ازدراء الأديان.. تاريخ من القمع
الأربعاء 04/مارس/2015 - 08:38 م
طباعة
•اسم الكتاب- ازدراء الأديان في مصر
•التأليف – حمدي الأسيوطي
•الناشر – منتدى الشرق الاوسط للحريات – القاهرة 2015
في أكثر من 600 صفحة من الحجم الكبير صدر للمحامي حمدي الأسيوطي كتاب (ازدراء الأديان في مصر) بمشاركة الباحث مجدي خليل حيث ينقسم الكتاب إلى جزءين.. الجزء الأول بعنوان ( ازدراء الأديان وحماية الإسلام) ويقدم هذا الجزء أكثر من تعريف للازدراء، فبالإنجليزية يعني عدم إظهار التقدير أو الاحترام تجاه شخصيات مقدسة في ديانة ما أو تجاه رموز دينية، ويرى مجدى خليل أن ازدراء الأديان في المفهوم الإسلامي معناه ازدراء الإسلام تحديد ويعرف الدكتور صلاح زيدان أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر ازدراء الأديان بأن الإساءة للدين وللرسول ومهاجمة العقيدة الإسلامية بالباطل، ويؤكد خليل أن مصر وباكستان أسسوا بلدين يتصدران دول العالم في هذا الشأن، طارحًا عدد من الامثلة لضحايا هذه التهمة منهم اتهام الباكستاني (شاهزاد وزوجته شمه) بإهانة القرآن الكريم ودميانة عبد النور بالإساءة للرسول وغيرهما.
في القانون المصري:
الجزء الثاني من الكاتب وهو القلب في موضوعه الذي كتبه المحامي القدير حمدي الأسيوطي بعنوان ازدراء الأديان في القانون المصري، وأكد فيه أن السلطة تتخذ الدين ستارا تختفي وراءه وتستخدمه لبسط نفوذها فاستخدام الدين ورقة رابحة في ظل أمية تعتمد على النقل وفي الآونه الأخيرة أصبحت جرائم التعدي على الأديان سيفًا مسلطًا على الرقاب وقيدا على حرية التعبير وحرية الاعتقاد، فأثرنا أن نتوقف كثيرًا أمام جرائم التعدي على الأديان رغم قدم تاريخها الذي يعود إلى ما قبل عام 1883 اخذا عن القانون الفرنسي ثم اضيف الي تلك الجرائم جريمة جديدة هي الأكثر شهرة وذيوعًا وتشددا ومغالاة في عقوبتها وهي جريمة ازدراء الأديان والتي ظهرت في قانون العقوبات المصري عام 1982 بعد اغتيال السادات.
الفقرة الملعونة:
ويقول الأسيوطي إلى أن الفقرة الخاصة بازدراء الأديان تمت إضافتها لقانون لا علاقة له مُطلقاً بأي شأن ديني أو عقائدي، بل إن القانون يختص بتحديد الاتهامات المعنية بقلب نظام الحُكم، أو الإضرار بالوضع الاقتصادي للبلاد، وكل ما له علاقة بما نُطلق عليه "جرائم أمن الدولة"، أو "جرائم أمن النظام" بأصح تعبير، ولم يتم إدراج القانون مع قوانين التعدي على الأديان.
تطبيق القانون:
يُذكر الأسيوطي أنه منذ نشأة هذا القانون لم تطبق عقوبة الحد الأدنى سوى في حالة ألبير صابر، الذي نال عقوبة مخففة، حيث صدر عليه الحكم بالسجن لثلاث سنوات، قبل أن يغادر البلاد، أما بخلاف ذلك، فكان يتم تطبيق أقصى العقوبة، مثل حالة كريم صابر، الطالب الأزهري، وهي السجن (5) سنوات، مروراً بقضية دميانة عبد النور وهي مدرسة من الأقصر اتهمت بالإساءة للرسول أمام تلاميذها حيث أصدرت المحكمة عقوبتها عليها استناداً إلى أولياء الأمور المتشددين لـ (4) تلاميذ، الذين استنكروا أن تقوم دميانة بالحديث مع أولادهم في أي شأن ديني، ليصدر الحُكم بتغريم دميانة مبلغ مئة ألف جنيه، جزاء لها، وكانت التُهمة هي «ازدراء الأديان»، على الرغم من شهادة موجِّه عام المادة في صالح دميانة، الذي شهد بعدم حدوث أي شيء مخالف للقواعد والأعراف، وأنها لم تأت بأي تجاوز تُعاقَب عليه.
