ما مدى تأثير انتصارات داعش في الشرق الأوسط؟

السبت 02/أغسطس/2014 - 11:48 ص
طباعة ما مدى تأثير انتصارات
 
ترى ما هي التأثيرات المحتملة للانتصارات العسكرية المفاجئة التي حققتها "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، والتي تحوّلت الآن إلى "دولة الخلافة"، على المناخ العام للحركات الجهادية والأصولية في الشرق الأوسط (والعالم)؟
السؤال ضروري وواجِب الوجود؛ لأن ما حدث مؤخراً في العراق، حين تمكّن تنظيم داعش من اكتساح ربع مساحة العراق الشاسعة في غضون خمسة أيام، وما رافق ذلك من انهيار الجيش العراقي الضخم أمام حفنة مقاتلين (100 ألف جندي وضابط عراقي تحللوا أمام مئات من مقاتلي داعش في الموصل)، ستكون له حتماً مضاعفات كبرى على المناخات النفسية الفكرية والثقافية لأعداد كبيرة من الشبان العرب والمسلمين في كل أنحاء العالم.
الأمر هنا سيكون شبيهاً بما حدث في معركة الكرامة في الأردن عام 1969، حين تمكّنت عناصر المقاومة الفلسطينية من الصمود في وجه جحافل القوات الإسرائيلية المتقدمة. حينذاك، اجتاحت المنطقة موجة حماسية كاسحة، دفعت العديد من الشبان العرب إما إلى المشاركة في عمليات المقاومة الفلسطينية أو إلى إلانضمام إلى صفوف حركة فتح، في إطار "إستراتيجية حرب الشعب" التي تمّ الترويج لها في حينه.
وهذا ما حدث أيضاً في أعقاب حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي، حين اعتبر الكثيرون أن المجاهدين انتصروا على ثاني أكبر دولة عظمى في العالم، ما أطلق العديد من التنظيمات الشبيهة للقاعدة في كل أنحاء العالم.
الأمر أيضاً يشبه النماذج التي قدّمتها في الستينيات والسبعينيات حركات حرب الغوار اليسارية في فيتنام وبقية الهند الصينية، وفي كوبا ونيكاراغوا وبقية أمريكا اللاتينية، والتي تحوّل فيها الجنرال جياب وإرنستو تشي غيفارا وغيرهما إلى مثل أعلى يحتذى للكثير من الشبان واليافعين في العالم، بما في ذلك في بعض المناطق العربية.
وبالمثل، يبدو أن انتصارات داعش ستثير موجات مماثلة من الطفرات الجهادية التي، إما أن تضم إلى داعش المزيد من المقاتلين والأنصار، أو تشجِّع الشبان العرب على تشكيل منظمات جهادية أو (في أضعف الأحوال)، توفير بيئة حاضنة للظاهرة الداعشية.

مؤشرات

مؤشرات
المؤشرات على هذا التطور بدأت تتوالى من الآن. فقد أعلنت على سبيل المثال، كتائب "جنود الحق"، التابعة لجبهة النصرة في منطقة البوكمال على الحدود السورية- العراقية مبايعتهم لداعش، على رغم أن تنظيمهم الأم لا يزال يخوض معارك دموية مع داعش في شرق سوريا وشمالها، أدّت حتى الآن إلى سقوط آلاف القتلى والجرحى من الجانبيْن.
وبالطبع، مثل هذا التطوّر لم يكن ليحدُث لولا انبهار عناصر النّصرة في البوكمال بالفعالية القتالية والتخطيط الإستراتيجي الدقيق لداعش في معارك المحافظات السُنّية في العراق.
وفي الوقت نفسه، كانت تتواتر أنباء عن أن العديد من المجموعات الإسلامية في طرابلس وعكار (شمال لبنان) وفي معان ( جنوب الأردن) وحتى في غزّة، بدأت تفكّر بالانضمام إلى داعش أو تقليد أساليبها؛ هذا في حين كشفت السلطات المغربية النِّقاب عن طفرة في أعداد الشباب الذين يسعون إلى الانضمام إلى معارك العراق وسوريا، في أعقاب الأنباء عن انتصارات داعش. 
علاوة على ذلك، يبدو أن هذا التنظيم المتشدّد للغاية كان يشهد تضخّماً في أعداده مع كل مدينة يدخلها في شمال وغرب العراق. فقد ذُكِر أن أعداداً كبيرة (ولكن غير محدّدة) من المقاتلين السوريين والسعوديين واللبنانيين والشيشان والأوروبيين، بدأوا يتدفّقون على العراق عبْر المعابِر السورية.
ما مدى تأثير انتصارات
وفي داخل العراق نفسه، كان داعش يستقبل في صفوفه 400 عنصر أُطلق سراحهم من سجن الموصل. وقبل ذلك، انضم إليه نحو 500 (في يوليو الماضي) حرّرهم من سجن أبو غريب. وخلال الهجوم الأخير على الموصل، أفرج داعش عن نحو 2500 سجين من معتقل بادوش، يُعتقد أن العديد منهم من الناشطين الجهاديين الذين سينضمّون حتماً إلى التنظيم.
داعش الآن سيكون في وضع يمكّنه اجتذاب وتجنيد شبّان عرب وأجانب آخرين عديدين يحتاجون إلى عمل كما إلى هوية دينية واضحة، بعد أن وضع يده على ثروة طائلة في الموصل تقدّر بنحو 500 مليون دولار. وهذه ستضاف إلى الضرائب وبيع النفط السوري الخام والتبرعات (من أفراد خليجيين أساساً) وعمليات التهريب التي يقوم بها التنظيم في سوريا والعراق، والتي تدر عليه ما بين 15 إلى 25 مليون دولار شهريا. ويقال الآن أن داعش بات يمتلك ثروة ضخمة تقدّر بأكثر من ملياري دولار.

