اللجنة الدولية المستقلة حول سوريا: خطر حرب إقليمية يهدد الشرق الأوسط

الأربعاء 18/يونيو/2014 - 10:03 ص
طباعة اللجنة الدولية المستقلة
 
حذرت اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق حول سوريا أمس من أن التصعيد غير المسبوق للحرب الأهلية الجارية هناك بلغ مرحلة حرجة وخطيرة تهدد المنطقة برمتها، وقال رئيس اللجنة "باولو سيرجيو بينييرو" خلال تقديم تقرير جديد إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف تضمن الفترة من 15 مارس إلى 15 يونيو: «إن بزوغ الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في سوريا والعراق أمر خطير؛ لأن هذا التنظيم المسلح أسهم في انتشار العنف الطائفي، ونحن الآن في نقطة اللاعودة، وأقرب من أي وقت مضى لاندلاع حرب إقليمية في الشرق الأوسط».
اللجنة الدولية المستقلة
وقال تقرير المحققين متحدثا عن سوريا: «لا تستهدف الأعداد المتزايدة من المقاتلين المتشددين المجتمعات السنية الخاضعة لسيطرتها فحسب، لكن أيضا مجتمعات الأقليات، بما في ذلك الشيعة والعلويون والمسيحيون والأرمن والدروز والأكراد»، وأشار إلى استهداف المتشددين لمدنيين سنة من خلال أمور، منها إجبار النساء على ارتداء الحجاب وفرض تفسيرهم لأحكام الشريعة والانتقام من السنة الذين خدموا في الجيش السوري. 
وأضاف: «إن تنظيم داعش خطف ما يقرب من 200 مدني كردي في هجوم على مدينة حلب في نهاية مايو، ويخوض قتالا ضد جماعات أخرى مناهضة للرئيس بشار الأسد أكثر مما يخوض ضد حكومة دمشق، وهذا يظهر قدرته على إذكاء نيران الطائفية في كل من سوريا والعراق وسوريا، وأي تعزيز لموقفه يزيد من القلق البالغ». 
وقال فيتيت مونتاربورن خبير القانون الدولي الذي شارك في التحقيق: «توقعنا منذ فترة طويلة مخاطر امتداد الصراع على الجانبين وهو ما يتحول الآن إلى صراع إقليمي».
وأوضحت عضو اللجنة كارلا دل بونتي في لقاء صحفي «أن مهمة اللجنة كانت بدء ملاحقات قضائية ضد أفراد ارتكبوا جرائم حرب، وليس ضد مجموعات على غرار داعش الذي يقاتل النظام السوري، ويشن حاليا هجوما في العراق حيث نفذ الكثير من الجرائم وأعمال الانتقام»، وأضافت: «المشكلة هي أننا بحاجة إلى الإرادة السياسية لإنشاء محكمة مكلفة بمقاضاة مرتكبي جرائم الحرب، وإلا سيكون الأمر فاجعة للقضاء الدولي».
اللجنة الدولية المستقلة
وحصلت اللجنة المؤلفة من بينييرو (البرازيل) ودل بونتي (سويسرا) وكارين أبو زيد (الولايات المتحدة) وفيتيت مانتاربورن (تايلاند) على تفويض من مجلس حقوق الإنسان للتحقيق في جميع انتهاكات القانون الدولي في سوريا وتسجيلها. 
وأجرت أكثر من 3000 مقابلة أشارت إلى عدد هائل من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، كما تمكنت من إثبات ذنب مئات المرتكبين، وسبق أن سلمت أربع لوائح سرية بهذه الأسماء إلى مجلس حقوق الإنسان.
 وقال التقرير: «إن التحقيقات الجارية عززت السيناريو القائل: إن السبب الرئيسي لخسارة أرواح المدنيين والنزوح الهائل للسكان- هو الاستهداف المتعمد للمدنيين والهجمات بلا تمييز، وفرض عقوبة الحصار والحظر».
