باحثان أمريكيان: كيري في القاهرة لطمأنة السُنَة بعد الاتفاق النووي الإيراني

الإثنين 03/أغسطس/2015 - 09:18 م
طباعة باحثان أمريكيان:
 
تعليقا على الزيارة  التي  يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للقاهرة لبدء "الحوار الاستراتيجي" الأمريكي – المصري، والتي تعكس رغبة البلدين في الحفاظ على مصالحهما الإقليمية المشتركة لتخطي الخلافات السياسية التي شابت العلاقة بينهما في العامين الماضيين. اكد الباحثين إريك تراجر وإيتان ساياج بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في تقرير لهما حول الزيارة ان الجوانب الأكثر أهمية في العلاقة بين مصر وامريكا  تُدار بالفعل عبر قنوات أخرى أقل علانية.
الجانب التاريخي 
أشار التقرير إلى أن واشنطن والقاهرة كانتا تعقدان جلسات حوار على نحو دوري قبل عام 2009، للتشديد على أهدافهما الإقليمية المشتركة حتى عندما اختلفا سياسياً. وكان أحد الأهداف الرئيسية لتلك النقاشات هو الإشارة إلى الالتزام المستمر بعملية السلام بين العرب وإسرائيل.
وعُقدت جلسة الحوار الأولى على المستوى الوزاري في يوليو 1998. وحيث تزامن ذلك الحوار مع ذروة عملية السلام التي تم التوصل إليها في أوسلو، فقد كان يهدف إلى «ضمان التعاون الوثيق في المسائل السياسية والدبلوماسية وللفت انتباه الشعب إلى هذا الجانب من علاقتنا الثنائية القوية»، وعقدت إدارة كلينتون جولات إضافية من الحوار على المستوى مساعد وزير في ديسمبر 1998 وفبراير 1999.
وبالمثل، كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن تعتبر أن العلاقة الأمريكية - المصرية ضرورية لإحراز تقدم في عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين، وقد أعلنت في مارس 2002 أنها سوف تطلق جولة جديدة من اجتماعات الحوار لـ "التنسيق المنتظم في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية". وكررت تلك الدعوة في يوليو 2004 وفبراير 2006، إلا أنه لم تعقد في النهاية جلسة حوار أخرى حتى يوليو 2006، حيث أضيفت مسألة حرب لبنان و تداعياتها الإقليمية إلى جدول الأعمال. ويعكس الحوار أيضاً رغبة الإدارة الأمريكية في تجاوز خلافاتها مع القاهرة بشأن "أجندة الحرية".
وخلال العام الأول من توليها زمام الحكم، واصلت إدارة الرئيس الأمريكي أوباما هذه الجهود لـ «إحياء» العلاقة بين البلدين. وبعد خطاب أوباما في يونيو 2009 في القاهرة، عقدت واشنطن مجدداً جلسة "الحوار الاستراتيجي" على مستوى مساعدي الوزراء، ثم عقدت جولة ثانية في ديسمبر من ذلك العام. ذكرت صحيفة «التلجراف» البريطانية إن النقاش خلال تلك الجلسة ركّز على الجهود المشتركة للدفع قدماً بعمليتي السلام الإسرائيلية - الفلسطينية والإسرائيلية- السورية، في حين غطى الحوار أيضاً قضايا مثل الوضع الإنساني في السودان ووحدة أراضي العراق. وقد نظرت الإدارة الأمريكية إلى الحوار في ذلك الحين باعتباره بيئة غير ملائمة لمعالجة المخاوف بشأن السياسة في مصر، وبالتالي رأت من الأنسب فتح قنوات منفصلة، غير حكومية لمناقشة الإصلاح السياسي.
أولويات جديدة
وحول الوضع الراهن تطرق التقرير الي ما تواجهه واشنطن والقاهرة حالياً من  بيئة إقليمية مختلفة جداً، ففي السنوات الست منذ إجراء الحوار السابق، انهارت عدة دول، واستولت منظمة إرهابية على أراضي تبلغ مساحتها بقدر مساحة بلجيكا تقريباً، وأشعل نفوذ إيران وهيمنتها سلسلة من الصراعات الطائفية في جميع أنحاء المنطقة، وقد أثرت جميع هذه التطورات كثيراً على مصر، التي شهدت تغيرات متعددة في النظام، أسفرت عن نشر قواتها البحرية لحماية مضيق باب المندب من الحوثيين في اليمن التي تدعمهم إيران، واضطرت إلى مواجهة الجهاديين المنتمين إلى تنظيم «داعش»)/ إلى الغرب (في ليبيا) والشرق (في سيناء). ونتيجة لذلك، فإن عملية السلام الاسرائيلية-الفلسطينية الهامدة منذ نيسان/أبريل 2014، لم تعد النقطة المحورية في العلاقات الأمريكية المصرية، على الرغم من أن القاهرة لا تزال تلعب دوراً مركزياً أثناء الصراعات الدورية التي تندلع في غزة.
ولقد تسببت هذه التطورات في حدوث التباسات كبيرة في العلاقة الثنائية، فمن جهة، يتشارك البلدان الكثير من الأهداف الاستراتيجية، إذ إن واشنطن والقاهرة تقفان جنباً إلى جنب في محاربة تنظيم «داعش»، ومواجهة التوسع الإيراني، وتعزيز الاستقرار السياسي حيثما أمكن. ولكن من جهة أخرى، اختلف البلدان كثيراً حول ضرورة الإصلاح السياسي في مصر. وفي هذا السياق، وبعد إدانة مصر لـ 17 موظفاً أمريكياً يعملون في منظمات غير حكومية داعمة للديمقراطية في يونيو 2013، . تراجع حماس واشنطن للحفاظ على العلاقة مع مصر وبرز عداء كبير تجاه مصر في بعض الأوساط. وعلى نفس المنوال، 

