صفحات من تاريخه الحديث...اليمن نحو المجهول
الخميس 26/مارس/2015 - 07:13 م
طباعة

اليمن علي فوهة بركان حيث تدور معارك طاحنة .قد تغير خريطة اليمن السياسية والجغرافية بل وخريطة المنطقة بالكامل .فقد بدأت العملية العسكرية "عاصفة الحزم" بالضربات الجوية الأولى التي وجهتها الطائرات السعودية لمعاقل جماعة الحوثي باليمن، وتشارك دول الخليج العربي -ما عدا عُمان- في عمليات القصف، كما تحضر دول أخرى في العملية التي من المنتظر أن يزيد حجم القوات والدول المشاركة مع استمرارها.
وبهذه المعارك احتلت اليمن ساحة الإعلام؛ الأمر الذي يتطلب معرفة خلفية ولو موجزة عن تاريخ اليمن الحديث.. التي اشتهرت باليمن السعيد وقد اشتق اسمها من ( اليُمن ) وهو الرخاء والبركة. وتمتد على رقعة جغرافية واسعة تقع جنوب الجزيرة العربية .
مدخل:

وقد عرفت اليمن أطوار التاريخ قديمه ووسيطه وحديثه ومعاصره في حلقات متصلة وانسجام متكامل، وكان لها في التاريخ القديم حضورٌ مميزٌ استحق ذكراً في القران الكريم اليمن دولة عربية تقع في الجزء الجنوبي من شبه جزيرة العرب، يحدها جنوبًا بحر العرب، وشمالاً المملكة العربية السعودية، وغربًا البحر الأحمر، وشرقًا عُمان. تقدر مساحة اليمن بحوالي 453,000كم².ويقدر سكان اليمن بحوالي 25مليون نسمة.يتميز سطح شمال اليمن بكونه منطقة جبلية مرتفعة يحدها سهل ساحلي ضيق في الغرب، يعرف بسهل تهامة اليمن.
ومن اهم مدن اليمن صنعاء وتعز وعدن و الحديدة وصعدة، وإب، وذمار، وزبيد، وبيت الفقيه ومن موانئ اليمن: الحديدة، والمخا، والصليف، وعدن، والمكلا.ومن جزرها كمران، وحنش، وبريم، وسوقطرى وغيرها. وفيها مضيق باب المندب، وعدد كبير من الأودية مثل وادي زبيد، ووادي سهام، ووادي بنا، ووادي ورزان، ووادي الخارد، ووادي حضرموت وغيرها من الأودية الأخرى.ينحدر سكان اليمن من عرب الجنوب المعروفين بالقحطانيين،وينتمون إلى أعرق الأصول العربية. وجميع السكان عرب مسلمون وفيهم أتباع المذهب الزيدي، ويقطنون المناطق الجبلية. أما باقي السكان فهم سنيون شافعيون، ويتمركزون في محافظات إب وتعز والحديدة وفي تهامة والسواحل الجنوبية.اليمن بلد صالح جدًا للزراعة بأنواعها، ففيه أنواع المزروعات المختلفة، حيث تزرع أشجار الفواكه بأنواعها في الجبال والمناطق المرتفعة كالبرتقال والليمون والخوخ والمشمش والموز والتفاح والكمثرى والتين والعنب وغيرها. وتزرع في سهوله وضفاف أوديته الحبوب من قمح وشعير ودخن وذرة وعدس. بالإضافة إلى زراعة الخضراوات والبن والقات والقطن.ويصدر اليمن البن اليمني المشهور عالميًا. حيث عرف البن في اليمن منذ عام 950هـ،1540م، واهتم سكان اليمن بزراعته في المنحدرات اليمنية. واليمنيون قوم مشهورون بالتجارة منذ القدم، خاصة الحضارمة منهم ( الذين ينتمون الي حضرموت) والشعب اليمني يحب الهجرة بسبب العمل والكسب، فمنهم أعداد كبيرة في إندونيسيا،
وفي بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وقد توارث اليمنيون مهنة التجارة والرحلات الخارجية عن
أجدادهم القدماء الذين كانوا يمارسون التجارة ويجوبون البحار والأقطار في معظم القارات، نظرًا لموقع بلادهم المهم على الطرق التجارية الرئيسية: البرية والبحرية. وحول التاريخ الحديث يذكر الموقع الوطني اليمني
انه في تاريخ الإسلام والمسلمين كان لليمن وأهل اليمن إسهامات بارزة في نواحي الحياة الثقافية والعسكرية والإدارية.
