الرايات السوداء بين النشأة في السجون والتمدد بالعراق وسوريا

الأحد 03/أغسطس/2014 - 01:58 م
طباعة الرايات السوداء بين
 
نعرض في ما يلي ملخص لتحقيق موسع حول تنظيم "داعش" نشر في عدد الشهر الحالي من مجلة "المجلة".
كان أول ظهور لاسم تنظيم «داعش» في أبريل 2013، ليس بهدف الإعلان الرسمي أو محاولة تضخيم شأن التنظيم كما يخطئ عادة من يقرأ عن جماعات العنف المسلح خارج نصوصها وسجلاتها الداخلية، فالتسمية كانت هدفا إستراتيجيا للتنظيم لابتلاع كل المجموعات الصغيرة.
الهدف الأول لإعلان «داعش» لم يكن قرارا دعائيا أو محاولة تضخيم قدرات التنظيم الذي يجول طولا وعرضا في مناطقه المحببة في العراق والشام، بقدر ما كان تحديا وجوديا لافتراس الأسماك «القاعدية» الصغيرة، وهو ما أدركته «جبهة النصرة» مبكرا فرفضت الاندماج وبدأت معارك إثبات الوجود التي لا تزال مستمرة إلى الآن، وإن كانت الغلبة على مستوى أبناء «القاعدة» ويتامى بن لادن لـ«داعش»، رغم أن التنظيم رسميا يرفض الاعتراف بالهزيمة حتى هذه اللحظة.
التقاسم الإرهابي لكعكة الشام والعراق كان سببا في الخلاف بين التنظيمات المسلحة؛ «داعش» و«النصرة» بالأساس وبقية الصغار حسب ولاءاتهم ومصالحهم الصغيرة وإن كانت المبرر المقدم للأتباع والجمهور العريض هو «الشرعية»، فالاتهامات المتبادلة بالبغي والخروج على سلطة الحاكم الشرعي والمفاوضات، بل والمحاكمات المجانية والإعدامات، كشفت ما كان مستورا ولم تظهر واقعا جديدا في الخلاف بين التنظيمات المسلحة حول أحقية تمثيل «الجهاد» وهو ما يعني إدراكهم لدورهم والانتعاش المقبل لدورات الإرهاب والعنف بعد انهيار الربيع العربي.

بدايات بنكهة محلية

بدايات بنكهة محلية
في البداية كانت «القاعدة» في العراق مستقلة وأقرب إلى التشكل المحلي مع إضافات هائلة في الخبرات والموارد من قبل المتحولين من «البعث» إلى «القاعدة»، سواء كان التحول على سبيل الاقتناع والتبني وهو أقل، أو على سبيل التحالف والولاء المشترك لفكرة طرد المحتل واستهداف الحكومة الطائفية، ووقتها كانت «داعش» تعمل تحت شعار «جماعة التوحيد والجهاد» ليتحول لاحقا إلى تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» بعد تولي أبي مصعب الزرقاوي قيادته في 2004 ومبايعته زعيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن، ولا يخفى أن إضافة «الرافدين» إلى التنظيم هو جزء من التواضع لقيمة ومكانة بن لادن الذي تسبب مقتله على يد الأمريكان إلى تحول كبير في التنظيم بعد الفراغ الهائل الذي خلفه.
الرايات السوداء بين
وجاء مقتل الزرقاوي في يونيو 2006 على يد القوات الأمريكية في العراق، ليسهم في تقلص دور «القاعدة» لحساب أدوار جديدة مفاجئة لم تكن مرصودة آنذاك في صخب عمليات التنظيم.

