مرتضى إعمراشا.. السلفي المدافع عن العلمانية

الأربعاء 18/مارس/2015 - 10:33 ص
طباعة مرتضى إعمراشا.. السلفي
 
من بين الأسماء التي أصبحت مشهورة خلال السنوات الأخيرة وسط الشباب المغربي، وخصوصا الناشطين في شبكات التواصل الاجتماعي "الفيس بوك"، نجد السلفي السابق وإمام مسجد المرتضى إعمراشا، البالغ من العمر 28 سنة، ولم يتعد مستواه الدراسي السادس الابتدائي، لكنه رغم ذلك، استطاع أن يُكوِّن نفسه بنفسه، حتى أصبح من الأشخاص الذين يثيرون الجدل وسط الساحة المغربية. ترعرع وكبر بمنطقة الحسيمة واشتغل بها كإمام لإحدى المساجد قبل أن يأتيه قرار التوقيف من طرف مندوبية وزارة الأوقاف. 
مرتضى إعمراشا.. السلفي
فقد حير إعمراشا كل من يعرفونه ويقرءون ما يكتبه وما يدونه على جداره في العالم الأزرق، حيث يسمونه بالفقيه العلماني؛ لأن أفكاره تقدمية أكثر من التقدميين المغاربة أنفسهم، ومن بين ما جعله يثير الجدل هو موقفه من صوم رمضان حيث كتب يوما: "منع الإفطار العلني في رمضان لمن أراد ذلك، ليس من دين الإسلام، إنما هو قانون وضعي، الأولى انتقاده لا مساندته؛ لأنه يناقض مبدأ حرية المعتقد المنصوص عليه صراحة في كثير من آيات القرآن؛ ما جعل الكثيرين يطرحون عدة أسئلة، منها: كيف لإمام وسلفي أن يقول كلاما مثل هذا؟
إعمراشا المرتضى وفي إجابته لوسائل الإعلام حول مناصرة أفكار العلمانية يقول: "نُصرتي للعلمانية جاءت بعد مراجعاتي الفكرية، خاصة بعد انضمامي لحركة 20 فبراير، حيث وجدت نفسي أمام تركة سياسية سلفية تُشرْعن الدكتاتورية، وتَصطدم تماماً مع طموحات الشعوب في التغيير، فكان لزاماً عليّ أن أبحث عن أصل هذا الخلل، لأعكف على دراسة كتب الفكر والتاريخ السياسي عند المسلمين، حتى وصلت إلى قناعة أن الإسلام لم يأتِ بأي نظام سياسي، إنما أتى بمبادئ عامة يسعى إليها الجميع".
لم يتوقف المرتضى عند هذا الحد ودافع على العلمانية إلى أقصى حد، حيث سبق وأن صرح لموقع هسبريس على أن "مؤشرات العَلمانية إلى اليوم هي الأعلى من بين كل الأنظمة السياسية الأخرى، وإذا استطاع المسلمون من خلال الإسلام إيجاد نظام سياسي أرقى وأبهى من العلمانية، فأنا معه أيضاً، إلا أنّ كلّ الأطروحات حول النظام السياسي الإسلامي الحالي غير مقنعة".