واليوم يُعرف اليمن رسمياً باسم (الجمهورية اليمنية)، يحدها من الشمال المملكة العربية السعودية، ومن الجنوب البحر العربي وخليج عدن، ومن الشرق سلطنة عمان، ومن الغرب البحر الأحمر. ونعرض في السطور التالية موجزاً لحقب التاريخ اليمني؛ لنقف على صورة مجملة لتاريخ اليمن الحديث.
المملكة المتوكلية اليمنية والاستعمار البريطاني:

كان الإمام يحيى حاكم اليمن في الحرب العالمية الأولى قد وقف على الحياد، فلا حارب الأتراك في جهاته مستغلاً الظرف، ولا شاركهم مع باقي قبائل اليمن الأسفل في حربهم القصيرة ضد المحميات في الجنوب والتقدم إلى لحج. وقد ضمنت له هذه السياسة الحفاظ على قواته التي سيستخدمها بعدئذ ضد جبهات متعددة. وقد قام الإنجليز رغم انتهاء الحرب واستعداد الأتراك للخروج من اليمن بالاستيلاء على تهامة حتى الحديدة؛ لكي تكون مناطق مقايضة مع الإمام يحيى الذي أدرك الإنجليز- وبحكم طبيعة الأمور في اليمن- أن الإمام سيتطلع إلى تحرير الجزء المحتل من قبلهم وبسط سيطرته عليه.
وقد أخذ الإمام يحيى فعلاً وبعد خروج الأتراك من اليمن يتطلع إلى السيطرة على المناطق التي أخلاها الأتراك، بل ويتطلع إلى بسط سيطرته على المحميات في جنوب اليمن، لكن الإنجليز- وجرياً على سياستهم المشهورة ((فرق تسد))- قاموا عام 1921م بتسليم ما احتلوه من المناطق التهامية إلى حليفهم الإدريسي والذي وقف إلى جانبهم في الحرب بموجب معاهدة صداقة عقدت بينه وبين الإنجليز عام 1915 م. وهكذا وجد الإمام الذي أعلن قيام (المملكة المتوكلية اليمنية) نفسه محاطاً بالخصوم في الشمال والجنوب والغرب، ومحروماً من الموانئ المدرة للمال جراء نشاطها التجاري، بالإضافة إلى تمردات القبائل الرافضة للفردية المطلقة ولسياسة أخذ الرهائن والتعسف في جباية الأموال. وقد واجه سيف الإسلام أحمد بن الإمام يحيى كقائد عسكري لقوات أبيه تمردات القبائل في حاشد وتهامة والبيضاء ببأس واقتدار، كما تمكنت قوات أخرى للإمام من دخول الحديدة بعدئذٍ دون قتال، وذلك بعد موت الأمير محمد الإدريسي المؤسس للإمارة الإدريسية، لتحل مشاكل خلافة السلطة في الأعقاب وليتسلم الحكم في الإمارة حسن الإدريسي عم محمد المؤسس، والذي لم يكن بنفس حماس وحنكة المؤسس، مما مكن قوات الإمام من التقدم شمالاً لتحاصر مدينتي صبيا وجيزان، أهم مدينتين ضمن الإمارة الإدريسية، ولقد رفض الإمام الاعتراف بالإمارة الإدريسية مقابل الدخول في حماية الإمام، بحجة ان الأدارسة المنحدرين أصلاً من المغرب العربي دخلاء على البلاد التي كانت دوما جزءاً من البلاد اليمنية التي حكمها أجداده. وقد دفع هذا الموقف الحاسم من الإمام الأدارسة إلى الالتجاء بآل سعود الذين قامت دولتهم في نجد والحجاز على أنقاض دولة الشريف حسين وأبنائه، فعقد معاهدة حماية بين آل سعود والأدارسة عام 1926م بسط السعوديون على إثرها سلطتهم على بلاد عسير، وهي المعاهدة التي لم يعترف بها الإمام، مما أدى إلى مواجهات واشتعال حرب بين الطرفين عام 1934م انتهت بتوغل القوات السعودية داخل الأراضي اليمنية وعجز قوات الإمام عن استعادة أجزاء عسير وكانت نتيجة ذلك الوضع العسكري توقيع الاتفاقية بين الطرفين وعرفت واشتهرت بمعاهدة الطائف
