"أردوغان" ينهي دولة المؤسسات ويسير على أرضية مهزوزة بثبات

الأحد 11/مايو/2014 - 10:58 م
طباعة انسحاب أردوغان انسحاب أردوغان
 
خاص - اسطنبول

هيمنة رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي على مؤسسات الدولة، والتغول على دولة المؤسسات وإقصاء المخالفين له، السمة المميزة لسياسات أردوغان الأخيرة، وهو ما دعا أحد الكتاب إلى التأكيد على أن "أردوغان يمشي بثبات على أرضية مهزوزة"، في ظل المحاولات المستمرة التي يقوم بها من أجل بسط نفوذ حكومته على كل مؤسسات الدولة، في ظل حملات الهجوم التي يتعرض لها منذ الكشف عن قضايا فساد واستغلال نفوذ في ديسمبر الماضي.
واليوم يتعرض أردوغان لفصل جديد من الهجوم والنقد اللاذع، كان بطله نقيب المحامين "متين فايز أوغلو" الذي وجه سلسلة انتقادات شديدة إلى أردوغان وأسلوب حكمه، بحسب وقائع اجتماع في العاصمة التركية أنقرة، وهو اللقاء الذي نقله التليفزيون مباشرة على الهواء، ما أدى إلى انسحاب أردوغان من الاجتماع غاضبًا، معتبرًا ما حدث من نقيب المحامين "وقاحة"
وقال أردوغان مخاطبًا نقيب المحامين بصوت عالٍ، قبل أن يغادر القاعة مع مساعديه "انت وقح وغير مهذب، هذا خطاب سياسي بالكامل مليء بالأكاذيب".
وعقد هذا الاجتماع إحياء لذكرى تأسيس مجلس الدولة، وكان حاضرا فيه الرئيس التركي عبدالله جول الذي لم يُخفِ صدمته بما حصل.
أردوغان يقوض مساعي
أردوغان يقوض مساعي تركيا
ويعمل أردوغان حاليًا على إعادة هيكلة جهاز الشرطة، في ظل القبض على عدد من الوزراء وأبنائهم المتهمين في قضايا فساد، بزعم وجود أتباع محمد فتح الله جولن الداعية الاسلامية وحليف أردوغان السابق، كذلك بدأ رئيس الوزراء التركي التدخل بشكل ملحوظ في السلطة القضائية، ومحاولة التغول على القضاء، وتوزيع الاتهامات هنا وهنا، وما يعزز النزعة الانتقامية لأردوغان الأحكام القضائية التي تعمل على إعادة الخطوات الخاطئة التي يتخذها أردوغان وحكومته، ومنها التدخل في المجلس الأعلى للقضاء، وحظر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، إلى جانب استمرار حجب موقع اليوتيوب.
ورغم الضغوط التي وقع فيها أردوغان وحكومته، فإنه يواجه الآن عددًا من المخاطر التي قد تؤثر على طموحه السياسي ومستقبل حزبه، في ظل اقتراب موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، وتحول ذلك إلى معركة سياسية متعددة الجوانب بين حزب العدالة والتنمية الذي يرى فيها خطوة لتعزيز الديمقراطية في البلاد وإعطاء قوة دفع لخيار الانضمام إلى العضوية الأوروبية، وبين الأحزاب المعارضة التي ترى أنها ستعزز من قبضة حزب العدالة والتنمية على الجسم القضائي والقانوني وبالتالي السياسي، تمهيدًا للمزيد من خطوات أسلمة الدولة والمجتمع، حيث تكتسب معركة الاستفتاء حساسية خاصة، نظرا لأن نتائجها ستكون بمثابة استفتاء على الانتخابات البرلمانية المقررة في يوليو 2015، ولعل هذا ما يفسر تهديد رئيس الحزب رجب طيب أردوغان بالاستقالة إذا خسر حزبه الانتخابات المقبلة أو جاء ثانيًا، في إشارة إلى ضراوة المعركة الجارية في وقت يسعى فيه حزب الشعب الجمهوري برئاسة زعيمه الجديد كمال كليجدار أوغلو، إلى تعزيز مواقعه بعد أن تراجع كثيرا في السنوات الأخيرة. 
