يتضمن كتاب الإعلام بأعلام الإسلام للشيخ محمد أبو زهرة مجموعة ثرية من المقالات كتبها في الفترة ما بين 1959 إلى 1966 في مجلة العربي الكويتية، ويقع الكتاب في 223 صفحة من القطع المتوسط.

وتناول الشيخ محمد أبو زهرة في الكتاب 19 شخصية من أئمة الإسلام بقراءة عميقة في حياتهم ويمكن تصنيفهم كما يلي في الفقه الإسلامي: 

أبو حنيفة، مالك، الشافعي، أحمد بن حنبل، زيد بن علي، جعفر الصادق، ابن حزم، ابن تيمية.

وثلاثة من المفسرين: 

محمد بن جرير الطبري، محمد بن عمر الزمخشري، والفخر الرازي. 

كما تناول علماء الكلام: 

الحسن البصري، واصل بن عطاء، أبو الحسن الأشعري، أبو منصور الماتريدي، أبوبكر الباقلاني، وأبو الحسن الماوردي. 

ثم اختتم الكتاب بأمة الحديث ومنهم: 

البخاري، مسلم بن الحجاج، ابن ماجة القزويني، أبو داود السجستاني والترمزي.

والشيخ محمد أبو زهرة المتوفى في عام 1974 عن 77 عاما من كبار علماء الأزهر وأستاذ الشريعة الإسلامية والقانون بالأزهر وكليات الحقوق، 

ويبرز من خلال الكتاب العلاقة الشائكة بين السلطة والأئمة ومشكلة استقلال رأي الدين في مواجهة عنفوان السياسة، وأيضا مشكلة خضوع رجل الدين للسلطة الغاشمة، وفي استطلاعنا لبعض النماذج بالكتاب: 

وُلد أبو حنيفة بالكوفة ونشأ فيها، وقد كانت الكوفة إحدى مدن العراق العظيمة، ينتشر فيها العلماء أصحاب المذاهب والديانات المختلفة، وقد نشأ أبو حنيفة في هذه البيئة الغنية بالعلم والعلماء، فابتدأ منذ الصبا يجادل مع المجادلين، ولكنه كان منصرفاً إلى مهنة التجارة، فأبوه وجده كانا تاجرين، ثم انصرف إلى طلب العلم، وصار يختلف إلى حلقات العلماء، واتجه إلى دراسة الفقه بعد أن استعرض العلوم المعروفة في ذلك العصر، ولزم شيخه حماد بن أبي سليمان يتعلم منه الفقه حتى مات حماد سنة 120هـ، فتولى أبو حنيفة رئاسة حلقة شيخه حماد بمسجد الكوفة، وأخذ يدارس تلاميذه ما يُعرض له من فتاوى، حتى وَضع تلك الطريقةَ الفقهيةَ التي اشتُق منها المذهب الحنفي.

وقعت بالإمام أبي حنيفة محنتان، المحنة الأولى في عصر الدولة الأموية، وسببها أنه وقف مع ثورة الإمام زيد بن علي، ورفض أن يعمل عند والي الكوفة يزيد بن عمر بن هبيرة، فحبسه الوالي وضربه، وانتهت المحنة بهروبه إلى مكة عام 130هـ، وظل مقيماً بها حتى صارت الخلافة للعباسيين، فقدم الكوفة في زمن الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور. 

أما المحنة الثانية فكانت في عصر الدولة العباسية، وسببها أنه وقف مع ثورة الإمام محمد النفس الزكية، وكان يجهر بمخالفة المنصور في غاياته عندما يستفتيه، وعندما دعاه أبو جعفر المنصور ليتولى القضاء امتنع، فطلب منه أن يكون قاضي القضاة فامتنع، فحبسه إلى أن توفي في بغداد سنة 150هـ، ودُفن في مقبرة الخيزران في بغداد، وبني بجوار قبره جامع الإمام الأعظم عام 375هـ.