وفي مواجهة الإنجليز في جنوب اليمن كان الإمام يحاول- ضمن بسط سيطرته على البلاد اليمنية- أن يبسط سيطرته على المحميات الجنوبية فدخلت قواته الضالع للضغط على بريطانيا؛ كي تسلمه الحديدة، وليعلن عدم اعترافه بخط الحدود الذي رسمته اتفاقية بين قوتين غازيتين على أرض ليست لهما. وقد رأى الإمام أن يستعين بإيطاليا التي تحتفظ بمستعمرات في الساحل الإفريقي المقابل، فعقد اتفاقية صداقة معها عام 1926م ولم يفت الإنجليز مغزى هذه الاتفاقية، التي شجعت الإمام على دخول العواذل العليا والسفلى إلى جانب تدعيم قواته في الضالع والبيضاء، كما عقد معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي في العام 1928م .
فكان رد فعل الإنجليز على تحركات الإمام هذه هو الحرب التي اشتعلت بين الطرفين عام 1928م، استخدم فيها الإنجليز الطائرات الحربية التي ألقت على الناس منشورات تهديد وقنابل دمار ألحقت الضرر في جيش الإمام وفي المدن الآمنة التي ألقيت عليها، وقد انتهت هذه الحرب بهزيمة الإمام وإجباره الدخول في مفاوضات انتهت هي الأخرى بمعاهدة الصداقة والتعاون المتبادل بين اليمن وبريطانيا 11 فبراير 1934 م
وقد انسحب الإمام فيما بعد من مناطق المحميات التي دخلها، ومع أن الإمام رفض الاعتراف بخط الحدود الذي رسمته اتفاقية بريطانيا وتركيا، إلا أنه اضطر للتسليم بالوجود البريطاني في عدن لمدة أربعين عاماً قادمة، وهي مدة الاتفاقية، على أن يتم بحث موضوع الحدود قبل انتهاء مدة هذه الاتفاقية.
لقد كان الإمام يحيى إماماً كأسلافه من الأئمة في عهودهم الأولى والطويلة، حيث كانت طبيعة الحكم المبرر بالدين والنسب تقوم على الفردية المطلقة المفضية إلى الاستبداد ؛ إذ لا حكومة ولا مؤسسات حكم. لقد اعتبر الأئمة الناس رعايا وفي خدمة من أرادهم الله أئمةً وحكاماً للمسلمين، واعتبر الخارج عن الإمام خارجاً عن طاعة الله.
لقد أمضى الأئمة معظم سني حكمهم في الحفاظ على الحكم وخوض الحرب ضد الطامحين من أئمة آخرين، وضد القبائل المتمردة والشخصيات الطامحة للاستقلال بمناطقها، وهو ما يتطلب الحصول على الأموال الكثيرة للإنفاق على القبائل المقاتلة ضد الخصوم، وللحصول على زينة الحياة الدنيا ورغدها، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى التعسف في فرض الضرائب على المواطنين، وإطلاق أيدي الجباة في رقاب الناس وأرزاقهم، أما ما يحتاجه الناس وما يطمحون إليه، ماذا يحتاجون وكيف يجب النهوض بمستوى معيشتهم، فقد كانت من سقط المتاع الذهني، ولم يكن ليشغل الأئمة أنفسهم في جل أحوالهم إلا بواجبات المواطنين تجاههم، أما مفردات الحرية والتحديث والتطوير الشامل للبلاد والعباد، والارتفاع بمستوى حياة الناس المعيشية فقد كانت مفردات غريبة على طبيعة الحكم الديني، ستتألق فيما بعد عند الغيورين من أهل اليمن والطامحين بإحداث تغييرات في حياة المجتمع والسلطة السياسية، وقد كانت المقارنات بين حال اليمن وحال البلاد الأخرى تقذف باليمن بعيداً في أزمنة التاريخ الأولى، ولا تمكن من إقامة أي صلة مع عالم القرن العشرين المائج بمختلف التطورات التقنية والعلمية والمذهلة في سرعتها.