كيف نصنف «داعش»؟

إذن «داعش» هي منتج منفصل عن «القاعدة» بعد أن كان جزءا منها، ثم أضيفت إليه أفكار جديدة إلى أن آل الوضع إلى هذا المزيج الذي يقترب من العصابات المنظمة منه إلى عمل جماعات العنف المسلح الدينية.
الرايات السوداء بين
تعود بذور «داعش» للخلاف الفكري بين تيار الصقور الذي كان يمثله الزرقاوي، و«القاعدة» التقليدية، وبعد مقتله ومقتل أبو حمزة المهاجر دخلت «داعش» مرحلة مشروع الدولة في العراق.
جزء من أزمة تحليل «داعش» تعود إلى أسباب كثيرة وأهمها القراءة الخاطئة لـ«التيارات المنغلقة»، فالصورة المغلوطة عن جماعات العنف المسلح منذ حركة الخوارج تاريخيا ووصولا إلى «القاعدة» وأخواتها، فهناك أولا تغيرات بحكم التاريخ وتغير الوضع السياسي وأخرى بسبب التأثر والتأثير على الواقع نفسه، فالنواة الأولى لمجاهدي الثمانينيات قبل نشأة «القاعدة» تختلف عنها في مرحلة «مطبخ بيشاور» التي أشرنا إليها، كما تختلف جذريا عن مرحلة القتال بالوكالة التي مارستها «القاعدة» عبر إرسال مقاتليها إلى البوسنة والشيشان.
الخلاف إذن ليس فقط على مستوى الأفكار، وهذا فرق جوهري، بل على مستوى موقفهم من الأنظمة العربية أو قتال العدو القريب أو البعيد، موقفهم من التحالف مع استخبارات دول أخرى في مصلحة التنظيم، التدفق المالي، وأيضا انفصال المرجعيات الشرعية للتنظيم عن المناخ الشرعي السائد من حيث تحرير مسائل الجهاد أو فقه الثغور الذي تغير عدة مرات من تكوين علماء تنظيم مختصين وصولا إلى غياب الرؤية بحكم دخول أطراف قادمة من خلفيات بعثية وأخرى أقرب إلى الثوار المناطقيين كالعشائر في العراق وبعض المناطق السورية.

أمير المؤمنين.. سيرة مجهولة

أمير المؤمنين.. سيرة
لم يكن أمير المؤمنين المزعوم أبو بكر البغدادي شيئا مذكورا قبل أن تقوم الولايات المتحدة في عام 2013 برصد جائزة قدرها عشرة ملايين دولار لمن يسهم في اغتيال وقتل أو اعتقال البغدادي، المكنى بـ«أبو دعاء» وهي ثاني أعلى جائزة ترصدها وزارة الخارجية الأمريكية لرأس إرهابي بعد زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
الشيخ أبو دعاء ويلقب بالشيخ الشبح؛ لما يقال عنه من ارتدائه الوشاح حتى في لقاءاته الخاصة مع المقربين من العراق، وتعود أصوله، كما يزعم أتباعه، إلى آل البيت، وهي إضافة رمزية مهمة يجري استخدامها لاحقا في منافسة الظواهري ثم شرعية إعلان الخلافة.
ولد الشيخ أبو دعاء عام 1971 في سامراء العراقية كان يعمل في خدمة المساجد أثناء الغزو الأمريكي، بالدعوة وجمع الأموال والتدريس الشرعي والإفتاء؛ بحكم أنه يحمل دكتوراه في الفقه الإسلامي. اعتقل لاحقا في معسكر بوكا الأمريكي (جنوب العراق) ونجا مجددا من محاولة اغتياله بغارة جوية عام 2005، ثم ظهر بعد صمت سنوات عبر صفوف «القاعدة» مقاتلا وموجها ومرشدا، وهو ما كان كفيلا بتصعيده خلال خمس سنوات تقريبا ليتربع على عرش تنظيم الدولة الإسلامية في العراق 2010.

لغز محيّر

لغز محيّر
تبدو «داعش» في عيون «الجميع» لغزا محيرا ينسب تارة إلى إيران وتارة إلى العراق وتارة إلى بشار وتارة إلى الولايات المتحدة، ناهيك عن الاتهام الاستعدائي الذي يعبر عن أزمة ترحيل الأزمات السياسية الإيرانية الشهيرة التي اقتبسها المالكي حين أطلق اتهاماته جزافا تجاه المملكة والخليج وبشكل يدرك هو أنه جزء من إنتاج شرعيته المتوهمة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة عند عقلاء شيعة العراق قبل سنتهم.
لقطع هذه الحيرة في فهم لغز «داعش» كان الأحرى بسيل التحليلات التي تقترب من روايات الخيال العلمي قراءة نتاج «داعش» وهو منشور ومبذول، سواء المنتج الفكري (رسائل، فتاوى، وصايا شهداء، الردود على المخالفين.. إلخ) أو المجتمع الداعشي على الإنترنت (معرفات «تويتر»، منتديات جهادية، وحتى كتيبات تحريضية عادة ما تحاول عمل دعاية مضادة لخصوم «داعش») وأيضا من المهم معرفة قراءة «داعش» النسخة القاعدية ثم «داعش» النسخة العالمية التي تجتذب الآن عناصر أجنبية.

