نبيل عبد الفتاح وتجديد الفكر الديني
الأحد 13/ديسمبر/2015 - 03:54 م
طباعة
اسم الكتاب: تجديد الفكر الديني
المؤلف: نبيل عبدالفتاح
الناشر: المركز العربي للبحوث والدراسات 2015.
كثرت في الآونة الأخيرة الكتابات التي تناقش تجديد الخطاب الديني والفكر الديني والعلوم الدينية، من باحثين خارج مؤسسة الأزهر المنوط بها تجديد هذا الخطاب والفكر والعلوم الدينية، ومن بين هذه الكتابات المهمة في هذا الإطار كتاب "تجديد الفكر الديني" لنبيل عبدالفتاح.
حيث يؤكد الكاتب على أن تجديد الفكر الإسلامي، هو تجديد أولي في بنية العقل الإسلامي يرمي إلى إحداث تحولات في نظم التفكير والمقاربات المنهجية وآليات التفكير والبحث والمقارنة تستهدف إعادة النظر في بنية الموروثات الفقهية والافتائية، وذلك بهدف تطوير وتجديد العلوم الإسلامية النقلية والكلامية، وإعادة النظر في دراسة هذه العلوم من منظورات متعددة، والسعي إلى مقاربتها تاريخيًا وسياسيًا وسوسيو _ ثقافيًا.
إن المسعى التجديدي حسب الكاتب يرمي إلى طرح الأسئلة والإشكاليات الجديدة ومساءلة الإجابات القديمة، بهدف تحريك الجمود العقلي والنقلي، ومواجهة أسئلة العصر المعلوم وما بعد الحديث وما بعدهما من خلال الاجتهاد العقلي والشرعي والفلسفي والسياسي.. الخ.
وفي هذا الإطار يناقش هذا الكتاب الأصول التاريخية والسياقية لطرح مسألة التجديد والإصلاح الديني وأسبابها وتطوراتها، وإبراز ماهية المتغيرات التي شملت هذه الدعوة القديمة الجديدة. حيث تطرح الدراسة العديد من الأسئلة والملاحظات ولا تقدم إجابات حاسمة في هذا الصدد كما يقدم الكتاب تأصيلاً وافيًا، ورؤية حول مدارس التجديد ومشاريعه والقطب البنيوي في نسيجها، في العديد من مراحلها، فضلاً عن مناقشة تاريخية لأسئلة تجديد الفكر والخطابات الإسلامية وضبط بعض المصطلحات والمفاهيم.
ففي مقدمته حول تاريخية وسؤال التجديد في الفكر الديني والخطابات الإسلامية. يبرز الكاتب المتغيرات التي أدت إلى جمود الفكر والخطابات الدينية في مصر كحالة للدراسة على الوجه التالي:
1- التأثر بالفقه الوهابي والسلفيات الأخرى، وذلك في أعقاب ثورة عوائد النفط، وامتداد النفوذ إلى مصر في محاولة لاحتواء وتحييد الأزهر كمرجع تاريخي للإسلام السني من خلال المنح المالية الكبيرة كي يتسع نطاق كلياته ومعاهده الدينية.
2- نظام الإعارات لبعض الأزهريين إلى الجامعات العربية النفطية، على نحو أدى إلى إحداث تغيرات في بعض توجهاتهم الدينية وإدراكهم بما يغاير الإسلام المصري الاعتدالي التاريخي.
3- تأثر بعض الأزهريين بالاتجاه الإسلامي الراديكالي وصعوده، وجاذبيته لدى بعض الشباب.
4- تمدد جماعة الإخوان والسلفيين داخل طلاب الأزهر في المرحلة الثانوية، وفي الجامعة حتى وصل عضوية الأزهريين داخل بنية عضوية الجماعة إلى أكثر من ثلاثين بالمائة من هيكل العضوية بالإضافة إلى التمدد السلفي داخل بعض أعضاء هيئة التدريس والطلاب.
5- تمدد الجماعات السلفية والإخوان في المجال العام، وتديينه من خلال الزي والعلاقات واللغة الدينية في تداخلات الخطاب اليومي للجمهور وفي نشر العلامات والاقتباسات والتعليمات والإرشادات الدينية على الحوائط ووسائل النقل المختلفة.
6- أدت الموجه الراديكالية الإسلامية في إطار ما أطلق عليه الجهاد الإسلامي في أفغانستان، إلى تراكمات نوعية في مجال التنظيم والتدريب في ميادين القتال، وهو ما أحدث تطورات نوعية في أداء تنظيم القاعدة وشبكاتها.
