مجلس الأمن يناقش خطة رباعية لإنقاذ أقليات الشرق الأوسط
السبت 28/مارس/2015 - 05:42 م
طباعة

تهجير وتخريب وقتل ثلاثية مرعبة لأقليات الشرق الأوسط جعلت فرنسا التي تقود الرئاسية الدورية لمجلس الأمن تخصص جلسات أمس لفتح هذا الملف، وجعل بعض الأصوات تطالب بتخصيص منطقة آمنة للأقليات بالشرق الأوسط، وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن قلقه البالغ إزاء الأخطار الجسيمة التي تواجه الأقليات في مناطق بالشرق الأوسط.

بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة
وقال خلال اللقاء الذي دعت إليه فرنسا، التي تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي: "في الوقت الراهن يقع آلاف المدنيين تحت رحمة تنظيم داعش الذي يقوم مقاتلوه بشكل منهجي بقتل أفراد الأقليات العرقية أو الدينية، ومن يختلفون مع تفسيرهم المشوه للإسلام، وأي فرد يعارض رؤيتهم المروعة.. إن داعش يستهدف النساء والأطفال بوحشية بشعة. ويدمر الرموز الثقافية والدينية التي تمثل تراث البشرية".
وأضاف بان كي مون أن تلك الأعمال تنتشر في سوريا والعراق، والآن في ليبيا وحتى في اليمن، حيث أثارت تفجيرات المساجد الأسبوع الماضي مزيداً من العنف الطائفي. مشدداً على ضرورة أن يقوم مجلس الأمن وجميع من يتمتعون بنفوذ، بمساعدة سكان المنطقة على استعادة حيويتها وتنوعها التاريخي.
واختتم الأمين العام للأمم المتحدة كلمته بالقول: إن الشرق الأوسط يعتبر على نطاق واسع مهد الكثير من أعظم الحضارات في العالم، ودعا إلى عقد العزم لتمكين سكانه، خاصة الشباب لتحويل المنطقة لتكون مهدا لعالم أكثر استقراراً وأمناً.
خطة للإنقاذ

