لماذا يريد الدكتاتور العثماني التدخل في ليبيا؟
الخميس 09/يناير/2020 - 01:27 م
طباعة
حسام الحداد
منذ وقت بعيد ويحاول الدكتاتور العثماني الوصول إلى موضع قدم في القارة السمراء، لأسباب اقتصادية واستراتيجية ربما تكون لمداراة خيباته وفشله في الداخل، أو لاستعادة الخلافة المفقودة، فهوس وجنون إردوغان، واللعب بالنار؛ كل ذلك تبرره مزاعمه أن شمال إفريقيا كان إرث أجداده العثمانيين، وهذا ما أكدته التصريحات الاستفزازية لرجب طيب إردوغان، الذي قال إن «تركيبة ليبيا السكانية تحوي مليون نسمة من أصول تركية»، وهذه كذبة أخرى تضاف لأكاذيب إردوغان وتلاعبه بالديموغرافيا ومحاولة تمزيق النسيج الاجتماعي الليبي وحشر نفسه بوجود من هم من أصول تركية، رغم أن آخر إحصاء أعدته السلطات الإيطالية يشير إلى أن بقايا الأتراك في ليبيا لا يتجاوزون 35 ألفاً.
وقام السلطان الحالم التركي يدفع بالمرتزقة السوريين إلى أتون الحرب في ليبيا لدعم حلفائه ميليشيات الإخوان القوى الحقيقية لحكومة الوفاق غير الدستورية ومنع سقوطهم الوشيك، بدعمهم بمقاتلين سوريين، تم جلبهم من مدينة غازي عنتاب التركية من فيلق الشام وفصيل «السلطان مراد»، وهو من المقاتلين السوريين الموالين لسلطان العثمانيين الجدد إردوغان.
فلا شك أن تدخل إردوغان في ليبيا يعد مغامرة ومقامرة، واستخدام الدولة التركية، وتعريض جنودها للخطر والموت في ليبيا من أجل نصرة تنظيم «الإخوان»، فليبيا ليست في حالة حرب مع تركيا، ولا هي في حالة نزاع حدودي، ولا هي تشكل خطراً على الأمن القومي التركي، إذن لماذا الزجّ بالدولة التركية في حرب خاسرة بليبيا من أجل تنظيم مفلس؟!
وهمُ إردوغان بعودة العثمانية، عبر مشروع إردوغان الوهمي لابتلاع المتوسط، الذي أطلق عليه «الوطن الأزرق»، يُعتبر أكبر عملية تزوير وتلاعب بالجغرافيا عرفها التاريخ، وهي المحرك الرئيسي لأفعال إردوغان ومطامعه الحمقاء، التي وجدت في أتباع البنا وقطب، مطية مناسبة له لتحقيق حلمه بالخلافة المزعومة.
مغامرة إردوغان في ليبيا تستمر في ظل صمت دولي مريب، رغم التحذير الخجول لترمب، كما أعلن البيت الأبيض، بأن «الرئيس الأميركي دونالد ترمب حذر الرئيس التركي إردوغان من التدخل العسكري في ليبيا، وأن التدخل الأجنبي في ليبيا سيؤزّم الأوضاع»، بينما نائب رئيس لجنة الدوما الروسي للشؤون الخارجية، ديمتري نوفيكوف، قال إن «التدخل العسكري التركي في ليبيا سيزيد من تأزم الأوضاع، وسينعكس سلباً على الشعب الليبي».
الأميركان والإنجليز عرّابو تنظيم الإخوان في حالة صمت عجيب أمام عبث إردوغان والتهديد بإرسال قوات إلى طرابلس، وكأنهما في حلف إردوغان، ولو بالصمت والإشارة، لفرض تسوية بمقاس أميركي إنجليزي. إردوغان سيحارب في ليبيا بالمرتزقة الأجانب، بقيادة حامية تركية سيرسلها إلى طرابلس؛ بوصول عدد كبير من المقاتلين السوريين إلى ليبيا، عن طريق رحلات جوية غير مسجّلة، وقد هبطت 4 طائرات تحمل مقاتلين سوريين وأجانب موالين لتركيا في مطار معيتيقة، وفق مصادر متعددة، ومنها إذاعة «إر إف إي» الفرنسية.
فلا شك إن ليبيا ذات أهمية اقتصادية بالنسبة لكل من المشروع الإخواني التركي، وفي الوقت نفسه ذات ظروف مثالية لإغرائهم بالسيطرة عليها، إذ يمثل ضعف المؤسسات الحكومية وكثرة مواردها فرصة لتمويل مشاريعهم.