في مواجهة الصحوات

في مواجهة الصحوات
خلال تلك السنوات الممتدة من نشأة التنظيم ارتكبت القوات الأمريكية والعراقية حماقات متعددة في مواجهة التنظيمات المسلحة، إلا أن أكبرها فداحة كانت محاولة تعويض الجيش العراقي بقوات الصحوات في المناطق السنية من مقاتلي العشائر السنية ودفعها لمقاتلة «القاعدة» ثم التخلي عنها لاحقا بوعود ظهر أنها كانت مجرد سراب طائفي كبير؛ فالعراق للعراقيين فكرة لم تولد لتكبر بعد الغزو ثم الانسحاب الأمريكي، وإنما كان الهدف هو الخروج من المستنقع بأقل قدر من الخسائر.
في نهايات عام 2011 وعلى وقع المخاضات الكبيرة التي كانت تعيشها المنطقة إثر الربيع العربي الذي اندلع وأشعل الحرائق السياسية ملهيا عن حرائق «القاعدة»، عادت دولة العراق الإسلامية أكثر قوة وتنظيما بعد أن استطاعت تأليب السنة في العراق، لا سيما ما تبقى من الصحوات المخذولة من أمريكا وحكومة المالكي في أجواء كانت تستعد المنطقة فيها ليس إلى دخول الربيع الديمقراطي كما بدا لأول وهلة، وإنما لربيع الإرهاب الجديد، وبدافع هذا الفشل المتلاحق للأمريكان في العراق والمنطقة.
عودة «داعش»، الدولة الإسلامية، آنذاك، كانت تستهدف زعزعة النظام العراقي، ولذلك كرّت سلسلة من التفجيرات العبثية في بغداد وحصدت الآلاف من الضحايا؛ مما دفع الأمريكان إلى التحرّك من بعد وتخصيص مكافآت للقبض على زعامات التنظيم الجديد، لكن شيئا من ذلك لم يؤت أُكله شأن كل السياسات الأمريكية في حملة الحرب على الإرهاب التي لن تفلح ما دامت على طريقة «طائرات دون طيار»، فهذا الاستسهال في مواجهة العنف حول العراق آنذاك إلى جحيم حقيقي، وكانت الكارثة هي تغلغل التنظيم، بل وقدرته على فتح السجون واستهدافها بالهجوم لاستخراج كوادر «غالية» ستكون لاحقا الوقود الحقيقي لـ«داعش» وستصنع الفرق الذي نجني عناقيد غضبه اليوم.
الرايات السوداء بين
وعلى عكس ما يشاع، لا سيما من أعداء «داعش» الطائفيين وعلى رأسهم إيران والنظام السوري والعراقي بقيادة المالكي رأس الحربة ضد «داعش» والمستفيد الأكبر من تمددها، لم تثبت أي علاقة بين نظام صدام قبل سقوطه المدوي وبين «القاعدة» وأخواتها، فبعد الانهيار لم يتم العثور على أي وثائق تثبت ارتباطه بـ«القاعدة».
ظلت الدولة الإسلامية تبني نفسها خلال السنوات التي انشغل العالم فيها بالربيع العربي البرّاق ليفاجئنا البغدادي في أوائل 2013 بحركة تصحيحية للتنظيم عبر عنها في بيانه بابتلاع جبهة النصرة وأنها امتداد تنظيمي لـ«داعش» التي تنوي التحول إلى دولة عابرة للحدود وكاسرة لحدود الدولة التقليدية التي رسمها سايكس- بيكو، لكن الأمر كان أبعد من الكفر بحدود الدولة القطرية إلى استهداف شرعية رفاق الأمس بمبررات ذات مضامين شرعية وإن كانت الغايات والدوافع سياسية الطابع، فبقاء «داعش» مجرد تنظيم مستورد من العراق للشام كان سيجهز عليه في حال تقوية التنظيمات الأخرى والجيش الحر الأقرب إلى الشأن السوري، كما أن تمرّد «القاعدة» المستمر على «داعش» كان إيذانا باتخاذ خطوة «آخر العلاج الكي» الذي ترفعه عادة كل التنظيمات المسلحة والميليشيات والأحزاب الماركسية الراديكالية، وهو ما يعرف بـ«تصفية الخصوم».