مرتضى إعمراشا.. السلفي
يقول عن نفسه
أنا مواطن مغربي بسيط، عانيت في صغري بسبب ظروف العيش الصعبة في بلدي، كغيري من المغاربة، تربيتي كانت تربية دينية، تعلمت أصول الدين ومفاهيمه منذ نعومة أظافري على يد والدي الذي كان يملك مدرسة تقليدية "كُتَّاب" يَدرس فيها الأطفال، بعد مرحلة المراهقة ازداد شغفي بالعلوم الإسلامية، وحضور المحاضرات والندوات المهتمة بالإسلام، وكنت أحرص على قراءة الكتب الدينية التي تمتلئ بها مكتبة والدي، لكن بعد دخولي للعالم الافتراضي خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت نظرتي تتغير حول المسلمين والعالم حولي، بدأت أول الأمر أنفتح على المذاهب الإسلامية الأخرى خاصة بعد الفتن الطائفية التي ظهرت بعد الحرب على العراق سنة 2003، ثم بدأت أقرأ وأسمع للمفكرين التنويريين في العالم الإسلامي، كمحمد عابد الجابري، وعبد الوهاب المسيري، وعدنان إبراهيم، ومحمد شحرور، والحاج حمد السوداني، علي شريعتي، ومفكرين عالميين خاصة أساطين الفلسفة البراجماتية، وصرت مولعاً بالكتب المتعلقة بالأنثروبولوجيا، وهذا جعلني أدخل على تصوراتي الدينية مفاهيم معيارية جديدة، مكنتني من استيعاب ثقافة الآخرين وفهم سبب الاختلاف بين الأمم والشعوب، وكنت دائماً أجد معاني جميلة في القرآن الكريم، تساعدني على الانفتاح أكثر، وعدم التخوف من كوني أسلك طريق الضلال، كما يقول عني المعارضون لي، فالله ليس سلفياً، بل وهب لنا عقلا لا حدود لتفكيره وقلباً يتسع للمحبة وتقبل الآخرين أكثر مما يتسع للكراهية والتطرف، ومن خلال كتاباتي وتدويناتي على الجرائد والمواقع الإلكترونية أصبحت مثار اهتمام الكثيرين، وبعضهم يجد ما أكتبه جميلاً وآخرون يقولون غير ذلك، ومن خلال نقدي اللاذع أحيانا لبعض المفاهيم الإسلامية كسبت جمهورا واسعاً خاصة في بلدان العالم الإسلامي التي لا زالت تعاني من الدكتاتورية الدينية، كما كسبت أعداء آخرين يتوعدونني بالقتل والانتقام مني، أحيانا برسائل خاصة وأحيانا على "اليوتوب".
ويقول عن مستواه العلمي
اضطررت لترك الدراسة في الثانية عشرة من عمري، من أجل العمل في التجارة لمساعدة عائلتي الفقيرة، فوالدي المقعد بعدما تدهورت صحته اضطر لإغلاق مدرسته، وممارسته التجارة وكان لزاما على أحد أبنائه أن يساعده لإعالة أسرتنا المكونة من عشرة أفراد "ثمانية إخوة ووالدينا"، ولكوني الابن البار فقد اضطر للتضحية بي، رغم أني كنت متفوقاً في دراستي، لكن صعوبة المعيشة حتمت عليه ذلك، لكن حبي للقراءة والدراسة لم يتوقف حينها، وكنت أتابع الدراسة في أوقات الفراغ بالمدارس الدينية "الكتاتيب" المنتشرة في بلدتي الحسيمة، فحفظت القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية، وتمكنت من فهم قواعد الفقه الإسلامي والحديث وتفسير القرآن، وهذا أكسبني رؤية شاملة عن الدين الإسلامي، ولا زلت أطمح لإكمال دراستي بأرقى الجامعات العالمية، لأخدم بلدي ومجتمعي عبر التأصيل لثقافة التسامح والاحترام .
مرتضى إعمراشا.. السلفي
حول جهاد المغاربة في سوريا
المغاربة شعب مسلم، والعاطفة الدينية توحد جميع المسلمين، وتحتم عليهم أن يكونوا إخوة فيما بينهم، وقد اتجه سابقا آلاف المغاربة لقتال الروس والأمريكان في أفغانستان، كما اتجهوا لمساعدة إخوانهم في البلقان والصومال، وكذلك فعلوا في حرب العراق، وما يعانيه الشعب السوري من جرائم متتالية على يد النظام الحاكم هناك خلال الأربع سنوات الماضية، جعل كل مسلم يفكر في كيفية إنقاذهم بعدما خذلتهم دول العالم، بل واشترك بعضهم في الإجرام في حق السوريين، وكل الذين غادروا أول الأمر كان غرضهم مساعدة الشعب السوري والدفاع عنه لا غير، ثم تطور الأمر للأسف إلى أن تفرقت الجماعات المقاتلة بسبب الموقف من العدو، بين من يرى أن العدو هو نظام الأسد فقط وبين من يرى أن العدو كل من يتعامل معه بأي شكل من الأشكال، فتدخلت هنا فتاوى رجال الدين الذين حكموا بكفر كل من يتعامل مع الأمم المتحدة، حسب الشرعية الدولية، وقالوا: إن العالم كله عدو لنا مستدلين بمفاهيم خاطئة لآيات قرآنية وأحاديث نبوية .