لقد أغلق الأئمة أعينهم وصموا آذانهم عن كل هذه المتغيرات، وأقاموا حاجز عزلة منيع خشية على البلاد من الغرباء حسب زعمهم، بينما هي خشية على السلطة من الضياع، لقد تضافرت ويلات البؤس والفقر والعزلة لتجعل من اليمن واحدة من أكثر بلاد الله تخلفاً وغرقاً في ظلمات الأزمنة البدائية، ومع ذلك فقد كانت المدارس القليلة المتواجدة ومدارس الكتاب والمدارس التي وجدت في جنوب اليمن المحتل وتأثيراتها في مناطق جنوب الشمال، بالإضافة إلى البعثات العسكرية المحدودة نواة مقاومة تضافرت مع بعضها البعض لتنتج طابوراً من الوطنيين الغيورين المطالبين بالتغيير والإصلاح .
هزائم الامام:

لقد كانت هزائم الإمام عام 1934 م-كما ذكرنا سلفا- فاضحة لطبيعة الحكم الإمامي، لذا ليس غريباً أن تقوم في العام التالي مباشرة أولى المحاولات لإنشاء معارضة منظمة ضد الإمام . ومع أن المحاولة لم تسفر عن قيام تجمع سياسي من أي نوع، إلا أنها حشدت قوى المعارضة في الداخل والخارج باتجاه الفكرة، رافعة شعار الإصلاح، وقد وجدت كثير من الأصوات الوطنية في مجلة ((الحكمة)) الشهيرة والتي صدرت عام 1938م واستمرت عامين فقط قبل أن يتنبه الإمام لخطرها ويغلقها- وجدت متنفسها للتعبير عن طموحات اليمنيين في الإصلاح والمضي نحو التغيير، لكن التبلور النهائي لميلاد أول منظمة سياسية سرية لم يكتمل إلا عام 1940م حين تشكلت في القاهرة ما عرف باسم (كتيبة الشباب اليمني)، التي عبرت عن رغبتها في تجذير المعارضة في الداخل للدفع بطموحات المعارضة إلى الأمام، وهي الطموحات التي لم تكن بعد قد تبلورت أهدافها بوضوح كافٍ متفق عليه، وفي العام التالي كانت الرؤية أشمل وأوسع عندما أصدرت قوى المعارضة برنامج هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قدمت هذه المطالب للإمام يحيى ثم لابنه سيف الإسلام أحمد (ولي العهد) في تعز، إلا أن موقف الأول لم يكن بأحسن من الثاني؛ إذ رفضا بنود البرنامج وأخذا يطاردان رموز المعارضة ويتهددونهم بالويلات، بل ويغرون سلطات الاحتلال البريطاني في عدن للضغط على قوى المعارضة، وقد استجاب الإنجليز لذلك، واستمرت المعارضة قدما في كشف عيوب النظام الإمامي وتصوير تخلفه عن ركب الأمم المتقدمة، فتشكل عام 1944م حزب الأحرار اليمنيين أو ما عرف فيما بعد بـ ((حركة الأحرار))، وقد أخذ هذا الحزب عبر المجلات المختلفة يعلن عن طموحاته في التغيير والإصلاح ويكشف عيوب النظام الإمامي البدائي، وفي عام 1946م شكل الأحرار ((الجمعية اليمنية الكبرى)) في عدن وأصدروا جريدة ((صوت اليمن)) الشهيرة، التي أخذت تفضح ممارسات الإمام الظالمة تجاه الشعب وتطالب بالإصلاح والتغيير، وقد تضمنت وثيقة مطالب الشعب اليماني ما أرادته القوى الوطنية حول الإصلاح والتغيير، حيث طالبت لأول مرة بإقامة حكم دستوري شوروي يرفع أغلال الاستبداد عن كاهل الشعب اليمني، وقد وجد الأحرار أنه لا سبيل لتحقيق طموحاتهم الوطنية في ظل نظام حكم الإمام القائم بدءوا في الإعداد للإطاحة بالإمام وحكمه وذلك من خلال استغلال الشروخ في أركان الحكم والاستفادة من أية تحالفات ممكنة ووجد الأحرار ضالتهم في طموح عبد الله بن أحمد الوزير