قراءة فى محاولات الغنوشى.. التوفيق بين الاسلام والديمقراطية
الإثنين 17/فبراير/2014 - 07:21 م
طباعة
تتمايز حركة الاسلام السياسى فى تونس عن غيرها من الحركات الاسلامية فى العالم العربى باعتدالها النسبى ، والتوافق بين خطابها العام ومستجدات الحياة الحديثة ، فضلا عن اتساع حجم المعالجات الدينية لقضايا المرأة ، والديمقراطية وحقوق الانسان .
ورغم وجود تيار سلفى واضح فى تونس معادى للديمقراطية ورافض لأى قيم وأدوات سياسية واجتماعية وافدة ، الا أن الطرح الرئيسى للحركة الاسلامية التونسية المتمثل فى حركة النهضة كان أكثر تطورا واتفاقا مع مفاهيم الغرب من جماعة الاخوان المسلمين فى مصر أو جبهة الانقاذ الاسلامية فى الجزائر .
لذا فإن كتاب الدكتور أبو اللوز الحكيم الباحث والمحلل الاجتماعى المغربى عن " اشكالية الدين والسياسة فى تونس " يمثل عرضا ورصدا وافيا وشافيا لتطور خطاب حركة النهضة الاسلامية وسبل تطور المناخ المحيط بالتجربة وسماتها الخاصة ، كما يكشف بتحليل عميق نقاط الخلاف بين خطاب النهضة التونسى ، وخطاب الاخوان المصرى .
بداية الكتاب تقليدية يرصد فيها المؤلف تاريخ الاسلام السياسى فى تونس الحديثة مع ظهور راشد الغنوشى المولود عام 1941 وتوجهه نحو مصر للتعلم ثم سفره إلى باريس للحصول على الدكتوراة فى الفلسفة .مثل كثير من قادة الحركة الاسلامية فى مصر خلال السبعينيات كان " الغنوشى " فى شبابه " ناصريا بعثيا اشتراكيا " وبعد دراسته الاسلامية فى فرنسا عاد مؤمنا بضرورة الانطلاق من خطاب اسلامى معتدل .
وفى 1981 أعلن الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة السماح بانشاء أحزاب سياسية وهو ما دفع الحركة الاسلامية التى كان يتبناها " الغنوشى " إلى التحضير للدخول الى العمل السياسى باعلان خطاب نوايا عن رؤية الحركة للديمقراطية والجهاد والموقف من الآخر . وعلى الرغم من المواجهة القمعية للسلطة لتلك الحركة فقد استمرت وتوسعت وامتدت فى كافة انحاء تونس مطالبة باحترام الاخلاق الاسلامية ومقاومة التغريب .
ويرى الباحث أن حركة النهضة التونسية سجلت عام 1984 قطيعة مع المرجعية الاخوانية ومفاهيم الثورة الايرانية لتصل إلى حالة من التكيف مع الخصوصيات المحلية . ولاشك أن ذلك أدى إلى حالة من التوافق النسبى بين اطروحات الحركة ونظام الحكم مع قدوم زين العابدين بن على الحكم واعلانه الرغبة فى اجراء اصلاحات سياسية وحاولت الحركة العمل بشكل قانونى ، الا أن السلطة رفضت بعد قليل الاعتراف بالنهضة كحزب سياسة بدعوى أن زعمائه ما زالوا تحت طائلة القانون وسادت حالة من القطيعة بين الحركة الاسلامية والنظام الحاكم طوال السنوات العشرين الماضية .
ويتناول الكاتب الملامح الاساسية لخطاب راشد الغنوشى محللا ومدققا ، حيث نجد الرجل يتحدث عن توسيع الدوائر القومية معتبرا الدائرة الاولى هى دائرة الاسلام وهى دائرة عقائدية ، وحضارية ، ونضالية . وفى ذلك يقرر أن المجتمع الاسلامى مجتمع تعددى اعترف بحق المواطنة للمسلم واليهودى والمسيحى ولم يستثن عنصرا من العناصر المكونة للمجتمع من حق المواطنة .
أما الدائرة الثانية فهى دائرة العروبة وفيها يقرر أنه لا ينبغى أن يتصور أحد أن هناك عداء بين الاسلام والقومية ، وأن القومية العربية رباط أساسى يساهم فى تقوية الكيانات السياسية . ولاشك أن ذلك الطرح يذكرنا بكتاب فلسفة الثورة لجمال عبد الناصر الذى تحدث فيه عن فكرة الدوائر الثلاث لمصر اسلاميا وعربيا وافريقيا .
ونلمح بعد ذلك فى فكر راشد الغنوشى محاولات عديدة للتوفيق بين القيم الديمقراطية والاسلام، لذا نجده يطبق نظرية المقاصد فى الحديث عن الديمقراطية فى الاسلام ويقارن فى ذلك بين فكرة الاجماع فى الفقه وفكرة الاغلبية فى السياسة . ويرى الغنوشى أن ارتباط فكرة الديمقراطية بالغرب جعل الفكرة مستبعدة تماما لدى العالم الاسلامى الذى قرنها بانتشار الفسوق والفساد والضلال والكفر . .
وفى تصوره يرى أنه اذا كانت المهمة الأولى للديمقراطية هى توزيع السلطة وضمان عدم احتكارها ، فإن مهمتها الثانية التى لا تقل أهمية هى حماية ثقافة الأغلبية والافكار الأخلاقية والدينية السائدة فى المجتمع . ويختلف طرح الغنوشى عن أطروحات المفكرين الاسلاميين خارج تونس ، فى رفضهم استعمال المفهوم باعتباره يحيل إلى دلالات لا تجد أصلها فى الاسلام ، واصرارهم على التبشير بفكرة الشورى مستخدمين فى ذلك مصطلحات " أهل الحل والعقد ، والاجماع ، والاجتهاد .
وبالنسبة لمرأة فيقر الغنوشى بحقوقها اقرارا واضحا ومباشرا مستندا إلى اعادة تأويل النصوص الدينية الواردة وعمل قرارات مضادة للتاريخ والواقع الاسلامى مخالفا تفسيرات الفقهاء التقليديين ، فمثلا ينتقد الرجل أفكار الماوردى وابن حزم مؤكدا استنادها إلى عموميات الاسلام بذكر وجود فروق نوعية بين الذكر والأنثى . ويفند تلك الأفكار منتهيا إلى أنه ليس فى الاسلام ما يبرر اقصاء المرأة التى تعد نصف المجتمع من دائرة المشاركة والفعل فى الشئون العامة .
ويختلف طرح الغنوشى فى حرصه على مساواة المرأة للرجل فى الحقوق السياسية سواء حق الترشح أو الرئاسة بما طرحه الاخوان المسلمون فى مصر حيث يرون عدم جواز ولاية المرأة شرعا ويدللون على ذلك بحديث منسوب للنبى نصه " ما أفلح قوم ولوا عليهم إمرأة " وهو حديث يعتبره الغنوشى خاص بحادثة معينة ولا يصلح لاستخلاص حكم عام .
ويتصور المؤلف أن كتابات راشد الغنوشى واطروحاته تحاول تأسيس حالة من التكيف مع الواقع من خلال قبول الحركة الاسلامية فى تونس بالقواعد الديمقراطية والاندماج فى المجتمع المدنى ونبذ العنف والقمع والانفتاح على مختلف التيارات السياسية .