أهداف قطر والتحالف الدولي من انفصال جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة
الخميس 05/مارس/2015 - 11:44 م
طباعة

ذكرت مصادر من داخل جبهة النصرة يوم الأربعاء 4 مارس أن قادة الجبهة في سوريا يدرسون قطع ارتباطهم بتنظيم القاعدة لتكوين كيان جديد. ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر من داخل الجبهة ومصادر مقربة منها قولها إن قطر التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الجماعة تعمل على تشجيعها للانفصال عن القاعدة، مقابل الحصول على تمويل "سخي"، وأضافت المصادر أن مسئولين من أجهزة المخابرات من دول خليجية من بينها قطر اجتمعوا مع أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة عدة مرات في الأشهر الماضية لتشجيعه على التخلي عن تنظيم القاعدة ومناقشة الدعم الذي يمكن لهذه الأجهزة تقديمه بمجرد الانفصال عن القاعدة، كما أكدت مصادر قريبة من جبهة النصرة سوريا أن "الكيان الجديد سيرى النور قريبا وسيضم جبهة النصرة وجيش المجاهدين والأنصار وكتائب صغيرة أخرى"، وأضافت المصادر "سيتم التخلي عن اسم النصرة، وستنفصل الجبهة عن القاعدة، لكن ليس كل أمراء النصرة موافقين ولهذا السبب تأجل الإعلان"، وأكد مصدر وثيق الصلة بوزارة الخارجية أن قطر تريد أن تصبح جبهة النصرة قوة سورية خالصة لا تربطها صلة بتنظيم القاعدة، وقال المسؤول "وعدوا النصرة بمزيد من الدعم، أموال وإمدادات وخلافه بمجرد أن تقطع صلاتها بالقاعدة."
انفصال النصرة عن القاعدة في عين الخبراء

هذا الإعلان بذاته يستحقّ التوقّف عنده لاعتبارات عديدة ليس أقلها ان تبديل اسم "النصرة" ووجهها الى كينونة أخرى بمسمّيات مختلفة قد ينزع عنها وجه الإرهاب الأسود، ويحوّلها من تنظيم منبوذ وارهابي عالمياً إلى قوة مدعومة ومغطاة دوليًّا مهيأة لمواجهة تنظيم "داعش"، على الأرض السورية.
ويبدو أن ما يُحكى في هذا الإطار عن "جبهة النصرة"، خرج من إطار التكهنات والتحليلات ودخل في التنفيذ الفعلي، حيث ثمّة أنباء عن أن عناصرها انقلبوا على جماعات صغيرة غير جهادية، وسيطروا على مناطق نفوذهم وأرغموهم على التخلّي عن السلاح في محاولة لتدعيم نفوذ الجبهة في شمال سوريا، تمهيداً للكيان الجديد.

الى أين سيؤدي "إلباس النصرة" ثوباً جديداً ودعمها بالسلاح والعتاد؟ وربما تحظى بالتدريب الأمريكي في سياق إعداد مقاتلي المعارضة المعتدلة؟ هل سيقود إلى تعقيد إضافي في مشهد الحرب السورية؟ أم سيقتصر على الإفادة منهم في الاستراتيجية الغربية القائمة على تجنيد الجميع في محاربة تنظيم "داعش"؟ سؤال يتم طرحه الآن على الخبراء في مجال الحركات الاسلامية والخبراء الامنيين وكان رأي الخبير الاستراتيجي العراقي، المتخصّص في الشؤون العربية والإسلامية، الدكتور أيمن خالد أنه لا بد من الحديث أن "ثمة تعقيدات بنيوية كبيرة ومتشعبة واجهت تنظيم "القاعدة" بداية عندما انتقل بمكونه الأساسي إلى العراق أولاً، وأبرزها متعلّق بالفكرة المكرسة عنه كتنظيم ولدت فكرته بالأساس أفغانية، وبقيت هذه الفكرة ملازمة لهذا التنظيم في البناء المجتمعي والفكري عند الشعوب والنخب العربية، التي اعتبرت "القاعدة" مولوداً من رحم أفغاني أساساً، حتى ولو كانت بعض قياداته عربية، وبقيت تتعاطى معه على هذا الأساس، وبالتالي جاءت عملية نقل هذه التجربة إلى الدول العربية، ليضخّ بها روحًا مختلفة إلى حد كبير، ومتناقضة أحياناً، تبعاً لاختلاف العادات والأفكار والبناء المجتمعي الجديد الذي أدخلت عليه في حينه مع دخول أبو مصعب الزرقاوي إلى العراق.
من هنا، يضيف خالد "رأينا أن الزرقاوي كان أول من اختلف مع أسامة بن لادن، وأن الخلاف كان يومها حول طريقة المواجهة، وطريقة التعامل مع الارضية، والتعاطي مع شرائح المجتمع العراقي بصورة عامة، وكان الزرقاوي في حينه أمام هذا النوع من التحديات، المتمثلة في التعاطي مع الحالة العراقية بشكل مختلف تماماً عن الحالة الأفغانية، وهذا بالضبط ما ينسحب الآن على جبهة النصرة في سوريا، باعتبار أن معطيات خارجية كبيرة فُرِضت فرضاً على المجتمع السوري".
ويخلص خالد إلى القول: "على هذه الأسس أيضاً حدث الخلاف بين النصرة وبين التنظيم الأم، بعدما كان حصل الخلاف نفسه بين فرعي تنظيم القاعدة في سوريا وفي العراق لاعتبارات مماثلة، وهو خلاف جعل أيمن الظواهري يتدخّل مباشرة للفصل بينهما في حينه من خلال تأكيده على ان التنظيم في العراق مختلف تماماً ومستقل عن التنظيم في سوريا".
وعن الأسباب الحقيقية التي جعلت "النصرة" تعتزم الطلاق مع التنظيم الأم والمؤثّرات التي أدّت الى ذلك، قال: "ان هذا الانشقاق سيكون نتيجة طبيعية لعدم نجاح التنظيم بفرض سيطرته الحقيقية على الأرض وإطالة أمد الصراع، علماً انّ ذلك كان على حسابه، وليس على حساب الآخرين، لأنه بنتيجة تلك الإطالة في عمر الصراع تشظّى التنظيم باعتبار ان عملية البناء أساساً، لم تكن يوماً قائمة على المدى البعيد جداً، والخطأ في البناء الذي تمثل في أنه كان هناك تعويل على جانب القوة وحدها، فيما النجاح الحقيقي يفترض ان يعتمد على مسايرة البناء التاريخي للمجتمع السوري وهويته الاصلية، وبالتالي فإن التنظيم قام بدور المانع، ووضع اليد بالقوة، وهذا يعني ان أيّ تراجع للقوة سيعيد حكماً الحالة الطبيعية لأهل البلد".

