الجزائر ومحاولات تحقيق السلام في ليبيا

الأحد 23/فبراير/2020 - 01:42 م
طباعة الجزائر ومحاولات حسام الحداد
 
تقوم الجزائر خلال الأيام القليلة الماضية بتحركات جادة وسريعة من أجل تهدئة الأوضاع في ليبيا، ومنع تطوّرها إلى صدام مسلّح، ففي الوقت الذي زار فيه وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم بنغازي ثم طرابلس، قام الرئيس عبد المجيد تبون بتقديم عرض إلى الأمم المتحدة من أجل لعب "دور الوسيط".
وكشف تبون عن قدرة الجزائر على تحقيق السلام في ليبيا على نحو سريع، "إذا حصلنا على تفويض من مجلس الأمن الدولي".
وتابع، "الجزائر وسيط أمين، وذو مصداقية، ويحظى بقبول من كل القبائل الليبية"، مبرزاً أن "الجزائر مستعدة للتوسط في أي محادثات تهدف إلى وقف إطلاق النار بليبيا".
وقال تبون، "من حظ ليبيا اليوم هو أن قبائلها الكبيرة لم تحمل السلاح، وعبّرت جميعها عن استعدادها للمجيء إلى الجزائر لصياغة مستقبل مشترك"، مضيفاً "نحن الوحيدون الذين نقدّم حلولاً جدية غير مرتبطة بمقابل، لكن لا يريدون أن نقوم بذلك، على الرغم من أن ليس للجزائر هدف للهيمنة، ولا نستهدف ثروات هذا البلد الشقيق الذي فتح أبوابه لنا خلال حربنا من أجل التحرير".
وأضاف، "يجب التعهد عدم بيع الأسلحة، والتوقف عن جلب المرتزقة"، في إشارة ضمنية إلى تركيا، وقال "الجزائر تزوّد الليبيين بالغذاء والدواء، لا الأسلحة لقتل بعضهم بعضاً"، محذراً دول أوروبا والبحر المتوسط من "صومال جديد"، ومشدداً على أهمية وقف قتل الليبيين بأسلحة متطورة تأتي من الخارج، كما "تشهد ليبيا اليوم صراعاً أيديولوجياً وتوسعياً من أجل المصالح".
وحسب ما جاء في تقارير صحفية ردا على هذه المبادرة من تبون فقد قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة عنابة شرقي الجزائر، بوعلام حرز الله، إن "تصريحات تبون وتأكيداته تشير إلى وجود خطة جزائرية لحل الأزمة الليبية"، مبرزاً أن "الاعتماد على القبائل التي تُعد العمود الفقري للكيان الليبي هو كلمة السر في خطة الجزائر".
وتابع بوعلام، "لهذه القبائل امتدادات في عمق الجزائر سواء عبر المصاهرة أو الترابط العائلي أو شبكات التجارة، وعليه فإن طرق أبواب القبائل من شأنه تعبيد الطريق أمام إنهاء الأزمة بين الأخوة الفرقاء".
واستكمل، "القبائل الليبية لم تحمل السلاح ضد بعضها، وهي مستعدة للمساهمة في إيجاد حل للأزمة، وهو ما أكدته الجزائر، وأيضاً طرفَا النزاع"، إذ "تملك القبائل تأثيراً كبيراً في قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، وأيضاً رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، وبإمكانها تحييدهما عن المشهد في حال حملت السلاح"، موضحاً "العلاقات التي تربط الجزائر مع اللاعبين الأجانب على الساحة الليبية تساعدها على تلطيف الأجواء أو على الأقل تمديد فترة الهدنة، إلا أن تأثير الجزائر في الدول الفاعلة بالملف الليبي ليس بالشكل المطلوب، على الرغم من أن علاقاتها مع روسيا والإمارات ومصر تُصنّف في أعلى مستوياتها، مقارنةً بقطر وتركيا".
فيما أشار الرئيس الجزائري إلى أنه "من الصعب اليوم وقف الحرب بالوكالة، لأن ثمة خلفيات صعبة، نظراً إلى أن المشكل ليس بين الليبيين، بل يكمن في الوجود الأجنبي بليبيا".
