استقالة الشيخ « مالك جديدة »... هل بداية نهاية ذراع قطر الديني في لبنان؟

الإثنين 01/ديسمبر/2014 - 12:51 م
طباعة استقالة الشيخ « مالك
 
في مايو ٢٠١٢ تأسست «هيئة علماء المسلمين» ولعبت دورا رئيسا في كثير من الأحداث التي شهدها لبنان، إلا أن استقالة الشيخ «مالك جديدة» من الهيئة ترك العديد من الأسئلة حول استمرار الهيئة وسط اتهامات بسيطرة جماعة الإخوان والسلفيين في لبنان على مقاليد الأمور بها.

استقالة «مالك جديدة»

استقالة «مالك جديدة»
كانت الأمور تسير بشكل جيد وتلعب هيئة العلماء المسلمين في لبنان، أدواراً متعددة على الصعيد الداخلي والسوري، فكانت في موقع المفاوض أحياناً، وقطع علماؤها الطرقات أحياناً أخرى للضغط، إلا أن إعلان رئيس الهيئة الشيخ مالك جديدة، استقالته من الهيئة والإعداد لإنشاء هيئة جديدة بسبب محاولات السلفيين والجماعة الإسلامية اللبنانية (الإخوان المسلمين) السيطرة عليها لصالح أهدافهم ومصالحهم ومحاربة خصومهم.
وقال جديدة- في بيان له، بعنوان "لهذا استقلت مما يسمى بهيئة العلماء"- "لقد كان هناك توجه عند بعض العلماء لتأسيس لقاء ما يجتمع فيه العلماء وخصوصا مع غياب الدور للمرجعية الدينية (دار الفتوى) وانشغالها في دوامة الخلاف مع المرجعيات السياسية وغيرها، وكان الاتفاق على إنشاء هذه الهيئة أن تكون مستقلة تعمل على القاسم المشترك، إلا أن الحقيقة التي لا تخفى على من عاش في الهيئة أن محاولة السيطرة على الهيئة من الجماعات وبعض الجمعيات كان واضحا ولأهداف متعددة، فهذا يريد أن يدخل من خلالها ليكسب الشارع السني، وآخر يريدها ليحارب بها المرجعيات الدينية (دار الفتوى)، أو أن يتخذها وسيلة ليضعوا اليد على دار الفتوى تحت ذريعة دور العلماء".
ويضيف أن "البعض رأى في الهيئة غطاء ومكسبا يستغله في الخارج لجمع الأموال، كما جمعوا باسم الثورة السورية واللاجئين السوريين ولم يصل للإخوة السوريين "من الجمل أذنه" كما يقولون، وأصبح هذا يجمع حوله بعض الشباب المتحمس يشغل حماسهم ويجعل لنفسه عليهم زعامة، وذلك يستغل الهيئة والثورة السورية يجمع لنفسه ويبني مدرسة خاصة له تكاليفها مليون دولار".
وتابع أنه "تبين أن الموضوع هو محاولة لاقتسام النفوذ والمكاسب بين بعض هذه الأجنحة السلفية والجماعة الإسلامية"، متهما الجماعة الإسلامية بأنها "تراعي السلفية ولو على حساب ما يخالف فكرها وقناعاتها إما لأن الجماعة تشعر بالضعف وتراجع دورها أو هو اتفاق المصالح الذي كان في مصر وانتهى أن السلفية باعوا الإخوان"، على حد قولها.
ويقول: "لقد اكتشفنا أن هناك لوبيا في هيئة علماء المسلمين يريد من خلالها أن ينفذ دورا في الهجوم على دار الفتوى، والطعن والتشهير برجالها بالإشاعة والظن والتخمين" عندما حاول البعض أن يستبق الأمور والانتخابات أو الاتفاق على المفتي، وأصدر بيانا باسم الهيئة دون علم الهيئة وعلمت بذلك- "أصدرت بيانا بصفتي الرئيس أوضحت فيه أن الهيئة ليس من وظيفتها خرق الإجماع والاتفاق السني ولا من وظيفتها تفريق الصف".
ويختتم بيانه، قائلا بأنه إلى "أن يتم إنشاء هيئة كبار العلماء من قبل دار الفتوى تقوم بكل ذلك وأكثر عندها لا مبرر لهيئات تكون مطية للاستغلال من قبل الجماعات والأفراد".

