذا النهج الذي صرح به مشعل وتبعه السنوار واصفاً إياه بسعي لدى الحركة للانفتاح على الكل، لا يعرف مدى قدرته على الصمود دون الغرق في لعبة سياسية لا تعرف الثبات.