وأن أهمية ليبيا لتركيا يعود إلى دعم الأخيرة لتنظيم الإخوان الذي يضع ليبيا على رأس أولوياته.
وتدرك تركيا أن هذا التنظيم يتساقط في الإقليم، ولكنها مصرة على إعادة إحيائه، ومن أجل ذلك تقوم أنقرة بتوفير السلاح والطائرات بدون طيار، ثم أعلنت مؤخرًا استعدادها لمد الجبهة الغربية في ليبيا (الميليشيات) بالجنود.
وهناك تاريخ طويل للدور التركي في تعقيد الأوضاع في ليبيا بسبب أطماع استعادة الخلافة العثمانية وحسابات الاقتصاد الآنية، حيث قدمت تركيا الحماية للقيادي السابق في الجماعة الليبية المقاتلة عبد الحكيم بلحاج ، الملاحق من القضاء الليبي وأحد أبرز الشخصيات المطلوب اعتقالها، بعد ثبوت تورطه بعدة هجمات على منشآت عمومية ليبية وارتكابه لجرائم زعزعت استقرار ليبيا.
كما تقيم في تركيا قيادات من مجلس شورى بنغازي المصنّف "تنظيما إرهابيا"، أبرزها طارق بلعم وأحمد المجبري، اللذان منعت السلطات البريطانية، في نوفمبر 2017 دخولهما إلى أراضيها بتهمة التطرف، وقامت بترحيلهما إلى تركيا، التي منحتهما إقامة دائمة.
إلى ذلك، يوجد على الأراضي التركية عدد من قيادات جماعة الإخوان الذين يتمتعون بحماية النظام التركي، من بينهم عضو المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته "محمد مرغم"، الذي سبق أن طالب بضرورة تدخل تركيا عسكريا في ليبيا ضد الجيش الليبي، في تصريح جرّ عليه انتقادات كثيرة واتهامات بـ"الخيانة العظمى".
التدخل التركي في ليبيا تنوع بين التمويل والاحتضان والإيواء والحماية للجماعات الإرهابية، ومنها جماعة الإخوان خاصة، والسبب هو نزعة الهيمنة والنفوذ التركي التي تنطلق من التطلع لاستعادة الإمبراطورية العثمانية الثانية، التي تقاطعت مع مشروع الخلافة الإخواني، ما جعلهما حليفين، يستخدم أحدهما الآخر.
لكن الرهان التركي على الإخوان في ليبيا ليس مردّه فقط التطلع نحو استعادة الريادة الإخوانية بل أن المعطى الاقتصادي مثّل عاملا مهما في هذا الخيار. حيث بدأت تركيا بالتغلغل في النشاطات الاقتصادية لعدد من المؤسسات الليبية في وقت توقفت مشاريع بمليارات الدولارات منذ عام 2011.
وبات التحرك التركي تجاه الاقتصاد باللون السياسي في ليبيا واضحا بعد زيارة سفيرها سرحت اكسن في مارس 2019، لعدد من المؤسسات المالية والاقتصادية في الفترة القصيرة الماضية من بينها لقاؤه برئيس وأعضاء الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة واجتمع سرحت حينها مع محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير لبحث التعاون الاقتصادي وسط غياب ممثلين اقتصاديين من دولة تركيا خلال هذه الاجتماعات.
وفي نفس الوقت أعلنت جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين في تركيا واسمها "موصياد" عن افتتاح مكتب لها في ليبيا دون إيضاح خطتها الاقتصادية،، وجاء هذا وسط تراجع الليرة أمام العملات الأجنبية من بينها الدينار الأمر الذي يفتح تساؤلات كبيرة من بينها هل تحققت المؤسسات الليبية من مصادر التمويل وتطبيق كافة المعايير التجارية الخاصة بفتح هذه النوعية من المكاتب.
يرى مراقبون أن التمدد التركي في القرن الافريقي صار علامة فارقة تتزامن مع التشبث بالملف الليبي ومحاولة إيجاد منفذ او موطئ قدم وذلك من خلال القناة الاخوانية وتسويق مشروع الإسلام السياسي.
بهذا المعنى لا يمكن قراءة الدّور التركي في ليبيا، خارج استثمارها المالي في الخراب الليبي، إمّا في اتجاه بحثها عن الأسواق وإعادة الإعمار ودخول أفريقيا، أو باستقطابها للرساميل الإخوانية والجهاديّة وتدوير المال الليبي المهرّب في اقتصادها المحلّي.