تمويل الإرهاب .. تقاطع وتشابك مصادر التمويل.. وخبرات إخوانية

السبت 10/مايو/2014 - 02:09 م
طباعة تمويل الإرهاب ..
 

من أين تأتي أموال الإرهاب؟ (القاعدة نموذجا)

من أين تأتي أموال

مثلت جماعة الإخوان المسلمين مرجعاً لمعظم الجماعات الإرهابية سواء من حيث الأفكار أو حتى الشخصيات التي قامت عليها هذه الجماعات، فكل مجموعة رئيسية من الجماعات الإرهابية يمكن تتبع جذورها التي تمتد بوضوح في النهاية إلى جماعة الإخوان المسلمين، فمن منظمة "حماس" التي هي فرع مباشر من جماعة الإخوان، إلى "حسن الترابي" وهو من قادة الإخوان المسلمين، والذي وفر في السودان ملجأً آمنا لأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة واتخذهم كحلفاء له، وكان يشغل مناصب مهمة في مجالس إدارات العديد من المؤسسات المالية الإسلامية، مثل بنك "دار المال الإسلامي".. مرورا بــ"عبد الله عزام" الذي كان معلما لأسامة بن لادن أحد قياديي جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، وأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الحالي، الذي اعتقل سابقا وهو في سن الـ 15 في مصر بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، وبالمثل كان خالد شيخ محمد المعتقل حاليا في أمريكا بتهمة الإرهاب، وكذلك الشيخ عمر عبد الرحمن، وأخيرا وليس بآخر محمد عطا زعيم الخاطفين للطائرتين الضاربتين برجي التجارة العالمي في نيويورك 11 سبتمبر أيضا كان من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

أيمن الظواهري
أيمن الظواهري
وهناك علاقة متينة وواضحة بين تنظيم الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية المتشددة، وهذه العلاقات مفهومة ومعروفة حتى في الولايات المتحدة، ففي عام 2003 قال "ريتشارد كلارك" المستشار السابق لشئون الإرهاب: إن "قضية تمويل الإرهابيين في الولايات المتحدة هي مثال واضح على وجود البنية الأساسية المشتركة بين تنظيمات الجهاد الإسلامي وحماس مع تنظيم القاعدة، والتي تتمتع بدرجة كبيرة من التعاون والتنسيق داخل الحدود الأمريكية، والرابط المشترك هنا بين هذه التنظيمات هو التنظيم المتطرف للإخوان المسلمين، والذي تأتي كل هذه المنظمات الإرهابية من نسله العضوي والأيديولوجي، ومع ذلك فهذا الفهم لهذه العلاقة المريبة لم تجد صدى لها في جهات تطبيق القانون والاستخبارات، كما أن الشبكة المالية للإخوان لم تدخل حتى الآن في إطار التدقيق الشديد الواجب".
من المعروف أن تنظيم الإخوان المسلمين الدولي قد أنشأ هيكلاً موازيا في الخارج بعيدا عن الدول الأصلية التي نشأ وتوغل فيها هذا التنظيم، مثل مصر والأردن وغيرهما، كأساس لعمليات مصرفية وشركات ومشاريع عملاقة تقدر بمليارات الدولارات، والتي أصبحت جزءا لا يتجزأ من قدرتها على إخفاء ونقل الأموال من وإلى جميع أنحاء العالم، وهذه الشبكة الأخطبوطية من الشركات والمصارف الإسلامية أو "الإخوانية" لم تلفت انتباه الكثير من الدول وأجهزة الاستخبارات والأمن، التي تلاحق الإرهابيين ومصادر تمويلهم في العديد من الدول حتى الآن؛ وذلك بسبب الغموض الشديد والسرية الكاملة التي تحيط بهذه الأنشطة المالية الدولية للتنظيم.
فقد كان المعيار أو الفرضية الأساسية للإخوان في إنشاء هذا الهيكل المالي الدولي هو إحاطته بالسرية الشديدة وإخفاءه.
وتلمع أسماء من أعضاء التنظيم الدولي للإخوان كمديري اقتصاد، مثل "إبراهيم كامل"، وهو مؤسس بنك "دار المال الإسلامي" (DMI)، ومقره الرئيسي في ناساو بجزر البهاما، كما أنشأ كل من يوسف ندى، همت غالب وآل يوسف القرضاوي "بنك التقوى" ومقره أيضا في ناساو بجزر البهاما، وبالمثل أسس نصر الدين إدريس "بنك العقيدة الدولي" في ناساو بجزر البهاما.
وفي تقرير قدمه "مركز المساعدة والدراسات الاستراتيجية الأمريكي" للكاتب "دوجلاس فرح" يؤكد أن هذه الشبكة من الشركات المصرفية وشركات التأمين والشركات البحرية، تستخدم في كثير من الأحيان كغطاء لفتح حسابات مصرفية وتسهيل عمليات نقل وغسيل الأموال؛ بسبب صعوبة تتبع مسارات هذه الأموال المحمية بموجب قوانين السرية المصرفية، لكن ينبغي أن يكون التركيز والاهتمام بهذه الشبكات المتوغلة أكثر بكثير مما يحدث الآن؛ لأن هذه الشبكات المصرفية توفر آلية لتمويل أنشطة الإخوان المسلمين المشروعة وغير المشروعة في جميع أنحاء العالم.