وأضاف، "نملك اليوم فرصة ثمينة بعدما وافقت كل القبائل القوية في ليبيا، التي أبدت استعدادها للمجيء إلى الجزائر على مساهمتها في حل الأزمة. نريد أن نستنسخ تجربة الجزائر في حل أزمة مالي، مع الشقيقة ليبيا من خلال استحداث مجلس انتقالي بليبيا ومؤسسات مؤقتة تؤدي إلى انتخابات تشريعية حقيقية تُنصَّب من خلالها حكومة يعينها البرلمان".
وذكر مسؤول الإعلام الحربي التابع لـ"الجيش الوطني"، اللواء خالد المحجوب لـ"اندبندنت عربية"، أن "هناك معركة سياسية، وأخرى عسكرية، والكل متكامل، فالعسكرية الغرض منها تفكيك الميليشيات الإرهابية من أجل أمن واستقرار ليبيا، وعليه فإن المعركة السياسية تسير على هذا النسق"، مضيفاً "جلسات حوار بين مختلف الأطراف الليبية بما فيها القبائل والعشائر تبقى أموراً مطروحة من أجل إيجاد حل للأزمة، إلا أن مشكلة ليبيا واضحة، وهي أمنية بوجود ميليشيات تسيطر على العاصمة طرابلس، وتنهب أموال الدولة، وتعرقل عمل المؤسسات، وتفرض أوامرها بقوة السلاح".
تبادل الاتهامات
الوضع في ليبيا خلف معارك تبدو صغيرة ولكنها تساهم بشكل كبير في تأزم الوضع الليبي ومن بين هذه المعارك التصريحات العدائية بين كل من موسكو واسطنبول فلم يصمت حفتر على التدخلات التركية والتصريحات المستفزة للرئيس رجب طيب أردوغان، وأعلن من موسكو، أنه "في حال لم تتوصل مفاوضات جنيف إلى إرساء السلام والأمن في البلاد، ولم يعد المرتزقة من حيث أتوا، عندها سيقوم الجيش الوطني الليبي بواجبه الدستوري للدفاع عن البلاد من الغزاة الأتراك العثمانيين"، مضيفاً أن "مفاوضات جنيف لن تفضي إلى نتيجة إلا إذا انسحب المرتزقة الأتراك والسوريون، وتوقفت تركيا عن تسليم أسلحة إلى طرابلس، وصُفّيت الجماعات الإرهابية".
في المقابل، يحرص السراج على زيارة تركيا دائماً قبل سير أي مفاوضات، وأجرى محادثات مع أردوغان في إسطنبول، قالت الرئاسة التركية إنها "لم تكن مُدرجة ضمن جدول لقاءات الرئيس التركي الرسمية".
بداية التدخل الجزائري
وكانت البداية للتدخل الجزائري لحل الأزمة الليبية ومحاولة الوصول لاتفاق سلام بين الفصائل الليبية المتناحرة زيارة وزير خارجية الجزائر صبري بوقادوم، بنغازي وطرابلس قبل تنقّل حفتر والسراج إلى موسكو وإسطنبول على التوالي، حيث التقى مسؤولين وأعيان قبائل في شرقي ليبيا على رأسهم حفتر، الذي "ثمّن دور الجزائر الإيجابي الساعي لإيجاد حل للأزمة، وأثنى على موقفها الثابت من القضية الليبية".
كما صرّح وزير الخارجية في حكومة طبرق (شرق) عبد الهادي الحويج "نرحب بالدور الجزائري، فهي دولة محورية". وأعلن وزير خارجية الجزائر خلال لقائه أعيان ومشايخ القبائل الليبية، مبادرة الرئيس تبون الساعية إلى إنهاء الأزمة الليبية من خلال الجلوس على طاولة الحوار.
كما حلّ بوقادوم في طرابلس، حيث التقى مسؤولين في حكومة الوفاق الليبية، يتقدّمهم السراج الذي أكد أن "الحديث عن السلام لا جدوى منه من دون وقف الأعمال العدائية، وإعادة النازحين، وضمان سلامة العاصمة".
وحول ردود الفعل الليبية على الزيارة أكد النائب الليبي علي أحمد التكالي أن "دور الجزائر كبيرٌ في دعم إحلال السلام بليبيا عن طريق الحوار، ورفض استخدام السلاح والتدخل الأجنبي".
وقال، "لا نظن أن الجزائر ستسمح بالعبث بأمنها واستقرارها من خلال زعزعة الوضع على حدودها من جهة ليبيا".
وكشف التكالي أن "الدول الداعمة اللواء خليفة حفتر لها يد بالوصول إلى وقف النار والدخول المرتقب في الحوار، كما هو الشأن بالنسبة إلى السراج، على الرغم من أن الأخير مقتنع أساساً بالحل السلمي".

شارك