خبير عراقي: العراق خسرت الشخصية العربية مقابل البديل الشيعي – السني
الجمعة 06/مارس/2015 - 04:11 م
طباعة
غسان العطية
حوار لموقع قنطرة:
يتردد أنّ الجيش والسنة لم يقاتلوا داعش حين استولت على الموصل. اليوم تبدو الحرب على داعش وكأنها شيعية بامتياز، فهل اختار السنة الوقوف إلى جانب التنظيم؟ قنطرة تحاور غسان العطية الباحث والسياسى العراقى لتسليط الضوء على جوانب معتمة من عراق اليوم.
داعش في العراق تتحرك تحت عباءة السنّة، كيف آلَ الوضع إلى هذا الحال؟
غسان العطية: انهارت 6 فرق عسكرية عراقية بين ليلة وضحاها حين دخل داعش إلى الموصل إلى درجة أن أعلام داعش يتحدث عن فتح الموصل " بالات التنبيه" ( أبواق السيارات) بلا قتال. ومن الواضح للجميع مستوى الأموال الأمريكية التي أُنفقت على هذا الجيش والتي تقدر بـ 25 مليار دولار، علاوة على ما صُرف عليه من الأموال العراقية.
كل هذا يثبت أن أسلوب تأسيس هذا الجيش والقيادة العسكرية والسياسية في العراق لم تكن على خطأ فحسب، بل أنها أسست مؤسسة عسكرية فاشلة بمعنى الكلمة. فبدلا من أن يكون هذا الجيش جيشاً مهنياً حرفياً عراقياً، فقد تحوّل بسبب السياسيين والأحزاب المتنفذة الى أدوات سياسية، وهكذا يعين ضباط وقادة هذا الجيش بموجب ولائهم للسلطة والأفراد والأحزاب، وهكذا فقد اُفرغ هذا الجيش من محتواه الوطني ليصبح – كما وصفه رئيس الوزراء الحالي " فيالق من الفضائيين" (تعبير يستخدم في العراق للدلالة على آلاف العسكريين المسجلة أسماءهم وغير الموجودين في الخدمة بسبب الرشاوى، التي يدفعونها الى الضباط، وعشرات ألوف من الأسماء، التي لا وجود لها أصلاً والتي يتقاضى مستحقاتها قادة وضباط فاسدون.
أما السؤال، لماذا لم تقاتل المناطق السنية دفاعاً عن نفسها أمام هجمات داعش؟ فجوابه هو ما نسبه مسؤول رفيع في البنتاجون الى سياسات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، التي تميزت بالتفرقة الطائفية والتي لم تترك مجالاً أمام أبناء المناطق السنية، إلا أن يشعروا أن عدو عدونا قد يكون صديقنا. وكان هذا تقديرا خاطئا منهم، وهو خطأ يضاف الى أخطاء اخرى كثيرة.
كيف وصلت الأوضاع الى هذا الحال من التمزق والتشرذم والضعف؟
جواب هذا السؤال هو الإحتلال الأمريكي الذي أسقط دولة ( قائمة) ولم يطرح بديلاً عنها يتمثل في دولة المواطنة القائمة على ضمان حقوق كل المواطنين بغض النظر عن طائفتهم وأعراقهم. عمليا النظام الذي أقامه بول بريمر بعد عام 2003 كان قائماً على التعامل مع العراقيين كشيعة وسنّة وكرد، وبذلك فجّروا حرب الهويات، وكان المفترض – وخاصة أمام سنّة العراق- هو أن يختاروا بين أن يكونوا سنّة وبين أن يكونوا عرباً؟
سنة العراق اختاروا أن يكونوا سنّة كردة فعل على الطائفية الشيعية (التي سادت)، وهكذا فقد وقعوا في خطأ كبير، فانتماءهم العربي كان يوحدهم مع الشيعة، وكان يمكن أن يعيد الوحدة الوطنية العراقية. وهكذا فإن الطرف الوحيد، الذي استفاد من اسقاط النظام السابق هو الطرف الكردي الذي ميّز هويته، معتبرا ان (قوميته ) الكردية هي هويته.