كان بعض المعتزلة قد استطاع إقناع الخلفاء العباسيين ‏بأن القرآن مخلوق، وأن ذلك‎ ‎أصل من أصول الدين ‏القويم، ومن يعتقد أو يفكر في أن القرآن قديم، فهو ‏يخالف ما هو‎ ‎معلوم من الدين بالضرورة، حتى وإن ‏كان هذا الشخص لا يصرِّح بذلك. ‏ودعا الخليفة المأمون ‎ ‎بن هارون الرشيد العلماء ‏ليمتحنهم بأن يسألهم: هل القرآن قديم، أم مخلوق ‏حادث؟‎!‎ فكان بعض العلماء والفقهاء يهرب من ‏‏(المحنة) وبعضهم يتوارى عن الأعين، وبعضهم‎ ‎يستعمل مبدأ «التَّقيَّة» فيقول للحاكم ما يريد أن يسمعه ‏منه، فينجو‎. ‎

غير أن بعض العلماء والفقهاء صرَّحوا بأن لهم رأياً ‏يخالف ما يعتقده المعتزلة‎ ‎والخلفاء، فأصابتهم ‏الويلات وكان من هؤلاء الذين ابتلاهم زمانهم بهذه ‏المحنة وتلك‎ ‎الحسبة الإمام ابن حنبل، الذي كان قد بلغ من ‏العمر خمسا وخمسين سنة، ومن الشهرة ما لم‎ ‎ينله ‏شخص آخر من معاصريه. ويقول الشيخ أبو زهرة في كتابة: 

كان الإمام أحمد ببلدة طرسوس، فأرسل إليه المأمون ‏كتاباً (وثيقة) فيها أن عليه‎ ‎الاعتراف بالإيمان بخلق ‏القرآن، أو تقطع يداه ورجلاه. فلما قرأوا الكتاب على ‏الإمام‎ ‎ابن حنبل، قال: القرآن كلام الله، وكلام الله غير ‏مخلوق ‎وهَمَّ عسكر المأمون بتنفيذ الحكم، فثار عليهم الناس ‏يقودهم محمد بن الطبَّاع‎ ‎وأخوه إسحاق. فأخذ الجند ‏الإمام ابن حنبل وهو مقيد بالسلاسل، وذهبوا به إلى ‏بغداد (‎تبعد عن طرسوس بمئات الكيلومترات) فألقوه ‏في الحبس، في غرفة ضيقة جداً، وكانوا‎ ‎يرفضون أن ‏ينـزعوا عنه القيود كي يؤدى صلواته، فكان يصلى ‏بالناس في السجن وهو‎ ‎مقيَّد، ثم أرسلوا إليه في سجنه ‏من يدعوه للإقرار بأن القرآن مخلوق، فرفض، فزادوا‎ ‎عليه القيود حتى أحكموا قدمه بأربع سلاسل حتى لا ‏يمكنه الحركة‎. ‎

وظل الإمام في حبسه حتى تولى الخلافة «المعتصم» ‏فاستمر في ممارسة الحسبة، وفى‎ ‎اختبار أفكار الناس ‏عبر ما يعرف باسم (المحنة).. وقد بعث الخليفة إلى ‏الإمام ابن‎ ‎حنبل يهدِّده إما بالاعتراف العلني بإيمانه ‏بخلق القرآن، أو بقتله «في موضع لا يرى‎ ‎فيه شمس ‏ولا قمر» . فرفض الإمام، فحملوه في قيوده إلى ‏الخليفة الذي كان قد جهَّز له‎ ‎ستين جلاَّدا، كي يرهبه ‏ويغصبه على الاعتراف، فقال الإمام أحمد بن ‏حنبل: ‎الإيمان هو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً ‏رسول الله، وإقامة الصلاة وإيتاء‎ ‎الزكاة‎. ‎

