الوضع الليبي بين اتهامات للمبعوث الأممي في ليبيا.. والموقف في مصراته

الأربعاء 08/يناير/2020 - 01:33 م
طباعة الوضع الليبي بين حسام الحداد
 
بعد الاتفاق المشين بين الدكتاتور العثماني الحالم بالخلافة والسراج الموالي لجماعة الإخوان الإرهابية سيطر الجيش الوطني الليبي على مدينة "سرت" تلك المدينة التي تتمتع بأهمية استراتيجية خاصة، نظرا لوقوعها في منتصف الطريق بين طرابلس وبنغازي، ووجود امكانات بترولية هائلة تعد أكبر مخزون استراتيجي في ليبيا، هذا بجانب وجود قاعدة عسكرية مجهزة ومطار، مما يسهل على الجيش الوطني شن غارات غير باهظة التلكلفة على طرابلس، قد عززت قوات «الجيش الوطني» الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، تقدمها صوب مدينة مصراتة بغرب البلاد، فيما أكد قائد عسكري أنها «أحرزت أيضا المزيد من التقدم» في العاصمة طرابلس.
وبدا أمس أن معركة مصراتة المؤجلة لم تعد كذلك، وسط تلميحات من مسؤولين عسكريين في «الجيش الوطني» بأن قواته تعتزم الدخول إلى المدينة، الواقعة في غرب البلاد، استباقا لدخول أي قوات تركية، وذلك في إطار الاتفاق المثير للجدل، الذي أبرمته حكومة السراج مع تركيا في نوفمبر الماضي.
وقال قائد عسكري بارز في «الجيش الوطني» لـ«الشرق الأوسط» إن قواته تحقق ما وصفه بتقدم مضطرد في معارك تحرير العاصمة طرابلس، مشيرا إلى أن قوات الجيش حققت، أمس، تقدما في جميع محاور القتال داخل العاصمة على حساب الميليشيات المسلحة الموالية لحكومة السراج.
وتابع القائد العسكري موضحا: «الأمور ممتازة... وقواتنا تتقدم في جميع المحاور، وهناك انهيار في صفوف الميليشيات، ومعنوياتهم صفر». مضيفا أن عملية سيطرة قوات الجيش مساء أول من أمس على مدينة سرت الساحلية «تعتبر بمثابة عملية البرق الخاطف الثانية من نوعها»، مشيرا إلى أن العملية الأولى تحت هذا الاسم أدت إلى تحرير الموانئ النفطية.
وأكد المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه: «انهيار الميليشيات القادمة من مصراتة، وهروبها باتجاه مدينتها، والجيش يتقدم الآن باتجاهها (مصراتة) وسط اشتباكات في غرب سرت».
من جهتها، قالت شعبة الإعلام الحربي لـ«الجيش الوطني» إن وحداته العسكرية سيطرت أمس على مواقع جديدة، كانت في وقتٍ سابق تشكل النقاط الأمامية لمجموعات الحشد الميليشياوي بمحور صلاح الدين في جنوب العاصمة، وذلك بعد اشتباكات عنيفة خاضتها، وهو ما كبّد العدو خسائر كبيرة.
كما أعلنت الشعبة في بيان مقتضب، أمس، عن تقدم وحدات الجيش إلى ما بعد مدينة سرت، وسيطرتها على مواقع جديدة غرب المدينة، استكمالا لما وصفته بالاقتحام الواسع الكاسح لها.
في غضون ذلك، أحكمت قوات «الجيش الوطني» السيطرة على مدينة سرت، الواقعة على بعد 450 كيلومترا شرق طرابلس، والتي كانت تحت سيطرة قوات حكومة «الوفاق»، إذ أعلن المركز الإعلامي لغرفة «عمليات الكرامة»، التابع للجيش الوطني أمس، عن وقوع ما وصفه بمعركة تصادمية على بعد 70 كيلومترا غرب سرت، واندحار الميليشيات وهروبها بعد معركة شرسة في اتجاه منطقة الوشكة، التي تبعد نحو 100 كيلومتر عن سرت.
وأعلنت الحكومة المؤقتة، التي تدير شرق البلاد برئاسة عبد الله الثني، والموالية للجيش، عن تشكيل مجلس مؤقت لتسيير الأمور داخل مدينة سرت، بينما أعلنت وزارة داخليتها عن تعيين قائد جديد للأمن فيها.
ولم يعلق السراج، رئيس حكومة «الوفاق»، على خسارة قوات حكومته للسيطرة على مدينة سرت، لكنه نقل عن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي التقاه مساء أول من أمس، تأكيده على دعم بلاده لحكومة الوفاق، وقال إن الجزائر تقف دائما إلى جانب الأشقاء الليبيين، وأنها ستبذل كل جهدها لإنهاء الحرب، والحد من التداعيات الخطرة التي تهدد الشقيقة ليبيا، مؤكدا أن أمن الجزائر من أمن ليبيا، وأن العاصمة الليبية خط أحمر.
