باحثة ألمانية لدويتشه فيله: سفر الشباب للجهاد تمرد وليس صراع ثقافات
السبت 28/فبراير/2015 - 03:42 م
طباعة
لمياء قدور الباحثة الألمانية
ما الذي يدفع بعضا من الشباب الألماني للانخراط في صفوف التنظيمات الإرهابية؟ في الحوار التالي مع دويتشه فيله تروي لمياء قدور الباحثة الألمانية في الشئون الإسلامية لمياء قدور، وهى ألمانية من أصول سورية، متخصصة في الشئون الإسلامية والعلوم الدينية، ورئيسة مجلس إدارة "الاتحاد الإسلام الليبرالي". ولدت لأبوين سوريين مهاجرين في ألمانيا. ومؤلفة كتاب "على استعداد للقتل"، حول عوامل جلب الإيديولوجية الجهادية للشباب الألماني والذي نشر في فبراير 2015، تجربتها بشأن بعض تلاميذها السابقين الذين استهواهم الجهاد في سوريا.
في كتابك "على استعداد للقتل" تبحثين العوامل التي تدفع بالشباب الألماني للانخراط في الجهاد. كأستاذة للدين الإسلامي عشت تجربة خمسة من تلاميذك السابقين الذين سافروا لسوريا للقتال. تلاميذ وصفتيهم في كتابك بـ"اللطفاء"، فما الذي حدث؟
لمياء قدور: لم يكونوا يحسون بانتماء كامل للمجتمع. إن الإحساس بغياب الاعتراف بالوجود، هو إحساس عصيب في مرحلة البحث عن الهوية. كانت تتوفر فيهم كل العوامل التي تجعل منهم فريسة لأشخاص "كاريزماتيين" يعطونهم الشعور بالاعتراف، وبأنهم ليسوا أشخاصا فاشلين، وهنا تكمن الخطورة.
السلفية المتطرفة هي مرادف للعنف، فكيف تتحدثين في كتابك عن "شباب لطيف"؟
هذا انفصام. لقد كانوا فعلا شبابا لطفاء حينما ننفتح عليهم. عملية التطرف حدثت عندهم بعد المرحلة الدراسية الابتدائية. هذا يظهر التمزق والضياع الذي عايشوه بين كونهم مسلمين وألمان في الوقت ذاته. لم يكونوا متدينين كثيرا، كانت توجهاتهم علمانية أكثر. تطرفهم حدث فيما بعد.. وبرؤية ثنائية تُقسم العالم إلى صديق وعدو. الإنترنت يلعب دورا كبيرا في تطرف الشباب. وأعتقد أيضا أن للوهم والخيال دورا في هذا الشأن، معتقدين أن بإمكانهم تغيير إحساسهم بالظلم هناك (بعيدا) في سوريا والعراق. إنه منطق مقلوب، ولكن هكذا يكون الشباب الذي خضع لغسيل أيديولوجي.
العنف المتشدد إذا ليس عامل ردع، بل بالعكس عامل جلب واستقطاب؟
بالضبط، خصوصا حينما يتعلق الأمر بشباب يعانون من التمييز والإحباط. هناك منهم من يعلم، ببلوغ سن الثامنة أو التاسعة من العمر، أن مشواره في الحياة سيكون أصعب بحكم الانتماء لوسط اجتماعي هش أو الحي الهامشي الذي يعيشون فيه. حينما تعجز الأسرة عن تحسين الوضع، يتعين على الدولة وهيئات رعاية الشباب التدخل بتوفير التكوين والتعليم. على الدولة القيام بمزيد من الجهد لتوفير نفس فرص التعليم لكل الأطفال. السلفيون أكثر حضورا من ناحية العمل الاجتماعي.
أربعة من أصل خمسة من تلاميذك السابقين عادوا إلى ألمانيا، ماذا قالوا لك؟
كانوا مضطربين للغاية حينما التقيتهم، الإحساس الغالب لديهم كان هو الشعور بالخزي. قالوا: "كنا نعتقد أن خطوتنا كانت صائبة؛ لأننا كنا نسعى للدفاع عن الإسلام". بعد ذلك، انقلب كل شيء، ولم يكونوا في وضع يسمح لهم بفهم ما يجري.. جميعا أكدوا "القرار كان خاطئا"، وهو ما طمأنني. لم يمضوا وقتا طويلا في سوريا، كما لم تكن لهم أي تجربة قتالية.
في كتابك تحدثت عن "الرومانسية الجهادية" ماذا تقصدين بذلك؟
الفتيات أكثر عرضة للرومانسية الجهادية من الذكور، يقال لهن: "هناك ستصبحن زوجات محترمات، ستتزوجن جهاديا، أزواجكن أبطال كبار، سيصبحون يوما ما شهداء، وهذا أفضل ما يمكن أن يحدث أمام الخالق". الكثير من الشابات يرون في الأمر تمردا على الأهل.
الطريق للجهاد ليس إذا صراع ثقافات وإنما احتجاج شباب؟
التوصيف لا ينطبق على منظري الفكر الجهادي في المشهد السلفي، وإنما على غالبية أولئك الذين يتم استقطابهم. فالسلفية السياسية الجهادية تخاطب الشباب. أي وسيلة أفضل من هذه، يمكن بها استفزاز المجتمع الألماني (المشتكى من مظلوميته)؟ لذلك فالأمر يتعلق بالفعل بتمرد شبابي. هؤلاء الشباب تجمعهم نفس الموسيقى، ويلبسون نفس الملابس، ويطلقون لحاهم بنفس الشكل. الجزء الأهم من هذه الأيديولوجية موجه للشباب، وهنا تكمن خطورة الجهادية السلفية.
السلطات تحذر من العائدين من سوريا والعراق ـ كيف يجب التعامل مع العائدين؟
لا بد من مواكبتهم، وحينها يمكن استعادتهم.. إن كل الذين خاب أملهم وفقدوا أوهامهم يمكن إرجاعهم للمجتمع، خصوصا إذا لم يمضوا وقتا طويلا في سوريا. أما إذا كانوا من المتشبعين بالأيدولوجية الجهادية، فهنا لا بد من برامج خاصة لإخراجهم من التطرف. إن توعية هؤلاء الشباب تقتضي وقتا أطول، تماما كما هو حال برامج مماثلة تتعلق باليمين المتطرف في ألمانيا.
ماذا تنتظرينه من الجالية المسلمة؟
على الجالية المسلمة، كما هيئات وممثلي المسلمين وضع مسافة بينهم وبين السلفية الجهادية بشكل أقوى. عليهم القول: هذا ليس هو فهمنا للإسلام، وليس فهم غالبية المسلمين، وإنما الأمر يتعلق بظاهرة هامشية. يجب تحديد أيضا أننا نتحدث من موقعنا في ألمانيا. لا نريد أن يختطف أبنائنا، كما نبادر لمنع حدوث ذلك، من خلال مثلا استثمار المزيد من الجهد في العمل الشبابي بشكل يساعد الشباب المسلم على اكتساب صورة ذاتية سليمة.