الإرهاب يدق أبواب أوروبا وباريس تتبع سياسية القضاء على "الذئاب المنفردة"

الخميس 10/يوليو/2014 - 03:09 م
طباعة الإرهاب يدق أبواب
 
في خطوة تصعيدية ضد خطر الجماعات الإرهابية التي تحاول السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، قدم وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف أمس، مشروع قرار لتعزيز الإجراءات المعتمدة لمواجهة ظاهرة من أسماهم "الجهاديين" المستمرة بالنمو، نص بشكل خاص على منع الأشخاص المشتبه بميولهم "الجهادية" من مغادرة فرنسا.
جاءت هذه الخطوة بعدما استشعرت أوروبا أن خطر هذه الجماعات بدأ يطرق أبواب أوروبا.

هولندا

هولندا
ففي هولندا مثلا أكد تقرير استخباري، أن الجماعات الإسلامية المتشددة في البلاد أصبحت "سرباً" لا مركزياً ومراوغاً. ونبه التقرير إلى أن هذه الجماعات ربما تعمل على توسيع دائرة اهتمامها لتشمل الشرق الأوسط بأكمله بدلاً من الحرب في سوريا فقط.
ويعكس التقرير قلقاً واسع الانتشار في أوروبا من الخطر الذي يمثله المواطنون الأوروبيون- خصوصاً من الإسلاميين المهاجرين- الذين يغادرون بلادهم للقتال في صراعات الشرق الأوسط ويعودون بعدما أصبح لهم باع بالحروب وباتوا خطراً أمنياً بحد ذاتهم.
وتقدر السلطات الهولندية أن حوالي 120 مواطناً هولندياً غادروا حتى الآن للقتال في الحرب الأهلية السورية. وأشارت إلى وجود مجموعات أكبر للمتشددين في هولندا يصل أتباعها إلى عدة مئات والمتعاطفين معها إلى الآلاف.
وقالت الوكالة العامة للأمن والاستخبارات الهولندية في تقييمها الأخير عن الخطر الذي تمثله الجماعات الجهادية السرية إنها باتت أكثر قوة وثقة بالنفس.
وأضافت الوكالة أن تعقب ظاهرة التشدد الإسلامي بات أكثر صعوبة خصوصاً أن وسائل التواصل الاجتماعي مكنت الجماعات المتشددة- التي تزداد حرفيتها في هذا المجال- من تنسيق جهودها بدون الحاجة إلى سلطة مركزية.

إسبانيا

إسبانيا
إسبانيا
أما في إسبانيا فقد جذبت الحرب القائمة في سوريا كثيرا من الوجوه الجديدة أو "الجهاديين المحدثين" في الأراضي الإسبانية.
 ومن بين 17 إسبانيا، رصدتهم دراسة قدمها "معهد الكانو الملكي" عن الإسبان المشاركين في الحرب السورية.. توجد ثلاثة أو أربعة عناصر فقط يمتلكون مسيرة سابقة في الجهاد الإسلامي، لكن الآخرين تم تجنيدهم في العام الماضي بإغراء مزدوج. أولهما المشاركة في الجهاد ضد نظام الأسد، والثاني هو المساعدات المالية التي تتلقاها عائلات المجاهدين.
 ويتم التجنيد بشكل أساسي في مدينة "سبتة" الخاضعة للحكم الإسباني، ويتم التدريب في معسكرات سرية داخل الأراضي المغربية وفي بيوت بقلب مدينة "سبتة". 
وبعد الوصول إلى سوريا عن طريق الحدود التركية، ينضم الأفراد الذين تم تجنيدهم إلى (جيش النصرة) وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" .
وحسب تحريات وتحقيقات الشرطة الإسبانية، وعن طريق رصد المكالمات الهاتفية للشبكات التي تم تفكيكها في شهري يونيو وسبتمبر الماضيين في سبتة، لا يستبعد الجهاديون شن ما أسموه "الحرب المقدسة" في أوروبا. ويعتبر هذا هو الهاجس الأساسي لأجهزة المخابرات في أوروبا والولايات المتحدة. 
أن يقوم المحاربون المشاركون في الحرب السورية بالعودة إلى بلاد مثل بلجيكا وإسبانيا وبريطانيا للقيام بعمليات تفجيرية داخلية.