وأكد السراج على أهمية مشاركة دول الجوار، وخاصة الجزائر وتونس، في أشغال مؤتمر برلين، الذي سيبحث حلولا للأزمة الليبية، في إطار مقترحات المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، معتبرا أنها أقرب من غيرها، وتجمعها مع ليبيا على مر الزمن علاقات عميقة ومصالح مشتركة وحدود تفوق الألف كيلومتر.
وعلى صعيد أخر،عاد المبعوث الأممي إلى ليبيا الدكتور غسان سلامة، مجدداً، إلى مرمى الانتقادات من بعض السياسيين في مناطق بشرق البلاد، بسبب ما وصفوه بـ«تحيزه لحكومة (الوفاق) ضد عملية (الجيش الوطني)»، مطالبين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بإنهاء مدة ولاية بعثته في ليبيا.
وحمّل سلامة في إفادته أمام جلسة لمجلس الأمن، مساء أول من أمس، «دولة داعمة لخليفة حفتر، قائد (الجيش الوطني)، المسؤولية على الأرجح عن هجوم الأكاديمية العسكرية في العاصمة طرابلس»، دون أن يأتي على ذكرها.
وقال سلامة للصحافيين في نيويورك إن «عشرات الطلاب يُقتلون في أكاديمية عسكرية عزلاً... عزلاً تماماً، في هجوم بطائرة مسيّرة نفّذته على الأرجح دولة تدعم (الجيش الوطني) الليبي»، وهو ما أثار عاصفة من الغضب في صفوف الموالين للجيش. ورد الدكتور محمد عامر العباني، عضو مجلس النواب، أمس، بأن المبعوث الأممي «يتحرك داخل إطار اتفاق الصخيرات الموقّع في المغرب نهاية عام 2015 والمفروض علينا عنوة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2259».
وطالت انتقادات واسعة وجهها نواب ورواد مواقع التواصل الاجتماعي في ليبيا، المبعوث الأممي، ورأوا أنه «يعمل ضد تحركات (القوات المسلحة العربية) في حملتها لـ(تطهير) البلاد من (الجماعات الإرهابية)». وقال مصدر مقرب من البعثة الأممية إن «جميع الأطراف السياسية في ليبيا دائماً ما تعترض على إفادات الدكتور غسان أمام مجلس الأمن».
وأضاف المصدر أن «البعثة تسعى للتوافق بين جميع الأطراف الفاعلة في البلاد، دون الانحياز لطرف على حساب الآخر».
وقال العباني، الذي ينتمي إلى مدينة ترهونة (غرب) لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن مجلس النواب المنتخب من كل الليبيين قرر إلغاء تصديقه على اتفاق الصخيرات، الذي وصفه بـ«الفاسد» خلال جلسته المنعقدة في الرابع من يناير (كانون الثاني) الجاري، مشيراً إلى أن البرلمان خاطب مجلس الأمن لإلغاء ولاية سلامة، الذي قال إنه «يفكر داخل الصندوق، ولم يزد الأزمة الليبية إلا تأزماً».
ومع كل إفادة يقدمها سلامة أمام مجلس الأمن الدولي، يواجَه بلوم شديد، سواء من شرق أو غرب ليبيا، كلٌّ حسب قراءته لموقف بعثته. وقد تعرض الأخير لحملة انتقادات قاسية قادها من تركيا الصادق الغرياني، مفتي ليبيا المعزول، في التاسع من أغسطس (آب) الماضي، عندما طالب المواطنين «بالخروج في مظاهرات عارمة عليه، ودعاهم لطرده من البلاد».
بدوره، رأى الصالحين النيهوم، المسؤول بوزارة الخارجية بالحكومة المؤقتة، أن المبعوث الأممي «ليس حيادياً في مواقفه»، وأنه برهن على ذلك بأن بعثته لم يصدر عنها ما يفيد بإدانة بدء (الغزو التركي)، أو إرسال أنقرة قوات إلى البلاد، وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أمس: «سلامة لم يكن جاداً في الحلول السياسية التي طرحها في السابق، وهو يعلم من الذي كان لا يلتزم بتعهداته في سائر الاتفاقيات السابقة، ابتداءً من باريس (1 و2)، وباليرمو، وآخرها تفاهمات أبوظبي».
ونوّه المبعوث الأممي في إفادته إلى أن «ليبيا فيها ما يكفي من الأسلحة، وهي ليست بحاجة لمزيد منها، وثمة عدد كاف من المرتزقة في ليبيا، لذلك كفّوا عن إرسال المرتزقة، مثلما يحدث الآن مع وصول المئات وربما الآلاف إلى البلاد».
ورفض النيهوم، الذي يشغل منصب سكرتير ثالث بوزارة الخارجية، تحميل (الجيش الوطني) وزر قصف الأكاديمية العسكرية في طرابلس، وقال إن «القيادة العامة نفت مسؤوليتها عن هذا العمل، وعبّرت عن ذلك على لسان الناطق الرسمي باسمها اللواء أحمد المسماري».

شارك