التأسيس

التأسيس
عقب اشتعال الصراع لسوري بعد العديد من رموز التيار السني في لبنان لتأسيس «هيئة علماء المسلمين»، تم التأسيس في عام مايو ٢٠١٢، بعد سلسلة اجتماعات انطلقت منذ فبراير ٢٠١١. لم تكن الفكرة وليدة صدفة، بل أدى الشيخان حسن قاطرجي وسالم الرافعي الدور الأبرز في بلورتها. كذلك كان الشيخ المستقيل من رئاستها، مالك جديدة، أحد صنّاع هذه الهيئة، بحسب الشيخ السلفي عدنان أُمامة.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن تأسيس الهيئة جاء بتحريض وتمويل من قطريين رسميين، ثم ازيح رئيسها فضيلة الشيخ حسن قاطرجي (قطري الهوى) ليحل مكانه بعد تكبير عدد أعضاء الهيئة سالم الرافعي المعروف الولاء لسلفيي داعش والنصرة في سوريا، ولم يعرف عن الأخير مساندته لعامة السنة، إنما دفاعه الدائم عن الجهاديين المنتمين لتنظيمات مسلحة في سوريا وحديثا في لبنان.
ويؤكد عارفون بخبايا الهيئة أنها كانت عبارة عن "تنظيم ديني"، مغلق على نفسه. فقد تم حصر عضوية المنتمين إليه بالمشايخ من المذهب السني فقط. شكل هذا الأمر أحد  الشروط الأساسية للجهات الداعمة والممولة، خاصة الخليجيين منهم. وقد كشف رئيسها المستقيل الشيخ مالك جديدة، في بيان استقالته عن حجم الأموال الكبيرة التي استطاعت الهيئة جمعها،  وهو ما شكل عاملا محفزا لدى كثيرين للانضمام إلى صفوفها.
بيان استقالة الشيخ "جديدة" كشف العديد من المخالفات والصفقات والمصالح الشخصية التي كانت تمارس من قبل الأعضاء المنضوين تحت الغطاء الديني في تحقيق مكاسب مادية كبيرة، خاصة أولئك الذين وصفهم جديدة بـ"المشايخ المغالين" في دعم المجموعات المسلحة السورية أو اتخاذ صفة الناطقين الرسميين باسم اللاجئين السوريين في لبنان، وهو ما جعل منهم المتلقي الأساسي للأموال، خاصة من دول الخليج تحت أسماء جمعيات وهمية، استغلت لغايات شخصية بحتة.
ويشكل العدد الكبير للمشايخ المنضويين في الهيئة العامة لهيئة العلماء المسلمين الركيزة الأساسية والقاعدة الكبيرة، لكن الشيخ "جديدة" كشف أن معظم هؤلاء ليسوا من العلماء، وهم ممن أطلقوا على أنفسهم ألقاب العلماء والمشايخ وأئمة المساجد، واصفاً إياهم "بالعوام وأشباه العوام" إذ تبين أن الهيئة تحاول تكثير «سوادها» (وهو عدد المشايخ نسبة إلى اللحية) بأصحاب اللحى على أنهم من العلماء، حتى بات بإمكان أي شخص أن ينتسب إليها، الشهادة الشرعية باتت غير ضرورية. تكفي تزكية اثنين أو ثلاثة من مجلس الشورى، وهو ما أخضع الهيئة لقاعدة كل طائفة تزكي أبناءها، وباتت كل مجموعة تزكي من يدور في فلكها.
وتألف هيكليتها من رئيس يُنتخب دورياً، ومكتب إداري عدد أعضائه بين ١٢ و١٥ عضواً ومجلس شورى يضم ٦٠ شيخاً. إضافة إلى مكاتب إقليمية في كل محافظة. وبسبب الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها المنطقة، لم تكد تمر أشهر على ولادتها حتى تمكنت بسرعة قياسية من حجز مكانها على الساحة اللبنانية. حضور أعضائها ونشاطهم، ولا سيما الجيل الشاب من المشايخ، برز طاغياً على حساب دار الإفتاء التي كانت تمزّقها الخلافات بين المفتي السابق الشيخ محمد رشيد قباني، وتيار المستقبل.
لكن سرعان ما بهت بريق الهيئة. وخفت صوتها إلى حدٍّ بات بالكاد مسموعاً. حُمّل أعضاؤها اتهامات بالعمالة للأجهزة الأمنية واتُّهموا بالخروج من الملّة أحياناً، فبات بعضهم مهدداً بالقتل. تقرّب الصف الأول في الهيئة من ضبّاط في استخبارات وقيادة الجيش، وضعهم موضع الشبهة. انفضّ كُثرٌ من حولهم، لاتهامهم بأنهم باتوا من مشايخ السلاطين. فُقدت الثقة بين المشايخ وحملة الفكر الجهادي، فتراجع تأثيرهم إلى حدّ كبير.