مرتضى إعمراشا.. السلفي
عن ظاهرة المقاتلين الأجانب
يمكن أن تتوقف إذا قامت الدول العربية والإسلامية بواجبها اتجاه الشعب السوري، وسيبادر هؤلاء الشباب للتطوع في جيوش نظامية لحماية الشعوب من ظلم حكامها، فليست العاطفة الدينية وحدها المتهمة بإقناع هؤلاء للتوجه للقتال، فكل ذي ضمير حي في العالم يؤلمه ما تعانيه هاته الشعوب من تقتيل وإبادة جماعية، لكن ما دام الكل صامتا أمام إرهاب النظام فلا يجوز أن يستنكروا إرهاب المقاتلين ضده، فأكثر من ثلاثمائة ألف سوري قتلهم النظام ولم تقتلهم "داعش"، وملايين المشردين في الملاجئ هربوا من قصف قوات النظام لا من "داعش" .
ما هو الجهاد؟
أولا أنا لست عربيا، أنا آمازيغي، وبالنسبة للجهاد عند الشعوب المسلمة فقد كان ولا يزال عقيدة إسلامية متجذرة في أذهاننا؛ لأن القرآن الذي يؤمن به كل المسلمين واضح في الدعوة إلى الجهاد، في آيات كثيرة، وهنا يختلف فهمنا كشعوب وأفراد لهذا الجهاد، هل هو دفاع عن النفس فقط؟ وماهي الآليات والوسائل الممكنة لذلك؟ بالنسبة لي فمفهوم المقاومة الذي تتفق عليه جميع شعوب العالم هو الجهاد، مثلاً ما كانت تقوم به الجيوش الإسلامية في الأندلس "إسبانيا" وغيرها لم يكن جهاداً، بل الجهاد هو ما كانت تقوم به الجيوش النصرانية المدافعة عن وطنها، وأنا ضد تبرير احتلال أي بلاد بأي حجة، ولو كنت في زمن ما يسمى بالفتوحات الإسلامية لكنت جندياً ضد الأطماع التوسعية لحكام المسلمين حينها .
مرتضى إعمراشا.. السلفي
عن حد الزنا
الدولة التي تجعل الدين أساس حكمها لا يمكنها أن تستوعب حرية المعتقد كما ينبغي، فمثلا، المغرب الذي يعد دولة معتدلة، ويسمح بحرية الأديان يقوم الجهاز الأمني أحيانا بالقبض على مسيحيين بتهمة نشر المسيحية، كما يقوم بالقبض على شيعة بتهمة نشر التشيع، فالدولة أساسا يجب أن تكون محايدة في قضايا الدين، وتتبنى نفس الموقف من كل الدعوات الدينية واللادينية، فالمغرب يفخر دائما عبر قنواته الرسمية أنه يرسل دعاته لنشر الإسلام في غير بلاد المسلمين، ثم يتعامل بالضد مع الدعوات الأخرى في بلاده، وأعتقد أنها دكتاتورية دينية بغرض إقناع الشعب بكون النظام يحرص على حماية الدين، وبذلك يكسب شرعية لدى فئة واسعة من المتحمسين . أما القرآن الكريم فقد تعرض على مر العصور لأهواء الحكام ورجال الدين، وأخذوا يفسرونه على أهوائهم بما يخدم مصالحهم الشخصية، خاصة بعد نهاية فترة الخلافة الراشدة في صدر الإسلام، والتفسير الصحيح للقرآن هو التفسير الذي يتوافق مع الضمير الإنساني، وقد ذكر القرآن ذلك في سورة الروم الآية 30، وجعل ضمير الإنسان الذي سماه "الفطرة" هو المعنى الحقيقي للدين، ورجم الزاني مثلا ليس نصا قرآنياً بل ورد في أحاديث وروايات، والقرآن لم يشر لذلك أبدا، كذلك قتل المرتد عن الإسلام، كلها أحكام أضيفت للإسلام خلال القرون التي تعرض فيها المسلمون لمجازر جماعية، على يد حكامهم بعد الخلافة الراشدة، وصار هؤلاء الطغاة يوجهون رجال الدين لاختراع أحكام تلبي رغباتهم المريضة، فإذا كان القرآن واضحا جدا في الدعوة لحرية الاعتقاد، فكيف يسمح بنسب حكم قتل المرتد عن الإسلام للشريعة الإسلامية، هذا ظلم لفهم الإسلام، وقد قام كثير من المفكرين المسلمين المعتدلين بالإجابة عليها .
