الإصلاح المنتظر للأزهر وفقه الاجتهاد المستمر
الخميس 21/مايو/2015 - 09:10 م
طباعة
اسم الكتاب: الاجتهاد
الكاتب – الشيخ مصطفي المراغي
الناشر- مجلة الازهر 2015
يصل طموح الإصلاحيين الراغبين في تطوير الأزهر إلى مدى بعيد قد يرى فيه البعض أحلام تقترب من المستحيل، والقاري المدقق لكتاب الاجتهاد للأمام الأكبر الشيخ مصطفي المراغي الذى صدرت طبعته الاولى عام 1935 وأعادت مجلة الأزهر إصداره ليوزع كهدية مجانية مع عددها الأخير يكتشف أن الأحلام الإصلاحية المحدودة طبقا للواقع الآن والتي تضمنها الكتاب لم تتحقق، ليبقى الكتاب وأفكاره معبر عن رغبه في الاصلاح –حتى اذا اختلفنا مع شكل ومضمون هذا الاصلاح الغائب – فالكتاب يدافع عن حق العقل المسلم في الاجتهاد وفى معارضة اغلاق باب الاجتهاد ومعارضة الجمود الذي يقف عند اجتهادات القدماء التي ارتبطت بزمان غير الزمان وفي هذا الكتاب يبدو الشيخ المراغي مجتهدا ان لم يكن بالمعنى الحديث ولكن مجتهد من خلال المذاهب الفقهية فهو يبحث في المذاهب ويوازن بينها ويرجح ما يراه من هذه الاجتهادات وقد فيد نفسه بشروط الاجتهاد التي حددها الشيخ أبو حامد الغزالي في كتابه (المستصفي من أصول الفقه) حيث وضع شرطان للمجتهد احدهما أن يكون محيطا بمدارك الشرع متمكنا من استثارة الظن بالنظر فيها وتقديم ما يجب تقديمه وتأخير ما يجب تأخيره والشرط الثاني أن يكون عدلا مجتنبًا للمعاصى القداحة في العدالة وهذا يشترط لجواز الاعتماد على فتواه .
الزمالة الانسانية بين أهل الأديان
ومن الأفكار المهمة التي طرحها المراغي في كتابه ضرورة الزمالة الانسانية بين اهل الاديان المختلفة فالزمالة الانسانية حاجة طبيعية وليست نظرية فلسفية والاسلام يؤسس للزمالة الانسانية فلقد نبه القران لوحدة الابوين الموجبة للتعارف والتعاون والتناصر والمبعدة عن التناكر والاختلاف والتخاذل ولم يقم وزنا لشرف المولد وكرم الجنس ووضع معيارا للتفاضل لم يعرفه الناس من قبل وهو تقوى الله (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم) الحجرات 13
في إصلاح الأزهر
يقول الشيخ المراغي لقد بلغ الازهر في ظل التراجع الحضاري ان بعض العلماء ممن شاهدناهم لم يكونوا يحسنون التعبير عن اغراضهم ولاتزال منهم بقية الى اليوم وكان العلماء ايضا لا يدرسون شيئا من العلوم العامة كالتاريخ والحساب والهندسة وتقويم البلدان وكان فيهم علماء يحرمون تقويم البلدان والتاريخ والحساب ويكتبون مقالات في الجرائد ضد هذه العلوم ومنذ 40 سنة قرا لنا احد شيوخنا كتاب (الهداية في الفلسفة ) في داره على شرط ان نكتم الامر لئلا يتهمه الناس ويتهمونا بالزيغ والزندقة وكان ولاة الامور يشكون من ان القضاة لا يعرفون الارقام ولا يعرفون طرق التوثيق ولا يعرفون من العلوم العامة ما يجب أن يعرفه شخص يتولى الحكم بين الناس .والازهر هو الحامل لرسالة الاسلام والدين الإسلامي يطلب من اهله السعي الى معرفة كل شيء في الحياة ولقد كان للعقل عند سلف الامة حرمته وله حريته التامة في البحث وكان الاجتهاد غاية يسعى اليها كل مشتغل بالعلم متفرغ له .والازهر هو مصباح مصر الذى ينير لها عالمها الاسلامي وهو واسطة العقد بينها وبين الامم الاسلامية الاخرى، ويقول المراغي يجب على الامة الإسلامية ان تنقي هذا المصباح – الأزهر- من الأكدار وان توجد له جهازا قويا يستمد نوره منه على طريقة تتناسب مع ما جد في العالم من اطوار العلم في التفكير وفى الحوار والتخاطب وفى طرق الاستدلال والبحث – بل ويضيف الشيخ قائلا يجب تطوير المناهج الدراسية بالأزهر بحيث يدرس القران دراسة جيدة وان تدرس السنة دراسة جيدة وان يفهما على وفق ما تتطلبه اللغة العربية فقهها وآدابها من المعاني وعلى وفق قواعد العلم الصحيحة وان يبتعد في تفسيرهما عن كل ما اظهر العلم بطلانه وعن كل ما لا يتفق وقواعد اللغة العربية . ويقول الشيخ المراغي يجب ان يدرس الفقه الإسلامي دراسة حرة خالية من التعصب لمذهب وان تدرس قواعده مرتبطه بأصولها من الأدلة وان تكون الغاية من هذه الدراسة عدم المساس بالأحكام المنصوص عليها في الكتاب والسنة والاحكام المجمع عليها والنظر في الاحكام الاجتهادية لجعلها ملائمة للعصور والامكنة والأعراف وأمزجة الامم المختلفة كما كان يفعل السلف من الفقهاء ولو ان الامة المصرية وجدت من الفقهاء من جارى احوال الزمان وتبدل العرف والعادة وراعى الضرورات والحرج لما تركت هذا الفقه إلى غيره لأنه يرتكن إلى الدين الذى هو عزيز عليها ..إننا نريد إصلاح أعز شيء على نفوس الجماهير ونريد بهذا الاصلاح تقويم هذه الأمة ونهوضها ويجب اصلاح التأليف للكتب.. ولست أدافع الآن عن الكتب القديمة بل وارجو من الله أن يمكننا من الاستغناء عنها بأحسن منها فنحن بحاجة إلى رسل بين القديم والحديث ليخرجوا لنا حديثا جيدا فلابد لنا من علماء فيهم من القوة ما يستطيعون معه تصوير ذلك في اسلوب حديث
وكل مطالب الشيخ المراغي لإصلاح الأزهر مازالت هي نفس المطالب حتى الآن التي ينادى بها المصلحون.
الاجتهاد
يقول الشيخ في كتابه إن استطاع العلماء سد باب الاجتهاد المطلق فلن يستطيعوا سد باب الاجتهاد الخاص، وان استطاعوا سد باب الاجتهاد الخاص فلن يستطيعوا سد باب الاجتهاد في المذهب لاختيار رأى يلائم عرفا عاما أو خاصًا او اختيار رأي قضت به ضرورة عامة او خاصا او لاستنباط راي في حادثة لم يكن منصوصا عليها والحق ان الاجتهاد في المذهب لم ينقطع في اي عصر من العصور الماضية وهو باق الى الآن .فالحوادث لانهاية لها ولا يمكن ان تحدها الكتب ويحوطها الحصر وفى كل يوم نجد للقضاة والمفتين حوادث لا عهد للكتب بها فيستنبطون لها احكاما طبقا للقواعد العامة.