أهم ملفات الهيئة

أهم ملفات الهيئة
لعبت الهيئة طوال العامين الماضيين أدواراً متعددة على الصعيد الداخلي والسوري، فكانت في موقع المفاوض أحياناً، وقطع علماؤها الطرقات، أحياناً أخرى، للضغط.
كانت فاتحة مبادرات الهيئة مع إطلاق سراح السيدات المخطوفات ضمن حملة زيارة المراقد الشيعية، التي اختطف لواء "عاصفة الشمال" السوري المعارض أعضاءها في مدينة أعزاز، شمالي سوريا، عام 2012. كما لعبت الهيئة دوراً في التفاوض مع الشيخ أحمد الأسير في محاولة لوقف المعركة بين عناصره والجيش اللبناني في بلدة عبرا في صيدا، جنوبي لبنان، عام 2013.
ومع انتقال التوتر السوري إلى الحدود الشرقية مع لبنان- تردد اسم هيئة العلماء المسلمين خلال قطع طريق بيروت- دمشق عند نقطة المصنع الحدودية بوجه «صهاريج الموت»، التي نقلت مادة المازوت من مرفأ بيروت إلى مخازن النظام السوري في العام 2013.
وقطع علماء الهيئة طرقات محافظة البقاع «تضامناً مع بلدة عرسال»، شرقي لبنان، التي قطع أهالي البلدات المحيطة بها الطريق الوحيد المؤدي إليها بعد اتهام فعاليات في قرى مجاورة للعراسلة، بالسماح للمسلحين السوريين بإطلاق صواريخ من الجرود على القرى البقاعية الموالية لحزب الله.
وفي معركة «عرسال» بين الجيش اللبناني والمسلحين الإسلاميين في أغسطس الماضي، أدّت الهيئة دور الوسيط، ونجحت في إطلاق سراح عدد من العسكريين المختطفين دون مقابل. ثم أعلنت الهيئة عن وقف مساعيها إلى حين تلقيها "تكليفاً رسمياً من الحكومة اللبنانية بالتفاوض مع الخاطفين"، وهو ما لم يتم.
وفي المعركة الأخيرة التي اندلعت الشهر الماضي في عدد من المناطق شمالي لبنان، لعبت الهيئة دور الوسيط بين المجموعات المسلحة الموالية لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» و«جبهة النصرة»، وأعلنت الهيئة عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار في مدينة طرابلس، سرعان ما نفته مصادر عسكرية.
وفي آخر بياناتها أكدت الهيئة على ثوابتها ومواقفها من جملة من القضايا وعلى رأسها:
أ- القضية الفلسطينية وما يتعرض له المسجد الأقصى من مخاطر وواجب نصرته بكل الوسائل.
ب- الثورة السورية وواجب دعمها ومناصرة الأحرار فيها.
ج- دار الفتوى وطبيعة العلاقة مع مفتي الجمهورية، وهي علاقة قائمة على التناصح والتكامل من خلال التواصل والرؤية الإصلاحية التي وضعتها الهيئة.
د- تدعو الهيئة المعنيين إلى معالجة سريعة وجادة لملف العسكريين المحتجزين ولو من خلال بعض التنازلات والتضحيات من قبل الدولة؛ حفاظا على أرواحهم وعلى السلم الأهلي في لبنان.
وأبدت الهيئة استهجانها لما أسمته "الملاحقات العشوائية" في "حق ناشطين سوريين فارين من ظلم طاغيتهم وتسليمهم أحيانا إلى السلطات السورية؛ كما تستنكر اعتقال الشباب الملتزمين المساندين للثورة السورية تحت غطاء الخطة الأمنية في الشمال والجنوب على السواء".