الآخر في الإسلام
ليس مستحيلاً، فقد تعايش غير المسلمين مع أشد الدولة دكتاتورية في تاريخ المسلمين، وأنا حاليا أعيش بالمملكة العربية السعودية بغرض العمل، ولدي أصدقاء هندوس ومسيحيون وسيخ وبوذيون من العمال القادمين للعمل، إجمالاً لا يتعرضون لتمييز بسبب دينهم من طرف نظام المملكة، والناس تتعايش معهم باحترام، لكن لا يسمح لهم بتشييد دور للعبادة لهم، للأسف، وهذا مبني أيضا على مغالطات دينية منتشرة في كتب الفقه الإسلامي، وأعتقد أن القرآن بريء من ذلك، وواضح جدا كما في سورة الحج الآية 40، في الدعوة لحماية دور العبادة الأخرى غير المساجد والمحافظة عليها.
كيف يمكن التوافق بين الشريعة والديمقراطية؟
يمكن ذلك إذا فهمنا "فقه مقاصد الشريعة" الذي أصبح الآن فكرة ثورية على مفاهيم تطبيق الشريعة، وأعتقد بعد أقل من عشر سنوات أن فقه مقاصد الشريعة سيلتقي مع الديمقراطية؛ لأن أول خليفة للمسلمين بعد النبي اختير بطريقة ديمقراطية، حيث تحاكموا إلى حكم الأغلبية ووجدوا أن الناس إنما تذعن لقبيلة قريش، فاختير أبو بكر الصديق على هذا الأساس، ولا أقصد أن القاعدة المطبقة في ذلك الوقت كانت قواعد ديمقراطية، لكن فكرة الحكم للشعب من أساسها غير متعارضة مع الشريعة .
مرتضى إعمراشا.. السلفي
رسوم شارلي إيبد
سأكون منافقاً إن قلت أنها لم تسئ لي، والإساءة الحقيقية سببها نحن المسلمين، الذين أعطينا صورة سيئة بسلوكنا لهذا النبي الكريم؛ لأني كمسلم أعرف من هو محمد صلى الله عليه وسلم، ومتأكد جدا من أنه بعيد كل البعد عن التصور الذي تصر شارلي إيبدو على إظهاره عليه، كيف يكون الرجل الذي قال عنه ربه في الآية 107 من سورة الأنبياء: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} أن يكون شريراً، ونحن نبدأ في كل سورة من القرآن القراءة بـ: {بسم الله الرحمن الرحيم}، التي تعني أن الله رحمن بالمسلمين ورحيم بالعالمين، وعلى هذا عاش محمد صلى الله عليه وسلم 
وإن كنت أستهجن هذا النوع من المنشورات التي تستفز مشاعر كثير من المسلمين، لكني ضد محاولة قمعها ومنعها، فالقرآن الكريم والسنة النبوية ذكرت ونقلت لنا كيف كان أعداء المسلمين يسخرون منهم ومن النبي محمد ودينه، داخل المجتمع الذي يحكمه المسلمون، ونقل القرآن في الآية 140 من سورة النساء، والآية 68 من سورة الأنعام ذلك، وأمر المسلمين أن لا يشاركونهم في سخريتهم تلك، هذا كل ما في الأمر، ولم يأمرهم بقمعهم عن ذلك، كما منع القرآن المسلمين من سب الأصنام التي كان يعبدها الوثنيون؛ كي لا يردوا عليهم بالمثل، والمسلم الواثق من دينه، لا تضره رسوم شارلي ولا سخرية من نبيه محمد الذي لا تزال صورته واضحة نقية رحمة للعالمين 
مرتضى إعمراشا.. السلفي
داعش
إن كنت تقصد دولة "داعش" فتأثيرها ما زال محدودا، بل أغلب المسلمين ضدها تماما، لكن إن اتجهت هذه الدولة لمواجهة دولة إسرائيل التي يتفق جميع المسلمين على عداوتها، فأنا متأكد أن أغلب المسلمين سيقفون معها، لذلك على العالم أن يدرك مدى خطئه في سكوته لعقود عن الجرائم المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني، وقد رأينا مثال ذلك في حرب تموز سنة 2006، عندما ساند المسلمون جميعا حزب الله الشيعي في حربه ضد إسرائيل، رغم أنهم ضد أيديولوجيته الدينية .
مستقبل "داعش" لا يحدده المسلمون بقدر يحدد مدى العدل الذي سيتعامل به المجتمع الدولي مع قضية فلسطين المحتلة ومحاسبة المجرمين في حق شعبها.

شارك