الخبير العراقي غسان عطية: الضربات الجوية الأمريكية وحدها لن تحل مشكلة العراق
السبت 09/أغسطس/2014 - 02:55 م
طباعة
الخبير العراقي غسان عطية
بعد توسع المتشددين في الكثير من مناطق العراق، أعلنت واشنطن بتحفظ توجيه ضربات جوية "محدودة" ضدهم، فما جدوى هذه الخطوة الأمريكية بالنسبة للعراق؟ وهل الحل عسكري بحت؟ هذا ما يجيب عليه الخبير العراقي غسان عطية المدير التنفيذي للمعهد العراقي للتنمية والديمقراطية بلندن في حوار مع الدويتشه فيله.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما أجاز توجيه ضربات جوية "موجهه" ضد مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" في شمال العراق.. ما جدوى هذه الضربات في نظرك؟
غسان عطية: الرئيس أوباما كان متحفظا في استخدام القوة الأمريكية وكان يعتبرها وسيلة يجب أن يسبقها إجراء سياسي بتشكيل حكومة شاملة جامعة قادرة أن ترضي مكونات العراق المختلفة من سنة وشيعة وكرد؛ أي بعبارة أخرى تشكيل حكومة جديدة لا يتولى رئاستها نوري المالكي. لكن التطور الذي حصل هو أن تنظيم "الدولة الإسلامية" توجه نحو المناطق الكردية وهذا ما غير المعادلة. سابقا الولايات المتحدة قالت: إذا كان هنا شيء يهدد مصالحها أو الأمريكيين الموجودين في العراق فنحن سنتدخل. وهذا كان عامل مهم جدا في أن تنظيم "الدولة الإسلامية" لم يتوجه نحو بغداد، لأن تصريح الأمريكان كان واضحا بأنهم سيضربون في هذه الحالة.
الآن الولايات المتحدة مضطرة أن تتخذ إجراء ما، ولكنها ستكون- كما قال المتحدث باسم البيت الأبيض- ضربات محدودة وليست شاملة وتستهدف قوات تنظيم "داعش" أثناء تحركها على الطرق.
فهل سيغير هذا جذريا من المعادلة العسكرية؟ في تقديري، لا، لأن الضربات الجوية قد تعيق لكنها لن تغير تماما. وتنظيم "الدولة الإسلامية" ما دام يجد قبولا وتعاطفا من قبل أبناء المناطق، باستثناء الأقليات، فسيكون قادرا على المواصلة والاستمرار خاصة بعد أن سيطر على مصادر مالية كبيرة، ومنها نفطية، إضافة إلى المعدات التي سيطر عليها. وهذا يجعل الآن التغيير السياسي في بغداد شأنا في غاية الأهمية. وهذا يجب أن يشمل الأكراد أيضا، حيث إن القيادات الكردية كانت قد تصرفت من خلال سيطرتها على المناطق التي تعتبرها كردية ووقفت عندها وقالت إنها لا تتدخل. الآن ثبت أن الشأن العراقي متداخل، فليس هناك طرف آمن دون أن يكون الكل في حالة آمنة.
ألا تعتقدون أن واشنطن ترددت وتأخرت كثيرا قبل اتخاذ القرار بالتدخل؛ مما سمح لميليشيات "الدولة الإسلامية " أن تمدت أكثر على الأرض؟
لو كانت القوة العسكرية وحدها كافية لكان هذا صحيحا، فالموضوع يحتاج إلى إجراء سياسي مهم جدا، فلكي تلعب الولايات المتحدة دورا عسكريا يجب أن يسبق ذلك إجراء سياسي من قبل الحكومة في بغداد. حكومة المالكي باتت عقبة أمام الإصلاح في العراق، وبالتالي لا تريد الولايات المتحدة أن تقحم نفسها عسكريا في العراق لكي لا تبدو منحازة لطائفة ضد طائفة.
أما الآن وعندما صار التهديد للأكراد وتهديد للوجود الأمريكي- ولو محدود- في أربيل وفي بغداد، فإن ذريعة التدخل ليست حماية حكومة بغداد وإنما لحماية الأمريكيين وحماية أصدقائهم الأكراد، وهذا يفسر التأخير الأمريكي. إضافة إلى أن الرأي العام الأمريكي غير متحمس للتورط عسكريا، ليس في العراق وإنما أيضا في أي منطقة في الشرق الأوسط.
هل يعني هذا أن أربيل هي خط أحمر في نظر واشنطن أكثر من بغداد؟
بغداد خط أحمر وأربيل خط أمر، ولهاذ السبب وقفت عمليات تنظيم "الدولة الإسلامية" عند حدود سامراء.
ما يحصل اليوم هو أن أطراف العملية السياسية العراقية؛ إن كانت سنية أو شيعية أو كردية، ليس هناك منها من يتصرف عراقيا وإنما يتصرف اثنياً وطائفياً. وتنظيم "الدولة الإسلامية" يحاول أن يفرض على الأرض حدود "الدولة الإسلامية" على مناطق سنية، كما أن الأكراد وضعوا أيديهم على المناطق ورسموا حدود الدولة الكردية للمستقبل. ورئيس الوزراء العراقي يريد التشبث بالمناطق التي فيها وجود شيعي. وبذلك فإن تفكير هذه الأطراف الثلاثة هو تفكير فئوي أو طائفي أو قومي، وليس تفكيرا عراقيا شاملا. وهذه المعادلة تجعل من الحل السياسي في العراق في غاية الصعوبة.