هناك من يقول إن اخطاء رئيس الوزراء السابق نوري المالكي هي السبب الأول وراء قبول المناطق السنية لوجود ونفوذ داعش، ما تقييمك لهذا الرأي؟
هذا الرأي تشارك فيه حتى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والتي قالت عشية انعقاد مؤتمر ميونيخ للأمن إن "سياسات السيد المالكي هي التي دفعت العراق الى هذا الوضع المأساوي وفتحت الأبواب لداعش".
بل الأكثر من ذلك أن الخبراء والكتاب الامريكان يؤكدون أن سياسات المالكي الطائفية الشيعية في المرحلة السابقة، قد خلقت نقيضها الطائفي السني. وحين بدأ العرب السنّة يتحدثون كسّنة في رد فعل على مواقف الطرف الشيعي وجدوا فجأة انهم كلما مضوا بعيداً في حديث السنّة، برز من هم أكثر تطرفاً في تسننهم، وبهذا باتوا "كالمستجير من الرمضاء بالنار". العرب في العراق اليوم، وبدلا عن ان يكوّنوا دولة للعرب والكرد، فقدوا هويتهم العربية ، وضاع السنة.
ولكن السنّة قاطعوا منذ البداية العملية السياسية، فباتوا معزولين، كيف نوفق بين هذا وبين ما تقول؟
بعد عام 2003 ، جاءت الى العراق الأحزاب المعارضة للنظام السابق. الأحزاب الكردية منها كانت تتمتع بالأساس بكثير من الاستقلالية بسبب منطقة الحظر الجوي، التي وفرت لها حماية من النظام السابق. أما الأحزاب الاسلامية الشيعية فتلقت الدعم من إيران. لكن لم يكن هناك أحزاب عربية أو سنّية باستثناء حزب البعث الذي تم اجتثاثه.
وأمس صرّح النائب أمير الكناني، وهو أحد قادة التيار الصدري في مجلس النواب قائلا إن اجتثاث البعث كان بالأساس لحرمان السنّة من أي هيئة منظمة تشارك في البرلمان لتمثل المناطق السنّية.
اليوم نحن نحصد نتائج هذه السياسة، وهكذا بتنا نسمع ولأول مرة ( في تاريخ العراق الحديث) بأن هناك مكوّنا كرديا، ومكوّنا أيزيديا، ومكوّنا شبكيا، ومكوّنا سنياً أو شيعياً، لكننا لا نسمع عن مكوّن عربي، وهكذا فقد خسرنا الشخصية العربية مقابل البديل الشيعي – السني.
"في شمال غرب العراق يقاتل حزب العمال الكردستاني بالشكل الأكثر فعالية ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، وهو الحزب نفسه الذي تم وصفه من قبل أوروبا بأنَّه ’إرهابي‘، وأمَّا في شمال شرق العراق أصبح الجنود المرسلون من قبل ’الدولة المارقة‘ إيران هم مَنْ يساندون الأكراد. لذلك فإنَّ مفهوم ’الصديق والعدو‘ عند الغرب بات ينقلب في الوقت الراهن رأسًا على عقب".
كيف تفسر مشاركة أسماء سنية كثيرة في تأسيس النخبة السياسية القائمة في العراق بعد عهد صدام حسين؟
غسان العطية: لابد من الإشارة هنا إلى أن الحزب السنّي الوحيد، الذي كان موجوداً في العراق عام 2003 وشارك في الحكم كان "الحزب الاسلامي" ذي الصلة بالإخوان المسلمين. لكن هذا الحزب لم يكرس الهوية العربية للعرب السنة، بل كرّس سنّية المناطق الساخنة الآن وزاد الأمور تعقيداً. وبهذا المعنى يتحمّل التطرف الشيعي متمثلا بالمالكي وغيره مسؤولية كبيرة في دفع العرب السنّة، الى النقيض، كما أنّ غياب قيادة واعية رشيدة للعرب السنّة قد أسقطهم في فخ الطائفية، وقد زادت الأمور تعقيدا مواقف الدول العربية، التي تعاملت معهم كسنّة ولم تتعامل معهم كعرب.