الإخوان ودولارات الإرهاب

يوسف ندى
يوسف ندى
ويوضح تقرير دوجلاس أن السجلات العامة الأمريكية تظهر امتلاك شبكة الإخوان المالية للشركات القابضة والشركات التابعة، والمصارف والمؤسسات المالية التي تمتد إلى بنما، ليبيريا، جزر فرجن البريطانية، جزر كايمان، سويسرا، قبرص، نيجيريا، البرازيل، الأرجنتين، باراغواي، ودول أخرى كثيرة، وهناك العديد من الكيانات الاقتصادية المملوكة لأفراد، مثل يوسف ندى، نصر الدين إدريس، همت غالب، ويوسف القرضاوي، والذين يقدمون أنفسهم علنا على أنهم من قادة الإخوان.
ويشير التقرير إلى أن حكومة الولايات المتحدة تقدر إجمالي رءوس أموال وممتلكات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين بين 5 إلى 10 مليارات دولار، رغم أنه لأمر صعب التقييم بدقة؛ لأن بعض الأفراد مثل يوسف ندى ونصر الدين إدريس، لديهم ثروة شخصية كبيرة، بالإضافة إلى أنهم أيضا يسهمون في عشرات الشركات، سواء الفعلية أو الوهمية، مع همت غالب وقادة الإخوان الآخرين، لدرجة أصبح فيها التمييز بين ما يدخل تحت ثروتهم الشخصية والعمليات التجارية المشروعة وبين ما يدخل تحت ثروة الإخوان- أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا، فكما أنه من الواضح أن ليس كل تلك الأموال تستخدم لتمويل الإرهاب، لكن من الواضح أيضا أن هذه الشبكة من الشركات والمصارف توفر السبل والوسائل لنقل مبالغ مالية كبيرة لتلك العمليات الإرهابية المختلفة.
ويحدد التقرير بعض الدلائل على أن هذه الشركة أو تلك المؤسسة تابعة لتنظيم الإخوان وليست جزءا من الأصول الفردية والثروة الشخصية لأصحابها، هو تداخل نفس الأشخاص في مجالس إدارة المؤسسات المالية والشركات المختلفة، فعلى سبيل المثال نجد أن شبكة المؤسسات الإخوانية التي أنشئت في "ناساو" بجزر البهاما، جميعها قامت بتسجيل بياناتها عن طريق مكتب المحاماة "آرثر حنا وأولاده"، والذي قام أيضا بعمل دمج بين تلك المؤسسات المصرفية، كما عمل عدد من أسرة "حنا" في هذه البنوك والشركات متولين أمر المراسلات القانونية وتمثيل الشركات في القضايا القانونية، كما عمل العديد من مديري هذه الشركات التي لا تعد ولا تحصى في إدارة ومجالس الإدارة بشركات أخرى يهيمن عليها الإخوان المسلمون في نفس الوقت، ويشير هذا التداخل بين مجالس الإدارة والمسهمين بقوة إلى الطبيعة المتماسكة للمنظمة والترابط الداخلي القوي للشبكة المالية الخاصة بها.