ثم ألقى البطريرك لويس ساكو، بطريرك بابل للكلدان بالعراق كلمة خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري الذي عقده مجلس الأمن، جاء فيها:
"باسم المسيحيين بمكوناتهم الاثنية والثقافية، وباسم الأقليات الأخرى الممتحنة في الشرق الأوسط، أتقدم بشكري العميق إلى الحكومة الفرنسية على هذه المبادرة الإنسانية الرائدة، وإلى معالي وزير خارجيّتها السيد لوران فابيوس".
أيتها السيدات، أيها السادة:
كما تعلمون أن هذه السنة توافق الذكرى المئوية لمذابح المسيحيين سنة 1915. واليوم، وبعد مائة عام تمامًا نعيش وضعًا مأسويا مماثلاً، مما يدفع بالآلاف المسيحيين إلى الهجرة، وهذا يعدّ خسارة كبيرة للجميع. صراحة أن ما سمي بالربيع العربي انعكس سلبًا علينا، في حين لو أتيحت لنا فرصة التناغم ضمن النسيج المتنوع في المنطقة، لكنّا قوة دافعة للسلام والاستقرار والتقدم.
إننا من هذا المنبر، نطلق هذه الرسالة بوحي من القيم الإنسانية والروحية، بأن التعايش الإيجابي على أسس العدالة والسلام، بروح المحبة والمواطنة، ينبغي أن يبقى في أعلى سلم أولويات مجلس الأمن والأمم المتحدة. وفيما يخص بلادي أدعو إلى دعم الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان؛ من أجل تحرير كافة المدن العراقية، وبالنسبة إلينا كمكون مسيحي ومكونات أخرى كالإيزيدية والشبك والتركمان، خصوصا تحرير مدينة الموصل وبلدات سهل نينوي وتوفير حماية دولية لسكانها المرحلين قسرًا (منطقة آمنة)، وإصدار قانون يضمن حقوق ملكية أراضيهم، فيتمكنون بالتالي من العودة إلى بيوتهم ومواصلة حياتهم الطبيعية. كما يجب على الحكومة المركزية تعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم.
إن المشكلة الأساسية هي في فهم الدين والدولة والمواطنة، والفرد والجماعة ودور المرأة والتربية الوطنية، وإمكانيّة العيش معًا بسلام واحترام. فالتيارات الإسلاميّة المتطرفة ترفض العيش مع غير المسلمين، وتعمل على اضطهادهم واقتلاعهم من بيوتهم وجذورهم وشطب تاريخهم. إنها أزمة فكر، واحتكار السلطة، وتعطيل المؤسسات، وتقييد الحريات. هذا الوضع المخيف يتطلب إرساء ثوابت على مستوى القانون الدولي؛ لمنع حصول انتهاكات كارثية بحق الإنسان والإنسانية. في نفس الوقت لا ينبغي تعميم أفعال هؤلاء الإرهابيين على المسلمين كافة. فهناك أغلبية مسلمة مسالمة وصامتة ترفض تسييس الدين وتقبل العيش المشترك في إطار دولة مدنية، دولة القانون والمؤسسات.
وأضاف ساكو قائلا: إن السلام والاستقرار لا يتحققان بالحلول العسكرية وحدها، فهي غير قادرة على تفكيك هذا الفكر المنغلق الذي يدمر البشر والحجر، بل يتطلب الأمر من المجتمع الدولي، ومن ضمنه جامعة الدول العربية ومؤتمر الدول الإسلامية، اتخاذ قرارات قانونية وإجراءات حاسمة من خلال تبني حلول سياسية وثقافية وتربوية مناسبة تحافظ على النسيج الوطني المتمثل في الأشخاص والجماعات، على اختلاف دياناتهم وانتماءاتهم، وتصون حقوقهم، وتوطد العلاقات بينهم.
كما نلفت النظر إلى خطر قد يكون أكبر وهو وجود ملايين الأطفال والأحداث الذين حرموا من متابعة التعليم، وملايين اللاجئين في المخيمات من دون عناية واهتمام. فالإحباط والبطالة والفقر قد يدفع بهم ليكونوا بسهولة بيئة جيدة للانتقام والتطرف؛ لذا ينبغي الاهتمام باللاجئين وتلبية حاجاتهم والتخفيف من معاناتهم.
إننا نقترح خطة عملية للخروج من هذه الحلقة المفرغة:
أولا: المطالبة من منطلق الأمم المتحدة بتغيير نافذ للدساتير والقوانين وإصلاحها؛ بحيث تحقق العدالة والمساواة والكرامة للجميع، على أساس المواطنة الواحدة من دون إعطاء امتياز للبعض على حساب البعض. وهنا أشير إلى ضرورة قيام مشروع دولة مدنية تقف على مساحة واحدة من الجميع، وتعتبر نفسها مسئولة عن حماية الجميع والحفاظ على حقوقهم كاملة.
ثانيا: تشجيع المرجعيات الدينية على تبني خطاب ديني معتدل يعمق الشعور بالمواطنة، أي ثقافة انتماء الناس إلى وطنهم وليس إلى طوائفهم أو عشائرهم؛ كذلك إصلاح برامج التربية في المدارس، بحيث ترسخ مفاهيم الاحترام بين المواطنين وتعزز قيم التسامح والحوار بين الديانات والمذاهب، وتنبذ الفرقة والكراهية وروح الانتقام، وتحصنهم من عواقب التطرف والعنف والإرهاب؛ من خلال تقديم فهم صحيح للنصوص الدينية وعدم السماح باجتزائها من سياقها.
ثالثا: إصدار قانون بتجريم ومحاسبة الدول والأفراد ممن يمولون هذه الجماعات الإرهابية بالفكر والمال والسلاح باعتبارها جرائم تهدد السلم الاجتماعي.
رابعا: تطوير منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، ودعمها بحيث يكون دورها ليس استشاريا فحسب بل تنفيذيا مسئولاً على النطاق الإقليمي والدولي.
نشكركم ونتمنى لكم النجاح في رسالتكم الإنسانية، فهل يستجيب أحد لهذ الخطة أم تمضي الجلسة باعتبارها مجرد مكلمة تحمل أماني لا تتحقق؟!