تصفية حسابات:
ومن أمثلة استخدام هذا القانون في تصفية الحسابات الشخصية، نجد قضية عمرو عبد الهادي، الشاب الشيعي المذهب، الذي اختلف مع أحد المُنتَمين للمُدافِعين عَن أهل السُنَّة والجَمَاعَة بالإسكندرية، حيث أفحمه عمرو بردوده ومنطقه في أحد اللقاءات على قناة من القنوات الفضائية، فتربص به الرجل أثناء زيارة عمرو لضريح الحُسين، لينفذ الرجل تهديده لعمرو، فيقتاده إلى نٌقطة الشرطة بالمكان، ولم يخرج عمرو إلا وقد نال حُكماً بالسجن خمس سنوات، على الرغم من تقديم كل ما يفيد بأن الأمر ما هو إلا انتقام شخصي. كما نجد في بعض الحالات استخدام هذه الفقرة من القانون لتصفية الحسابات السياسية، كما حدث مع طالب الأزهر كريم عامر، الذي لم ينتقد سوى أساتذته في جامعة الأزهر والمناهج التربوية والعلمية وطرق التدريس في الجامعة، كما انتقد جماعة السُنة في منطقة العامرية، محل سكنه، حين كانوا يدعون إلى انتخاب المخلوع مبارك أميراً للمؤمنين! فكتب الشاب على مدونته الخاصة، «أميراً للاستبداد»، وكان هذا كافياً للزج به في قضية سياسية، وقضية ازدراء للأديان، لينال أقصى عقوبة بالسجن لخمس سنوات.
محاكم التفتيش:
ويستشهد الأسيوطي بموقف النيابة العامة التي من واجبها أن تكون خصماً عدلاً، إلا أنها في مثل هذه القضايا، نجدها تتحول إلى هيئة تفتيش من العصور الوسطى، حيث تقوم بالتفتيش في الضمائر، فنتيجة لإجابات ألبير صابر أثناء التحقيق معه، قام الضابط بتحريض المساجين في الزنزانة على ألبير، متهماً إياه بإهانة نبي الإسلام مُحمد، ليثور عليه ساكنو الزنزانة، ويتعرضون له بالضرب المُبرِح، والعجيب أن الضابط الذي قام بهذه الواقعة، كان مسيحي الديانة، لكنه لم يتقبل كلام ألبير أثناء التحقيقات، سواء في انتقاداته التي وجهها إلى الديانة الإسلامية أو الديانة المسيحية على حد سواء، ليتفِق مَوقفه مع موقف المساجين المسلمين بالحجز، فينال ألبير عِقاباً على أيديهم، بما يخالف كل القوانين والأعراف.
القضاء وموقفه:
ولأن النيابة العامة تُريد أقصى عقوبة مُمكِنة، وتُصِر على الحُكم بالسِجن من دون الغرامة المالية، تلجأ النيابة العامة إلى هذا التوصيف الخاطئ، بدون استخدام التَوصيف الصحيح للاتهام وهو «التعدي على الأديان». ومن العَجيب أن القضاة يَرفُضون الاستّماع إلى ما سَبَق شَرحه من تَوصيف القَضيِّة، كما يرفضون الاستماع إلى الظُروف التاريخية لهذا القانون، ومكانه وَسَط قوانين أمن الدولة وقضايا الإرهاب، مِمَّا يؤكد أن الغَرَض منه هو الحِفَاظ عَلى السِلم الاجتماعي، وعَدَم حُدوث التَصادُمات بين المسلمين والمسيحيين، والحيلولة دون وقوع ضحايا من كِلا الجانبين، كَمَا حَدَث في الزاوية الحمراء، وهو ما لم يَحدُث في قضايا هؤلاء الشباب، حيثُ يَقتَصِر الأمر على حُرية التعبير عن الرأي، أو توصيف القضية على أسوأ الظروف بـ"الإساءة إلى الأديان"، وعقوبتها الغرامة المالية فقط. وعلى الرغم من أن المحكمة الدستورية ومجلس الدولة، أعلى السلطات القضائية في مصر، يصران على أنهما من أنصار حرية العقيدة، ووجود نص دستوري يدل على ذلك، إلاّ أننا نجد موقفهما يتعارض مع ما يدعونه تجاه التحول من وإلى الدين الإسلامي، فبينما لا يمانعان من التحول من أي ديانة إلى الديانة الإسلامية، لكن في الوقت نفسه يتم تجريم أي متحول من الدين الإسلامي إلى أي ديانة أخرى، فلا تعارض مطلقاً الحديث أو محاولة تطبيق عقوبة المرتد، التي ليس لها أي سند قانوني من الأساس. كما نجد أيضاً أن مجلس الدولة يقف أمام حرية ممارسة الشعائر الدينية موقفاً يتعارض وما يدعيه من حرية، وذلك بأنه جعل الحرية مقترنة بأحكام القانون، كما ذكرنا من قبل، فنجده في احدى القضايا الشهيرة يُصدِر حُكماً يقضي بمنع بناء كنيسة في احدى المناطق، وكان من ضمن المبررات التي صاغت هذا الحُكم، أن هناك كنيسة أخرى على بُعد 12 كيلومترا، يمكن للمسيحيين الذهاب إليها! ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل زاد إلى أن المكان المراد إقامة الكنيسة به يقع بالقرب من أحد المساجد، وأحد التجمعات السكنية للمسلمين!