العقبات

العقبات
ظاهرة داعش إذن مرشّحة للتضخّم والتصاعد والامتداد في كل أنحاء المنطقة، خاصة إذا ما واصل هذا التنظيم تحقيق الانتصارات العسكرية في العراق وأيضاً في سوريا التي نقل إليها مؤخراً أقساماً كبيرة من المعدّات العسكرية والذخائر الموجودة في الموصل (والتي كانت تمثّل ثاني أكبر مستودع من الأسلحة الأمريكية للجيش العراقي)، بينها 52 قطعة مدفعية ثقيلة وعشرات الدبّابات والعربات المُدرّعة.
لكن تقف في وجه هذا التنظيم عقبات لا يستهان بها. فسكان المناطق التي اجتاحها في العراق، خاصة منهم العشائر، لن يستسيغوا نمط الحياة المتشدّد الذي قد يفرضه التنظيم عليهم، على رغم من أن البعض يبدي تساهلاً معهم هذه الأيام على عكس ما يفعل في شرق سوريا. ثم إن الصدامات واردة في كل حين بين داعش وبين كلٍّ من قوات البعث والعشائر العراقيين، في إطار الصراع على الثروة والسلطة، في حال تراجع خطر الشيعة العراقيين والإيرانيين عليهم.
وعلى رغم أن بعض القوى الخليجية العربية تحبّذ نتائج التقدّم الداعشي طالما أنه يؤدّي إلى ضعضعة نفوذ إيران وحلفائها الشيعة في العراق، إلا أن هذه القوى نفسها تعتبر هذا التنظيم خطراً وجودياً عليها، وهي ستكون مستعدّة في اللحظة المناسبة للإشتراك مع قوى إقليمية ودولية أخرى في العمل على تدمير هذا التنظيم ودولة خلافته، التي يُفترض أن تضم إلى سوريا والعراق، الأردن ولبنان وأجزاء من قبرص وتركيا.
نوري المالكي
نوري المالكي
نقطة الضعف الكبرى الأخرى في تنظيم داعش تكمن في كونه قوقعة أيديولوجية مُغلقة ومتعصِّبة وإقصائية، وترفض كل الحركات الإسلامية الأخرى، التي لا تدين لها بـ "الطاعة والبيعة"، وهذا ما دفعها إلى خوض معارك مسلّحة مدمّرة حتى مع شقيقتها السابقة في إطار تنظيم القاعدة، جبهة النصرة في سوريا، ما أسفر عن مصرع أكثر من 7 آلاف مقاتل من الطرفيْن خلال أشهر قليلة، هذا ناهيك عن معاركها مع الحركات المسلحة الإسلامية الأخرى.
والآن، وبعد أن عيّن زعيم داعش أبو بكر البغدادي نفسه خليفة على المسلمين، مكرراً بذلك تجارب "الدولة السلطانية" في التاريخ الإسلامي، التي تفرض نفسها بالعنف وقوة السيف، ستكون الحروب الأهلية داخل الصف الجهادي الإسلامي هي السِّمة الرئيسية في المنطقة من الآن وحتى مستقبل غير منظور.
لكن، ومع ذلك، سيواصل داعش، على المدى القصير على الأقل، التحوّل إلى نقطة جذب واستقطاب للشبان "المجاهدين" من الدول كافة في الغرب كما الشرق، وسنسمع قريباً على الأرجح عن امتدادت جديدة لداعش في كل الشرق الأوسط، خاصة إذا ما منحت إيران هذا التنظيم هدية من السماء عبْر مواصلة رفض تقديم أي تنازلات ذات معنى لسُنّة العراق، إذ حينها سيكون داعش في موقع يستطيع منه الادِّعاء بأنه المُدافع الأول والأخير، وبنجاح، عن أهل السُنّة والجماعة.
ويبدو من استمرار تمسّك طهران بنوري المالكي كرئيس للحكومة لولاية ثالثة، أن رغم الرفض السُنّي والكردي العنيف له- أن هدية السماء ستسقط حتْماً في حضن داعش.

شارك