ضربة موجعة جديدة لـ"النهضة"... البرلمان التونسي يرفض منح الثقة لحكومة الإخوان

السبت 11/يناير/2020 - 12:31 م
طباعة ضربة موجعة جديدة
 
ضربة قوية لحزب النهضة – ذراع الإخوان في تونس- الذي فشل في التوصل لتحالفات لتشكيل حكومة ائتلافية بعد أن كان طرفا رئيسيا وحاسما في كل المحطات السياسية منذ ثورة 2011.
فبعد أن أعرب رئيس الحكومة التونسية المكلف الحبيب الجملي، أمس الجمعة 10 يناير، أمام البرلمان عن أمله في نيل الثقة على تشكيلته المقترحة، خيّب البرلمان ظنه ورفض منحه الثقة، حيث صوت131 نائبا ضد حكومة الجملي، فيما منح 71 آخرون الثقة للحكومة، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء التونسية، وكانت حكومة الجملي بحاجة للحصول على ثقة 109 نواب (الأغلبية المطلقة) كي تتمكن من المرور وممارسة عملها.
ومن المفترض بعد هذا الفشل في منح الثقة أن تعود الكرة إلى ملعب الرئيس التونسي، قيس سعيد الذي سيسعى إلى "تكليف شخصية أخرى لتشكيل حكومة جديدة في أجل أقصاه شهر، بعد القيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية"، وفق الفصل 89 من الدستور التونسي.
يذكر أن الجملي أعلن، الخميس الماضي، عن حكومة كفاءات مستقلّة ضمت 28 وزيرا و14 كاتب دولة، بعد مخاض عسير من المشاورات، لكنه واجه انتقادات كبيرة بشأن استقلالية أعضائها وكفاءتهم وشكوك بشأن قدرتهم في تجاوز التحديات التي تواجه البلاد، في وقت كشفت فيه هيئة مكافحة الفساد عن وجود أسماء داخل التشكيلة الحكومية المقترحة ترتبط بها شبهات فساد.
وبحسب تقارير إعلامية فإن خسارة حركة النهضة هذه ليست الأولى، حيث أسقط البرلمان قبل شهر، مقترحها باستحداث صندوق للزكاة والتبرعات، يتكفّل بتحسين أحوال المعوزين والطلبة والشباب العاطل من العمل، بعد رفضه من قبل 93 نائباً وحصوله على دعم 71 نائباً، في مؤشر يدلّ على أن النهضة لا تمتلك حزاماً سياسياً من خارجها، يمكن أن تستند عليه لتمرير مشاريعها وقوانينها خلال الأشهر والسنوات القادمة، بعدما انتفضت أغلب الكتل البرلمانية الوازنة من حولها.
ويؤكد المتابعون للساحة السياسية والبرلمانية، أن الحركة تلقت ضربة موجعة وقويّة، بعد إسقاط الحكومة التي كانت تعوّل عليها كثيراً لإعادة السيطرة على مفاصل الدولة من جديد، والهيمنة على الرئاسات الثلاثة، بعد حصولها على رئاسة البرلمان.
وفي هذا السياق، اعتبر النائب في البرلمان عن حزب "حركة الشعب" بدرالدين القمودي، في تصريح له أن فشل الحبيب الجملي في تمرير حكومته أمام البرلمان، هو فشل لحركة النهضة التي كلّفته بهذه المهمّة، بعد عجزها عن عقد تحالفات مع الأحزاب السياسية لضمان حزام سياسي قويّ للحكومة، وتفضيلها لمصلحتها الخاصّة على مصلحة الدولة.
وقال القمودي "إن الذين يعتقدون أنهم فازوا في الانتخابات تحكمهم براغماتية حزبية ضيقة ورغبة في التمكين واحتكار الدولة لخدمة الجماعة وهم في الحقيقة لم يفوزوا على أحد، بل أضاعوا على الوطن فرصة خلق توافق سياسي واسع يؤمن نجاح الحكومة، فضلوا مصلحتهم الحزبية دونما شفقة على الدولة التي تنهار نتيجة سياستهم العبثية".
وعلى غرار القمودي، رأى الكاتب الصحافي والمحلل السياسي وليد الفرشيشي، أنّ سقوط حكومة الجملي هو كذلك سقوط لزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، مضيفاً أنّه يحقّ للتونسيين أن يحتفلوا بهزيمة الإخوان وسقوط كل مخطّطاتهم.