بنوك الإرهاب: "التقوى" و"العقيدة الدولي"

القرضاوي
القرضاوي
وعلى هذا فإن الجزء الأكثر وضوحا للشبكة، وهو المصارف المالية في جزر البهاما، كان يستحق بعض التحقيق والمراقبة الدقيقة بعد هجمات سبتمبر 2001 في أمريكا؛ مما دعا وزارة الخزانة الأمريكية للتصريح علنا عن مشاركة كل من "بنك التقوى" و"بنك العقيدة الدولي" في تمويل الجماعات المتطرفة، مثل حماس، الجبهة الجزائرية للإنقاذ الإسلامي، الجماعة الإسلامية المسلحة، تنظيم النهضة في تونس، وكذلك أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة.
وقد كان من أوائل المسهمين في "بنك التقوى" هم يوسف ندى، ونصر الدين، واثنان من عائلة بن لادن، بالإضافة للعشرات من قادة الإخوان الآخرين، بما في ذلك يوسف القرضاوي، رئيس هيئة علماء المسلمين ورجل الدين المعروف بعلاقاته القوية بدولة قطر وحمله لجنسيتها.
 كما توجد مجموعة من المؤسسات الخيرية ومقرها في هيرندون بولاية فرجينيا، حيث نسجت المنظمة شبكة علاقات واسعة بين العديد من القادة مع يوسف ندى، ومحور هذه العلاقات هي الأنشطة المصرفية لندى، وقد تم التحقيق من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة الأمن الداخلي الأمريكية، حيث اتضح أن اثنين منهم يمتلكان "مجموعة الصفا" صاحبة "بنك التقوى" في ناساو بالبهاما، والذي تم إثبات تعاملات مالية واسعة لندى وقادة آخرين معه، وكلهم أعضاء في تنظيم الإخوان المسلمين.
هذا وكشفت التحقيقات اللاحقة لهجمات سبتمبر 2011 عن معرفة مسبقة بالعلاقات الإرهابية المشبوهة لبنكي "التقوى" و"العقيدة"، لكن لم يتم التصرف في الأمر قبل تلك الهجمات، وقد اكتشفت وكالة المخابرات المركزية CIA معلومات ليس فقط عن تمرير وتحويل بنك التقوى ومؤسسات أخرى من الإمبراطورية التجارية لأموال كبيرة لتنظيم القاعدة- لكنها أيضا مكنت تلك المنظمة الإرهابية من الحصول على خدمات الإنترنت والهواتف المشفرة، وساعدت تلك المؤسسات في ترتيب شحنات الأسلحة، وأعلنت وزارة الخزانة- نقلا عن مصادر استخباراتية- أنه "اعتبارا من أكتوبر 2000، وفر "بنك التقوى" حساب ائتمان سري لشخص مقرب من أسامة بن لادن، واعتبارا من نهاية سبتمبر 2001، استقبل أسامة بن لادن مساعدات مالية كبيرة من يوسف ندى".
وقد تم توصيف كل من يوسف ندى ونصر الدين إدريس جنبا إلى جنب مع بنوكهما، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة كاثنين من أكبر ممولي الإرهاب في نوفمبر 2001، وفي أغسطس 2002 أضافت الولايات المتحدة وإيطاليا معا 14 شخصا آخرين مشتركين مع ندى ونصر الدين في إنشاء وتسيير الكيانات المخصصة لدعم الإرهاب. 
وتؤكد التقارير الاستخباراتية أن جماعة الإخوان تمتلك شركات وهمية تهدف بالأساس لتمويل تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإرهابية بالمليارات، رغم تأثير هجمات 11 سبتمبر على سهولة انتقال التمويلات المالية لتنظيم القاعدة، فقد قدرت مجموعة الأمم المتحدة للمراقبة خفض قيمة أموال تنظيم القاعدة بعد 11 سبتمبر بنحو 30 مليون دولار. 
وهو الأمر الذي جعل توجه "القاعدة" وغيرها من التنظيمات الإرهابية في المنطقة بشكل أكثر نحو مصادر التمويل التي تعتمد على الأنشطة الإجرامية، مثل اختطاف الأجانب والحصول على فدية، أو الاتجار في البشر أو في المخدرات، وهو ما سوف نركز عليه في تقريرنا.

