عبد البهاء "عباس أفندي".. ناشر البهائية
الخميس 28/نوفمبر/2024 - 10:30 ص
طباعة
حسام الحداد
في الثامن والعشرين من شهر نوفمبر عام ١٩٢١ شيع جمع غفير من الناس جثمان حضرة عبد البهاء عباس" أو "عباس أفندي"، هو الرجل الذي ينسب إليه الفضل في انتشار البهائية في العالم، ولد في إيران ودفن في الأراضي الفلسطينية، وزار أوروبا وأمريكا ودول الشرق الأوسط، منها مصر.
حياته:
عبد البهاء عباس، يعرف بـ"عباس أفندي"، هو الابن الأكبر لـ"بهاء الله".
ولد "عباس أفندي" في العاصمة الإيرانية طهران في 23 مايو 1844، وهو نفس اليوم الذي أعلن فيه السيد علي محمد الملقب بـ"الباب" دعوته ببلاد فارس، للإعلان عن مجيء رسالة عالمية لتوحيد البشر وإقامة السلام في العالم، وهي الرسالة الإلهية لـ"بهاء الله"، والد عباس أفندي.
شب عباس أفندي منذ يومه الأول في ظل والده بهاء الله، فشاطره المنفى وآلام السجن والتعذيب ونفيه، وكان يبلغ من العمر ثماني سنوات عندما دخل والده السجن في طهران، واستمر سجن عباس أفندي حتى بعد وفاة والده، وظل في السجن لمدة أربعين عامًا.
ورغم القيود المفروضة والمراقبة الصارمة من قبل السلطات العثمانية، على عبد البهاء، سرت شائعة خلال 1904 تقول: إن عبد البهاء يتحالف مع العرب ضد الدولة العثمانية، وإنه يبني قلعة محصنة فوق جبل الكرمل، ويدعو القبائل للانضمام إليه؛ بُغيةَ تأسيس سلطنة جديدة. فما كان من السلطان العثماني عبد الحميد إلا أن بعث لجنة تفتيشية في عام 1904 للتحقيق، وأنهت اللجنة عملها دون أن تجد ما يُدين عبد البهاء وأتباعه، فعادت خالية الوفاض.
وعاد السلطان عبد الحميد ليعين لجنة تفتيشية أخرى من جديد في عام 1907 برئاسة عارف بك، والذي كان من المقربين للسلطان. فوضعت السلطات العثمانية قوة عسكرية حول منزل عبد البهاء، ومنعت الناس من التردد عليه.
ثم استدعيت اللجنة من عكاء على وجه السرعة، مع اندلاع الثورة في تركيا بقيادة جماعة "تركيا الفتاة" والاستيلاء على الحكم، وأصدرت أمرًا بإطلاق سراح المسجونين والمنفيين؛ بسبب هويتهم الدينية، ودون جرم ارتكبوه.
أطلق سراح "عباس أفندي" في سبتمبر 1908، بعد سقوط حكم السلطان العثماني في ثورة تركيا الفتاة، وكان قد بلغ سن الشيخوخة حين نال حريته، فقرر أن يستمر بالعيش في فلسطين التي ضمت رفاق والده.
خلافة "بهاء الله":
كان عبد البهاء الابن الأرشد لـ"بهاء الله". عيّنه والده ليخلُفه ممثّلاً لتعاليمه ومبيّناً لآياته وآثاره. تولى قيادة الدين البهائي عقب وفاة بهاء الله في مايو عام ١٨٩٢.
تولى عباس أفندي شئون الدين البهائي خلفًا لوالده، وقام بمهمة صعبة بكل حكمة ونشاط وصبر، كان ينشر قواعد الوحدة والاتحاد والحث على نشرها بين البشر، والعمل على دعم أُسس العدالة والإنصاف والسعي لبناء صرح السلام العالمي.
للمزيد عن البهائية.. اضغط هنا
انقسام البهائية:
ووفقًا لطبيعة البشرية وعقب رحيل المؤسس، دائمًا ما ينقسم تلاميذه وهو ما كان في البهائية، رغم وصية بهاء الله على ألا ينقسم البهائيون بعد موته، وتكون ولاية أمر الدين من بعده للغصن الأعظم، إلا أن البهائيين انقسموا فور موت بهاء الله، فكان بداية الانقسام بين ابني البهاء "عبد البهاء عباس" و"ميرزا محمد علي"، فكل منهما زعم أنه الغصن الأعظم الذي وصى به بهاء الله أن يكون مركز أمر الدين البهائي، فحدث الخلاف بين عباس عبد البهاء وأخيه الغير شقيق محمد على أفندي.
