صراع المناهج بين الأوقاف والمدارس الإخوانية

الإثنين 06/أبريل/2015 - 06:02 م
طباعة صراع المناهج بين
 
طالب الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بوضع جميع المدارس الخاصة، التي تتبع بعض الجمعيات الدينية تحت رقابة صارمة، مع سرعة التحفظ على المدارس الإخوانية والتغيير الفوري لإدارتها القديمة، ومراقبة جميع المعلمين والعاملين بها مراقبة واعية ودقيقة وصارمة.
وأشار إلى أن الوزارة لن تسمح بانتشار الثقافات الإسلامية الموازية في أي من المعاهد، أو المراكز التي لا تخضع لإشراف الأزهر الشريف أو وزارة الأوقاف.
جاء ذلك تعليقا على حوار ثروت الخرباوي مع أحمد موسى أمس والذي أكد فيه الإخواني السابق المنشق عن الجماعة الذي أكد أن مناهج التعليم الخاصة بمدارس جماعة الإخوان الإرهابية تدعو المواطنين إلى عدم سداد فواتير المياه والكهرباء، إضافة إلى ما تحمله من أفكار ومفاهيم خاطئة.
كما أكد جمعة على أهمية توحيد مناهج الدراسة الدينية في جميع المدارس العامة والخاصة، وألا تكون هناك أي مناهج دينية خاصة بالمدارس التي تتبع بعض الجماعات أو الجمعيات، وأن السماح لهذه المدارس بتدريس كتب دينية إضافية تختارها إدارة هذه المدارس بطريقتها بعيدا عن رقابة التربية والتعليم- يشكل خطرا بالغا على تشكيل عقول أبناء المجتمع وبخاصة الأطفال.

مدارس الإخوان

مدارس الإخوان
وتعد مدارس الإخوان والتي توسعوا في بنائها واتخذوها مركزاً لتدريب الأشبال الصغيرة على الأنشطة الإخوانية العنيفة وزرع أفكار حسن البنا وسيد قطب في عقولهم، ووفقا لإحصائيات غير رسمية هناك أكثر من 60 مدرسة تسير في تعليمها على منوال جماعة الإخوان ومبادئهم.
تلك المدارس تشكل خطورة كبيرة على المجتمع لما يقومون به من سيطرة على العقول من خلال التعليم، ولم تجد الجماعة أفضل من المدارس للتخطيط لإعداد جيل قادم يقدم لهم الدعم والولاء في المستقبل.
حيث يكمن الخطر هنا في خروج جيل من هذه المدارس يتخذ العنف منهجاً له وربما نجده ينخرط بعد ذلك في أعمال إرهابية نظراً لما تلقاه من دروس وأفكار تحض على العنف، والغريب هنا أن تلك المدارس المنتشرة في أنحاء الجمهورية لا تقبل طلاباً ينتمون لديانات أخرى ولا يعمل بها إلا مدرسون ومدرسات تابعون للجماعة أو تيار الإسلام السياسي بشكل عام.
وأصبح واضحاً ما تسعى إليه جماعة الإخوان وما تضمره لمصر وهو استقطاب أكبر عدد من الأطفال وتربيتهم التربية الإخوانية التي تمكنهم بعد ذلك من تكوين الميليشيات التي يستطيعون من خلالها السيطرة على مقاليد الأمور في مصر.. فقد وضع الإخوان التعليم على قائمة أولوياتهم منذ توليهم مقاليد الحكم في 2013، فبدءوا في إنشاء المدارس حتى صار لدينا ما يقرب من 61 مدرسة إخوانية، منها 20 مدرسة بالقاهرة و14 بالجيزة، أما باقي المدارس فهي موزعة على مختلف محافظات مصر، وتخطى عدد المدرسين بها 50 ألف مدرس يعمل أغلبهم بعقود السخرة التي تمكن الإدارة من التحكم فيهم، وطردهم في أي وقت دون إبداء أية أسباب؛ ونظراً لأن قياداتهم اهتموا بالتعليم فقد جعلوه أهم ركائزهم، خاصة وأن حسن البنا وسيد قطب اشتغلا بتدريس اللغة العربية، وسبق أن أرسل حسن البنا لوزير المعارف يطالبه بأن يتفق التعليم مع مبادئ الإسلام، وطالب بأن يتم دمج التعليم العام مع الأزهري للوقوف في وجه العلمانيين، وعند مجيء الإخوان للحكم شرعوا في التوسع لبناء تلك المدارس التي لم تلتزم بتحية العلم أو النشيد الوطني، وكانت الأناشيد الدينية التي تحث على الجهاد وحب الجماعة لها الأولوية في طابور الصباح، ومن أشهر المدارس الإخوانية مدرسة «المقطم الدولية» التي يملكها القيادي الإخواني عدلي القزاز، و«جني دان» المملوكة لخيرت الشاطر، و«الجيل المسلم» المملوكة لمحمد السروجي، و«الروضة» ويملكها القيادي أحمد الحلو، ومدرسة «أمجاد» المملوكة لكاميليا العربي، ومدارس «فضل الحديثة» المملوكة لزوجة عصام العريان، ومدرسة «تاجان» بالتجمع الخامس، هذا فضلاً عن المدارس الأخرى الموجودة في المحافظات.
ولا شك أن تلك المدارس تمثل عقبة كبيرة أمام وزارة التربية والتعليم التي لديها أكثر من 47 ألف مدرسة حكومية؛ لذا فهي تحتاج لمزيد من القرارات الحاسمة في الفترة القادمة خاصة، وذلك للحد من استغلال التلاميذ في الترويج لفكر الجماعة.

