إدموند غريب: أوباما لجأ إلى تأجيل التدخل في العراق لممارسة الضغوط على المالكي ولم يحدد موقفه من مشروع تقسيم الشرق الأوسط
الثلاثاء 08/يوليو/2014 - 01:14 م
طباعة
إدموند غريب، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بالجامعة الأمريكية
بينما ارتفعت وتيرة الاستعداد لضربات عسكرية أمريكية لوقف زحْف مقاتلي "الدولة الإسلامية" (داعش) وما يراه البعض الآخر انتفاضة لقوى سُنية عديدة ضدّ طائفية رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي يطالب زعماء الكونجرس بتنحّيه؛ من أجل التوصل إلى حلٍّ سياسي للأزمة، التي قد تعصف بوحدة التراب العراقي، تتردّد إدارة الرئيس أوباما في اتخاذ قرار الضربة الجوية، بينما يتهمها الجمهوريون بأنها السّبب الأساسي في انزلاق العراق نحو هاوية حرب أهلية تلوح في الأفق، لعجزها عن التوصل إلى اتفاق أمني يتضمّن بقاء آلاف من الجنود الأمريكيين في العراق.
فهل هناك سوء فهم أمريكي للمشهد العراقي، أم "سوء نية" انتظارا لسيناريو الفوضى الخلاقة؟
ومن أجل الوصول إلى أجوبة لتلك الأسئلة المحيرة التقت صحيفة "swissinfo" السويسرية بالدكتور إدمون غريب، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بالجامعة الأمريكية ومؤلّف العديد من الكُتب عن العراق، نذكر من بينها: "الحركة القومية الكردية" و"حرب الخليج" و"قاموس تاريخ العراق".
وأشار دكتور غريب إلى أن: "هناك ترددا واضحا لدى إدارة أوباما؛ نظرا للتَّركة الثقيلة التي ورثها من مغامرة جورج بوش الابن والمحافظين الجدد في العراق، وأدّت إلى خسائر في أرواح الجنود الأمريكيين تخطّت أربعة آلاف وخمسمائة جندي وإصابات جسيمة لعشرات الآلاف من الجنود، وما يتراوح بين ثمانية إلى عشرة تريليون دولار أنفقت على حربي العراق وأفغانستان والحرب على الإرهاب، حسب أحدث دراسة لجامعة براون.
وأوباما يُدرك معارضة غالبية الشعب الأمريكي لأي تورّط عسكري في العراق بعد خروج أمريكا صفر اليديْن من عراق لم يتحوّل لواحة الديمقراطية، كما زعم المحافظون الجدد، ولم ينخفض سِعر البترول كما بشّر تجار الحرب.
كذلك، يتردد أوباما في التسرّع بخيار عسكري لا يصاحبه حلّ سياسي ينهي طائفية المالكي وسياساته الإقصائية للسنة والقوى السياسية العراقية الأخرى.
ولم يخف أوباما قناعته بأنه حتى لو استخدمت واشنطن قوتها العسكرية الضاربة لمواجهة الأزمة الحالية في العراق دون حلّ سياسي، فلن تجدي نفعا؛ لذلك أوفد وزير خارجيته جون كيري لحشد تأييد دول الجوار والحلفاء الأوروبيين لمثل ذلك الحل، ولا أعتقد أن إدارة أوباما تسعى لترك العراق ينزلِق نحو حافة الهاوية ضِمن إستراتيجية أمريكية سعى لها المحافظون الجُدد لإعادة رسم الشرق الأوسط بعد مرحلة من الفوضى الخلاّقة.
swissinfo.ch: إذن، كيف تفسّر تعهّد أوباما بمساعدة العراق بخِيار عسكري؛ لكي لا يكون لداعش موطِئ قدم، ثمّ تأجيل قرار الخيار العسكري لوقف تقدم مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام؟
إدمون غريب: رُؤية أوباما الإستراتيجية لا تتضمّن عودة أمريكية إلى العراق ولا تؤمن بوجود حلّ عسكري للأزمة العراقية، ولذلك فإن أوباما لجأ إلى التأجيل لتحقيق عدّة أهداف: أولا، ممارسة الضّغط الأمريكي على نوري المالكي ليُسارع بتشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة كافة التيارات العراقية؛ ليكون هناك حلّ سياسي يصاحب أي خيار عسكري.
