صحيفة "الباييس" الإسبانية: الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران يشعل حرب اليمن
الأحد 12/أبريل/2015 - 12:41 م
طباعة
بعد ثمانية عشر شهرًا من المناقشات الدبلوماسية المكثفة، انتهت أخيرًا المفاوضات بين القوى العظمى الست وإيران بتحقيق الهدف المشترك، والمتمثل في التوصل إلى اتفاقية نهائية قبل نهاية شهر يونيو القادم من شأنها أن تحجم الطموحات النووية لإيران .
وكانت المحادثات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والقوى العظمى الست قد وصلت إلى طريق مسدود على مدار عدة أعوام؛ بسبب القلق من الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامج إيران النووي. وتعرضت إيران خلال أعوام من انعدام الثقة وإثارة الشكوك إلى وابلٍ من العقوبات الاقتصادية والمالية من قِبل منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى.
وقد انخفضت صادرات إيران البترولية في مايو عام 2013- كنتيجة للحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية- إلى 700 ألف برميل يوميًا مقارنةً بـ 2.2 مليون برميل يوميًا في عام 2011.
وكان تأثير تلك العقوبات مدمرًا أيضًا للعملة الإيرانية التي خسرت ما لا يقل عن 40% من قيمتها، وطالت هذه التأثيرات أيضًا أسعار المواد الغذائية التي ارتفعت بصورة كبيرة وصحة ملايين الإيرانيين التي تعرضت للخطر؛ نظرًا لنقص الأدوية والإمدادات الطبية الواردة من الغرب.
لقد تسببت تلك العقوبات في إحداث أضرار جسيمة بالدولة، لدرجة أنها أصبحت تهدد بتدمير الاقتصاد الإيراني. ومن ثم كانت إيران من وجهة النظر الاقتصادية في حاجة ملحة للتوصل إلى اتفاقية، على الرغم من أن المرشد الأعلى "آية الله على خامنئي" قد صرح في عدة مناسبات بأن أية اتفاقية محتملة لا بد أن تحفظ "كرامة إيران ووحدتها"، وتضمن لها حرية المضي قدمًا في برنامجها النووي للاستخدامات المدنية.
ومع أن الشعب الإيراني الذي يصل تعداده إلى 75 مليون نسمة يبدو مؤيدًا بشكل عام للبرنامج النووي، فإن كثيرًا من الإيرانيين يفضلون لغة الحوار والتعاون التي تتبناها حكومة "روحاني" على الموقف الشعبوي والعدواني الذي كان يتخذه "محمود أحمدي نجاد". وقد تعرض وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" ونظيره الإيراني "جواد ظريف" إلى ضغوط هائلة على مدار شهور من القطاعات الأكثر تشددًا في طهران وواشنطن، والتي كانت تعارض المفاوضات، وتعمل على تقويض أية اتفاقية لا ترضى عنها. والأسوأ من ذلك أن الجماعات التي تتحلى بقدر أكبر من المرونة في كلتا الدولتين حاولت في عدة مناسبات عرقلة المفاوضات عن طريق الضغط على "المرشد الأعلى"؛ لرفض عقد أية اتفاقية في حالة إيران، وبالاقتراح على الكونجرس الأمريكي الموافقة على حزمة جديدة من العقوبات؛ للتقليل من قدرة الرئيس أوباما للتفاوض مع إيران، في حالة الولايات المتحدة.
بيد أنه في ظل الفوضى الناجمة عن "الربيع العربي" في الشرق الأوسط، وعودة ظهور إيران كقوة سياسية مستقرة ورئيسة في منطقة ممزقة بفعل الأزمات؛ أدركت الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية أخرى أن الطريقة الوحيدة للتصدي للموقف الجيوسياسي المعقد في المنطقة هو إقحام إيران في الدبلوماسية الدولية.
كان ذلك هو السياق الذي وضعت وحددت فيه حكومة "روحاني"- على عكس الحكومة السابقة- تفسير إيران للاستقرار الاستراتيجي في المنطقة، وأصرت على التعاون في مجالات متعددة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ بهدف نشر السلام، وتهدئة الأجواء في العراق وأفغانستان. والهدف من وراء ذلك واضح، فإيران باعتبارها قوة صاعدة ودولة فاعلة في الشرق الأوسط، تهتم أكثر من أية دولة أخرى بأن يعم الاستقرار في المنطقة.
ومع كل ما قيل خلال الـ 36 عامًا الأخيرة، فهذا هو السبب الذي جعل السياسات الإقليمية والعامة لإيران مزيجًا من البراجماتية والمقاومة، مع امتلاكها للقدرة الدبلوماسية اللازمة؛ كي تتقدم في طموحاتها الاستراتيجية. وهذه الطموحات جعلتها تتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية (عدوها التاريخي في استراتيجية سياسية مشتركة تهدف إلى وقف تقدم تنظيم "الدولة الإسلامية"). ولكن هذا التعاون بدوره قد عرقل محاولة الولايات المتحدة الأمريكية لإنشاء تحالف عربي لسحق "الدولة الإسلامية" المكونة من مجموعة من السُّنَّة المتطرفين، والتي تشكل خطرًا على الشيعة في إيران وحلفائهم في المنطقة؛ لذلك اتخذت إيران المبادرة، وبدأت تهاجم تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا بدلاً من أن تنتظر وصول تهديدها إلى حدودها.
وهكذا، شرعت إيران في شن هجمات واسعة ضد المتمردين، بعد أن وضعت القائد العسكري "قاسم سليماني" قائد "فيلق القدس" (فرقة تابعة لحرس الثورة الإسلامية) قائدًا للعمليات في مدينة "تكريت". هذه الحملة الهجومية التي تتدثر بعباءة الحرب ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؛ تهدف كذلك إلى تحقيق عمق استراتيجي لإيران، وتوسيع سطوتها الإقليمية حتى اليمن.
إلا أن وجود إيران في اليمن يعد مشكلة خطيرة للأمن القومي للمملكة العربية السعودية (حليفة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لم ترحب بالاتفاق النووي من أول يوم). وقد ينتهي الحال باليمن الذي يقع في الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، ويمثل الشيعة فيها نسبة 35% من السكان- بأن يصبح قاعدة للعمليات في العداء بين الإيرانيين والسعوديين. ومع ذلك يجب إبراز أن اليمن- مثل العراق وسوريا- ليس سوى قطعة من قطع اللعب المستخدمة في خضم الشد والجذب بين إيران والدبلوماسيات الأمريكية والأوروبية في الشرق الأوسط.
ومن الواضح أن الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران قد يفاقم بشدة من الحرب الجديدة بين المملكة العربية السعودية وحلفائها من ناحية، وإيران من ناحية أخرى. ومع أن الاتفاق النووي سيكون مثالًا رائعًا على ما يمكن تحقيقه بالعمل الدبلوماسي في عالمنا اليوم في مواجهة الخيارات العسكرية ؛ فإن الوقت ما زال مبكرًا لمعرفة الآفاق والنتائج التي ستسفر عنها اتفاقية كهذه.
ومن المحتمل بشدة أن تصبح الأحداث والقرارات التي ستشهدها الشهور القادمة عاملاً حاسمًا بالنسبة لمستقبل إيران السياسي وتوازن القوى في الشرق الأوسط لعدة أعوام؛ وذلك لأنه لم يكن لدى إيران أو الدول الأخرى قط الكثير في المنطقة لتخسره أو تكسبه في أية مفاوضات دبلوماسية.