أجراس كنائس الموصل تصمت وداعش تهجر المسيحيين

السبت 19/يوليو/2014 - 02:39 م
طباعة أجراس كنائس الموصل
 
يستعد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" لارتكاب جريمة العصر بـ"ذبح" مسيحيي الموصل.
وأخبرت عناصر داعش مسلمي الموصل، أن من يستأجر شيئا من مسيحيين فإنه ليس بحاجة بعد لدفع مقابل، ذلك وفقا لرجل أعمال مسلم.
 وأعرب العديد من المسيحيين عن شعورهم بالألم والخراب للقضاء على رمز التسامح في الموصل، حيث كانت أصوات أجراس الكنائس تختلط بصوت الآذان.
ووزع بيان تحذيري في مدينة الموصل التي يسيطر عليها تنظيم داعش، للمسيحيين في شمال العراق بأن يعتنقوا الإسلام أو يدفعوا الجزية وإلا سيواجهون القتل.
وقال بيان تنظيم الدولة الإسلامية الذي قاد هجوما خاطفا للسيطرة على أجزاء من شمال العراق منه: إن هذا القرار سيسري اعتبارا من السبت المقبل.
جاء في البيان: إن "التنظيم يعرض على المسيحيين ثلاثة خيارات: إما اعتناق الإسلام، أو عقد الذمة وسداد الجزية، وإذا رفضوا فلن يتبقى لهم سوى حد السيف".
وأضاف أن على المسيحيين الذين يريدون البقاء في دولة "الخلافة" التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية هذا الشهر في أجزاء من سوريا والعراق أن يلتزموا بشروط عقد "الذمة"، حيث كان غير المسلمين يخضعون للحماية في أراضي المسلمين مقابل الجزية.
ويعتبر هذا البيان بمثابة النهاية الحقيقية للمسيحيين في المدينة. 
أجراس كنائس الموصل
ونقلت، وكالة رويترز عن أحد سكان الموصل قوله: إن البيان صدر باسم تنظيم الدولة الإسلامية بمحافظة نينوي بشمال العراق ووزع يوم الخميس وتمت تلاوته في المساجد.
وكان تنظيم "داعش" قد أصدر مرسوما مماثلا في مدينة الرقة السورية في فبراير يطالب المسيحيين بسداد الجزية ذهبا مقابل الحماية.
وظهر تنظيم "داعش" فى سوريا في ربيع 2013، كامتداد لتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" بزعامة أبو بكر البغدادي، وقوبل بداية باستحسان من مقاتلي المعارضة الباحثين عن أي مساعدة ضد القوات النظامية، إلا أن هذه النظرة سرعان ما تبدلت مع لجوء عناصر التنظيم إلى تجاوزات شملت أعمال خطف وقتل وإعدامات ميدانية في حق ناشطين وغيرهم، والتشدد في تطبيق الشريعة الإسلامية، والتفرد بالسيطرة حيث يتواجدون.
وحدد زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي الذي تطلق عليه الجماعة الآن اسم الخليفة إبراهيم موعدا نهائيا يحل السبت للمسيحيين الذين لا يريدون البقاء والعيش في ظل هذه الشروط، ليغادروا حدود الخلافة الإسلامية، مضيفًا أنه بعد هذا الموعد لن يتبقى بينه وبينهم سوى السيف.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، المشهد في الموصل بعد إعلان "داعش" تهديدات للمواطنين المسيحيين بأن يختاروا بين الإسلام أو دفع الجزية أو القتل، سمع الجميع هذه الإنذارات ليهرعوا بالفرار من المدينة.
وتقول الصحيفة: إن الرجال والنساء والأطفال هرعوا نحو سيارات جيرانهم والبعض اضطر لشحذ دراجات يصلوا بها إلى خارج المدينة، فيما استقل آخرون سيارات أجرة.
 وتشير إلى أن مسيحيي الموصل الفارين لم يأخذوا شيئا معهم أكثر من ملابسهم، ذلك وفق العديد ممن تحدثوا للصحيفة.
وهذا الهروب يمثل هزة جديدة للمجتمع المسيحي العراقي الذي تناقص تدريجيا، وهو مجتمع قديم قدم الديانة المسيحية نفسها لكنه تعرض لنكبات منذ الغزو الأمريكي للعراق 2003. 
وخلال الـ11 عاما الماضية، فر نصف مسيحيي العراق على الأقل من البلاد، طبقا لبعض الإحصائيات، هربا من الهجمات المتكررة من ميليشيات مسلمة سنية تستهدفهم وتستهدف كنائسهم.
أجراس كنائس الموصل
الكثير من هؤلاء الذين صمدوا وبقوا ربما يستسلمون بالكامل بعد قيام مقاتلين ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، "داعش"، باكتساح مدينة الموصل والسيطرة على رقعة كبيرة من البلاد الأسبوع الماضي.
تقول لينا إحدى مسيحيات الموصل، إنها لن تعود بعد أن فرت مع عائلتها، بينما اجتاحت الميليشيات المدينة، وجاءت لينا إلى القوش، التي تبعد نحو 50 كيلو مترا شمال البلاد.
وأضافت لينا البالغة من العمر 57 عاما: "كل يوم نذهب إلى فراشنا خائفين"، وأضافت بينما كانت تجلس في منزل للنازحين: "في منازلنا، كنا لا نعرف الراحة". ومثل كثير من المسيحيين الذين فروا إلى القوش، طلبت لينا ألا يتم الإفصاح عن اسمها بالكامل خوفا على سلامتها.