المستنقع السوري والتناغم مع نظام الأسد

المستنقع السوري والتناغم
واحدة من أكثر ملفات «داعش» غموضا هي تغلغلها في المستنقع السوري وتعملقها سريعا رغم أن تاريخ مشاركتها جاء متأخرا عن ثورة الشعب السوري بسنتين كاملتين! فـ«داعش» دخلت سوريا بعد أن حرر الثوار قسما كبيرا من سوريا وكانوا على وشك بناء دولة حديثة، إلا أن «داعش» ومن خلال تكنيك إطلاق اليد قامت باستدعاء «داعش» لا لتحاربها بل لتحارب بها عبر التأثير عليها بذكاء استخباراتي كبير.
استهدفت «داعش» كل المكتسبات للثورة السورية وثلاثية الثورة والتنظيمات العسكرية والشعب المقاوم الثائر، فقامت بسلسلة من عمليات الاغتيال والاختطاف لأهم رموز الكتائب والفصائل المقاومة ودمرت عددا من المؤسسات المدنية والعسكرية الناشئة، وهي أدوار لم يكن يحلم بها النظام السوري في مواجهة ثورة فتية.
أولوية تفكيك الثورة السورية كانت هدف «داعش» غير المعلن، وكانت آثارها مدمرة حيث مواجهة «داعش» من قبل المعارضة السورية كانت تؤدي غالبا إلى التعرض للقتل أو الملاحقة والاعتقال والإهانة والتعذيب في سجون دولة البغدادي، التي لا تقل سوءا ودموية عن سجون النظام السوري؛ الأمر الذي استدعى أمير جبهة النصرة إلى التحرّك المتأخر وإصدار البيانات، لكن بعد خراب مالطة، فأمر بحلّ الدولة وعودة الساحة السورية إلى ما كانت عليه قبل «داعش»، إلا أن البغدادي رد عليه بأحسن منها وكان الشعار الدعائي الكبير لـ«داعش» الذي تحول إلى ما يشبه الرمز التسويقي «دولة الإسلام في العراق والشام باقية وتتمدد» حتى يظهرها الله أو نهلك، فلا سبيل للرجوع والاستسلام.
هذه الخطوة الشجاعة من البغدادي والمتهورة نسبيا أحدثت انشقاقات غير متوقعة في الجسد الجهادي في سوريا، حيث انشغل العديد من المقاتلين ما يزيد على النصف بكثير إلى «داعش»، وكان أغلب حصيلة المتحولين من «داعش» هم القادمين من الأقاصي ممن عرفوا بلقب «المهاجرين» على سبيل التشريف، إضافة إلى مجموعات محلية سئمت بطء نجاحات الجيش الحر وانحازت إلى أيديولوجيا «داعش» المتكاملة نظريا والمحددة لهدفها وهو الوصول إلى مرحلة الدولة.