الحوار ليس القناة الوحيدة إطلاقاً
في الأشهر الأخيرة، توصلت الإدارة الأمريكية إلى اقتناع بأن مقاربتها الفاترة تجاه القاهرة لم تساهم في تعزيز المصالح الأمريكية الإقليمية ولذلك، بدأت واشنطن تسعى إلى تحسين علاقتها مع مصر. وقد بدأت هذه العملية في سبتمبر 2014،عندما التقى الرئيس أوباما بالرئيس السيسي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وازدادت العلاقات تحسناً في مارس 2015، مع رفع الإدارة الأمريكية حظرها على المساعدات العسكرية.

وتمثل جلسات الحوار الأخيرة الخطوة التالية في تحسين صورة العلاقة بين البلدين، وتعبر أيضاً عن استراتيجية الإدارة الأمريكية في طمأنة الحلفاء العرب السنة في أعقاب الاتفاق النووي مع إيران. وفي النهاية، فحتى مع توقف "الحوار الاستراتيجي" لأكثر من ستة أعوام، بقيت الجوانب الأساسية في العلاقة الثنائية تسير بشكل سليم - فقد استمر التنسيق لمكافحة الإرهاب، وما زالت مصر تمنح الولايات المتحدة امتيازات عبور في قناة السويس وفي مجالها الجوي لإيصال الإمدادات إلى قواعدها العسكرية في الخليج العربي، لقد نجحت واشنطن والقاهرة في هذه المهمة عبر اعتماد آليات أخرى في إدارة الجوانب الحساسة من العلاقة بينهما. فعلى سبيل المثال، لعبت "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" دوراً أكثر مركزية في تنسيق جهود مكافحة الإرهاب في سيناء وإدارة العلاقات المصرية الإسرائيلية، في حين لا تزال الاتصالات بين مسؤولي المخابرات والدفاع المصريين والأمريكيين مستمرة، بالإضافة إلى ذلك، تمكنت واشنطن والقاهرة من الإبقاء على قنوات تواصل رفيعة المستوى لتنسيق السياسات خلال أوقات الأزمات، بما في ذلك إجراء الرئيس أوباما ست مكالمات هاتفية مع الرئيس المصري في ذلك الحين محمد مرسي خلال حرب غزة في نوفمبر 2012، وإجراء وزير الدفاع الأمريكي السابق تشاك هاجل أكثر من ثلاثين مكالمة هاتفية مع وزير الدفاع المصري آنذاك عبد الفتاح السيسي في العام الذي أعقب الإطاحة بمرسي.
ونظراً إلى أن خلافات هامة حول سياسات مصر المحلية سوف تستمر لما بعد "الحوار الاستراتيجي" المزمع عقده الأسبوع المقبل، من المرجح أن تبقى القنوات الأقل علانية لإدارة العلاقة بين البلدين، السمة الأهم بين واشنطن والقاهرة في المستقبل المنظور.

شارك