الكتاب الذي تنبأ بخروج العنف من سيناء إلى محافظات مصر
الخميس 11/يونيو/2015 - 03:15 م
طباعة
المؤلف: منير أديب
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب 2015
يمهد منير أديب الباحث في حركات الإسلام السياسي لكتابه المهم قائلًا: يجد الباحثون ندرة في وجود المعلومات الدالة والشارحة للحركات الإسلامية وبخاصة من يمارس منها العنف، والتي تضطر معها هذه الجماعات للعمل تحت الأرض خشية المراقبة الأمنية والإعلامية على حد سواء، فطبيعة عمل التنظيمات المسلحة دائمًا ما تكون تحت الأرض، وهو ما يُصعب من مهمة الباحث في الكشف عن هذه التنظيمات لقلة المعلومات، وندرتها فلا يبدو من هذه التنظيمات غير ذيلها بحكم طبيعة العمل المسلح الذي تحمله علي عاتقها وتمارسه للوصول إلى هدفها فيضطر الباحث لعقد عدد من المقارنات والمقاربات بين التنظيمات الجهادية كافة سواء الموجودة على الساحة أو السابق منها أو اللاحق وتحليل خطابها المنشور على لسانها من خلال المنتديات الجهادية التي ينشرون من خلالها البيانات الرسمية والتسجيلات المرئية في محاولة للكشف عن المستور فيما يتعلق بنشأة وتكوين هذه التنظيمات المسلحة الأخرى سواء داخل أو خارج البلاد، وفعلا نجح منير أن يجعل تحليله أقرب إلى المعلومات على مدار صفحات كتابه الثري والممتع.
"أنصار بيت المقدس" من سيناء إلى المحافظات
لا تنقطع العمليات الإرهابية في سيناء لذلك من المهم التعرض إلى التنظيم المسمى أنصار بيت المقدس، وقد استحوذ على صفحات عديدة بالكتاب، فقد نشأت جماعات العنف الديني في سيناء كنتيجة مباشرة لممارسات أمنية قمعية، حيث تشير رواية متواترة إلى أن بداية التسعينيات شهدت نقل اثنين من ضباط مباحث أمن الدولة من الصعيد إلى سيناء، وأرادا أن ينقلا تجربتهما في التعامل مع المعتقلين الإسلاميين بالصعيد إلى المعتقلين في سيناء، فكان أن تم إبعاد مجموعة من إسلاميي سيناء إلى سجون القاهرة والوادي، فاختلطوا بالجهاديين والتكفيريين في سجون مصر، وعادوا حاملين أفكارهم إلى سيناء، وترتب على هذا كله ظهور تنظيم "التوحيد والجهاد" على يد أحد هؤلاء المعتقلين وهو خالد مساعد. ونسب إلى هذا التنظيم تفجيرات نويبع، ودهب، وشرم الشيخ في أعوام 2004، و2005، و2006.
لاحقا، قتل خالد مساعد في مواجهات مع الشرطة المصرية، وفر كثير من أعضاء جماعته إلى رفح الفلسطينية، لكن الصدام تصاعد بين حكومة حماس والتكفيريين من أعضاء جماعة "جند أنصار الله" التي كان يتزعمها عبد اللطيف موسي، حتى وصل إلى ذروته في أحداث مسجد ابن تيمية عام 2009 في غزة. وبعدها، عاد التكفيريون المصريون إلى سيناء، وبصحبتهم مجموعة من تكفيريي جنوب قطاع غزة، وشكلوا معا نواة أبرز تنظيمات العنف الحالية في سيناء، وهما "مجلس شوري المجاهدين- أكناف بيت المقدس"، وجماعة "أنصار بيت المقدس"، بالإضافة إلى مجموعات أخري أقل في العدد والتأثير مثل "السلفية الجهادية في سيناء
في يونيو من عام 2012، تطاير عبر شبكة الإنترنت تسجيل مرئي يحمل عنوان "وإن عدتم عدنا" يعلن فيه تنظيم أنصار بيت المقدس عن نفسه كجماعة تعني باستهداف المصالح الإسرائيلية فقط، ويكشف أن شخصية الملثم التي فجرت خط الغاز المؤدي إلى إسرائيل لنحو 14 مرة، منذ ثورة 25 يناير، هو مجموعة من عناصر التنظيم.
وعلى عكس شقيقتها في سيناء "مجلس شورى المجاهدين"، لم تهتم جماعة "أنصار بيت المقدس" خلال الأشهر الأولى بالإعلان عن نفسها إلى حيز الوجود بإصدار وثيقة فكرية تحدد موقفها من إمكانية ممارسة العنف ضد النظام المصري ومؤسساته، كما لم تهتم أيضًا بتبرئة ساحتها من التورط في عملية اغتيال الجنود المصريين خلال مذبحة رفح الأولي في رمضان 2012.