دولة الرايات السوداء

دولة الرايات السوداء
في نهاية 2013 كانت مدينة حمص قد وصلت إلى ذروة المعاناة والألم بعد حصار سنة ونصف أنهكت فيها كل قواها إلا أن «داعش» لم تر في ذلك أي ضغينة وزادت من معاناة السوريين حين قررت احتلال ريف حمص الشرقي بدعوى فك الحصار، فأرسلت مقاتليها ليحاصروا الرقة وريفها واتخذت من الشرق مقرا رئيسا ومركزيا لها، لتجتاح لاحقا إدلب وحلب وطرابلس والباب وتل رفعت وحريتان ورتيان ودارة عزة في ظل صمت الجميع، وفي خلال أقل من ستة أشهر سيطرت «داعش» على مناطق واسعة من الشرق والشمال لحلب. 
كانت حروب «داعش» في سوريا من أكثر حروبها ذكاء وحنكة، فهي تدرك أن قوتها محدودة لا تقارن بحجم حضورها في العراق، فأسهمت في تقليل خساراتها الحربية والعسكرية عبر تجنب الصدام مع نظام الأسد واستهداف المناطق غير الخاضعة لسيطرته، فيما ظن كثير من المحللين أن ثمة تعاونا مباشرا بين النظام و«داعش»، إلا أن الأمر لا يعدو توافق مصالح.
انتظرت «داعش» حتى مطلع هذا العام 2014 لتحول إستراتيجيتها من الاهتمام بالمستنقع السوري إلى العودة إلى أرض التمكين كما يسميها أتباع «داعش» (العراق) وأوفياء العيش بأسلوب حياتها في المدن العراقية التي تحتلها وعلى رأسها «الفلوجة والرمادي» ثم الموصل لاحقا فمحافظة الأنبار التي كانت مسرح ولادة دولة الخلافة، إلا أن السيطرة على محافظة صلاح الدين كانت الحدث الأهم لـ«داعش» حيث حلقة الوصل بين شمال العراق ووسطه، وحيث الدخول في مرحلة دولة الخلافة النفطية، وهو ما أسهم في غرور «داعش» وطغيانها إلى الحد الذي جعلها تصل إلى لحظة رمي «حجر النرد» للإرهاب الجديد عبر إعلان دولة الخلافة الإسلامية.

اقتصاد «داعش»

اقتصاد «داعش»
في تقرير لمجلس العلاقات الدولية صدر مؤخرا أكد على أن بدايات الانتعاش الاقتصادي لتنظيم داعش كانت متأخرة في حدود 2013 قبل تحول الاستيلاء على الموصل الذي يعده الخبراء نقطة تحول اقتصادية كبرى ليست في مسيرة «داعش» فحسب، بل كل العمل المسلح في المنطقة، فـ«داعش» ما قبل الموصل كانت تحصل على ما يقارب عشرة ملايين دولار شهريا عبر سرقة الأموال وفرض الضرائب على أصحاب العمل المحليين بل واقتطاع حصص من المساعدات الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرتها في مقابل الإذن بالدخول، وهو سلوك لم يأت مصادفة بل من الواضح أن «داعش»، وخلافا للتنظيمات الأخرى، تطور من سلوكها الإداري على الأرض على طريقة العصابات أكثر من بناء برنامج عمل مستقى من التصورات الإسلاموية لشكل الدولة، وتتحدث التقارير باستفاضة حول ميزانية «داعش» بعد التحولات الجديدة بينما يجزم معظمها بأن رأسمال التنظيم لا يقل عن ملياري دولار.
وفي تقرير مهم نشرته «سي إن إن» كشف أهم محاور التمويل لـ«داعش» التي احتكمت إلى منظومة أخلاقية مفارقة للأسلوب التقليدي في التمويل الذي كانت «القاعدة» تتبعه في مراحلها السابقة، من جملتها المنح والتبرعات وبيع النفط الخام، المخدرات وغسيل الأموال والابتزاز والغنائم، وهناك حديث عن ثروة عينية من الذهب فقط تقدر بـ430 مليون دولار.
الحالة الجديدة لـ«داعش» بعد الدخول في مشروع دولة الخلافة وسقوط أجزاء واسعة من العراق تحت سيطرته استلزمت تطورا على مستوى التجهيز العسكري.

