الدعم الخليجي لمصر وملف الإخوان - بمركز الإمارات للدراسات

الإثنين 14/يوليو/2014 - 03:59 م
طباعة الدعم الخليجي لمصر
 
نشرت صحيفة "المستجدات السويسرية" كواليس ما دار في جلسات الحوار المغلقة التى نظمها مركز الإمارات للدراسات بأبي ظبي في نهاية الشهر الماضي ومن أهم ما جاء بها في تلك الكواليس:
لم يكن ثمة شيء يُوحي بأن الحوار بين مصر ودول الخليج، خاصة في ضوء التقارب التحالفي الوثيق بين الطرفين يمكن أن يصل إلى درجة الانفجار. 
وتضمنت الندوة محاور عدة، شملت تحولات المشهد السياسي المصري وأولويات النظام السياسي الحالي وسيناريوهات المستقبل بين المصالحة والعنف، وآفاق الأزمة الاقتصادية المصرية والمجتمع المدني والملف الديني، وأخيرا السياسات الخارجية المصرية، التي خُصصَت فيها الجلسة الأخيرة لآفاق العلاقات المصرية- الخليجية.
في هذه الجلسة الأخيرة بالتحديد، برزت الفقّاعات الأولى لاحتمال "الانفجار". فقد انبرى بعض المشاركين الخليجيين إلى طرح تساؤلات موضوعية حول "ماذا تريد مصر حقا من دول الخليج؟"، بيد أن هذه التساؤلات صِيغت بأسلوب بدا استفزازيا بشكل حاد للمصريين، لا بل وصل الأمر بأحد الباحثين الخليجيين إلى حدّ مطالبة السيسي بـ "تقديم أوراق اعتماده لديهم"، وهذا أشعل بعض ردود الفعل المصرية الحادّة، وإن بذل بعض الموفدين المصريين جهوداً لاستيعاب التوتر، قائلين: إن المقصود هنا هو أن يقدّم السيسي خطة وبرنامج عملٍ واضحيْن حول مستقبل العلاقات بين الطرفين.

دعم مالي.. وسوء تفاهم؟

د. ابتسام الكتبي
د. ابتسام الكتبي
بيد أن أجواء التشنّج استمرت ولم تبدأ بالانحسار إلا بعد تدخّل ضيفة الندوة سميرة رجب، وزيرة الدولة لشئون الإعلام البحرينية، التي شددت على "دور مصر الكبير في حماية الهوية والانتماء العروبييْن"، ثم تدخّل د. ابتسام الكتبي، مديرة مركز الإمارات للسياسات، التي أفاضت في الحديث عن مصر ودورها الثقافي والإستراتيجي في المنطقة.
أسباب هذا "الانفجار" لم تكن واضحة تماما، خاصة وأن "شهر العسل" بين "الجمهورية الثالثة" المصرية، التي عاد أمر تأسيسها إلى كنَف المؤسسة العسكرية المصرية وبين حكومات الخليج، لا يزال في بداياته الأولى، وهو يتمثّل بالدعم المالي الخليجي الكثيف لمصر، في مقابل إعلان التزام القاهرة بدعم أمن المنطقة واستقرارها.
الأرجح، أن "سوء التفاهم" أو التواصل بين المصريين والخليجيين له سببان مترابطان:
الأول: الغياب أو التغييب الكامل لأسس إستراتيجية الأمن القومي العربي المشترك؛ تلك الإستراتيجية التي بُنِي فوقها طيلة زهاء نصف قرن (منذ الخمسينيات وحتى أوائل القرن الحادي والعشرين)، صرّح النظام الإقليمي العربي، قبل أن يبدأ هذا النظام بالتآكل بالتدريج منذ الغزو العراقي للكويت ثم مع الاحتلال الأمريكي للعراق.
والثاني: أن مصر ودول الخليج معاً غارِقة حتى أذنيْها في مواجهة تحديّات داخلية جسيمة، تصل في بعض الدول إلى درجة التهديد الوجودي للكيان، وهذا ما يطلي إلى حدٍّ بعيد طبيعة إطلالتها على السياسات الخارجية بلون الحذر والشك، حتى من أقرب الحلفاء، وينطبق أكثر ما يصح على بعض الأوضاع الخليجية الراهنة (في الكويت مثلا).

