مؤسسة فريدرش ايبرت الالمانية تصدر كتاباً جديدًا عن داعش

الأربعاء 06/مايو/2015 - 11:32 م
طباعة مؤسسة فريدرش ايبرت
 
العنوان: "تنظيم الدولة الإسلامية :الأزمة السنية والصراع على الجهادية العالمية" .
تأليف: حسن أبو هنية والدكتور محمد أبو رمان
دار النشر:مؤسسة فريدريش ايبرت الالمانية
سنة النشر:2015
تناول الباحثان الأردنيان في شؤون الجماعات الإسلامية الدكتور حسن أبو هنية والدكتور محمد أبو رمان مسار تطور "تنظيم الدولة الإسلامية" والمراحل والتحولات التي مر بها، والمساحات المشتركة والخلافات الحقيقية والمفترضة بينه وبين تنظيم القاعدة المركزية والأسباب التي أدت إلى انشطار تنظيم القاعدة.
 ويجيب الكتاب على العديد من الأسئلة الهامة من أبرزها: ما هي المعالم الرئيسة لأيديولوجية هذا التنظيم؟ وكيف نفسّر صعوده السريع وتحقيقه انتصارات عسكرية سريعة في كل من العراق وسورية قبل أن يتشكّل التحالف الدولي والإقليمي لمواجهته؟ وهل أسباب صعود التنظيم مرتبطة بشبكة علاقاته، وتكمن بمصالح إقليمية متوارية وراء المشهد أم بعوامل ذاتية أم بشروط واقعية موضوعية أخرى أم أسباب مركّبة ومتعددة؟ وهل الخلافات بين تنظيم الدولة والقاعدة المركزية مرتبطة بالصراع على النفوذ والقوة والسيطرة؟ أم أنّ هنالك فوارق أيديولوجية وسياسية حقيقية بين ما يطرحه التنظيمان؟
 الباحث حسن أبو هنية، وفي تقديمه للكتاب، بيّن مسارات تشكل التنظيم حسب ما تتبعها الكتاب الذي بدأ منذ بناء العملية السياسية في العراق إبان الاحتلال الأمريكي ودور ذلك ببروز هويات أثنية عرقية ومذهبية، ومكافأة المكون الشيعي الذي يسيطر على 95% من الجيش العراقي والمؤسسات المدنية، ومكافأة الأكراد في الشمال، بينما تم تهميش المكون السني سياسيا واقتصاديا، مما دفع التنظيم ليقدم نفسه كهوية السنية تقاوم الهوية الشيعية.
من ناحيته، يقول أبو هنية في الكتاب إن التنظيم "بدأ كتنظيم  مقاومة تقليدية لمحتل، ثم تطور لتنظيم لمحاربة هوية أخرى، كما تطرق الكتاب للصراع بين المكونات الجهادية العالمية حول تمثيل الهوية الجهادية".
يقع الكتاب في 272 صفحة وهو مليء بالمعلومات العديدة عن جذور تنظيم الدولة وجبهة النصرة ومسيرتهما، وكذلك يدرس الكتاب الاسباب التي أنتجت التنظيم في العراق واستخدامه للعنف المرعب، والذى يمكن فهمه -بحسب المؤلفين- في اطار  المجتمع الذي عان من الحروب لعقود طويلة، وغرق في العنف ومزقته الصراعات. وقد تحولت هذه الدوامة إلى أزمة للسنة تمثلت في الصراع على الجهادية العالمية والتي اصلت للعنف.
يركز الكتاب بشكل خاص على جذور الخلافات بين "تنظيم الدولة" و"جبهة النصرة" والمعارك التي قامت بينهما، وهي محاولة من الباحثين لفهم التنظيم ومرجعياته الفكرية، وتنظيرات قادته بعيدا عن التفسيرات الاستشراقية في فهم الظاهرة، والإجابة عن عدد من الأسئلة التي تتصل بالإشكالات والتنظيم ومعالم فكره وما يرافقها من غموض.
يتناول المؤلفان هذه القضايا فى ستة فصول في الكتاب الذي يعد وثيقة مهمة لدراسة صعود السلفية العالمية وتفرعاتها، وطبيعة التنظيم وهيكله وبرامجه وتمويله وعلاقاته وصعوده السريع و"الهوس الإعلامي" بمتابعة أخباره.