البيت الأبيض قال أيضا إنه يمكن أن تستهدف الضربات الجوية مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" إذا تعرضت المنشآت الأمريكية والخبراء الأمريكيون للخطر.. هل يعني هذا أن الأولوية هي حماية المصالح الأمريكية؟
حسب القوانين الأمريكية الرئيس الأمريكي باستطاعته أن يرسل قوات عندما تتعرض المصالح الأمريكية أو الشخصيات الأمريكية إلى تهديد مباشر، وبالتالي سيكون تدخل واشنطن محدودا بضربات جوية هنا وهناك، لكن الأمريكان الآن ينتظرون تغيرا سياسيا في بغداد وقالوها صراحة بالحرف الواحد بأنه في اللحظة التي تأتي فيها حكومة شاملة قادرة أن تتعاطف معها معظم أبناء العراق، عندئذ سيكون تدخلهم العسكري أوسع وفعالا أكثر، وتقديراتهم أن من له مصلحة في ضرب "داعش"- تنظيم "الدولة الإسلامية"، وخاصة من الشيعة، يجب أن يعرف أنه إن لم يأت رئيس وزراء مقبول سنيا وكرديا فسيكون من الصعب التعويل على الأمريكان في الانحياز له ضد الآخرين.
لكن التجارب السابقة تقول: إن العملية السياسية في العراق تأخذ أشهرا حتى يتوصل الفرقاء إلى حل، لكن الآن تنظيم "الدولة الإسلامية" يستغل هذا الفراغ والجمود السياسي ليوسع من نفوذه على الأرض.. فما هو الحل العملي حاليا لمواجهة توسع مقاتلي "الدولة الإسلامية"؟
أتفق معك في ذلك تماماً، لذلك فالعناصر الإسلامية المتشددة تتمنى بقاء المالكي؛ لأن بقاء المالكي يعطيهم العذر أو المبرر بأن أبناء المناطق السنية من الصعب أن يتحالفوا معه ضدهم، هذا ما سمعته من العناصر القريبة من هذه العناصر المتشددة. إذا حسم الأمر خلال الأيام القليلة القادمة في اختيار رئيس شخصية غير المالكي سيكون لذلك وقع سريع في حلحلة الأزمة، ولكن هذا لا يكفي، بل المطلوب فيما بعد تشكيل حكومة تشعر القوى السنية المعتدلة والقوى الكردية بأن هذه الحكومة هي حكومتهم. عندئذ سيكون للأمريكان شأن آخر في العراق وبالتالي سيكون لهم شرعية في أنهم يدعمون حكومة مقبولة من كل مكونات العراق. وهذه العملية قد لا تستغرق أكثر من أسابيع. ولكن كما أنت قلت بأن تنظيم "الدولة الإسلامية" استفاد من حالة الركود والمماطلة في بغداد لكي يتمدد، وهذا ما جعل التدخل الأمريكي محدودا لرأب الصدع مؤقتا في انتظار ماذا سيحصل في بغداد.
عودة إلى الضربات الجوية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".. من المعروف أن سلاح الجو لا يحسم المعركة على الأرض، بل يكون عامل مساعد ووسيلة تغطية لتقدم الجيوش في الميدان.. ورغم أن العراق لديه طيران حربي وجيش وترسانة عسكرية فلم نلاحظ حتى الآن أي تقدم عسكري، وسط تساؤلات وحيرة كيف أن جيش بهذه القوة تلاشى أمام ميليشيات أقل منه عددا وعتادا؟
الحقيقة الحديث عن القدرات العسكرية العراقية كان مبالغا فيه، وهزم الجيش العراقي أمام مجموعة بسيطة من المسلحين في الموصل وتلاشت أربع فرق في ظرف ساعات. هذا يعكس الكثير بأن هذا الجيش منخور فسادا، وبه عناصر غير كفوءة وفاقد للعقيدة العسكرية وغير قادر على القتال. كما ودون شك تكالبت عدة عناصر، منها: أن القوة التي كانت موجودة هناك الكثير منها من العناصر الكردية؛ 1800 عنصر كردي، وهؤلاء غير مستعدين للدخول في قتال لصالح المالكي. هؤلاء تخلوا بعد الهزيمة، عن الجيش العراقي وذهبوا للالتحاق بقوات البيشمركة الكردية في أربيل والسيلمانية. إضافة إلى جنود وضباط من السنة وغيرهم. لكن الأمر يحتاج إلى تحقيق في كيفية هزيمة تلك القوات عموما.
هذا بالنسبة للجيش العراقي، لكن ماذا بالنسبة لقوات البيشمركة التي كان ينظر لها بأنها لا تهزم، ومع ذلك تراجعت بشكل ملفت أمام مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية"؟
هذه شكلت الطعنة المعنوية لإقليم كردستان بأن الهالة الرمزية التي كانت تتمتع بها البيشمركة صارت مشكوكا فيها. والأكراد ينظرون الآن بأنه لا بد من إعادة النظر في قواتهم. فهم لم يفشلوا فقط في استرجاع سنجار ولكن هذه المرة نجد أيضا أن سهل نينوي يخرج من أيديهم بهذه الطريقة السريعة. هذه الأمور تعيد وتؤكد على أن العملية السياسية العراقية فشلت، وأن الإدارة الأمريكية أيضا فشلت في أن تخلق مؤسسة سياسية عراقية قادرة على الحياة والصمود. ومثل هذا لا يمكن أن يحدث في تقديري سوى من خلال تعاون إقليمي ودولي وعراقي. العراق بحاجة إلى صفقة إقليمية كبرى تشارك فيها تركيا وإيران والسعودية برعاية أمريكية؛ من أجل جمع الأطراف العراقية من كرد وسنة وشيعة وغيرهم وإيجاد طريقة للعيش المشترك والاستقرار في العراق، ودون أن يحول الجيران العراق إلى ورقة ضد بعضهم البعض. ووجود خطر "داعش" الذي يهدد كل هذه الأطراف ربما يساعد على يجتمعوا للتعاون للقضاء على الخطر المشترك.