حرية الاعتقاد:
يستكمل حمدي الأسيوطي بالتعرّض لأحكام الدستور الشكلية، والبعيدة عن الواقع، فالقوانين الخاصة بالعقائد والشعائر الدينية تعمل على قهر الأقليات على وجه العموم، فعلى الرغم من أن الدستور، ينص صراحةً على حُريَّة الاعتقاد حرية مُطلقة، إلاّ أنه في الوقت نفسه يقوم بتقييد مُمارسة الشعائر الدينية بأحكام القانون، كما أنه باقتصاره للأمر على الأديان السماوية الثلاثة، فليس هناك عزاء للعديد من الديانات الأخرى، التي لا يعترف الدستور بها، مثل الديانة البهائية، والطائفة الشيعية، بما أن الدولة سنية المذهب، ولا يتمكن أي من المنتمين إلى هذه الديانات من إقامة شعائره الدينية، فكيف يوجد نصَّان يَتَعَارَضان في الدستور، وهَل ثَمَّة عَقيدَة مِن دون إقامَة شعائرها العَقائديَّة؟! ولا يخفى على أحد أنه حين يتم الربط بين الحُريِّة وعِبارَة «وِفْقاً لأحكام القانون»، أن هناك قيوداً حديدية في الأمر. كما نُلاحظ أيضاً أن حُريَّة العقيدة قد اختلف توصيفها باختلاف الدساتير، فتارة تكون مُطلقة، وأخرى تكون مَصونَة، وفي دستور الإخوان مكفولة، وفي الدستور الحالي عادت إلى التوصيف بـ «المطلقة» مرة أخرى! وجديراً بالذكر أن دستور 1923 كان يعترف بكل الأديان، حيث لم يقصر الأمر على الأديان السماوية الثلاثة، كما هو الآن، لذلك نجد به أحكاماً تخص البهائيين، والماسونيين، كأصحاب ديانات مُعترف بها من قِبَل هذا الدستور شديد الرقي، أما الآن فلقد عانينا الأمرَّين من أجل أن يحصل البهائيون على «شرطة» في خانة الديانة بتحقيق الشخصية. ومن بعد دستور 1923 لم يعد معترفا في الدساتير المُتعاقبة إلاّ بالديانات السماوية الثلاثة، على الرغم من أن هذه الدساتير قد كفلت أو صانت أو ضمنت حرية الاعتقاد حرية مطلقة، إلاّ أنها قامت بالتضييق على إقامة الشعائر الدينية، وللأسف لم يتم تعريف مصطلح «ممارسة الشعائر الدينية»، فتحدث واقعة قتل المسلم الشيعي حسن شحاتة في كرداسة، بقتله بطريقة بشعة، سحلاً في الشارع، هو وأصدقاؤه، بتهمة إقامة شعائر دينية شيعية في منزله، ليكون هذا الاتهام كافياً لإصدار العامة عليه حكما بالإعدام، وكأننا في دولة من جمهوريات الموز، ليس فيها قانون ولا قضاء ولا منظومة شرطية.
حماية الأغلبية:
لكن الأمر لا يقتصر فقط على المسلمين، فالمسألة تخص من هم أغلبية ومن هم الأقلية، فازدراء الأديان موجود في الديانة الإسلامية تحت مُسَمَّى «الزندقة»، أما بالنسبة للديانة المسيحية فهي «هرطقة»، حيث تتعامل الأغلبية وكأن معها تفويضا عاماً شاملاً من الله، ويتعاملون مع الآخرين من هذا المُنطلق البغيض. ونذكر على سبيل المثال رفض المسيحيين ومطالبتهم بوقف عرض فيلم «بحب السيما»، وقاموا بالفعل بمقاضاة المؤلف والمخرج والمنتج، نظراً لما تعرض له الفيلم من أمور تخص الديانة المسيحية، التي رفضها المتشددون المسيحيون، لنجد أمراً غريباً للغاية، وهو دعم وتأييد المتشددين المسلمين لمقيمي الدعوة القضائية، لنجد تحالفاً بين من هم من المفترض أن يكونوا ألد الأعداء، لنُدرِك أن التشدد الديني واحد في كل الأديان، وعلى الرغم مَن صراعهم، إلا أنهم يصطفون صفاً واحداً في مواجهة كل ما يعتبرونه انتقاداً للأديان، فيتحالفون ضد العلمانيين، واللادينيين!