1-الفصل الاول يتناول جذور "الدولة الإسلامية" في مساراتها وتحولاتها منذ تأسيسها على يد الأب الروحي لها أحمد فضيل الخلايلة المعروف بـ"أبي مصعب الزرقاوي" نسبة لمدينة الزرقاء الأردنية التي ولد فيها، واحتلال العراق (2003) ثم اندماج تنظيم جماعة التوحيد والجهاد مع شبكة القاعدة المركزية ومؤسسها أسامة بن لادن وما شاب ذلك من خلافات.
ويوضح  خطأ استنتاجات بعض الدارسين والمثقفين الذين أضفوا على تنظيم "الدولة" هالة من الغموض لافتين إلى أن قراءة هؤلاء لا تخرج عن عقلية المؤامرة التي ترى ارتباط ظهور الدولة الإسلامية بـ"مؤامرة أميركية" و"غزو خارجي"، وهو أمر ليس صحيحا، بل هو "حالة من الإنكار المقصود للسياق السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي الذي أسس للانهيارات الكبيرة في البنية الفكرية والسلوكية العربية".
واكد الباحثين ارتباط التنظيم بالتيار السلفي الجهادي العالمي، وتنظيم القاعدة المركزي إلا أن الانقلاب عليهما جاء بدافع المعطيات التي جرت على الأرض بعد احتلال العراق، ومن العوامل التي ساهمت في صعود تنظيم الدولة الإسلامية "السياسات الأميركية في العراق، والتمدد الإيراني عبر الهيمنة على القوى السياسية الشيعية".
2-يعرض الفصل الثاني جذور ظهور جبهة النصرة، التي شكل لها التنظيم العراقي حاضنة، لكن "النصرة" لم تنج من الخلافات التي تأسست بالأصل على رؤية الزرقاوي لبعض القضايا الفقهية والأولويات، وتحديدا ما يتعلق بقتال الشيعة وتكفيرهم. وهو ما انعكس على التباس هوية جبهة النصرة، التي "توافرت على سلطتين مرجعيتين ومنهجين مختلفين، أحدهما ينتمي لنهج تنظيم القاعدة المركزي السياسي وتكيفاته الأيديولوجية عقب ثورات الربيع العربي التي تستند إلى حروب "الأنصار" وثانيهما نهج الفرع العراقي الذي يتمتع بنوع من الاستقلالية النسبية ويتمسك بموضوع حروب الهوية".
و استمر الخلاف حتى بعد رحيل "الزرقاوي" ورحيل ابن لادن وتحول إلى معارك إعلامية وصراع دموي عام 2014. ويفسر المؤلفان هذا الخلاف بأن زعيم النصرة أبا محمد الجولاني يستند في الرأي إلى "مرجعيات السلفية الحركية التي نشأت من رحم جماعة الإخوان المسلمين" ص94، وهي تقوم على الفكر الإصلاحي، وليس التغييرات الحادة.
3-يناقش الفصل الثالث الظروف السياسية والتحولات اللوجستية والشروط التي توفرت لـ"إعلان الخلافة"، وخصوصا بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق، الذي تزامن مع الاحتجاجات العربية "الربيع العربي" عام 2010، ومقتل زعيم تنظيم القاعدة المركزي 2011، وترافق مع ذلك اتساع مشاعر الغضب من قبل السنة نتيجة الإقصاء والتهميش، وفشل دمج "الصحوات " التي تأسست لمواجهة "القاعدة، فقرر التنظيم إجراء مراجعة لبرامجه السياسية والعسكرية والأمنية، وتبنى خطة "هدم الأسوار" بمعنى فتح الحدود، وإعلان دولة العراق الإسلامية 2012.
ويشير الباحثان إلى عاملين (خارجي وداخلي) ساهما في تدعيم تنظيم الدولة واتساع نفوذه في العراق، وهما: "تدشين الثورات المضادة وسياسات إعادة إنتاج السلطوية في العالم العربي التي تجسدت بالانقلاب على نتائج الديمقراطية.. والثاني سياسات إيران التي كانت تسعى إلى تدعيم نفوذها في العراق". والانتصارات التي تحققت على الأرض لتنظيم العراق الذي أعلن في 29 يونيو 2014 قيام الخلافة، وتنصيب "أبي بكر البغدادي" إبراهيم عواد البدري خليفة للمسلمين.
