ملامح النهضة التي رسمها الإمام محمد عبده ولم تصلنا حتى الآن
السبت 23/مايو/2015 - 05:51 م
طباعة
اسم الكتاب – تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده
تأليف – محمد رشيد رضا
الناشر – تراث النهضة – الهيئة المصرية العامة للكتاب مصر 2012
ربما لم يكن يعلم السيد رشيد رضا مقدار نفع تاريخه هذا الذي يؤرخ فيه لحياة شيخه الأستاذ الإمام محمد عبده، ذلك أن هذا التاريخ ما زال حتى اللحظة العامل الأكبر في بيان حقيقة هذا الإمام المصلح الكبير والذى نحتاج إليه الآن أكثر من أي وقت مضى خاصة أن الكتاب الضخم الصادر عن سلسلة تراث النهضة بالهيئة العامة للكتاب بمصر يكشف عن رؤى عديدة ومعارف متنوعة جرى فيها قلم الإمام
الإمام عبده
ولد الإمام محمد عبده في حصة شبشير من قرى إقليم الغربية ونشأ في قرية "محلة نصر" تبعد عن دمنهور نحو خمسة عشر كيلومتراً.
وكان ذلك سنة 1265 هـ (1849 م) وتعلم القراءة في منزل والده بعد أن جاوز العاشرة ثم حفظ القرآن في سنتين انتقل بعدها إلى المسجد الأحمدي بطنطا ليتعلم التجويد ومكث سنة ونصفاً ولم يفهم فيها شيئاً لرداءة طريقة التعليم فيها حسب قوله عاد بعدها إلى محلة نصر وتزوج سنة 1282هـ ثم ألزمه والده الذهاب إلى طنطا للتعلم فاستطاع الهرب في الطريق إلى بلدة "كنيسة أورين" ولجأ إلى أحد أخوال أبيه واسمه الشيخ درويش الذي حبب إليه العلم وطلبه بسبب طريقته في التدريس حتى صار طلب العلم وتحصيله أحب شيء إلى نفسه. أقام عند الشيخ درويش 15 يوماً انتقل بعدها إلى طنطا خوفاً من والده الذي وجهه إليها للدراسة ثم انتقل إلى الأزهر في منتصف شوال 1282هـ فداوم على طلب العلم على شيخه ويعود إلى محلة نصر في آخر كل سنة ليتلقى الدروس من الشيخ درويش الذي يسأله ما درست المنطق؟ ما درست الحساب؟ ما درست شيئاً من مبادئ الهندسة؟ وكان الأستاذ الإمام يلتمس عند عودته إلى القاهرة هذه العلوم عند من يعرفها إلى أن جاء السيد جمال الدين الأفغاني في شهر المحرم 1287 فتلقى عنه بعض العلوم الرياضية والفلسفية والكلامية، كما قرأ على السيد الزوراء للدواني في التصوف وظهر تأثير السيد على الأستاذ سريعاً فبدأ في الكتابة والتأليف واتفق مع بعض الطلاب على أن يقرأ لهم بعض الكتب في المنطق وعلم الكلام مما لم يكن يقرأ مثلها في الأزهر فكثر سواد المجتمعين عليه، حتى اشتهر أمره مما أحفظ عليه قلب الشيخ محمد عليش الذي بلغه أن محمد عبده يقرأ كتب المعتزلة والمتكلمين في الأزهر ويرجح إلى مذهبهم وإن الشيخ عليش – كما يقول العقاد – رجل صالح عفيف عن المطامع الدنيوية التي كانت تستهوي طلاب المظاهر من علماء عصره وكان مخلصاً صادق النية في كراهة البدع التي يخشى منها على الدين وكبر عليه رحمه الله أن يقرأ أحد مثل تلك الكتب في الأزهر فأرسل إلى محمد عبده وناقشه نقاشاً أفضى إلى نزاع وخصومة قيل إنه ترك التدريس على إثرها في الأزهر وقيل إنه لم يتركه وأنه كان يضع بجانبه عصاً وقال إذا جاء الشيخ بعكازه فله هذه العصا.