مصادر أخرى لتمويل الإرهاب

أيمن العولقي
أيمن العولقي
في مقال له قال الإرهابي وعضو تنظيم القاعدة أيمن العولقي إن هناك 44 طريقة لدعم ما أسماه "الجهاد"، كانت على رأس هذه الوسائل 10 إستراتيجيات ركزت على المال، ومن أجل المال فقد سلكت هذه الجماعات كل الطرق للحصول عليه..
فمثلاً إن للجماعات الإرهابية نصيب الأسد من تجارة المخدرات، فوفقاً لـ "إدارة مكافحة المخدرات" الأمريكية، فإن 19 منظمة، من بين 43 منظمة تم تصنيفها كمنظمات إرهابية أجنبية، ترتبط فعليا بتجارة المخدرات العالمية، غير أن 60% من هذه المنظمات ترتبط بصناعة المخدرات أيضاً بخلاف التجارة فيها.
وفي تقرير صادر عن الأمم المتحدة قدرت عائدات تجارة المخدرات كنشاط غير مشروع بـنحو 322 بليون دولار؛ لذلك اعتبرت المخدرات التجارة الغير مشروعة الأكثر ربحاً في العالم قبل حتى التجارة في الأسلحة.
وتعد «حركة طالبان» الأفغانية، و«القوات المسلحة الثورية لكولومبيا»، و«حزب العمال الكردستاني»، و«حزب الله» في لبنان وحركة شباب المجاهدين في الصومال من أبرز الأسماء التي يتداخل نشاطها الإرهابي مع تجارتها في المخدرات، إلى جانب الدخل الكبير الذي تتحصل عليه من رسوم الابتزاز التي يتم جمعها من عصابات المخدرات والخشخاش أو مزارعي الكوكايين الذين يعملون في أراضيها.
وقد رصد "مايكل براون" مدير البرنامج المساعد ورئيس العمليات في إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية أبرز الأسباب لاتجاه المنظمات الإرهابية نحو الاتجار في المخدرات، وذلك في كلمة ألقاها  أمام منتدى خاص للسياسات في معهد واشنطن حول الصلة بين المخدرات والجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، والتحدي المتنامي الذي تشكله هذه العلاقة على الأمن القومي الأمريكي في 18 يوليو 2008. 
وأكد في كلمته على الأرباح الطائلة للتجارة التي تتحصل عليها المنظمات الإرهابية على مستوى العالم، إلى جانب تراجع الدعم الذي تقدمه الدول للإرهاب، وخاصةً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001،
وهو ما قد توقعه كلٌّ من "ماثيو ليفيت" مدير برنامج "ستاين" لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن وزميله "مايكل جاكوبسون"، حيث أكدا أن الإرهاب سوف يتداخل مع الأنشطة الإجرامية، مثل تجارة المخدرات وعمليات السطو المسلح والاختطاف والتجارة في البشر، وذلك بشكل متزايد خلال هذه السنوات، وذلك في دراسة بعنوان "تعقب الشبكات الإرهابية المرتبطة بالمخدرات: اقتفاء أثر الأموال" لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط. 

