"اللاهوت السياسي".. بدون خلط الدين بالسياسة!!!
الجمعة 14/يونيو/2019 - 01:33 م
طباعة
اسم الكتاب اللاهوت السياسي
الكاتب الأب جون جبرائيل
الناشر – الاكويني – القاهرة
الكاتب
جون جبرائيل جرجس راهب دومينكاني مصري حصل على الماجستير في اللاهوت الأساسي من جامعة ليبيل بفرنسا ورسم كاهنًا عام 2013، ويدرس بمعهد التربية الدينية بالقاهرة، وهذا أول كتاب له.
محور الكتاب
حاول المطران كيرلس سليم بسترس، رئيس أساقفة بيروت للروم الكاثوليك أن يلخص فكرة الكتاب في تقديمه له، قائلا: اللاهوت كلام يقوله الإنسان عن الله انطلاقًا من كلام أوحى به الله للإنسان. وهذا الكلام يشمل الله في ذاته وفي صفاته، ويوضح في الوقت عينه العلاقة بين الله والإنسان وطريقة وصول الإنسان إلى الله. تتميّز المسيحيّة في لاهوتها عن سائر الأديان بإيمانها بأنّ الله أوحى بذاته وبإرادته ليس فقط بكلام نقله إلى البشر مرسَلون من قبله.
وذلك لتحقيق الراحة والسعادة للإنسان في بعده الفرديّ وفي بعده الاجتماعيّ. وعندما نتكلّم عن الحياة الاجتماعيّة نصل حتمًا إلى السياسة التي هي تنظيم حياة الإنسان الاجتماعيّة.
ومن ثمّ ينبغي للاهوت، الذي من شأنه أن يوضح إرادة الله الأزليّة بالنسبة إلى حياة الإنسان في مختلف أبعادها، أن يعالج البعد السياسيّ الذي ينظّم علاقات الناس بعضهم ببعض في مختلف ميادين الحياة الاجتماعيّة. من هذه الضرورة نشأ "اللاهوت السياسيّ" هذه هي الفكرة الأساسية لكتاب الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ، وقد عالجه بدقة وشموليّة، وطبّقه على واقع بلدان الشرق الأوسط وما تعانيه من أزمات ونزاعات وحروب بين الشعوب والأديان والمذاهب، يقع ضحيّتها الإنسان الذي وُعِد بالخلاص ويروح يسأل: أين هو الله في كلّ هذا الجحيم؟ يورد الكاتب شهادة أدلى بها مؤلّف يُدعى "إيلي فيسيل" حول رؤيته ثلاثة أشخاص معلّقين على مشنقة في "أوﺷﭭيتس"، فيقول: "سمعتُ خلفي رجلًا يتساءل أين الله إذًا؟ فسمعتُ داخلي صوتًا يجيبه: أين هو؟ ها هو معلّق على المشنقة".
وإذا كان كثير من الناس اليوم لا يزالون يُعلَّقون على مشانق الفقر والاضطهاد ومختلف أنواع الذلّ والعذابات، فلا بدّ للاهوت أن يكونَ له كلام في هذا الشأن. فإزاء كلّ ما يحصل من انتهاك لكرامة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، نتساءل أين الخلاص الذي جاءنا به المسيح، وأين الفداء، وأين الملكوت، وأين التألّه؟ على هذه الأسئلة يحاول المؤلّف أن يُلقي بعضَ الأضواء، انطلاقًا من موضوع اللاهوت السياسيّ، الذي يعالجه اليوم، وبخاصّة في الغرب المسيحيّ، مؤلّفون عديدون، بهدف توضيح علاقة الجماعات بعضها ببعض على ضوء إرادة الله التي ظهرت في الكتاب المقدس.
السياسة الديمقراطية
يبدو الحديث عن لاهوت سياسي في العالم العربي لأولئك الذين يعرفون معناه الحقيقي على أنه ليس خلطًا بين اللاهوت والسياسية نوعًا من الرفاهية الفكرية، أو الرفاهية اللاهوتية، فهو لاهوت وليد العالم الغربي؛ حيث تختلف الأوضاع الاجتماعية والسياسية هناك اختلافًا كبيرًا عن الوضع في العالم العربي .
لا يمكن أن ننكر الاختلافات إلا أنه علينا النظر إلى خبرة الشعوب الأخرى؛ حتى لا نسقط في الأخطاء عينها التي سقطوا فيها، وأيضا إن كنا بصدد تطوير لاهوت جديد يناسب عالمنا العربي المعاصر توجب علينا النظر فيما وصل إليه علماء لاهوت وفلاسفة سابقون؛ حتى يصبح بناء صرح لاهوت جديد متينًا وعلميًّا. وفي الغرب يعرف اللاهوت السياسي بالمعنى السياسي بالمعنى الشامل على أنه تيار بعض لاهوتيين يشرحون رسالة الإنجيل بشأن خلاص الإنسان، من خلال المعايير التي تقدمها النظريات السياسية الحديثة، كذلك يستخلص هؤلاء اللاهوتيون المضمون السياسي للكتاب المقدس؛ ليكون حاضرًا في ضمير المؤمنين عند اختيار توجهاتهم وأنشطتهم السياسية الاجتماعية ففي البلدان التي يستطيع فيها الإنسان أن يقرر مصيره بنفسه عن طريق السياسة الديمقراطية يبدو الإيمان وكأن لا علاقة له بالواقع والسؤال في مجتمع كهذا في الغرب مثلا: ما فائدة الإيمان في مجتمعنا؟ هنا يقرأ بعض علماء اللاهوت السياسي توجهات وجذور الحركات السياسية على ضوء الكتاب المقدس، ويرون فيه نصًّا ثوريًّا يسعى إلى تأسيس عالم لا وجود فيه إلى الطبقات الاجتماعية أو الاستغلال.. عالم خال من الفقر والقهر والعنف وغياب العدالة.. أن يكون المرء في هذا المجتمع مسيحيًّا يعني أن يلتزم ويشارك في النضال ضد الظلم والاستبداد السياسي والقهر الاجتماعي للمستضعفين في الأرض، فالمشاركة السياسية الفعالة لتحقيق هذا المجتمع صورة أخرى لتضامن الكنيسة مع البشرية جمعاء وتعبير ملموس عن الإيمان العادل بالله صالح يكتب إحدى اللاهوتيين هنا يمكن اعتبار السياسية فصلًا من فصول اللاهوت بحق.
ويمكننا مقارنة فكر هذا الكتاب مع كتاب المفكر الراحل جمال البنا (تثوير القرآن)؛ حيث قدم محاولة من وجهة نظر إسلامية للتعامل مع نص القرآن من منظور اجتماعي سياسي ومحاولة استنطاق النص الديني ليرتبط بالواقع السياسي والاجتماعي ويتحول إلى قوة لتغيير المجتمع نحو وضع أكثر عدلًا وإخاء مع الحفاظ على التمييز بين الدين والسياسة، ويضفي البنا معنى جديد على كلمة تثوير في اللغة العربية فتثوير القرآن في معناه في السنة والقرآن هو البحث والاستثارة والتفكير في معاني القرآن، وإيجاد ما فيه من فوائد بهذا المعنى الأول ينظر جمال البنا لمنهجية تثوير القرآن أي البحث فيه للوصول إلى المعنى الثاني، وهو أن يكون القرآن ثورة بالمعنى المعاصر في تغيير نظم القمع والظلم، انطلاقًا من القناعات الدينية للمواطنين بدون أن يحدث أي خلط بين ما هو ديني وما هو سياسي، وهو بذلك يعارض كل نظريات الإسلام السياسي.