مصير الإخوان

مصير الإخوان
بيد أن كل هذه التشنّجات لم تؤثر على محصلات هذه الندوة، وهي الثالثة التي يقيمها مركز الإمارات حديث العهد بعد ندوتيْ إيران وتركيا، والتي غلبت عليها النقاشات المكثّفة حول دور جماعة الإخوان المسلمين ومستقبل دورهم في السياسات المصرية.
هنا، كانت ثمة أقلية في الندوة تدعو إلى فتح الأبواب والنوافذ أمام فرَص المصالحة بين الدولة (وليس فقط النظام) وبين الإخوان، فيما الأغلبية الكاسحة في الوفد المصري، كانت تتخذ مواقف حادّة ضد أي حوار مع الإخوان، كجماعة ومؤسسة سياسية.
منطق الأقلية كان معروفاً سلفا: الإخوان ارتكبوا في السلطة أخطاءً فادحة استعدت عليهم قطاعات واسعة في الدولة والمجتمع، لكن الحل لا يكون بالقمع والعنف الذي خبرته الجماعة طيلة 80 عاماً ونجحت في التأقلم معه والبقاء على قيد الحياة، بل في تشجيع العناصر المعتدلة في داخلها على إعادة النظر في تجربتها وبث الروح مجدّدا في شعارها الشهير "المشاركة لا المغالبة". وما لم يتحقق ذلك، فقد تسير مصر برأيها في اتجاه "الجزأرة" (من الجزائر) أو حتى نحو ثورة دينية على النمط الإيراني. أما الأغلبية، فقد كانت ترسم صورة أولا قاتمة عن أهداف الإخوان، ثم ثانياً عن رؤيتها لطبيعة الحل معهم.
فقد أعاد أنصار هذا الرأي إلى الأذهان "حالة العداء الدائمة بين الإخوان وبين الدولة المصرية منذ أيام العهد الملكي وحتى الآن"، مشدّدين على أن المشكلة تكمُن في مواصلة تبعية الجماعة إلى تنظيمها الدولي الذي يرفض الانتماء الوطني المصري، وبالتالي، يرفض الدولة المصرية ويعتبر الكيان المصري "مجرد عقار في أوقاف الأمة الإسلامية".
ويضيف هؤلاء أن الجماعة الآن تتكوّن من أربعة مجموعات: الكوادر التي تم اعتقالها وأودعت في السجون (ويتراوح عددها بين 15 إلى 20 ألفا)، وعناصر الجماعة الموجودة في الخارج والقيادات السرية في الداخل والكوادر الطلابية الدافعة في اتجاه العنف. ويدّعي أنصار هذا الرأي أن ثمة أكاديميين في صفوف الإخوان، يعملون الآن على "تعبئة المجتمع، تمهيداً لثورة جديدة"، وهذا، برأيهم، ما عبّرت عنه وثيقة أخيرة للجماعة بعنوان "وثيقة القاهرة"، التي دعت إلى مواجهة ثورة 30 يونيو بثورة 25 يناير.
وقال أحد المؤتمرين: إن الإخوان ربما يتقدمون قريباً بمبادرة سياسية جديدة، لكنها لن تكون موجّهة إلى الرئيس السيسي، بل إلى مؤسسة الجيش؛ لأنهم لم يتخلّوا بعدُ عن تمسّكهم بمحمد مرسي كرئيس للبلاد، هذا في حين أن السيسي كان أبلغ وفداً من مجلس العموم البريطاني مؤخراً، أنه مستعد للمصالحة مع الإخوان كأفراد، لكنه يرفض التعاطي معهم كجماعة؛ لأنه يعتبر هذه الأخيرة "تنظيماً إرهابيا"، هذا علاوة على أن الجيش والأجهزة الأمنية يقفون بـ "الإجماع" ضد الإخوان.