وقد أيدت الغالبية العظمى من البهائيين عباس أفندي، فكانت طائفة البهائيين العباسيين التي تضم كلًّا من زوجة بهاء الله آسية خانوم وابنته بهائية خانوم الأخت الشقيقة لعباس عبد البهاء، وكان معهم أيضًا زوجة عبد البهاء منيرة خانوم وعدد من أعضاء الجمعية البهائية، مثل ميرزا أبو الفضل الجردافاقاني، ومشكين قلم، وميرزا زين المقربين، وحيدر علي.
بينما كان أنصار فريق البهائيين الموحدين زوجتي بهاء الله فاطمة خانوم وجواهر خانوم، ومعظم أبناء بهاء الله، مثل ميرزا ضياء الله وأخيه الأصغر ميرزا بديع الله، وشقيقتهم صمدية خانوم، وأختهم الأخرى فروخية خانوم، كما انضم لهم ابن اقاي كليم (شقيق بهاء الله)، وميرزا مجد الدين وعدد من أعضاء الجمعية البهائية.
للمزيد عن "علي محمد الشيرازي".. اضغط هنا
زيارته إلى مصر:
وبعد مرور أربعة عقود من الزمان، تحمّل فيها عبد البهاء السجن والمعاناة، أمضى عبد البهاء باقي سنوات عمره في السفر والكتابة والمراسلة، وفي توضيح وترويج تعاليم بهاء الله وتوجيه مسيرة الجالية البهائية التي بدأت بالانتشار في مناطق مختلفة من العالم، فكانت مصر محطته الأولى.
في سبتمبر 1910 قام عبد البهاء بزيارة مدينة بورسعيد، وأقام فيها شهراً عزم بعده على الإبحار من بورسعيد إلى أوروبا، إلا أن توعك صحته اضطره لتأجيل رحلته فتوقف في الإسكندرية، وأقام فيها عاماً كاملاً للاستشفاء زار خلاله القاهرة وضاحية الزيتون وعدة ضواحي أخرى.
وقد صدرت جريدة الأهرام في ذلك الوقت، يوم 19 سبتمبر 1910، لتعلن خبرًا كان مبهمًا للمصريين آنذاك، وجاء فيه:
"وصل عباس أفندي "عبد البهاء" زعيم البابية إلى بورسعيد منذ بضعة أيام تاركًا مقره في مدينة عكا".
كتب العالم الأزهري الشهير الشيخ علي المؤيد صاحب جريدة المؤيد الواسعة الانتشار بعد مقابلته لعباس أفندي ورجوعه إلى القاهرة بوقت وجيز مقالاً نُشر في "المؤيد" في يوم الأحد، 16 أكتوبر 1910 وعنوانه "الميرزا عباس أفندي". وقال الشيخ علي المؤيد في مقاله: "وصل إلى الإسكندرية... ميرزا عباس أفندي كبير البهائية في عكا بل مرجعها في العالم أجمع... وهو شيخ عالم وقور متضلع في العلوم الشرعية ومحيط بتاريخ الإسلام وتقلباته ومذاهبه... وأتباعه يحترمونه إلى حد العبادة والتقديس... وكل من جلس إليه يرى رجلاً عظيم الاطلاع حلو الحديث، جذابًا للنفوس والأرواح، يميل بكليته إلى مذهب "وحدة الإنسان"، وهو مذهب في السياسة يقابل مذهب "وحدة الوجود" في الاعتقاد الديني، تدور تعاليمه وإرشاداته حول محور إزالة فروق التعصب للدين أو للجنس أو للوطن أو لمرفق من مرافق الحياة الدنيوية".
وعاد إلى مصر مرة أخرى في ديسمبر 1911 وقضى فصل الشتاء في الإسكندرية ثم غادرها إلى نيويورك في مارس 1912، وبعد جولته في أوروبا وصل إلى بورسعيد مرة أخرى في يونيو 1913؛ حيث انتقل بعدها إلى الإسكندرية وبقي في ضاحية الرملة حتى الثاني من ديسمبر 1913.
رحلته الدعوية:
وكان من ضمن سفراته زيارة العديد من دول الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا الشمالية قُبيل الحرب العالمية الأولى.