ثانيا: كسب الوقت اللاّزم لتقييم الوضع على الأرض والتأكّد من وجود خطر حقيقي من داعش؛ نظرا لاتِّساع رُقعة شمال العراق وصعوبة الحِفاظ على السيطرة عليها بقوات صغيرة من داعش، خاصة مع الحشد المتنامي للمتطوّعين لحمْل السلاح من أنصار المالكي.
ثالثا: إتاحة الفرصة لجولة جون كيري في الشرق الأوسط وأوروبا لحشد التأييد للحلّ السياسي. وهناك حوار ما مع إيران، لمعرفة ما إذا كانت تريد أن تقوم بدور إيجابي للتوصّل لهذا الحل أم ستدخل كطرف يسانِد الشيعة عسكريا.
swissinfo.ch: هل ترى توجّها من إدارة أوباما لإبرام صفقة كبرى مع إيران في خِضَم هذه الأزمة؟
إدمون غريب: قد يعتقد البعض بأن من مصلحة الولايات المتحدة جرّ إيران إلى القيام بدور عسكري للدّفاع عن نظام المالكي، الذي تدعمه وترغب في إبقاء العراق تحت حُكم أطراف شيعية صديقة لطهران، ولكنني أعتقد أن إيران أكثر ذكاءً وحِنْكة من أن تقع في فخّ تورطٍ عسكري لها في العراق.
ومن هنا، تسعى إدارة أوباما إلى مزيدٍ من الانفتاح على إيران لمعرفة ما إذا كان بالإمكان التوصّل إلى تفاهمات تحافظ على مصالح إيران وتؤمن في نفس الوقت دعم طهران لحلٍّ سياسي يحُول دون انهيار الدولة العراقية أو تقسيم العراق.
swissinfo.ch: وهل بوسع أوباما اتّخاذ قرار بخيارٍ عسكري قادِر على استهداف مقاتلي داعش وحدهم، دون تعرض الفصائل السُنية الأخرى للخطر؟
إدمون غريب: بدون شك، تستطيع الولايات المتحدة استهداف تجمّعات مقاتلي داعش، إذا توفرت لديها المعلومات الاستخباراتية وقرّرت مهاجمة مواقِعهم باستخدام طائرات بدون طيار، كما تفعل في أفغانستان وباكستان واليمن، ولكن سيكون هناك مخاطِر بوقوع خسائر بشرية بين المدنيين العراقيين إذا انطوى الخيار العسكري على استخدام قاذفات قنابل أو صواريخ كروز؛ مما سيضع الولايات المتحدة في موضع مَن يساند طرف في الصراع العراقي على حساب طرف آخر؛ لذلك أعتقد أن الرئيس أوباما لن يتّخذ قرارا بتوجيه ضربة عسكرية أمريكية في العراق، دون التأكد من دقّة استهداف داعش دون غيرها.
swissinfo.ch: كيف تصِف المشهَد العراقي حاليا؟ هل هو اجتياح مِن مقاتلي داعش لتحقيق حُلم دولة الخِلافة في العراق والشام، أم أن هناك انتفاضة للسنة جمعت أطرافا عديدة تحت مظلة مقاومة طائفية المالكي الإقصائية؟
إدمون غريب: مع أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام لم يخف هدفه من التقدّم باتجاه بغداد كخطوة لتحقيق حُلم الدولة الإسلامية بعد سيطرة داعش على مناطق في سوريا واجتياح مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، فإن من الصعب تصور أنه كان بوُسع مقاتلي داعش، والذين لا يتجاوز عددهم ألفيْ مقاتل، تحقيق مثل ذلك الاجتياح وإخراج قوات عراقية يصِل عددها إلى ثلاثين ألفا؛ ولذلك فإن الساحة العراقية شهدت مشاركة من قوى عديدة، مثل جيش الطريقة النقشبندية، بقيادة عزت الدوري، نائب الرئيس السابق صدّام حسين، ومقاتلين من القبائل العراقية المُعادية للمالكي، وجنود وضبّاط سابقين في الجيش العراقي، بقيادة عدد من كبار الضبّاط السابقين وتجمّعوا على هدف الخَلاص من حكومة إقصائية تحظى بمساندة إيران.
إذن، المشهد العراقي تُـخيِّم عليه انتفاضة لها هدف تكتيكي واحد وأهداف إستراتيجية تختلف باختلاف الطّرف المشارك.