أما الخبير المصري في شؤون الجماعات الاسلامية والجهادية المسلحة الدكتور ماهر فرغلي فقال "إن السبب الأول هو أن جبهة النصرة في سوريا تحوي أطيافاً متعدّدة جداً، وهذه الأطياف من مدارس جهادية مختلفة، منها المدارس التي هي في الأساس ضد تنظيم القاعدة، والسبب الثاني هو ان هناك معلومات تتحدث عن حوارات قطرية مع جبهة النصرة تؤكّد على أن الانشقاق حدث، وعن الطلب من النصرة الانفصال عن القاعدة والانضمام الى مجموعات أقل تشدّداً لكي يشكّلوا جبهة تحارب داعش في مقابل دعم مادي ولوجستي ضخم جداً".
وقال فرغلي إن "ابو محمد الجولاني وافق على هذا العرض، وأعتقد ان هذا هو السبب الرئيسي للانفصال".
وحول ماهية النتيجة التي سترسو عليها الصورة ؟ قال فرغلي: "الامور ذاهبة في اتجاه التحالف مع القوى الأقل تشدداً لمواجهة داعش، والانشطار بشكل أكبر داخلياً، أي انه سيحدث انقسام بشكل أكبر عبر الموالين للقاعدة، وسيكون قائد هذا التحرك هو أبو ماريا القحطاني مفتي النصرة، لأنه من الموالين للظواهري بشكل كبير والانشطارات كثيرة جداً في التيارات الجهادية حول الاستراتيجيات أو الخلافات الايديولوجية والبناء العقائدي، والجبهة الشامية بكل فصائلها تجسد الاثنين معاً، الخلافات الاستراتيجية والايديولوجية، وهذا ما يرجّح حدوث انشقاقات كثيرة في الفترة المقبلة".
الهدف من انسحاب جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة

يقول الخبراء إن الهدف من انسحاب جبهة النصرة من تنظيم القاعدة سيحقق للتحالف الدولي الذي يحارب الإرهاب هدفين مهمين: الأول التخلص من تنظيم متشدد وسيؤدي ذلك لانفراط هذا التنظيم تلقائياً على اعتبار أن مقاتليه التحقوا به إيماناً بمبادئه وهو إقامة ما تقوله جبهة النصرة حكم الله في الأرض وفق وصفها، وعندما تصبح الجبهة مجرد فصيل مدعوم خليجياً كما قالت رويترز سيصبح مثلها مثل أي فصيل آخر على الساحة السورية وبالتالي سيقل شأنها ويكون التحالف الدولي قد حل الجبهة دون أن يطلق رصاصة واحدة.
أما الهدف الثاني فهو أن التحالف الدولي سيضمن أنه سيقاتل على جبهة واحدة والمقصود هنا تنظيم البغدادي، ولن يقوم بقتال منظمتين متشددتين في آن والهدف الذي سيتحقق للتحالف من حل جبهة النصرة هو الإبقاء على الفصائل السورية التي يدعمها التحالف في منأى عن أي خطر قريب خاصة وأن جبهة النصرة دخلت في معارك شرسة مع فصائل من الجيش الحر وهو ما شكل إضعافاً لهذه الفصائل التي يمولها الخليج ودول التحالف.
إذا فإن القضاء على جبهة النصرة سيحقق هذين الهدفين ويكفي الله التحالف والجيش الحر شر القتال.
وفي النهاية فإن الساحة ستخلو للجيش الحر لقتال تنظيم الدولة دون أن يكون للفصائل السورية المعتدلة خصوم أقوياء، قد يدخلون معها في حرب كما وقع مؤخراً بين جبهة النصرة وحرة حزم التي حلت نفسها وانضوت تحت ما يعرف بالجبهة الشامية.