وتتكون التعديلات الدستورية التي سيتم الاستفتاء عليها من 26 مادة، وهي تعديلات تتركز على إعادة هيكلة مؤسسات القضاء (زيادة عدد أعضاء المحكمة الدستورية من 11 إلى 17، وعدد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء والمدعين العموم من 7 إلى 22)، فضلًا عن تغير آليات انتخاب كبار القضاة والمدعين العامين وطريقة تعيينهم، إلى جانب  محاكمة العسكريين بما في ذلك كبار قادة الجيش أمام المحاكم المدنية بدلًا من العسكرية، وهذه مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لحزب العدالة في ظل المعركة المستمرة مع شبكة (أرجينيكون- الوطنيون الجدد).
تخطت سياسات أردوغان حدود إقليم بلاده، حيث تعرضت تركيا بسببه إلى انتقادات شديدة تهدد مساعيها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما دعا مارك بيريني، سفير الاتحاد الأوروبي السابق في تركيا إلى إصدار تصريحات مهمة بهذا الشأن، يؤكد فيها على "لا أحد مع العقل السليم ويعتقد اليوم أن تركيز السلطة في شخص واحد سيجلب تركيا أقرب إلى الديمقراطية، جنبًا إلى جنب مع القضاء والشرطة وتكميم الصحافة، ليصبح حجم الصلاحيات الرئاسية في تركيا غير مسبوق".
والتصريحات القادمة من الاتحاد الأوروبي، تؤكد أن الانضمام إلى منطقة اليورو لا يقتصر على الانضمام إلى السوق الاقتصادية المشتركة بين الدول الأعضاء، وإنما هناك التزامات لابد أن تفي بها الدول الأعضاء، ومنها احترام القيم الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرية الدين والمعتقد.
حجب اليوتيوب
حجب اليوتيوب
ونظرًا لتراجع تركيا عن مسار الديمقراطية في الأشهر الأخيرة، فقد تراجعت خطواتها كثيرًا في الالتحاق بالاتحاد الأوروبي، انتقلت تركيا بعيدا عن كتلة الـ28 دولة.
وهذا ما أشار إليه عليه السياسي النمساوي أوتمار كاراس، وهو عضو من أكبر مجموعة في البرلمان، مؤكدًا أن الاتحاد الأوروبي ليس مجرد سوق مشتركة، ومن أجل العضوية لابد من الالتزام بقيم مثل حرية الدين والديمقراطية، واحترام كرامة الإنسان. 
وأعرب بقوله "آمل أن تعيد تركيا دينامية الإصلاح على الطريق إلى أن تصبح عضوًا في الاتحاد الأوروبي، مع الأسف التطورات التي مرت بها تركيا في الأشهر القليلة الماضية دفعتها بعيدًا عن الاتحاد الأوروبي".
ونوه أوتمار كاراس  بقوله " لا يملك الاتحاد الأوروبي القدرة على استيعاب عضوية دولة مثل تركيا، وتركيا لم تف بشروط العضوية".
يأتي ذلك بعد أن فتحت تركيا مفاوضات الانضمام مع الاتحاد الأوروبي في عام 2005، بعد سلسلة من الإصلاحات السياسية التي نُفذت خلال السنوات الأولى من حزب العدالة والتنمية، ولكن هذه العملية قد فقدت زخمها وسط عزوف بعض دول الاتحاد الأوروبي عن السماح لتركيا في الانضمام، ويرجع ذلك إلى الفشل في حل المشكلة القبرصية، بالإضافة إلى قمع المتظاهرين في يونيه الماضي، إبان أزمة حديقة جيزي، وتنامي هذا التأثير بعد الكشف عن جرائم الفساد، والتي طالت الحكومة في ديسمبر الماضي.

شارك