المحيط العربي للعراق يتحدث عن حماية العشائر السنية وعن حماية سنّة العراق ولكن لا أحدث يتحدث عن حماية العراقيين من داعش، فإلى أين ستؤشر بوصلة الوضع بهذا الشكل؟
غسان العطية: العرب بحديثهم المستمر عن دعم السنة في العراق أساءوا إلى السنّة. يوجد الآن 2 مليون عربي سنّي عراقي بين مهجّر ونازح ومشرّد، ما الذي قدمته الأنظمة العربية لهم؟ لم يحدث سوى استغلالهم ( كوقود لتغذية) صراع طائفي في الشرق الأوسط، كان العرب السنّة اول ضحاياه.
رغم حالة الاستقطاب الطائفي الحاد الذي يجتاح المنطقة، نرى أن الكرد لا يصفون أنفسهم بأنهم "سنّة"، بل احتشدوا لقتال تنظيم داعش باعتباره خطرا على وجودهم، هل لك في تسليط الضوء على هذا الموقف؟
في الفوضى الموجودة في العراق، أكد الطرف الكردي على هويته القومية، واضعاً هذه القومية في مقدمة أولوياته، وهذا مكّنه من أن يصل الى ما وصل إليه. في الجانب الآخر، نسمع أن العرب السنّة هم الخاسر الأكبر في الحرب على داعش، وهذا صحيح نسبيا، ولكني اقول هنا وبكل مرارة، كل العراق هو الخاسر، لأن الجسم الذي ابتلي جزء منه بمرض لن يتعافى سائره حتى يشفى الجزء المريض. وإن كان الطرف الكردي اليوم يشعر أنه هو الطرف الرابح، فالسؤال المطروح عليه هو: هل يمكن أن ينال الاستقلال وتنتهي مشكلاته؟
إذا بات هذا ممكنا فخير على خير، أما إذا كان غير ممكناً، وسيبقى الكرد مع العراق، فلا يمكن أن يبقوا بموقف المتفرج على ما يجري، لابد من انقاذ كل الجسم العراقي.
"الاعتدال الشيعي يحتاج إلى الاعتدال السني، والعرب المعتدلون بحاجة الى الكرد المعتدلين. غابت كلمة الاعتدال ، وحل محلها التطرّف، بات كل طرف لا يرى الا همومه، ولا يدرك أو يحاول أن يفهم مشاكل الآخرين".
من ينظر الى المشهد العراق يلمس بوضوح هشاشة نسيج البلد، هل ترى أن هذا النسيج قد تمزق ولا سبيل لُلحمته؟
التفكك هو الشيء السائد الآن ويؤلمني أني لا ألمس معاناة وشعور العراقي ابن الشمال وابن الجنوب بمآسي الآخرين، فهو يتحدث فقط عن مشكلته. صحيح أن أبناء السماوة ( جنوب العراق) -وأنا أيضا من جنوب العراق - قد قُتلوا على يد داعش في المناطق السنّية، ولكن من قتلهم كانوا عناصر متطرفة وشاذة، بينما لم نستطع أن نكسب عناصر الاعتدال.
الاعتدال الشيعي يحتاج الى الاعتدال السني، والعرب المعتدلون بحاجة الى الكرد المعتدلين. غابت كلمة الاعتدال ، وحل محلها التطرّف، بات كل طرف لا يرى الا همومه، ولا يدرك أو يحاول أن يفهم مشاكل الآخرين .
ثقافة نكران الآخر طائفيا أو اثنيا ليست جديدة في تاريخنا، فقد ضربنا اليهود وضربنا المسيحيين وضربنا الأيزيديين وضربنا الشبك وضربنا المندائيين، وهكذا فقد افرغنا بلدنا من مكوناته نتيجة سياسة الكراهية.
أنا أعتقد أنّ النقطة الغائبة في صراع اليوم في العراق هو غياب البعد الانساني في الخطاب السياسي، لم يعد ابن الجنوب( مثلا) يشعر بالمرارة لأن ابن صلاح الدين(غربا) يسكن في خيمة، وإذا قصد كركوك فهو يمنع عن دخولها، لأن اهل كركوك يخافون التغيير الديموغرافي.
أقول هنا بكل مرارة وبتجربة سنوات عمري الطويلة: لم أكن أتصور أن نصل كعراقيين الى هذا المستوى.