ووصف التقرير كيف استعادت الحكومة السورية السيطرة على أراض إستراتيجية في محافظتي دمشق وحلب من خلال مزيج من الأساليب الوحشية والحصار طويل الأمد واستخدام البراميل المتفجرة، وقال: «لا يزال يتعين على المجتمع الدولي، خاصة مجلس الأمن أن يطالب بمحاسبة من ارتكبوا جرائم ضد الرجال والنساء والأطفال في سوريا؛ بسبب التراخي تولدت مساحة أتاحت لأسوأ ما في الإنسانية أن تعبر عن نفسها». 
وقال بينييرو: «كلما طال النزاع يتفاقم خطر حجب معاناة الملايين خلف الأرقام»، وأضاف: «خلف 9,3 ملايين شخص يحتاجون إلى مساعدة إنسانية عاجلة، تتوارى قصص معاناة فردية لا تعقل»، وتابع قائلا: «كثيرون في حالة هزال وكلهم تقريبا تبدو عليهم آثار انتهاكات مروعة، مثل الخنق والبتر والجروح المفتوحة والحروق والكدمات».
اللجنة الدولية المستقلة
وقال التقرير: «إن السوريين يعيشون في عالم باتت قرارات مثل الذهاب إلى المسجد لأداء الصلاة أو إلى السوق أو إرسال الأطفال إلى مدارسهم- قرارات حول الحياة والموت»، وأكد أن استخدام القوات الحكومية السورية للبراميل المتفجرة في عمليات القصف رفع من نسبة الإصابات بين المدنيين، لا سيما بين الأطفال بدرجة خطيرة، فضلا عن استمرار قتلها المدنيين أثناء احتجازهم في مراكز الاعتقال. 
وانتقد عدم الالتزام بالقرار الأممي رقم 2139 المطالب بوصول المساعدات الإنسانية وتدفق الغذاء والماء والأدوية بلا قيود، في حين أن كلا من القوات الحكومية والجماعات المسلحة تصادر شحنات الغذاء عند نقاط التفتيش.
وتناول التقرير التدمير المتعمد للبنية التحتية المدنية، مثل شبكات توزيع المياه وشبكات الكهرباء واستهداف العاملين في المجال الإنساني وعرقلة جهود الوكالات الإنسانية لتقديم المساعدات إلى السوريين الأكثر احتياجا. 
وقال بينييرو: «إن محاولات التوصل إلى تسوية سياسية متفق عليها أصبحت بعيدة المنال؛ لا سيما أن الدول المؤثرة تحولت بعيدا عن العمل الجاد المطلوب بحثا عن حل سياسي، بل إن بعض الدول والأفراد قامت بتسليم شحنات من الأسلحة والمدفعية والطائرات إلى الحكومة السورية، أو قدمت لها إسهامات ومساعدات استراتيجية». 
وأعرب عن تأييده لتصريح المبعوث العربي الأممي السابق إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، عندما حذر من أن سوريا في طريقها إلى أن تصبح «دولة فاشلة»، وأن المجتمع الدولي متواطئ في هذا.
لا يبدو التقرير السابق- بالرغم من خطورته- يحمل جديداً، غير أننا نرى أن "داعش" استطاعت في وقت قليل لفت انتباه العالم بأكثر مما فعلت نظيرتها المتطرفة منظمة القاعدة، وبالرغم من أن الوضع المتفاقم لا ينذر بحلول على المدى القريب إلا أن النقطة الإيجابية الوحيدة التي نراها في الأفق تتمثل في أن لفت تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" لأنظار العالم بتلك الكيفية- يخلق تحالفات قد تنشأ على المدى القريب للقضاء عليه مبكراً، كمحاولة لحفظ توازنات القوى، ومنع تصدير إرهاب "داعش" للخارج.
وقبل أن يتخذ العالم خطوات ملموسة للتخلص من التنظيم المتطرف الآخذ في التمدد إقليمياً- لا يمتلك العديد من المراقبون ولا لجان التحقيق سوى الانتظار، وإطلاق محاولات من وقت لآخر؛ للفت انتباه العالم لأهمية القضاء على الإرهاب، الذي أكدت التجارب السابقة أنه لن يكون وقفا على الشرق الأوسط فقط، بل قد نراه على المدى القريب يعيد تكرار سيناريوهات ليس أقلها أحداث "سبتمبر 2001".

شارك