سيناريوهات متوقعة

سيناريوهات متوقعة
أما السيناريوهات التي اقترحها هؤلاء حول مآل العلاقات مع الإخوان، فهي تندرج في أحد سيناريوهيْن اثنين:
1. سيناريو المواجهة المفتوحة والشاملة، وربط الصراع مع الإخوان في مصر بالمعركة الإقليمية مع الإرهاب ككل في الشرق الأوسط.
2. قيام الجماعة بإعادة النظر بإستراتيجيتهم وتكتيكاتهم، وصولاً إلى تخلّيهم عن برنامج التنظيم الدولي، وبالتالي "تمصُّرهم"، ثم إبرام مصالحة مع النظام بمساعدة طرف ثالث.
كل أصحاب هذا الرأي أجمعوا على القول أن اليد العليا ستكون للخيار الأول، أي للصِّدام العنيف، إلى أن يشعر أحد الطرفين بالتّعب والإرهاق. والأرجح برأيهم، أن يكون الطرف الذي سيصرخ أولاً هم الإخوان وليس النظام، بسبب اختلال موازين القوى بشدّة لصالح هذا الأخير، لا بل وصل الأمر ببعض أحد أنصار هذا الرأي، وهو من قادة الإخوان السابقين، إلى حدّ قول إن 50 ألفاً من جماعة الإخوان استقالوا من التنظيم ولزموا منازلهم، وإن الجماعة نفسها "ستنهار خلال أسابيع قليلة".
بالطبع، لم يحظ هذا الرأي بحماسة حتى مِن تيار خصوم الإخوان، الذين أعادوا إلى الأذهان أن الجماعة نجحت في البقاء، وإن تحت الأرض، على مدى ثمانية عقود، وأن الحلّ الأمني وحده لن يكون كافياً البتّة، بل يجب أن يترافق، ليس فقط مع حلول سياسية، بل أولاً وأساساً مع تجديد الخطاب الديني.

مستقبل النظام

مستقبل النظام
أما بالنسبة إلى مستقبل النظام السياسي المصري الجديد، فقد أجمعت الآراء تقريباً على القول، أن النجاح أو الفشل سيرتبِطان في الدرجة الأولى بقًدرة النظام على تحقيق إقلاع اقتصادي- اجتماعي، من خلال إعادة بث الروح في القطاعات الإنتاجية (الصناعة، الزراعة، والتكنولوجيا)، القادرة وحدها على توفير العمل لنحو مليون شاب مصري ينضمّون سنوياً إلى سوق العمل. بيْد أن مثل هذا الإقلاع لن يكون مُمكناً، ما لم يتم استئصال شأفة الفساد المستشري في أجهزة الدولة، والذي يمتصّ نِسباً مرتفعة من المداخيل وفُرص النمُو. وهذه لن تكون مهمّة سهلة بالنسبة إلى النظام؛ لأن معظم الستة ملايين موظف رسمي في قطاعات الدولة (أو ما يسميه بعض المحللين المصريين "إقطاعات الدولة")، كانوا من أبرز داعمي هذا النظام، السياسيين والانتخابيين. 
ندوة مصر مرّت، إذن بسلام، لكنها في الوقت نفسه أطلقت أكثر من صفارة إنذار، سواء من ناحية ضرورة التدقيق في طبيعة التحالف الخليجي- المصري الجديد أو من حيث مآل العلاقة بين النظام المصري وبين جماعة الإخوان. وهذه الصفارات بالأخص هي في الواقع التي أسبغت هذا النجاح على الندوة. لماذا؟ لأن هذا بالتحديد هو الدور الدقيق لمراكز الأبحاث: إطلاق الحوار الحر من كل عقال، حتى ولو اقتصر الأمر على الاتفاق حول الاختلاف.

شارك