4- الفصل الرابع يرصد السجالات التي دارت بين تنظيم القاعدة المركزي وجبهة النصرة من جهة، وتنظيم الدولة الإسلامية من جهة ثانية، وهو ما يعود إلى المرجعيات عند كل جهة، ومع أنه تم احتواء الخلافات فإنها بقيت قابلة للانفجار، وتدحرجت السجالات والخلافات إلى أن وصلت حد الاقتتال بين "النصرة" و"تنظيم الدولة"، وخصوصا بعد رفض أبي محمد الجولاني طلب البغدادي حل جبهة النصرة والانضواء تحت راية الدولة، فقام البغدادي بحل جبهة النصرة، ومن هنا تجاوزت الخلافات محاولات رأب الصدع إلى حدوث الانقسام في السلفية العالمية على امتداد العالم. "وأصبحنا أمام تيارين متباينين بل ومختلفين ومتصارعين، يكفر ويخون كل منهما الآخر"..
5- الفصل الخامس يتتبع  تخندق كل طرف بآراء "الآباء المؤسسين" لأيديولوجيا السلفية الجهادية من خلال أدبياتهم وآرائهم الفقهية وأبرز منظري "الدولة" -ومنهم: أبو عبد الله المهاجر الذي عبر عن آرائه في كتاب "إدارة التوحش"، وأبو بكر ناجي في كتاب "فقه الدماء"- التي شكلت إيديولوجيا "داعش" العنفية، والتي "أصبحت تشكل دليلا ومنهاجا لحركة تنظيم الدولة الإسلامية وسلوكه العنيف".
6-الفصل السادس يعرض المؤلفان لتطور البناء الهيكلي لتنظيم الدولة الإسلامية ومكوناتها من جماعة التوحيد والجهاد، والقاعدة في بلاد الرافدين، وبناء الدولة (الخلافة) وقياداتها الحالية.
ويخلص المؤلفان في خاتمة الكتاب "الشامل" الذي يتصف بـ"المسح التوثيقي التحليلي" إلى قراءة مستقبل تنظيم الدولة الإسلامية في ظل حرب التحالف الدولي والإقليمي، والظروف الإقليمية، متوقفين عند مكونات قوات التحالف ومآربهم وجديتهم في القضاء على التنظيم، وتداخل التحالفات والشكوك في مقدرة التحالف على حسم المعركة دون الحرب البرية، وفي الوقت نفسه تمكن تنظيم الدولة من امتصاص آثار الضربات الجوية وتقليل فعاليتها، وحافظ على صلابته، وتطوير أدواته العسكرية والإعلامية، ومقدرته على المناورة والتخفي.
والأهم من ذلك أن تنظيم الدولة لا يزال يحافظ على حاضنته السنية في ظل بقاء "المشكلة السورية" و"التحالفات المصلحية والبراغماتية" التي تعقدها الولايات المتحدة الأميركية مع "الحكومة العراقية"، وفي ظل الانتكاسات التي جرت عقب الثورات "الربيعية" وفي ظل بقاء الغطرسة الصهيونية، والتمدد الإيراني والفوضى العارمة، وفساد الحكومات والفقر...إلخ. هذه الأسباب والشروط في مجملها كانت وراء الظاهرة العنفية للتنظيم، وهي جزء من المشهد العربي العام، "فعنف التنظيم وسلوكه الحاد ليس نشازا، بل هو جزء من (العنف البنيوي) الراهن الذي يجتاح العديد من الدول والمجتمعات العربية" 
ويخلص الكتاب إلى أن: "النجاح الفعلي، طويل المدى للحرب الراهنة في العراق وسوريا، لن يتحقق إلا بشرط رئيسي هو فك الاشتباك بين تنظيم الدولة والمجتمع السني، ومدي قناعة المجتمع السني ذاته بالانقلاب مرة أخرى على التنظيم، كما حدث في العام 2007 مع تجربة الصحوات".