تنظيم "القاعدة" نموذجا

بن لادن
بن لادن
كانت أحداث 11 سبتمبر 2001 سببا في تغيير الموازين ليس فقط في أفغانستان، وإنما في منطقة الشرق الأوسط ككل، التي تأثرت بشكل أكبر من أي منطقة، لكن التأثير طال العالم ككل. 
فالولايات المتحدة التي كانت طرفاً أساسياً في نشأة حركة طالبان سعت إلى القضاء على تنظيم القاعدة وحركة طالبان بعد أحداث سبتمبر بالكامل، ومن المعروف أن العداء بين القاعدة والولايات المتحدة بدأ بشكل تدريجي قبل أحداث سبتمبر بسنوات بداية من تحفظ أسامة بن لادن زعيم القاعدة السابق على وجود قوات أجنبية في الجزيرة العربية عام 1990، مروراً بعام 1993 حيث كانت هناك مواجهات مسلحة مع الأمريكيين في الصومال، ثم تفجيرات الرياض، ثم تفجيرات الخبر في يونيو عام 1996، ثم تفجيرات السفارة الأمريكية في نيروبي ودار السلام في أغسطس عام 1998، كلها صعدت العداء بين التنظيم وبن لادن من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، وقد ظهر ذلك واضحاً في تصريحاته مع قناة الجزيرة حيث قال: "نحن نفرق بين الرجل، وبين المرأة، والطفل، والشيخ الهرم، أما الرجل فهو مقاتل، سواءً حمل السلاح أو أعان على قتالنا بدفعه للضرائب وبجمع المعلومات فهو مقاتل، أما ما ينشر بين المسلمين أن "فلان" أسامة يهدد قتل المدنيين، فهم ماذا يقتلون في فلسطين؟ يقتلون الأطفال، ليس المدنيين فقط، بل الأطفال، فأمريكا استأثرت بالجانب الإعلامي، وتمكنت من قوة إعلامية ضخمة، فتكيل بمكاييل مختلفة في أوقات حسب ما يناسبها، فالمستهدف- إذا يسَّر الله سبحانه وتعالى للمسلمين- كل رجل أمريكي هو عدو لنا من الذين يقاتلوننا قتالا مباشرا أو يدفعون الضرائب، فشعب ترتفع أسهم رئيسه عندما يقتل الأبرياء، شعب عندما يرتكب رئيسه الفواحش العظيمة الكبائر تزيد شعبية هذا الرئيس- هو شعب منحط لا يفهم معنى للقيم أبداً". 
وصلت ذروة العداء بين التنظيم وأمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر، وهو ما دعا القيادة الأمريكية الجديدة بقيادة المحافظين الجدد، إلى دعوة "جورج بوش" إلى تقسيم العالم إلى محوري الخير والشر، وعلى إثر تلك الدعوة تم حصار التنظيم بشكل كبير في المنطقة وقلص أي دعم كان يُمَد به من قبل دول المنطقة أو تنظيمات أخرى.
كان هذا سببا رئيسا بالتأكيد للقاعدة يجعلها تبحث عن مصادر جديدة للتمويل حتى لا يموت التنظيم، وخاصةً بعد الحصار والتضييق على المؤسسات التي تدعم القاعدة مثل بنكي "التقوى" و"العقيدة" السالف ذكرهما، ولجأت القاعدة إلى توسيع أنشطتها الإجرامية.
فقد اعتبرت عمليات اختطاف الأجانب والحصول على فدية، إلى جانب تجارة المخدرات والاتجار في البشر- من أهم المصادر الرئيسية الجديدة لتمويل القاعدة.
وهو ما أكدت عليه ندوة مكافحة تمويل الإرهاب في 9 سبتمبر 2011 التي استضافتها وزارة الخزانة الأمريكية، والتي ركزت على أساليب المنظمات الإرهابية الجديدة في البحث عن مصادر تمويل، من خلال خطف السياح وطلب الفدية والسطو على البنوك والاتجار في المخدرات والبشر.
وأكد عليه أيضاً اجتماع مجلس وزراء داخلية دول اتحاد المغرب العربي بتاريخ 21 أبريل 2013، والذي عقد بالرباط، وتم فيه التأكيد على أن الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود ولا سيما الاتجار بالأسلحة والمخدرات والهجرة غير الشرعية وتبييض الأموال وما بينها من روابط وثيقة- تشكل جميعها تهديدا خطيراً على أمن واستقرار دول المغرب العربي ومحيطها المجاور، والتي تشهد نشاطا مكثفا لتنظيم القاعدة ولتجارته.