الخبراء يتحدثون

الخبراء يتحدثون
الدكتور كمال مغيث، باحث بمركز البحوث التربوية وعضو مجلس إدارة المعاهد القومية، يؤكد أن الإخوان منذ بداية نشأتهم اهتموا بالتعليم انطلاقاً من فكرة أن التدريس يمكن أن يتحول لدعوة تروج لفكر الجماعة، هذا فضلاً عن أن قادتهم التاريخيين كانوا تعليميين، فقد درس حسن البنا وسيد قطب اللغة العربية، لذا فإن المدرسة تعد فرصة ثمينة لنشر دعوتهم بدون تكاليف أو جهد، فالأمر لن يكلفهم عناء البحث عن الأطفال أو المكان، هذا فضلاً عن أن المناهج التي يتم تدريسها في تلك المدارس تتبنى تاريخ الجماعة؛ حيث يقومون بتحويل الأنشطة المدرسية إلى أنشطة دينية، وتحفيظ قرآن، كما يتم صبغه تحية العلم بروح الإخوان، وتمتلئ المدارس باللافتات الإسلامية، ويقول: لم يلتزم الإخوان بالقرار الوزاري الذي يحدد التزام المدارس الخاصة بالمناهج الرسمية للوزارة، فأصبح المناخ المدرسي أهم من المقررات الدراسية، وانتشرت هذه المدارس في فترة حكم الإخوان، حتى وصل عدد المدارس التي اعترف بها محمد السروجي المتحدث الإعلامي لوزير التعليم في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي إلى 60 مدرسة يتم إدارتها بأموال الجماعة، لكنها تفوق هذا العدد بكثير فهناك مدارس إسلامية تسير على نفس النهج، وقد بدأت تلك الظاهرة منذ ما يقرب من 20 عاماً، وتشترط المدارس التابعة للإخوان أن يكون المدرس إخوانياً، والمدرسات محجبات، ويستبعد غير المحجبات والمسيحيين أيضاً، وفي حالة إرسال الوزارة لمُدَرسة غير محجبة يتم رفضها بأي «حجة» بادعاء أنها غير منتظمة، أو لا تقوم بعملها كما ينبغي، حتى يتم استبعادها، وتتراوح مصروفات تلك المدارس وخاصة التي يملكها عدلي القزاز وخيرت الشاطر، من 20- 32 ألف جنيه سنوياً، وتتولى وزارة التربية والتعليم الإشراف على تلك المدارس، لكن مع الأسف نجد أن الوزارة لديها ما يقرب من 37 ألف مدرسة حكومية تتولى الإشراف عليهن، وهذا عبء كبير، لذا فإن الإشراف يكون شكلياً وسريعاً، ولا أستبعد أن يكون هناك تآمر على الإشراف الوزاري حتى لا يذهب للتفتيش مفتش مدني، فيتم إرسال مفتش إخواني حتى يوضح أن ما يحدث هو إعلام مضاد، لذا نحتاج في الفترة القادمة لاصلاح تلك المنظومة التعليمية، فأصول المواطنة تمنع استخدام المدارس في الترويج الطائفي والايديولوجي، ومن هنا يجب أن يتم تعديل قانون التعليم ليؤكد على مبدأ المواطنة، ويحدد اللوائح الوزارية والعقاب المناسب لكل من يستخدم المدارس في الترويج لأي مذهب طائفي، وتطبق الجزاءات مع عمل رقابة صارمة على الإشراف.