وعرض نفسه على لجنة الامتحان في الأزهر لنيل شهادة العالمية في سنة 1294هـ فحصل عليها ويمكن تحديد ثلاثة طرق حصل الامام من خلالها على العلم
الأولى: الطلب على طريقة الأزهر المعروفة من مناقشة في عبارات المتون والشروح والحواشي والتقارير.
الثانية: طريقة السيد الأفغاني الذي أطلقه من التقيد بعبارات المؤلفين وتعويده الحكم باليقين مع تطبيقه على حال المسلمين الحاضرة.
الثالثة: النظر في علوم الغربين فقرأ مما ترجم من الكتب ثم تعلم الفرنسية وصار يقرأ بها.
تراث النهضة
يحتوي الكتاب على عدد كبير من المقالات التي نشرها الإمام عبده في صحف الأهرام والوقائع المصرية الرسمية والعروة الوثقي وصحف سوريا ومن خلال قرات مقالات الامام التي تكشف عن عقل ناقد مصلح نجد ان خطه في الاصلاح اعتمد على نقاط اساسية منها
أولًا تحرير الفكر من قيد التقليد وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف واعتباره من ضمن موازين العقل البشري التي وضعها الله لترد من شططه وتقلل من خلطه وأنه على هذا الوجه يعد صديقاً للعلم.
ثانيا إصلاح أساليب اللغة العربية في الكتابة .
ثالثا: في الاصلاح السياسي يقول الإمام وهنا أمر آخر كنت من دعاته والناس جميعاً في عمى عنه وبعد عن تعقله ذلك هو "التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب وما للشعب من حق العدالة على الحكومة"
ثم يعلن النتيجة "إنني في كل ذلك لم أكن الإمام المتبع ولا الرئيس المطاع غير أني كنت روح الدعوة وهي لا تزال بي في كثير مما ذكرت قائمة ولا أبرح أدعو إلى عقيدتي في الدين، وأطالب بإتمام الإصلاح في اللغة وقد قارب.
رابعا صلة العقل عند الإمام بالدين وثيقة "أن العقل وحده لا يستقل بالوصول إلى ما فيه سعادة الأمم بدون مرشد إلهي" وقد أكرم الإسلام العقل "ورفع القرآن من شأن العقل ووضعه في مكانه بحيث ينتهي إليه أمر السعادة والتمييز بين الحق والباطل والضار والنافع" بل إن الإسلام عنده يعتمد على الدليل العقلي ويحتج به لا بالمعجزات: "فالإسلام في هذه الدعوة والمطالبة بالإيمان بالله ووحدانيته لا يعتمد على شيء سوى الدليل العقلي والفكر الإنساني الذي يجري على نظامه الفطري فلا يدهشك بخارق للعادة ولا يغشى بصرك بأطوار غير معتادة ولا يخرس لسانك بقارعة سماوية ولا يقطع حركة فكرك بصيحة إلهية"
ليس هذا فحسب بل يعتمد الإمام أن الإيمان بالله لا يؤخذ من الرسول ولا من الكتاب ولا يصح أخذه منهما بل من العقل "وقد اتفق المسلمون إلا قليلاً ممن لا يعتد برأيه فيهم – على أن الاعتقاد بالله مقدم على الاعتقاد بالنبوات وأنه لا يمكن الإيمان بالرسل إلا بعد الإيمان بالله فلا يصح أن يؤخذ الإيمان بالله من كلام الرسل ولا من الكتب المنزلة فإنه لا يعقل أن تؤمن بكتاب أنزله الله إلا إذا صدقت قبل ذلك بوجود الله وبأنه يجوز أن ينزل كتاباً ويرسل رسولاً"
أما إذا تعارض العقل والنقل عنده فقد "اتفق أهل الملة الإسلامية إلا قليلاً ممن لا ينظر إليه على أنه إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل"