سيطرة الإخوان السلفيين

سيطرة الإخوان السلفيين
يرى المراقبون أن «هيئة علماء المسلمين»  تضم العديد من المشايخ أصحاب الفكر الإخواني (الجماعة الإسلامية في لبنان) والفكر السلفي والفكر الوهابي، وفي البحث الأولي عن تلك الجماعات نجد أن كل فرقة تكفر الفرقة الأخرى، وهو ما شكل دافعا لدى العديد من المشايخ إلى محاولة السيطرة الفكرية والعددية على الهيئة، ودفع العشرات من مؤيدي كل فكر إلى الالتحاق بالهيئة، عبر إغرائهم بدفع الأموال أو الوعود بمنصب أو وظيفة داخل الهيئة.
وهيئة العلماء المسلمين كانت تسعى لتوحيد الخط الديني للطائفة السنية، حيث أشار أحد أعضائها من المشايخ، إلى أن ما ظهر وسيظهر قريباً يؤكد أن هذه الهيئة كانت محاولة لاقتسام النفوذ والمكاسب بين بعض الأجنحة السلفية والجماعة الإسلامية في طرابلس «الإخوان»، مشيراً إلى أن ما يمارس الآن من إعادة إنعاش لها عبر إعادة انتخاب ملهمها الشيخ سالم الرافعي ليس له أي أهمية تذكر، خاصة وأن الرافعي أصبح غائباً كلياً عن الساحة الدينية والسياسية، معتبراً أن ما فعله الشيخ «مالك جديدة» كانت بمثابة تشييع لها، وما ستكشفه الأيام من أمور وخفايا سيطلق رصاصة الرحمة الأخيرة على الهيئة التي باتت في غرفة العناية الفائقة، تعيش حالة الموت السريري البطيء. ويختم المصدر قوله: "ما حدث للهيئة كان متوقعاً منذ زمن كبير ولكن تسارع الأحداث التي جرت على الساحة اللبنانية بشكل عام والطرابلسية بشكل خاص، أجل الإعلان عن وفاتها".

المشهد الآن

فيما يبدو أن هيئة علماء المسلمين والتي يغلب علي تشكيلها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي في لبنان، بالإضافة إلى المواقف والأهداف التي وضعتها تتمثل مع السياسة العامة لجماعة الإخوان والتيار السلفي والمرتبط بشكل أو بآخر بدولة قطر التي لعبت أكثر من دور في الوساطة بين الجماعات الإرهابية والمسلحة في سوريا والدولة السورية واللبنانية.
واليوم تواجه هيئة علماء المسلمين تحدي البقاء في ظل سعي العديد من علماء السنة في لبنان والغير منحازين لأي تيار سياسي في تشكيل هيئة جديدة تضم علماء يدافعون عن القضايا الوطنية للبنان والحافظ على استقرار وتجنب الصراع الطائفي.. فهل سينتهي دور الهيئة أم ستبقى واجهة للإخوان والسلفيين؟

شارك