الضبطية القضائية

الضبطية القضائية
يقول د. حسن شحاتة- أستاذ المناهج بكلية التربية بجامعة عين شمس وعضو المجالس القومية المتخصصة- إن المدرسة لا بد أن تكون محايدة بعيدة عن التيارات والأحزاب السياسية، فالمعلم والمنهج والمتعلم، هذا المثلث لا بد أن يكون بعيداً عن أية انتماءات حزبية، فنحن نقوم بالتعليم من أجل مصر، وثقافة المجتمع هي جزء أساسي من بناء المنهج.
وقد حدث في الفترة الأخيرة أن جاءت بعض القيادات التربوية التي تنتمي لجماعة الإخوان، ونظراً لخطورة هذا الأمر، فقد استبعد الدكتور محمود أبو النصر وزير التعليم السابق، كل هذه القيادات ووضع قيادات جديدة تعمل من أجل الوطن وليس من أجل حزب، ومما يلفت النظر هو أنه في عصر مبارك ثم مرسي، كانت هناك بعض الموضوعات في التاريخ واللغة العربية والتربية القومية كانت كلها تضع معلومات مغلوطة؛ مما تساعد على تزييف وعي الطلاب، كما حدث في الماضي بإعلاء قيمة الحزب الوطني وإنجازاته، وإنجازات الرئيس مبارك، ثم بعد ذلك تحول الأمر إلى إنجازات الجماعة الإسلامية والتركيز على رموزها، خاصة في مادة التربية القومية، والمطلوب الآن هو وضع استراتيجية جديدة للتعليم المصري في ضوء ثورة 25 يناير و30 يونيو، فلدينا مليون و300 ألف معلم في 35 ألف مدرسة يقدمون مادة تعليمية لـ 18 مليون طالب، وقد تمت بالفعل تنقية المناهج الدراسية من الموضوعات التي تزيف وعي الطالب المصري، فالمدارس خط أحمر لا يمكن وضع شعارات دينية فيها، أو الترويج لأفكار معينة، أو صنع مناهج لها صلة بتيار سياسي معين.
لذا تم وضع الضبطية القضائية لقيادات التعليم وللمعلمين، بحيث يمتنع دخول أي ولي أمر أو طالب مشاغب، كذلك منع ترديد الشعارات التي تهاجم ثورة 30 يونيو، فضلاً عن القيام بفصل أي معلم أو طالب أو قيادة تعليمية تعمل لصالح فصيل سياسي معين.