وأشارت الإحصاءات إلى وجود أكثر من مليون مسيحي في العراق قبل غزو القوات الأمريكية لها في 2003 والإطاحة بصدام حسين، الذين يشكلون واحدة من أقدم المجتمعات المسيحية في العالم، لكن مع سيطرة جماعة الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام على الموصل ومناطق واسعة من العراق، أوائل يونيو الماضي، فلقد فر الباقون منهم ولم تتبق سوى أعداد قليلة.
أما الآن، يقول مسئولون في كنائس: إن هناك ما يقدر بحوالي 450 ألف مسيحي داخل الحدود العراقية. 
واستهدفت الميليشيات المسيحيين في موجات متكررة من العنف في بغداد وفي الشمال.
 أما كاردينال الكنيسة الكلدانية فقد تعرض للاختطاف على يد متطرفين في 2008، ثم قتلوه. 
وتعرضت كنائس في أنحاء مختلفة من العراق إلى التفجير بشكل متكرر.
أجراس كنائس الموصل
وظهر عناصر داعش في فيديو على اليوتيوب بينما يقومون بهدم قبر يونان النبي في نينوي، وهو الأمر الذي أكده دريد حكمت، الباحث وخبير شئون الأقليات الذي فر قبل أسابيع إلى مدينة الكوش.
 كما يظهر الفيديو قيام المسلحين بإسقاط صليب أعلى كاتدرائية سانت إفرام في الموصل ورفع علم التنظيم الأسود، كما قام المسلحون بتدمير تمثال للسيدة العذراء مريم.
 وكانت تعيش بالموصل طوائف مختلفة وكان بها نحو 100 ألف مسيحي قبل عشر سنوات لكن موجة من الهجمات على المسيحيين منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 للإطاحة بالرئيس السابق صدام حسين أدت الى تراجع أعدادهم.
وقدر أحد المقيمين بالموصل الذي اطلع على بيان تنظيم الدولة الإسلامية، عدد المسيحيين بالمدينة قبل أن يسيطر عليها التنظيم الشهر الماضي كان نحو خمسة آلاف. 
وأضاف أن الأغلبية العظمى فرت منذ ذلك الحين ولم يتبق سوى ربما 200 مسيحي فقط بالمدينة.
ووفقا لتقرير أممي حول الضحايا المدنيين في العراق، فإن المسيحيين هم من بين الأقليات العديدة التي تتعرض لعمليات تهجير منظمة أو قتل من قبل تنظيم داعش. 
وأشارت صحيفة وول ستريت جورنال، إلى أن أعمال داعش ضد الأقليات الدينية منذ أن استولت على البلاد وآخرها تهديداتها للمسيحيين، يظهر كيف أن هذه الجماعة الإرهابية تفرض رؤيتها المتطرفة للشريعة الإسلامية من خلال تشديد قبضتها على السكان تدريجيا، الذين رحبوا قبل أسابيع بالمسلحين.
وبرحيل المسيحيين، تخلوا المنطقة من مجتمعات يرجع تاريخها إلى القرون الأولى من المسيحية، منها الكلدانية والسريانية والأرمنية.
أجراس كنائس الموصل
لم يكتف التنظيم الإرهابي "داعش" من طرد المسيحيين العراقيين من منازلهم في محافظة الموصل، بعد أن وجه لهم تحذيراً بدفع الجزية أو أن يدخلوا الإسلام.
بل إنه بعد أن غادر هؤلاء المواطنون العراقيون منازلهم مكرهين، وبعد انتهاء المهلة المحددة من قبل التنظيم، قام داعش بحرق الكنيسة المطرانية في الموصل، والتي يصل عمرها إلى 1836 عاما.
وقد أعلن بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس ساكو، أنه لأول مرة في تاريخ العراق، تفرغ الموصل من المسيحيين، مضيفًا أن العائلات المسيحية تنزح باتجاه دهوك وأربيل في إقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي، ويستقبل مئات الآلاف من النازحين.
وقال ساكو: إن مغادرة المسيحيين لثاني أكبر مدن العراق التي تضم نحو 30 كنيسة يعود تاريخ بعضها إلى نحو 1500 سنة، جاءت بعدما وزع تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يسيطر على المدينة منذ أكثر من شهر بيانًا يطالبهم بتركها.
وذكر ساكو أن البيان دعا المسيحيين في المدينة صراحة إلى اعتناق الإسلام، وإما دفع الجزية من دون تحديد سقفها، أو الخروج من مدينتهم ومنازلهم بملابسهم دون أية أمتعة، كما أفتى أن منازلهم تعود ملكيتها منذ الآن فصاعدًا إلى الدولة الإسلامية.
وأشار إلى أن عناصر هذا التنظيم الجهادى المتطرف كانوا في وقت سابق كتبوا على بيوت المسيحيين حرف النون أي نصارى، كما كانوا كتبوا على بيوت الشيعة حرف الراء أي روافض.
ووجه ساكو نداء إلى أصحاب الضمير الحي في العراق والعالم، إلى صوت المعتدلين من المسلمين في العراق والعالم، إلى كل من يهمه أمر استمرار العراق كوطن لجميع أبنائه، أن هذه الاشتراطات تسيء إلى المسلمين وإلى سمعة الدين الإسلامي.
وتابع :إنها نقض لـ1400 سنة من تاريخ وحياة العالم الإسلامي وتعايشه مع ديانات مختلفة وشعوب مختلفة شرقًا وغربًا، واحترام عقائدها والتآخي معها.

شارك