في هذا التوقيت، ظهرت مجموعة من الإشارات التي يشتم منها أن هذه الجماعة تستهدف المصالح الإسرائيلية، ولكن من خلفية تمردها علي الأوضاع في الداخل المصري، وأنها ليست جماعة "منغمسة" في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي مثل الجماعات الأخرى التي نشطت تحت الراية نفسها في سيناء. ومن تلك الإشارات احتفاؤها الشديد بعمليات تفجير خط الغاز المؤدي إلى إسرائيل بحسبان أن هذا عمل يحمل موقفًا ساخطًا على أي شكل من أشكال التطبيع بين مصر وإسرائيل، وكذلك احتفاؤها بثورة يناير خلال تسجيلاتها المرئية، وحرصها على تمرير رسائل عن الأوضاع داخل مصر.
نشطت "أنصار بيت المقدس" بوصفها جماعة مقاومة ضد المصالح الإسرائيلية لفترة استغرقت نحو ثلاثة أعوام، ثم عدلت استراتيجيتها إلى جماعة تمارس العنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها، بعد فض اعتصام أنصار الرئيس السابق بميداني رابعة العدوية والنهضة في منتصف أغسطس 2013، واستهلت نشاطها بعملية ضد قوات الجيش في سيناء، وأعلنت عنها في 11 سبتمبر 2013 بالتزامن مع ذكرى تدمير برجي التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية. ويومها، عنونت بيانها بالعبارة الآتية "الجيش المصري.. عمالة وإجرام"، وكانت هذه هي المرة الأولي التي يحدث فيها أن يتضمن بيان للتنظيم هجوما ضد قوات الجيش.
خلال شهر منذ ذلك التاريخ، حدث أن أعلنت "أنصار بيت المقدس" أنها انتقلت إلى المرحلة الثالثة من مراحل تطورها، وهي التي يمكن تسميتها بمرحلة "تصدير العنف إلى خارج سيناء"، وذلك حين أعلنت رسميا في 26 أكتوبر 2013 مسئوليتها عن محاولة اغتيال وزير الداخلية، محمد إبراهيم، التي كانت قد وقعت قبل ذلك التاريخ بأكثر من 40 يوما. وفي الإجمال، فقد كشف التطور الثالث لـ "أنصار بيت المقدس" عن أمور في غاية الأهمية، يمكن إجمالها علي النحو الآتي:
- إننا إزاء تنظيم يتمتع بإمكانات ضخمة، ولديه قدرة على تنفيذ عمليات في مختلف محافظات الجمهورية، وفي أماكن تحظي بحراسات أمنية مشددة مثل مديرية أمن القاهرة ومديرية أمن الدقهلية، ومبنى المخابرات الحربية بأنشاص، ومبان تابعة لقوات حرس الحدود في سيناء.
- إننا إزاء تنظيم لديه القدرة علي استهداف شخصيات تحاط تحركاتها بقدر هائل من السرية بسبب طبيعة عملها مثل وزير الداخلية، ومحمد مبروك، ضابط أمن الدولة بالإضافة إلى أن بعض العمليات كشفت أن التنظيم تمكن من معرفة خط سير قوات الأمن، مثلما ورد في البيان الصادر بتاريخ 24 يناير 2014، والذي أشار إلى أن إحدى العمليات التي نفذها التنظيم في ذلك اليوم استهدفت اللواء جرير مصطفي، مدير مباحث الجيزة، أثناء توجهه برفقة قوة أمنية لمواجهة مظاهرات الإخوان في شارع الهرم.
- استدعت هذه القدرات المفاجئة للتنظيم أحداثا من الماضي القريب، لم يكن قد تم التوقف أمامها رغم أهميتها، مثل واقعة اغتيال إبراهيم بريكات، أحد عناصر التنظيم، على يد فرقة قوات خاصة من الموساد- بحسب بيان صادر في 31 أغسطس 2012- وما صاحبها من أحداث تضمنت أن التنظيم أجري تحقيقاته الخاصة للأخذ بالثأر، وتمكن من تحديد ما سماه بـ "خلية تجسس لصالح الكيان الصهيوني"، وألقي القبض على اثنين من المواطنين قام بتصفية أحدهما ويدعى منيزل محمد سليمان سلامة. أما الآخر، ويدعي سليمان سلامة حمدان، فتم تسليمه إلى عائلة قيادي أنصار بيت المقدس ليقتصوا منه، والثالث الذي لم يتم إلقاء القبض عليه هرب إلى إسرائيل بحسب بيان التنظيم.
- هذه هي المرة الأولى في تاريخ تنظيمات العنف المصرية، التي يسيطر فيها تنظيم تتمركز قيادته داخل محافظة حدودية طاردة للسكان، علي مشهد العنف في مصر. وقد ثبت أن هذا الأمر يضاعف من صعوبة المواجهة الأمنية مع التنظيم.