أرباح القاعدة بالملايين من اختطاف الأجانب

عبد الله الخالدي
عبد الله الخالدي
 تقدر أرباح تنظيم القاعدة بعشرات الملايين من الدولارات من خلال عمليات الخطف والحصول على فدية في إفريقيا فقط.
وفي هذا السياق يقول "مايكل جاكوبسون"، المتخصص في تمويل الإرهاب في الخزانة الأمريكية: "إن مصادر تمويل القاعدة اختلفت كثيرًا بعد أحداث 11 سبتمبر، فقبل الأحداث كان تنظيم القاعدة تنظيمًا مركزيًّا قادرًا على تمويل عملياته، بالإضافة إلى دعم جماعات جهادية أخرى، وبالتالي جعلها تدور في فلكه". 
أما الآن فقد أصبح هناك العديد من الخلايا على اتصال بتنظيم القاعدة، ولكنها تقوم بتمويل عملياتها من خلال الخطف والاحتيال وتهريب المخدرات، وتشير التقديرات إلى أنه منذ عام 2007 استطاع تنظيم القاعدة في المغرب العربي تحقيق تمويل ضخم وصل إلى حوالي 130 مليون دولار من أعمال الخطف ومساعدة تجار المخدرات.
وبحسب تصريحات مستشار الرئيس الجزائري "كمال رزاق بارة" فإن عمليات الاختطاف التي استهدفت غربيين في الساحل الإفريقي جلبت للإرهابيين أكثر من 150 مليون يورو في الخمس سنوات الأخيرة فقط في منطقة الساحل المغربي. 
وهو ما يتكرر بشكل مستمر في بلاد، مثل اليمن وليبيا، فقد سبق للتنظيم في اليمن أن حصل على 6 ملايين يورو عند إطلاقه سراح 3 من الرهائن الفرنسيين عام 2011، والحصول على 10 ملايين دولار من الحكومة السعودية، مقابل الإفراج عن الدبلوماسي السعودي عبد الله الخالدي عام 2012، وتعتبر هذه مجرد أمثلة بسيطة للأرباح الطائلة التي تجنيها القاعدة من عمليات الخطف وحدها.

"القاعدة" وتجارة المخدرات "علاقة ممتدة"