خامسا - دعا إلى الاجتهاد ونبذ التقليد وإطراحه فقد "أنحى الإسلام على التقليد وحمل عليه حملة لم يردها عنه القدر فبددت فيالقه المتغلبة على النفوس وقد كان لهذا المنهج أثره في حياة السيد الإمام في أعماله وأقواله فلم يقبل بالحالة التي كان عليها الأزهر لأنها قائمة على التقليد فدعا إلى الإصلاح والتجديد ورأى الجفوة بين العالمين الإسلامي وغير الإسلامي فدعا إلى التقريب وساءته حال التربية والتعليم فدعا إلى التهذيب
واستمر في مطالبته وإصلاحه للأزهر الذي كان يسميه بـ "الإصطبل" و"المارستان" و "المخروب" ولم تتح له الفرصة للإصلاح إلا بعد أن تولى عباس الثاني الخديوية سنة 1892م الذي أراد مناهضة الاحتلال الذي استأثر بالحكم فقرب الزعماء والعلماء المصريين وكان من بينهم الأستاذ الإمام محمد عبده فذكر له أنهم تركوا له الأزهر والأوقاف الإسلامية والمحاكم الشرعية وبصلاحها صلاح للبلاد وهي أقرب وسيلة للقضاء على الاحتلال فاقتنع عباس بهذا وأصدر مرسوماً يقضي بإنشاء مجلس لإدارة الأزهر من أعضائه محمد عبده سنة 1312هـ وأمر بتعيين الشيخ حسونة شيخا للأزهر سنة 1313هـ بعد استقالة الشيخ الأنبابي الذي يعارض هذا الاتجاه فبدأ في الإصلاح الحسي والمعنوي فأنار المسجد وعين طبيباً وفتح صيدلية للأزهر وأنشأ الميضأة الصحية وتجديد مبان صحية في الأروقة وحددت مدة الدراسة وامتحان سنوي لمن يغب مع مكافأة مالية للناجحين واستبدال الكتب النافعة بالكتب الضارة – حسب قولهم – وجعل مدة دراسة المقاصد كالفقه والتفسير أطول من مدة الوسائل كالنحو والصرف وبزيادة علم الأخلاق والتاريخ وتقويم البلدان والرياضيات وغير ذلك كثير من الإصلاحات التي نفذ القليل منها وترك الكثير إذ لم يلبث أن تغير ظن عباس باشا بالأستاذ الإمام أدى إلى خلاف فاستقال محمد عبده في محرم سنة 1323هـ وكان هذا آخر جهوده في إصلاح التعليم. فمات بعد ذلك بفترة قصيرة.
كتبه
ترك الإمام تراثًا مهمًا على رأسه تفسيره للقران الكريم ومن كتبه ايضا
- الواردات: أول تأليفه في الكلام أو التوحيد على الطريقة الصوفية وأسلوبهم (رسالة في وحدة الوجود) - (تاريخ إسماعيل باشا).(فلسفة الاجتماع والتاريخ) (حاشية عقائد الجلال الدواني في علم الكلام) ونشرتها دار إحياء الكتب العربية بتحقيق سليمان دنيا في مجلدين تحت عنوان (الشيخ محمد عبده بين الفلاسفة والكلاميين) شرح نهج البلاغة) وهو الكتاب المنسوب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وطبع مراراً-( نظام التربية والتعليم بمصر) رسالة التوحيد) الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية).
نفقات الإصلاح
من مقالته المهمة التى يتضمنها الكتاب مقال بعنوان (نفقات الإصلاح ) يقول فيها (يمكن أن يظن أنه يلزم الإصلاح زيادة نفقات ولكن اذا دبرت مصاريف المعارف على الوجه اللائق فلا أظن أنه يحتاج إلى زيادة على أنه لو احتيج إليها لا يثقل احتمالها بعد اليقين بأن هذا الإصلاح يؤول الى تمكن السلطة وجعل الرعية صالحة لان تكون بدنا لراس او الة لعامل وأظن أن بذل نفقات الإصلاح في هذا السبيل – وهو سبيل حياة السلطة وحياة الرعية – أفضل منه في جميع السبل فإن كانوا يصرفون الافا من الجنيهات على بعض المباني الخربة بدعوى أنها أحفظ للمباني القديمة فاولى ان يصرف بعض تلك المبالغ على حفظ الذين تبقى لأجلهم تلك المباني، فان التربية هي الحصن الحقيقي للبلاد الذي يصونها من جيش الفساد وهي آلة صاحب السلطة في الانتفاع بالمحكومين له)