للإمامة الذي وافق على مطالب الأحرار مقابل عونهم له فقامت حركة 1948م التي نجحت في قتل الإمام يحيى. إلا أنها لم تنجح في الإطاحة بنظامه، إذ بعد ثلاثة أسابيع فقط تمكن نجل الإمام سيف الإسلام أحمد بن يحيى حميد الدين من الفرار من تعز إلى حجة وهناك تمكن من حشد القبائل إلى صفه مغرياً إياها بإباحة صنعاء لهم للسلب والنهب، وتمكن من دخول صنعاء والقضاء على الحركة وقتل وسجن وتشريد زعمائها، ثم أعلن نفسه إماماً بدلاً عن أبيه، وقد حافظ الإمام أحمد الملقب بالناصر لدين الله على نظام الحكم الموروث برمته، رغم تطلعه إلى عقد معاهدات مع دول خارجية كالاتحاد السوفيتي والصين. بل إنه دخل في الاتحاد الثلاثي المشكل إلى جانب اليمن من مصر وسوريا، إلا أن كل هذه الأمور لم تغير شيئا في الواقع المعاش لحياة الناس، ورغم ما أصاب المعارضة من نكسة ووهن في الأعوام التالية لحركة 1948م، إلا أنها تمكنت من إحياء نشاطها ثانية، بإنشاء منظمة جديدة في عدن هي الاتحاد اليمني وبفضل الدعم الكبير المعنوي والمادي من مصر بعد ثورة الضباط الأحرار هناك عام 1952م وتزعم عبد الناصر لفترة من فترات النضال العربي ضد التخلف والاستعمار ومن أجل الوحدة العربية ومجابهة إسرائيل، تمكن الأحرار من مواصلة نضالهم من هناك، لقد كانت القاهرة وإذاعة القاهرة مكاناً وأداة لنشاط الأحرار اليمنيين العملي والإعلامي فظهر برنامج جديد للأحرار بعنوان(( آمالنا وأمانينا))، وفي عام 1955 م تطور حادث الحوبان الشهير إلى محاولة انقلابية ضد الإمام أحمد في تعز، وقبل الوطنيون أن يستبدلوا الإمام بأخيه علَّهُ أن يكون أفضل من الإمام أحمد ولكن المحاولة التي قادها الثلاياء آلت بعد أيام إلى الفشل، وتمكن الإمام أحمد من الاحتفاظ بسلطته ثانية، واستمرت المعارضة في نشاطها ضد الإمام الذي حاول شق صفوف الحركة بتبني بعض مقولاتها، لكن المعارضة أصدرت في العام 1956 م برنامجاً جديداً بعنوان مطالب الشعب أكدت فيه مطالبها السابقة، ومع ذلك، وبفعل دأب الإمام على شق الصف الوطني، شهدت معارضة الأحرار المنضوية تحت مسمى ((الاتحاد اليمني)) بعض الانشقاقات .
لكن زخم المعارضة استمر في التصاعد داخل البلاد وخارجها عبر التجمعات الوطنية لليمنيين التي تشكلت بشكل خاص وفاعل في كل من الحبشة وبريطانيا، وحشدت المهاجرين اليمنيين نحو فكرة الجمهورية والتخلص من نظام الإمامة العتيق والمتجاوز زمنياً.
الثورة:

وفي السنوات التالية زاد هذا الاتجاه تجذراً في أوساط جماهير أوسع من الشعب اليمني، بفضل انتشار الأحزاب الوطنية السرية بمشاربها الفكرية المختلفة، وقد ساهم بعض الضباط في التمهيد للثورة حين أرادوا عام 1961م التخلص من الإمام في الحديدة، إلا أنه نجى من القتل مثقلاً بالجراح التي لازمته حتى وفاته في 19 سبتمبر 1962م، فخلفه ابنه البدر محمد الذي أعلن تمسكه بخط أبيه في السياسة والحكم. وكانت قناعة القوى الوطنية في البلاد لإحداث التغيير الجذري في طبيعة الحكم قد دفعت بترتيبات الثورة قدماً، وبعد أسبوع فقط من تولي الإمام البدر مقاليد الحكم، أي في 26/سبتمبر 1962م انفجرت الثورة اليمنية المظفرة التي أطاحت بالإمامة جسداً وفكراً .