تعد المخدرات من المصادر الأساسية لتمويل القاعدة، فمن المعروف أن التنظيم يعتمد على الأرباح التي يجنيها من تجارة الحشيش لتسليح وتدريب ودعم الجماعات الأصولية، بما في ذلك الحركة الإسلامية بأوزبكستان والمقاومة الشيشانية، وحاليا في سوريا.
وقد تصدرت أفغانستان البلد الأم لتنظيم القاعدة، في العام 2010 قائمة الدول الأكثر إنتاجاً للحشيش في العالم.
ففي تقرير صدر عن منظمة الأمم المتحدة تم رصد احتلال أفغانستان المرتبة الأولى لإنتاج الحشيش، إلى جانب مركزها الأول كمنتج للأفيون.
وقد أضاف تقرير صادر عن مكتب المنظمة لمكافحة المخدرات والجريمة أن هذه المادة تزرع بشكل كبير في 17 ولاية أفغانية، وقدر المدير التنفيذي للمكتب "أنطونيو ماريا كوستا" إنتاج أفغانستان من هذه المادة المخدرة بما بين 1500 و3500 طن سنويا.
ويكفي معرفة أن تفجيرات قطار مدريد في عام 2004 التي قتل فيها 191 شخصاً والمتورط فيها تنظيم القاعدة، تم تمويلها بصورة جزئية من مبيعات التنظيم للحشيش، إلى جانب تهريب "السيديهات" المزيفة. 
وتتمثل تجارة المخدرات في:

الأفيون

زراعة الأفيون
زراعة الأفيون
تعتبر أفغانستان اليوم أكبر بلد منتج للخشخاش في العالم، وهو نبات يصنع منه الأفيون، العنصر الرئيسي في إنتاج الهيروين، والجدير بالذكر أن كيلو الهيروين يتكلف من 4000 إلى 5000 دولار، بينما يتم بيعه بسعر خيالي يبلغ ما بين 250 ألفا إلى 300 ألف دولار.
 وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن محصول الأفيون سيصل إلى 6100 طن سنويًّا، والنسبة الأعلى منه تأتي من جنوب البلاد الخاضعة لسيطرة حركة طالبان المتحالفة مع تنظيم القاعدة، ولا يخلو في أقاليم أفغانستان الـ34 من زراعة الأفيون سوى 6 أقاليم فقط، ما يعني أن البلاد كلها تزرع الخشخاش وتصدره للعالم.

تهريب التبغ

مختار بالمختار
مختار بالمختار
تعتمد "القاعدة" بشكل أساسي على زراعة التبغ وتهريبه خاصةً في منطقة شمال إفريقيا؛ ففي "الجزائر، مصر، ليبيا، المغرب، وتونس" فقط تبلغ نسبة المستخدمين للتبغ نحو 44% من الاستخدام الكلي لإفريقيا كلها، وهو ما فتح أكبر الأسواق السوداء للتنظيم للتجارة في التبغ المهرب، وقد نشرت صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية تحقيقا حول تأثير تهريب السجائر على إشعال عنف المتطرفين في إفريقيا، وقالت: إن تجارة التبغ غير المشروعة تحقق مليار دولار في شمال إفريقيا وحدها. 
وقد لمع في هذه التجارة عضو تنظيم القاعدة في الجزائر "مختار بالمختار" الذي لقب بـ"السيد مارلبورو"؛ بسبب تكوينه لثروة طائلة من هذا النشاط.

الكوكايين

القوات المسلحة الثورية
القوات المسلحة الثورية في كولومبيا
دخلت "القاعدة" سوق الكوكايين في تعاون لها مع القوات الثورية المسلحة في كولومبيا، فعصابات المخدرات في أمريكا الجنوبية نقلت عمليات تهريب الكوكايين إلى الأسواق الأوروبية من الطرق القديمة، عبر منطقة الكاريبي إلى طرق في غرب إفريقيا تخضع لسيطرة تنظيم القاعدة والجماعات "الإرهابية" المتحالفة معه، فوفقاً لتقديرات مكتب الأمم المتحدة لمراقبة المخدرات فإن 35 طناً من الكوكايين تمر عبر غرب إفريقيا كل عام.
وحسب تقرير نشرته جريدة "صنداي تلغراف" فإن مقاتلي تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" يتقاضون رسوماً ثابتة تبلغ ألفي دولار أمريكي عن كل كيلو مخدرات، يتم تهريبه عبر شمال مالي أو أية منطقة أخرى خاضعة لسيطرتهم، إلى أوروبا والولايات المتحدة.

شارك