- وضعت بعض العمليات علامات استفهام حول علاقة "أنصار بيت المقدس" ببعض الأجهزة السيادية، لا سيما أن قيادات من جماعة الإخوان روجت لهذا الزعم علي نطاق واسع في سياق محاولات تبرئتها من التنظيم وإلصاق العنف الصادر عنه بالسلطة، على غرار بعض الكتابات التي وثقت تورط أجهزة سيادية بأحداث العنف في الجزائر أثناء ما يعرف بـ "العشرية السوداء. لكن هذا الزعم فضلا عن أنه لم يقم عليه دليل، فإنه لم يصمد كذلك أمام أي مناقشة موضوعية، فلا يعقل مثلا أن أي جهاز سيادي سيسمح بأن تسقط طائرة تابعة للجيش المصري للمرة الأولي في التاريخ على يد ميليشيا غير نظامية.
- طرح مجمل نشاط أنصار بيت المقدس شبهات قوية حول علاقتها بجماعة الإخوان، وهو الأمر الذي استدعي أحداثا من الماضي القريب للتنظيم، مثل أن اثنين من عناصر "أنصار بيت المقدس"، هما بهاء زقزوق وأحمد وجيه، اعترفا بعضويتيهما السابقة في جماعة الإخوان، قبل أن يقضيا نحبهما في عملية ضد دورية إسرائيلية تحت لواء "أنصار بيت المقدس"، ولاحقا تم الكشف عن أن أحدهما كان عضوًا في الحملة الرسمية لمحمد مرسي أثناء الانتخابات الرئاسية في 2012، بالإضافة إلى واقعة أخرى كشف عنها تسجيل مرئي بثته السلفية الجهادية في سيناء في أغسطس 2013، حيث ورد بالفيديو مشاهد تؤكد أن "أنصار بيت المقدس" لعبت دورًا في الوساطة للإفراج عن الجنود الـ 7 الذين تم اختطافهم في عهد مرس، وذهبت بعض التأويلات إلى أنهم هم أنفسهم من اختطفوا الجنود، بالإضافة إلى أن أجهزة الأمن ألقت القبض على كوادر تنتمي لجماعة الإخوان، واتهمتهم بالتورط في أعمال العنف التي نفذتها "أنصار بيت المقدس" بعد عزل مرسي.
- أعطى التنظيم إشارات متباينة بشأن سعيه لتشكيل حاضنة شعبية تدعم نشاطه. فمن ناحية لم يكترث بسقوط أو إصابة ضحايا من المدنيين أثناء تنفيذ عملياته، سواء في سيناء أو في المحافظات الأخرى، بما يشير إلى أنه يأخذ بفتوى جواز قتل المسلمين "المبلغ" عنهم. ومن ناحية أخرى، يحرص التنظيم على إصدار تسجيلات مرئية، وبيانات تعريفية لتبييض صورته، ووصل الأمر إلى توزيع بيان تعريفي على أهالي سيناء، استعطفوا فيه الأهالي حتى يجدوا من يصطف إلى جوارهم.
لم يصدر عن التنظيم حتى الآن بيانات تحدد موقفه من النزاعات علي ساحة الجهاد العالمي، مثل ذلك الذي يحدث داخل سوريا بين داعش والقاعدة، لكن أداءه العام خلال الأشهر الأخيرة يشير إلى أنه أقرب إلى داعش.
جغرافية سيناء السياسية
يؤكد الكتاب أن جغرافية سيناء السياسية تغيرت أكثر من مرة وبشكل متسارع بعد 25 يناير، وربما زادت وتيرة هذا التسارع بعد يونو 2013 فبعد يناير 2013 بدأت تعمل التيارات الجهادية والتكفيرية بشكل علني، وازدادت مساحة الحرية التي تعمل من خلالها وربما زاد الأمر بعد تولي محمد مرسي السلطة في يونيو السلطة في 2012، وعلى مدار عام كامل، ولكن جغرافية المكان تشكلت من جديد بعد عزل مرسي في 2013 وخوض العديد من هذه التيارات لحرب مفتوحة مع القوات المسلحة وبعد توجيه العديد من الضربات الأمنية لهذه التيارات اضطر معظمها للهجرة أولا لمدن القناة، وثانيًا لمنطقة الوادي، والهدف أولا الاحتماء من الضربات القاتلة التي توجه إليها يومًا بعد الآخر، وثانيًا حتى تستطيع توسيع دائرة الصراع، وانتقاله من سيناء إلى باقي المحافظات المصرية، وهو ما يجعلها تشعر أنها منتصرة في المعركة، أو ما قد يعطيها الأمل بالنصر فيما بعد.