شكل الدولة

شكل الدولة
حرصت «داعش»، بعد مضي نحو أربعة أشهر على إعلان تأسيس التنظيم الجديد (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، على تأسيس مشروع الدولة على الأرض ولو بشكل رمزي عبر تحويل المدارس والفيلات والبيوت التي هجرها أهلها إلى مقرات وزارية ومحاكم ومدارس للتنظيم ومعسكرات تدريب وجمع أموال، وعلى الأرض فرضوا أنظمتهم الاجتماعية المتطرفة التي من شأنها دب الذعر في نفوس الأهالي، فانتشرت في المناطق المحررة مقرّات تحمل اسمَه ورايته، كما أقيمت الحواجز الجديدة داخل المدن والقرى وفي مداخلها وعلى الطرق الموصلة بينها.
بعد السيطرة على الأرض قام التنظيم بإظهار مخالبه القاسية التي طالت عددا كبيرا من الإعلاميين وناشطي الحراك المدني داخل المناطق المحررة، كما اعتقلت «داعش» المئات من الموظفين التابعين لمنظمات إغاثية.
واحد من أكثر الملفات غموضا باستثناء كل الرمزيات والأيقونات الداعشية الطافحة في الإعلام ولأهداف أغلبها دعائي وتسويقي، هو ملف البناء الهيكلي والتنظيمي لـ«داعش»، وهو ملف غامض وصعب لتداخله بين شخصيات جهادية متطرفة مؤسسة للتنظيم وشخصيات فاعلة ومؤثرة قادمة من بقايا البعث والعشائر وضباط المخابرات والعملاء المزدوجين، إلا أن الرسائل الصغيرة المتداولة في الأوساط الجهادية على الإنترنت تشير إلى عدد من الشخصيات المهمة التي اعترف بها أو أشار لها في الغالب المتحولون من «داعش» إلى «القاعدة» أو الذين هجروا مناطق التوتر إيمانا منهم بأنها غطاء وهمي لعصابات وجماعات وكيانات مشبوهة.

سجون عامرة بالفزع

سجون عامرة بالفزع
قصص تجربة السجن في جحيم «داعش» غير مسبوقة، حتى إنك وأنت تقرأها يخيل إليك أنك أمام فيلم رعب حقيقي، فالاعتقال يمتد لشهور وسنوات دون توجيه أي تهمة، كما أن طبيعة هذه السجون كما يصفها أبو صفية الذي كتب رسالته هذه مناصحا أمير المؤمنين: «أما حالة السجون فهي عبارة عن مقابر جماعیة وفردیة، وحالة مزریة من الناحیة الصحیة».
 ويسترسل في وصف الحشرات والبراغيث ونكت المجاهدين عليها، بل ويشير إلى أن بعض الشخصيات الشرعية في السجن ألفت قصائد على سبيل الترفيه لوصف حالة السجون الداعشية التعيسة التي تبدأ بلحظة الاعتقال وتنتهي بلحظة الفرار أو الإعدام.
جرائم «داعش» في سجونها لا تقل عن جرائمها على الأرض فهناك العشرات من الشهادات حول استخدام «داعش» لتجارب كیمیائیة خطرة على أجساد المساجین.

مستقبل "داعش"

مستقبل داعش
اللحظة التي تعيشها «داعش» الآن هي لحظة زهو وسكر بكل تلك المنجزات السريعة التي أسهمت الأوضاع المتردية في العراق وسوريا إلى التسريع بوتيرتها، فتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بلغ من التيه والفخر بمنجزه أن يقوم بتنفيذ إعدامات ميدانية ويرجم النساء ويتطرف في تطبيق شريعته المزعومة، لكن لم يقف عند ذلك بل الآن وطبقا لتقارير صحافية عديدة يستقطب كوادر من خارج منظومته الفكرية، فيعلن عن وظائف بالغة الحساسية في قطاعات عسكرية ونفطية. من جهة أخرى ينتشر التنظيم عبر مملكته المفضلة، الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، بشكل غير مسبوق حتى يصح عليه أنه ماض في شعاره «باقية وتتمدد»، ومؤخرا عززت «داعش» تمددها ليس العسكري وإنما الاجتماعي وعلى مستوى أسلوب الحياة، حين أعلنت مؤخرا عن تسيير رحلات «سياحية» لعناصرها والمدنيين بين شمال سوريا وغرب العراق، لتعريفهم على الأراضي التي يسيطر عليها وأعلن فيها إقامة «الخلافة» قبل نحو شهر.
ويستغل بعض الجهاديين هذه الرحلات، التي تحدث في حافلات ترفع رايات التنظيم السود، لقضاء شهر عسل مع زوجاتهن في محافظة الأنبار العراقية، بحسب ناشطين من مدينة الرقة، والتي تعتبر أبرز معاقل التنظيم في شمال سوريا.

شارك