نشأة الإرهاب

نشأة الإرهاب
يقول د. حسين عويضة، رئيس هيئة تدريس جامعة الأزهر نائب رئيس الجامعة الأسبق: تكمن خطورة تلك المدارس ذات الميول الإخوانية في أنها تتعامل مع الأطفال منذ الصغر، ومرحلة الطفولة هذه يتم فيها تشكيل شخصية الطفل، فإذا تربى منذ الصغر على قيم ومفاهيم معينة تظل راسخة في ذهنه، ويصعب تغييرها بعد ذلك، وفي هذه المدارس قد يتم زرع مبادئ التطرف والتشدد، فيصبح الطفل بعد ذلك قاسي القلب، تمت تربيته على السمع والطاعة، ومن هنا ينشأ الإرهاب، باختصار أن الدولة تحتاج إلى حسم تلك المسألة، بمعنى أن يتم تفويض وزارة التربية والتعليم في إدارة تلك المدارس وتحويلها إلى مدارس تجريبية، مع التأكيد على أن يكون مدرس الدين من خريجي الأزهر، كما أن مادة التربية الدينية يجب أن تتم مراجعتها من الأزهر الشريف؛ حتى يتم تعليم الدين الإسلامي الصحيح بوجهه الحضاري المشرق، باختصار يجب أن تحكم الدولة سيطرتها على تلك المدارس، حتى لا يتم استغلالها بطريقة خاطئة، وتكون منبعاً للإرهاب فيما بعد.

تشديد الرقابة

تشديد الرقابة
أيمن البيلي- ناشط وباحث تعليمي- يقول: عندما ألغى الرئيس المخلوع حسني مبارك نظام التكليف فتح باب الاستثمارات وعلى رأسها التعليم، فصدر قانون إنشاء المدارس الخاصة والأهلية، ومن هنا بدأ الإخوان في التسلل باستثمار أموالهم في هذا المجال؛ لكونه مربحاً ولضمان السيطرة على فكر الأطفال والأجيال، من خلال المدارس وإن كان القانون يخضع هذه المدارس بتدريس مناهج الوزارة، إلا أن تراكم الفساد في الحكومات المتعاقبة أدى إلى تدريس مناهج صورية بها، لكن فكر التلاميذ يتم بناؤه على نظم التربية التي اعتادوا عليها، التي تتبنى فكر حسن البنا، ثم تحولت الفكرة إلى استثمار ضخم، فقام كل قيادات الجماعة بإنشاء مدارس، والتي يعد أشهرها مدرسة «المقطم» التي يملكها عدلي القزاز، ومدرسة «الجيل المسلم» ويملكها محمد السروجي، ومدرسة «الروضة» لمالكها أحمد الحلو، وغيرها، وقد وصل عددها في أواخر عهد الوزير الإخواني إبراهيم غنيم إلى 61 مدرسة، بعد أن كانت نحو 41 مدرسة قبل مجيء الإخوان للحكم، هذا بالإضافة إلى 12 مدرسة دولية لابنة خيرت الشاطر ومحسن راضي والقزاز، وجميعها تحمل أسماء إسلامية، وقد سعوا للتوسع في بناء المدارس من أجل ضمان خط دفاع أول يؤمن بأفكارهم من تلك الأجيال الناشئة.
أما عدد مدرسي تلك المدارس فقد تخطى الـ 50 ألف مدرس وإداري، يعمل أغلبهم بعقود سخرة، حيث تنص بنود العقد على «أنه من حق إدارة المدرسة إنهاء التعاقد مع المدرس بدون إبداء أي أسباب، ليظلوا بذلك خاضعين للإدارة، ومع الأسف يعد هذا النوع من التعليم أحد أهم أسباب انهيار المجتمع، ومن هنا نناشد الحكومة والوزارة باتخاذ قرارات للحفاظ علي الهوية الوطنية من خلال دعم التعليم الحكومي، وتفعيل الرقابة والإشراف على المناهج الدراسية بتلك المدارس، وزيادة موازنة التعليم وإلغاء المدارس الدولية؛ لأن التعليم حق لكل مواطن كما كفله الدستور، فلا شك أن تلك المدارس سوف تستمر كما هي، لكننا نأمل أن تتخذ الوزارة مجموعة من الإجراءات في الفترة القادمة للحد من هذه المدارس وإخضاعها للرقابة الصارمة لكي تلتزم بالمناهج والخطط الدراسية، ولكي يعود بها النشيد الوطني في طابور الصباح ويرفع علم مصر بها، فتجفيف هذه المنابع سيحمي أبناءنا من تلك الأفكار التي يدعو إليها الإخوان في مدارسهم.

شارك