ومع الثورة سقط التبرير الديني لحكم لسلالات، ليحل محله التبرير الجماهيري لحكم القادر على خدمة البلاد والعباد بإخلاص وتفان، ومن أيٍّ من أبناء الشعب اليمني دون قصر على سلالة أو قبيلة أو مذهب.
لقد أخرجت ثورة سبتمبر بأهدافها الستة المعلنة اليمن من ظلمات العصور البدائية وبراثن الجهل والفقر والمرض إلى رحاب التاريخ المعاصر بمتغيراته المتنوعة، بعد عام فقط من قيام الثورة في شمال اليمن قامت ثورة يمنية أخرى في 14 أكتوبر من عام 1963م تنطلق من جبال ردفان ضد المحتل البريطاني، لتقض مضجعه، ولتجبره على الرحيل في 30 نوفمبر عام 1967م، بعد أربع سنوات فقط من اندلاع الثورة، ورغم جلاء الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر من عام 1967م، وتوحيد السلطنات المتعددة في جنوب اليمن إلا أن أهل اليمن قد شهدوا أول انتكاس قوي لأمانيهم في إعادة توحيد اليمن الذي شطرَّهُ الغرباء . فاليمن طوال تاريخه الذي مر بنا لم يشطر رسمياً إلا من قبل الغرباء، أما ما حدث في اليمن من دول ودويلات تقاتلت على السيادة والنفوذ، فلا يجب أن يكون مستغرباً إن قلنا أن تاريخ تلك الدول والدويلات بما فيه من حروب من أقوى الأدلة على وحدة التراب والإنسان اليمني، إذ كانت تلك الدول أو الدويلات تتسمى بأسماء أسرية: صليحية، رسولية، طاهرية، كثيرية قعيطية ...الخ داخل اليمن، وتحاول كل دولة أن تفرض سيطرتها على اليمن بكامله ولا تقبل بوجود جزء منه تحت سلطة دولة أخرى في حين أنها لم تتجه لتجاوز ذلك والاعتداء على الآخرين خارج نطاق اليمن، أي أن كل الدول والدويلات اليمنية كانت تعي الحدود الجغرافية والتي تسعى في إطارها لبناء دولة يمنية كبرى قوية، ولم تحاول أي من الدول الموحدة لليمن والقوية أن تتجاوز ما اعتبرته المجال الجغرافي الحيوي لتوسعها لتذهب معتدية إلى بلاد الغير، وعليه فإن تبادل النصر والهزيمة بين الدول اليمنية المختلفة وداخل إطار جغرافي محدد هو الذي صاغ الوجدان اليمني وحدوده الجغرافية . ولا يجوز أبداً فهم الحروب بين الدول اليمنية على أنها حروب من أجل حدود جغرافية أو بين أقوام لا صلة لبعضهم ببعض، يكفي أن نشير أن اسم اليمن ظل موحداً رغم تنوع أسماء الدول والدويلات، وهو الاسم الذي شطره لأول مرة-كما ذكرنا-الإنجليز والأتراك في اتفاقية الحدود بينهم عام 1914م، وحاولوا صياغة شخصية خاصة لجزء من اليمن تباين الأخرى، لذلك لا غرابة في أن يبدو هذا التشطير القصير العمر نسبياً نشازاً في تاريخ اليمن، وهذا الوضع النشاز هو الذي حافظ على مشاعر اليمنيين تجاه الوحدة كمخزون وطني ضاغط على الحكام الذين لم يستطيعوا تجاوزه، وإن أوهموا أنفسهم بأنهم قادرين، ولذلك كانت الانتكاسة النفسية كبيرة لدى اليمنيين وهم يرون أن الأجنبي الآخر الذي شارك في التشطير يجبر على الرحيل ولا تتم الوحدة بعد رحيله.