القانون الفرنسي

وزير الداخلية الفرنسي
وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف
وقد عرض وزير داخلية فرنسا مشروع قراره خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة الفرنسية الذي رأسه رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند، فيما أوردت صحيفة «لو باريزيان» أن فرنسا نجت من اعتداءات إرهابية كانت تستهدف متحف اللوفر وبرج إيفيل ومولدات نووية.
وأشار كازنوف إلى أنه في ضوء «التطورات المثيرة للقلق» والتهديد الذي يمثله «الجهاديون» بالنسبة إلى فرنسا، بات من الضروري تكييف الإجراءات القانونية المعتمدة بما يتلاءم مع تصرفات هؤلاء «الجهاديين».
وشدد على ضرورة إحكام الطوق حول العناصر المشتبه بميولها الجهادية وتكثيف العقبات التي تحول دون تنفيذهم لما يعدون له.
وبدت هذه الإجراءات ضرورية عقب اعتقال الشرطة الفرنسية لمهدي نموش الذي يشتبه بأنه قتل أربعة أشخاص في المتحف اليهودي في بروكسيل، والأنباء المتتالية عن توجه شباب وشابات لـ «الجهاد» في سوريا.
ومن أبرز ما نص عليه مشروع القانون، حظر السفر على من يشتبه بميوله الجهادية بموجب إجراء قضائي خاضع لمراقبة القضاء، بقرار صادر عن وزير الداخلية، استناداً إلى معلومات من أجهزة الاستخبارات.
كما نص مشروع القانون الذي يناقشه البرلمان الفرنسي خلال الشهر الجاري، على إجراءات إدارية تتيح إغلاق المواقع "الجهادية" على إنترنت بإشراف هيئة قضائية مستقلة.
وأكد كازنوف في تصريح له أن «من واجبنا المطلق التحرك» في مواجهة الظاهرة «الجهادية» التي تشمل إلى الآن 800 شخص، لافتاً إلى أن 300 منهم سبق أن توجهوا إلى سوريا للقتال، وأن 180 آخرين يستعدون للسفر في حين أن بضع مئات في طريق العودة.
إلى ذلك، أشارت «لو باريزيان» إلى أن الرسائل المشفرة التي تم تبادلها بين أحد مسئولي «القاعدة في المغرب» وجزائري يدعى «علي م» اعتقل العام الماضي من قبل الاستخبارات الداخلية، بعد أن حاول التوجه إلى جنوب الجزائر للتدرب على القتال.
وذكرت أن عليا البالغ من العمر 29 سنة ويطلق على نفسه اسم "أبو ناجي" على موقعه الإلكتروني، كُلّف من قبل مسئول في «القاعدة» يعرف باسم رضوان تحديد عدد من الأمان التي تصلح كأهداف وجمع معلومات بشأنها.
وأضافت أن عليا اقترح استهداف برج إيفيل ومتحف اللوفر، إضافة إلى مولدات ذرية ومهرجانات صيفية، باعتبار أن "آلاف المسيحيين تقبل عليها على مدى شهر".

إستراتيجية القضاء على "الذئاب المنفردة"

إستراتيجية القضاء
وتستند الخطة التي اتخذتها فرنسا مؤخرا لمحاربة الإرهاب على مقاربتين جديدتين.
 الأولى: التركيز الأمني على شبكات الإنترنت والمواقع الجهادية ومستهلكيها الفرنسيين، ومن ثم فكرة إنشاء ما يمكن أن نسميه بفرقة شرطة لتعقب وملاحقة الشباب الفرنسي، الذي يستهلك هذه المواقع بغية إنشاء شبكة علاقات للتوجه إلى سوريا. 
وهذه العقيدة الأمنية الفرنسية جديدة نسبيا بالمقارنة مع المقاربة القديمة التي كانت مبنية على أساس ملاحقة الخلايا ومحاولة تفكيكها في إطار جغرافي محدد يكون عموده الفقري مساجد أو جمعيات غالباً غير مرخص لها.
المقاربة الثانية: تدور حول جهود أجهزة الأمن خصوصاً المحلية منها في محاولة اكتشاف بطريقة مبكرة الشباب، الذين يشتبه في دخولهم في مسلسل راديكالي عبر استهلاك انفرادي ومعزول للمواقع الجهادية.
 ويتطلب هذا المشروع اللجوء إلى الإنذارات التي يمكن أن تصدر عن الوسط العائلي أو المدرسي. فمطلوب من هذه الأوساط إطلاق علامة إنذار اتجاه أجهزة الأمن، في حال تم اكتشاف تصرفات مشبوهة تنم عن بداية حياة متشددة تشكل قطيعة مع تصرفات الماضي.

إلا أن القرار الهام في هذه الخطة والذي لفت انتباه الرأي العام الفرنسي والأوروبي وهو فكرة منع الشباب من مغادرة التراب الوطني في حال ثبتت عليه تهمة نية التوجه إلى سوريا تحت ما يسمى بـ"المنع الإداري". وقد أثارت هذه الخطوة حفيظة البعض الذي بدأ يتخوف من أن تؤثر متطلبات الحرب على الإرهاب ومن بينها الحد من التنقل والسفر إلى المسارح الجهادية على الحريات الفردية التي تعتبر من سيم البلدان التي تمارس الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات.
وهذه الخطة الفرنسية لمحاربة الإرهاب مرشحة للتطور أيضاً، فالخطوة تضم اقتراحاً بخلق تهمة جديدة تحت عنوان "العمل الفردي ذي الطابع الإرهابي" الذي يضاف إلى تهمة "المجموعة الإجرامية بعلاقة مع عمل إرهابي" التي كانت تؤطر قانونيا سياسة محاربة الإرهاب.
 ومن خلال هذا التطور القانوني تستهدف فرنسا ظاهرة ما يسمى بـ"الذئاب المنفردة" التي أصبحت تهدد الأمن والاستقرار الفرنسيين. ويعترف المسئولون الفرنسيون بأن هذه السياسية لن تقضي تماماً على ظاهرة الجهاديين الفرنسيين، ويعترفون كذلك أنه في غياب تعاون أوروبي فعال يبقى الخطر الجهادي الذي ولّدته أزمات الشرق كابوساً أمنياً على الغرب.

شارك