وبدأ عام ١٩١١ رحلاته إلى الغرب؛ حيث زار ليفربول وأوكسفورد وأدنبره وشتوتجارت وبودابست وباريس وغيرها من كبرى العواصم الأوروبية والمدن الأمريكية، وهناك عرض ببساطة مدهشة على الشريف والوضيع دونما تفرقة نظام بهاء الله لتجديد المجتمع الإنساني روحياً وخلقياً. فصرح عبد البهاء بأن "دعوة الحقّ هذه قد بَعَثَتْ في هيكل الإنسانيّة حياة جديدة، ونفخت في عالم الخَلْق روحاً جديدة، فأنعشت قلوب البشر وضمائرهم، ولن يَطولَ الزمان كي تظهر آثار هذا البَعْث الجديد فيستيقظ أولئك الذين ذهبوا في سبات عميق".
وقد منحته الحكومة البريطانية لقب فارس في حفل كبير بمقر الحاكم البريطاني في حيفا، وعند حصار حيفا أرسل اللورد كرزت تقريرًا إلى الخارجية البريطانية يلفت فيه نظرها إلى أهمية الحفاظ على حياة عبد البهاء (المقدسة). كما طلب اللورد بلفور- وزير الخارجية البريطانية- من الجنرال اللنبى وضع إمكانيات القوات البريطانية في فلسطين في حماية حضرة البهاء ورفاقه. ورد عبد البهاء الجميل بالهجوم على الدولة العثمانية؛ لأنها لم تعمل على المساواة بين العرب واليهود في فلسطين.
مبادئه:
وفي أبريل 1919 أعلن "عباس أفندي" عن ألواح الخطة الإلهية الأربعة عشر التي خطها أيام اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، وفيها أعلن عن برنامجًا مفصلًا لتحقيق أهداف رسالة بهاء الله ونشر مبادئ وحدة العالم الإنساني.
وكان من أَبرز العناصر الجوهرية للنظام الإلهيّ الذي أَعلنه في رحلاته، "التحرّي عن الحقيقة تحرّياً مستقلاً دون تقيّد بالخرافات ولا بالتقاليد، ووحدة الجنس البشري قطب مبادئ الدين وأساس معتقداته والوحدة الكامنة وراء جميع الأَديان، والتبرّؤ من كل أَلْوان التعصب الجنسي والديني والطبقي والقومي، والوئام الذي يجب أنْ يسود بين الدين والعلم، والمساواة بين الرجل والمرأة فهما الجناحان اللذان يعلو بهما طائر الجنس البشري، ووجوب التعليم الإجباري، والاتفاق على لغة عالمية إضافية، والقضاء على الغنى الفاحش والفقر المدقع، وتأسيس محكمة عالمية لفضّ النزاع بين الأمم، والسموّ بالعمل الذي يقوم به صاحبه بروح الخدمة إلى منزلة العبادة، وتمجيد العدل على أنه المبدأ المسيطر على المجتمع الإنساني، والثناء على الدين كحصن لحماية كل الشعوب والأمم، وإقرار السلام الدائم العام كأسمى هدف للبشرية."
وفاة عبد البهاء:
توفي عبد البهاء عباس الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف ليلة الاثنين الموافق 28 نوفمبر سنة 1921 في مدينة حيفا في فلسطين. ودفن على سفح جبل الكرمل في إحدى غرف مقام الباب.
أعلنت الأسرة البهائية نبأ وفاة عبد البهاء صباح الاثنين 28 نوفمبر 1921، وبعد ظهر نفس اليوم، أذاعت الجمعية الإسلامية في حيفا نشرة ثانية نصها: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون. الجمعية الإسلامية تنعي بمزيد الأسف وفاة العلامة المفضال والمحسن الكبير عبد البهاء عباس. وسيحتفل بجنازته الساعة التاسعة من صباح غد الثلاثاء فالرجاء اعتبار هذه كدعوة خاصة للاحتفال بجنازة الفقيد، تغمده الله برحمته ورضوانه، وألهم آله وذويه الصبر الجميل."
وصيته:
وعهد قبل موته بالأمر إلى ابن ابنته "شوقي أفندي الرباني" مخالفًا بذلك وصية البهاء أن يكون خليفته أخوه الغصن الأكبر.
تولى شوقي أفندي زعامة البهائية خلفًا لجده عباس أفندي في عام 1340 هـ- 1912م وسار على نهجه في إعداد الجماعات البهائية لانتخاب بيت العدل، ومات بلندن، ودفن بها، وقدمت الحكومة البريطانية الأرض التي دفن بها هدية للطائفة البهائية.