كما خلص الكتاب إلى نتيجة مفادها أن "المنطقة بأسرها تمر بمرحلة انتقالية تشهد انهيارا للدولة القُطرية (الوطنية)ومنظومتها السياسية، وهي حالة تتجاوز العراق وسورية إلى أغلب دول المنطقة، إذ نجد حالة الفوضى وعدم الاستقرار تسود في اليمن وليبيا ولبنان وصحراء سيناء في مصر، في مقابل حالة صعود للمليشيات ذات الطابع الطائفي أو الديني أو العرقي.
ويرى الباحثان عبر ثنايا سطور الكتاب أن ثمة معضلات تعترض طريق نجاح التحالف الدولي ضد تنظيم القاعدة من أبرزها، ترك نظام الرئيس السوري بشار الأسد، كما هو دون مواجهة فعلية لأن تصرفات هذا النظام هي أحد أهم أسباب انتعاش التنظيمات المتشددة، فضلا عن تعاون الإدارة الأمريكية مع النظام العراقي (المالكي- العبادي) وهو أيضا سبب رئيس في عودة التنظيم للواجهة.
وما لم يتم تجاوز نظام الأسد والعبادي إلى حل سياسي شامل فإن السنة لن يكون بمقدورهم الاقتناع بأن أمريكا وحلفاءها يقاتلون من أجلهم.
وقال الباحثان: "ما تزال شكوك كبيرة في صلابة التحالف الدولي الإقليمي ضد تنظيم "الدولة" فبالرغم من أن هناك عشرات الدول التي تشارك في الضربات الجوية إلا أن هناك تباينا في رؤية هذه الدول لمصالحها بخاصة في المنطقة، فتركيا لم تقبل بالتدخل البري لإنقاذ عين العرب "كوباني" ولم تسمح خلال الفترة الأولى من الحرب الجوية باستخدام قواعدها، لأنها تطالب بمقاربة لا تهدف فقط إلى التخلص من تنظيم الدولة، بل حتى من الرئيس السوري الأسد، والدول العربية بخاصة السعودية تشعر بقلق من النفوذ الإيراني ومن علاقة النظام العراقي الجديد بطهران، وتأخذ موقفا متشددا من نظام الأسد، وبالرغم من أنها تنظر إلى تنظيم الدولة بوصفه مصدر تهديد رئيس لأمنها الوطني والاستقرار الإقليمي، إلا أنها تنظر إلى طهران كذلك كمصدر تهديد حقيقي لها، ما يخلق شقوقا في التحالف الدولي في حال استمرت الحرب لمدة طويلة.

تفكيك المجتمعات

وتوصل الباحثان إلى نتيجة مفادها: انه "من الضروري النظر إلى صعود تنظيم الدولة في سياق الفوضى الطاحنة في ليبيا، والفراغ السياسي ونمو الجماعات المرتبطة بالسلفية الجهادية هناك، وفي صحراء سيناء، وفي اليمن مع سيطرة الحوثيين على صنعاء، ومع الأزمة البحرينية والأزمات الداخلية العربية، فهناك اليوم حالة جديدة متنامية من تفكيك المجتمعات وانهيار السلطة الأخلاقية للدولة والعودة إلى الأشكال الأولية من التعبير عن الهوية..
مثل هذه المناخات تخلق جاذبية لنموذج داعش وقابلية لاستنساخه وتطبيقه في العديد من المجتمعات، طالما أن المسارات البديلة مغلقة إلى الآن، فليست خطورة التنظيم أنه اجتاز الحدود وأقام كيانا عابرا لها، ومتوحشا في سلوكه مع الخصوم، بل أنه أصبح نموذجا للوعي الشقي السلبي ولحالة المجتمعات العربية والمسلمة.
هذا التنظيم أصبح نموذجا، وقد وجدنا كيف سعت جماعات أخرى في ليبيا واليمن إلى استنساخه، فطالما أن الأزمة السنية لم تحل، والأزمة السلطوية العربية قائمة فإن هذا التيار والتيارات الأخرى، سواء كانت شيعية أو عرقية أو غيرها ستجد طريقها للنمو والصعود والتكيف مع الظروف والضغوط وإذا تراجعت في مكان ستنتشر في مكان آخر.

شارك