فقام إليه المعتصم، وقال: ويحَك يا أحمد، ما تقول في ‏القرآن؟ قال الإمام: يا‎ ‎أمير المؤمنين ما أعرف هذا ‏الكلام، إنما طلبت أمر ديني وصلاتي، وأعلِّم الناس.. ‏أمر‎ ‎الخليفة الجلادين، فعلَّقوا الإمام بين السماء ‏والأرض، وراح كل جلاد يضربه بكل ما‎ ‎أوتي من ‏قوة‎ .‎

‎ ‎وفقهاء السلطان حول الخليفة يزعقون: يا أمير ‏المؤمنين، هو كافرٌ حلال الدم،‎ ‎فاضرب عنقه وذنبه في ‏رقبتنا وهنا قال رجل من الجلادين للخليفة: يا أمير‎ ‎المؤمنين، إن أردتَ ضربتُه سوطين أقتله فيهما. فوافق ‏الخليفة، فضربه الجلاد سوطين‎ ‎هائلين، قال المؤرخون ‏إنهما قطعا جلد بطنه، فتدلت منها أمعاؤه‎. ‎ثم ألقوا الإمام على الأرض وشدُّوا على ‏بطنه بثوب. وصاحوا «مات‎ ‎أحمد». فصخب الناس ‏عليهم في بغداد، ونقم المسلمون في أنحاء الأرض لهذه ‏المحنة‎.. ‎ فأطلق الخليفةُ الإمامَ أحمد، ليظل بعدها أكثر ‏من عشرين سنة عليلاً، مختفياً في‎ ‎بيته، مخلوع ‏الكتفين، حتى وفاته سنة 241 هجرية.

هو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي (364- 450 هـ / 974- 1058 م) أكبر قضاة آخر الدولة العباسية، صاحب التصانيف الكثيرة النافعة، الفقيه الحافظ، من أكبر فقهاء الشافعية والذي ألّف في فقه الشافعية موسوعته الضخمة في أكثر من عشرين جزءًا..

ولد الماوردي في البصرة عام 364 هجرية، لأب يعمل ببيع ماء الورد فنسب إليه فقيل "الماوردي". ارتحل به أبوه إلى بغداد، وبها سمع الحديث، ثم لازم واستمع إلى أبي حامد الإسفراييني. عمل بالتدريس في بغداد ثم بالبصرة وعاد إلى بغداد مرة أخرى. كان يعلم الحديث وتفسير القرآن. لقب عام 429 هـ بأقضى القضاة، وكانت مرتبته أدنى من قاضي القضاة، ثم بعد ذلك تولى منصب قاضي القضاة.

نشأ الماوردي، معاصرا خليفتين من أطول الخلفاء بقاء في الحكم: الخليفة العباسي القادر بالله، ومن بعده ابنه القائم بأمر الله الذي وصل الضعف به مبلغه، حتى إنه قد خطب في عهده للخليفة الفاطمي على منابر بغداد.

كان الماوردي ذا علاقات مع رجال الدولة العباسية كما كان سفير العباسيين ووسيطهم لدى بني بويه والسلاجقة. بسبب علاقاته هذه يرجح البعض كثرة كتابته عما يسمى بالفقه السياسي. ومن كتبه في هذا المجال:

أدب الدنيا والدين- الأحكام السلطانية- قانون الوزارة. 

أما كتبه الأخرى فمنها:

سياسة أعلام النبوة- تفسير القرآن "النكت والعيون".

وقد نال الأخير عناية المفسرين المتأخرين ونقلوا عنه، كابن الجوزي في زاد المسير، والقرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن. اتهم الماوردي باعتناقه فكر المعتزلة، لكن انتصر له تلميذه الخطيب البغدادي فدافع عنه ودفع عنه الادعاء. توفي في يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الأول من سنة 450 هـ، ودفن من الغد في مقبرة باب حرب، وكان قد بلغ 86 سنة، وصلى عليه الإمام الخطيب البغدادي. ولم يسمع عنه مناهضته للخلفاء أو مواجهتهم، بل كان وسيطا لهم يتبع التقية.