شعارات العثمانية ... دول البلقان بوابة أردوغان للتغلغل في أوروبا
منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم
في تركيا، وإعاد مشروع إحياة الدولة العثمانية بشعارات "الخلافة الإسلامية"
ووفقا لنظرية "العثمانية الجديدة"، يستثمر ويتاجر نظام الرئيس التركي رجب أردوغان في قضايا الأقليات المسلمة في الدول الأجنبية
من أجل استخدام قضايا الأقليات المسلمة كورقة سياسة للمساومة والحصول على مكتسبات سياسية.
ومنذ حوالي عقدين، تحاول تركيا استعادة
ما يمكن تسميته "بالروابط العثمانية بين المسلمين" في البلقان، من خلال سياسة
حزب العدالة والتنمية القابع في السلطة بتركيا منذ عام 2002، وفقاً للمحلل والكاتب
المختص بالشؤون التركية محمد الأرناؤوط في دراسته المنشورة بموقع "daraj" في 5 فبراير 2018،
حيث يذكر أنّ "هذه السياسة مستمدة من فكرة الروابط العثمانية التي كانت ترى ضرورة
رؤية المسلمين في البلقان لاسطنبول كبوصلة، وكبقايا قوميات موالية لها، غير أن أردوغان
اليوم؛ يحاول إحياء هذه الروابط من أجل خلق مجالٍ حيوي لتركيا في البلقان".
تركيا استثمرت البعد الإسلامي والأثر العثماني
السابق في عديد من دول البلقان، حيث حذّرت الصحافة الروسية من أنّ الرئيس التركي رجب
طيّب أردوغان لا يرضيه أن يكون مجرد زعيم لقوة إقليمية، فهو يسعى إلى توسيع نفوذ جمهورية
تركيا ليشمل جميع الشعوب الناطقة بالتركية والمجتمعات السنية المسلمة، والأراضي التي
كانت تشملها الإمبراطورية العثمانية السابقة.
وتعمل تركيا على ربط دول غرب البلقان بسياستها
الخارجية، حيث عقد قبل عدّة سنوات، عقد في أنقرة مؤتمر ضمّ صربيا والبوسنة والهرسك،
وتمّ التوصّل إلى اتفاق لرفع مستوى التعاون الثلاثي، بعد انتهاء أعمال القمّة. واستمرّت
اللقاءات ما بين قادة هذه الدول في عواصمها المختلفة.
البوسنة والهرسك في مقدمة قائمة الدول المعنية،
وعُنيت أنقرة بتحرير التجارة معها وكذا ألبانيا وجمهورية الجبل الأسود ومقدونيا وصربيا،
وأوْلت اهتمامًا بالبوسنة، وتُعتبر تركيا العاشرة ما بين شركاء البوسنة والمستثمرين
الأجانب في البلاد، حيث بلغت قيمة الاستثمارات التركية قرابة 131 مليون دولار خلال
العام 2014، وتشارك شركات تركية مالية في قطاع البنوك في البوسنة وفي مجال إنتاج الزجاج
والطيران.
كما تعتبر تركيا من أهمّ الشركاء في كوسوفو
أيضًا، وتمتلك شركات تركية شركة توزيع الطاقة الكهربائية في البوسنة ومطارها الوحيد،
وتشارك في قطاع البنوك، وفي العديد من مشاريع الخصخصة المختلفة، ونفّذت مشروع الطريق
السريع بين كوسوفو وألبانيا.
وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة الجارديان
البريطانية تقريراً مطولاً من كوسوفو، تحدثت فيه عن البلد الصغير الشاب، حسب وصفها،
والذي معظم سكانه مسلمون، حيث تقوم تركيا هناك "بترسيخ نفوذها وعجرفتها بحسب وصف
بعض السكان من خلال بناء مساجد كبرى تهدف لتكريس الصورة العثمانية والرابط بين تركيا
وكوسوفو كبلد تابع للأتراك أكثر منها صورةً إسلامية للمساجد في بلد 19 من كل 20 من
بين سكانه مسلمون أصلاً".
ويتناول التحقيق الموسع آراء متضاربة بين
سياسيين كوسوفيين يأملون أن يحظوا بدعم تركيا حتى يتمكنوا من تطوير مناصبهم، وبين سكانٍ
ومسؤولين آخرين يرون في الوجود التركي المبني على أسس الثقافة والعلاقة القديمة كجزء
من الدولة العثمانية، في غير مصلحة كوسوفو، وهو يهدف فقط لأن يري الرئيس أردوغان قوته
للأوربيين الغربيين بسيطرته السياسية على مناطق من أوروبا الشرقية، بعد أن فقدت تركيا
الأمل منذ أعوام بالانضمام للاتحاد الأوروبي.
وفي تقريرٍ آخر، نشرته صحيفة "العرب"
منتصف عام 2018، تتم الإشارة إلى سياسات أردوغان وتركيا تجاه الألبان المسلمين في مقدونيا،
كمثالٍ آخر على أسلوب تركيا في توطيد مصالحها وبناء قواعد اجتماعية تخدمها دون الاهتمام
بالمصالح العامة للدول، إذ يكشف التقرير أنه على مدار أكثر من عقد "استثمر أردوغان
بكثافة في نشر نفوذه بين الألبان المقدونيين، وذلك من خلال بناء المساجد والمدارس التركية
وتمويل وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية والأحزاب السياسية في الآونة الأخيرة التي
يسيطر عليها مباشرة أقرباؤه".
وتحت عنوان "أهواء أردوغان الإمبراطورية"
نقلت "كوريير" للصناعات العسكرية، عن الباحث في مركز الأمن الدولي بمعهد
الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية ستانيسلاف إيفانوف، أنّ رجب أردوغان وأنصاره لا
يتخلون عن السياسة الخارجية التي ينتهجونها لاستعادة وضع تركيا في البلدان التي كانت
جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، إذ يولي أردوغان اهتماما خاصا لاستخدام العامل الإسلامي
في سياسته التوسعية. فلقد أدرك تماما الميل العام إلى زيادة دور الإسلام وأهميته في
العالم وعملية أسلمة الكوكب الملحوظة.
وخلال سنوات حكمه، تحوّلت تركيا من جمهورية
علمانية كمالية إلى قوة إقليمية إسلامية. يدعي أردوغان بجدية أنه زعيم الحركة الإسلامية
السنية المحمدية ويحاول استخدام هذا العامل في السياسة الداخلية والخارجية.
كذلك، حذّر الباحث الاستراتيجي الروسي،
من أنّ أردوغان، ورغم ما يتطلبه التدخل في سوريا وليبيا من موارد مالية ومادية كبيرة،
إلا أنّه يواصل توسعه النشط في البلقان وما وراء القوقاز وآسيا الوسطى. ففي هذه المناطق،
يلجأ أكثر إلى "القوة الناعمة": تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية والنقل
والطاقة والعلاقات العرقية والطائفية والثقافية وغيرها. في البلقان، وفي أساس التغلغل
التركي تقع بلغاريا وكرواتيا وكوسوفو وجميع الروافد الأخرى للإمبراطورية العثمانية
السابقة مع جالياتها المسلمة؛ أما في جنوب القوقاز، فأذربيجان وجورجيا؛ وتركمانستان
في آسيا الوسطى.