من جهتها، اعتبرت الباحثة الجامعية والحقوقية رجاء بن سلامة، أن ما حدث يوم الجمعة تحت قبة البرلمان، منعرج هام تعيشه تونس، بعدما فشلت حركة النهضة في تكوين وتمرير حكومة وانفضح حجمها الحقيقي.
كما عدّدت في تفسيرات نشرتها على حسابها على فيسبوك أسبابا كثيرة وراء عجز النهضة في الحصول على دعم أغلب الكتل البرلمانية داخل البرلمان، موضحة أنّها "انهزمت بعد أن سلكت الطّريق الخطأ، طريق الغرور والنّهم، والحال أنّ عدد نوابها في البرلمان لا يتجاوز 20%، وطريق بسط الهيمنة على الدّولة، بتكليف شخص قليل الخبرة، كثير الارتباك، وتأليف حكومة ادّعت أنّها حكومة كفاءات مستقلّة، والحال أنّها حكومة تستفزّ التونسيّين بعدد من الأسماء التي تثير الخوف أو الغضب، إمّا لارتباطها بالنّظام القديم أو بالفساد أو حتّى بالتطرّف".
وتابعت الكاتبة أنّه من أسباب هذه الهزيمة كذلك، "عدم التّناسب بين الطّموح الشّديد للنهضويين وإمكانياتهم المتواضعة كمّا وكيفا، وأيضا التّقارب بين كتلتي حزبي "قلب تونس" و"تحيا تونس"، الذين غلّب زعيماها مصلحة البلاد على صراعاتهما السّابقة، مشيرة إلى أنّ "الإسلاميّين أقلّية في تونس، لكنّها أقليّة منظّمة نسبيّا، ولا تستمدّ قوّتها إلاّ من عدم تنظّم العلمانيّين، من يساريّين وليبراليّين ووسطيّين".
وقال النائب في البرلمان التونسي المستقل الصافي سعيد إن حكومة الحبيب الجملي المتكونة من 41 وزيرا لا تتمتع بالكفاءة الكافية لإنقاذ البلاد التونسية من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف، في تصريحات لـه، أن الحكومة التي بقيت قرابة 60 يوما في مرحلة مشاورات ولدت "ميتة"، منتقدا انضمام بعض الوزراء المتحصلين على جنسيات غير تونسية داخلها، مؤكدا أنه كان من الضروري إنشاء حكومة قوية تواجه المخاطر الإقليمية التي تواجهها تونس.
وانتقد الصافي سعيد ما أسماه "التدخل التركي السافر" في ليبيا، مؤكدا أن ضرورة الذهاب إلى تكوين حكومة تونسية جديدة تحمل رؤية استراتيجية لمجابهة تطورات الوضع الأمني في ليبيا ومكافحة الإرهاب.
من جانبها، أكدت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في تصريحات لها أنه لا يمكن إنقاذ تونس بوزراء تابعين لحركة النهضة، التي أغرقت حكوماته منذ سنة 2011 تونس في المديونية والعجز التجاري.
واعتبرت أن بعض الوزراء المقترحين في حكومة الجملي مثل وزير النقل جمال قمرة ووزير التجارة البشير الزعفوري ووزير الرياضة طارق ذياب كانوا ضمن حكومة 2013، وهي السنة التي شهدت اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد والقيادي القومي محمد البراهمي. وبينت بأنه لا يمكن إنقاذ تونس بنفس عناصر "الفشل" الإخواني المتواطئ مع الإرهاب.
وفي السياق نفسه، أكد الأمين العام لحركة الشعب القومية زهير المغزاوي أن حركة النهضة حاولت اختراق الكتل النيابية، وخلق أزمات داخل الأحزاب المعارضة عبر وسائل "لا أخلاقية"، حسب تعبيره.
وبين في تصريحات لـه أن مقاربة حركة النهضة للحكم هي مقاربة لا تضع مصلحة الوطن كأولوية، وهي جزء من مشاريع غريبة على المجتمع السياسي التونسي.

شارك