لم تتم الوحدة بعد جلاء الإنجليز بفعل تشابك وتعقد الاتجاهات السياسية وهيمنة الإيديولوجيا على طبيعة أنظمة الحكم العالمي آنذاك والمؤثرة على مصائر البلدان الصغيرة والضعيفة، وأخذ الشطران تحت تأثير الأيديولوجيات السياسية والوضع العالمي القائم يبتعدان سياسياً عن بعضهما فيما أفئدة الجماهير اليمنية في كل اليمن تلتهب شوقاً لإعادة توحيد اليمن، ولم يكتف الشطران بالابتعاد عن بعضهما، لكنهما خاضا حربين داميتين في الأعوام 72 و1979م، وظلت أشواق اليمانيين نحو الوحدة تعبر عن نفسها بأشكال شتى وفي كل اتفاقية عقب كل حرب أو أزمة في العلاقة بين الشطرين إلى أن تحققت الآمال بإعلان الوحدة اليمنية وقيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م.
واعتبر علي عبد الله صالح رئيسا للبلاد ولكن لم يكن قيام الجمهورية نهاية للمشاكل السياسية باليمن التي ظلت في صراعات منها قيام حرب أهلية بين شهري مايو ويوليو1994 بين الحكومة اليمنية والحزب الاشتراكي اليمني خلفت ما بين 7000 - 1000 قتيل ووقتها اعلن الجنوبيون أن البرلمان المنتخب لا يمثلهم كون الأغلبية من المحافظات الشمالية لليمن وحدثت اشتبكات وقدم أنصارعلي ناصر محمد الجنوبيين الدعم للقوات الحكومية والقبائل واشترك في الحرب الأحزاب الإسلامية في الجنوب المعادية للحزب الإشتراكي وقتها دعمت السعودية الحزب الإشتراكي خلال الحرب على الرغم من موقفها المعلن والمعروف من هذه التوجهات السياسية
ظهور الحوثيين:

اندلعت شرارة الحرب بين الحكومة اليمنية والحوثيين عندما اتهمتهم الحكومة بإنشاء تنظيم مسلح وقامت بتوقيف حسين الحوثي في يونيو 2004. اشتبك أنصاره مع القوات الحكومية وخلفت المواجهات 86 قتيل من طرف الحوثيين و 32 من طرف الجيش واستمرت المواجهات إلى 10 سبمتبر حين قتل حسين الحوثي في غارة شنتها القوات اليمنية ومنذ ذلك الحين وعبد الملك الحوثي يتزعم الجماعة, واعتبر والده بدر الدين الحوثي زعيما روحيا لها. جلب الصراع اهتماما دوليا في 3 نوفمبر 2009 عندما شنت القوات السعودية هجوما على مقاتلين حوثيين سيطروا على جبل الدخان في منطقة جازان جنوب غربي البلاد متهمة الحكومة السعودية بدعم النظام اليمني ماليا وإستراتجيا عن طريق السماح للقوات اليمنية باستعمال الأراضي السعودية كقاعدة لعملياته و تتهم الحكومات اليمنية والسعودية إيران بدعم المتمردين ماليا وعسكريا في شمال غربي البلاد وقال يحيى الحوثي في لقاء مع صحيفة "تاجيس تساتونج" الألمانية أن النظام اليمني يستعمل إيران لصرف الإنتباه عن الدور السعودي في البلاد وطالت الحركة عدة اتهامات من الإعلام السعودي وفقهاء زيدية وسلفية في اليمن ماشأنه أنهم تحولوا عن المذهب الزيدي إلى إثنا عشرية. نشرت وثائق ويكيليكس برقية للسفير الأمريكي مفادها أن الحوثيين يحصلون على سلاحهم في السوق السوداء في اليمن ومن عناصر من الجيش اليمني يسيطر الحوثيون حاليا على كامل محافظة صعدة مديريات حرف سفيان وشهارة وحوث في محافظة عمران و 40% من محافظة حجة وغالب محافظة الجوف. وفي 2011 اندلعت ثورة طالبت الاطاحة بعبد الله صالح وتمت محاولة لاغتياله ثم انتخب عبد ربه منصور هادى رئيسا للبلاد حتى سيطر الحوثيين في انقلابهم الاخير عليه
اليمن التاريخ والعراقة التجارة ..في اللحظة الراهنة تحت القصف وفي انتظار المجهول .