وفي المدخل يقوم الكاتب بضبط بعض المفاهيم والمصطلحات مثل مصطلح الخطاب وتطور دلالته ومعانيه وكذلك مصطلح التجديد في الفكر الإسلامي والفرق بين هذا المصطلح وبين مفهوم التجديد في الفكر الإسلامي حيث يشتمل التجديد على العديد من المكونات على رأسها:
1- القراءات الجديدة للأبنية والموروثات في علوم الفقه والكلام والإفتاء.
2- إنتاج منظومات من الأفكار والنظريات والمقولات والمفاهيم والمصطلحات الجديدة التي تساعد على تجديد العقل والفكر والخطابات الإسلامية.
3- إن التجديد يشكل وصلاً وانقطاعًا عن المواريث الفكرية والكلامية والفقهية والإفتائية والدعوية.. الخ، وصلاً من خلال تجديد القراءات، وانقطاعًا عن التاريخي- السياقات والأفكار والبيئات الفكرية والسياسية.. الخ. في هذه المكونات الوصفية والبشرية.
4- التجديد هو عملية متكاملة بين الأصول والمستجدات في المناهج والمصطلحات والمقاربات في العلوم الاجتماعية الحديثة.
5- التجديد هو عملية تطوير دينامية وحيوية للهويات الثقافية الإسلامية والمصرية في القلب منها.
كما يؤكد الكاتب خلال صفحات كتابه على تحول تعبير تجديد الخطاب الديني إلى علامة أو حل سحري لخطابات سياسية وإسلامية مأزومة وواقع مليء بأشكال من العنف اللفظي والرمزي والمادي والاجتماعي والعسر الاقتصادي في مصر، وهنا خطورة هذا الاستخدام الشعاري المراوغ. لأنه يؤدي إلى اختزال المسألة الإسلامية السياسية في الخطاب الديني وليست كتعبيرات عن أزمات بنيوية في العقل والفكر والمذهب والمؤسسة الدينية الرسمية ونظائرها، واضادها، وفي السياسة والثقافة والتعليم ومناهجه المأزومة من ثم نحن إزاء طرح جزئي للمسألة الدينية المصرية والاعتماد على الإنتاج الجزئي للعقل الإسلامي المصري المأزوم متمثلاً في الخطاب الديني وضرورات تجديده؟.
ومن خلال قراءة الكاتب للإطار التاريخي لأزمة الفكر الديني الإسلامي يؤكد على أن استمرارية الازدواجية بين التعليم المدني والديني وانعكاساتها وآثارها على منظومات القيم المتعددة والحية. كانت ولاتزال أحد مصادرها الصراعات والتوترات القيمية والسلوكية في حياة المصريين منذ نهاية القرن التاسع عشر، مرورًا بالقرن العشرين وتحولاته، وحتى اللحظة الراهنة.
كما يؤكد الكاتب على أن الخطابات الدينية التقليدية السائدة لا تعكس سوى محاولة إخفاء مهام لم يتم النهوض بها حتى الآن، وأن الاتهامات التي يطلقها البعض أو التشكيك في إيمان بعض المنادين بتجديد الخطاب الديني لأنهم يثيرون بعض الأسئلة أو بعض التناقضات في الفكر والفقه والدرس الديني الوضعي، لم يؤثر كثيرًا ولن تعدو مظلة التفكير والازدراء سوى محاولة أيضًا لإخفاء مهام لم يتم القيام بها حتى الآن، وأن كل هذا لن يحدث تغييرًا حقيقيًا وإنما ستفاقم المسألة الدينية، وتؤكد على مجد الإصلاح أو التجديد والأخطر رفضه لمساس ذلك بمكانات ومواقع ونفوذ.
ويخلص الكاتب إلى أن التجديد في الفكر والمناهج لا يعني قط الانفصال عن موروثنا التاريخي، وإنما هو جزء من مقاربات المنهج التاريخي النقدي لأنه يتصل بالوضعي ومحمولات منتجيه من رجال الدين والسلطة والبشر ومصالحهم وأسئلتهم. من هنا يبدو أن التحرك يبدأ على عدد من المستويات التي يذكر الكاتب منها على سبل المثال لا الحصر:
1- الدولة والنظام والأجهزة الايديولوجية حيث يتعين عليها إجراء دراسات في:
أ- دراسة تاريخ وتطور سياسات الدولة الدينية والأمنية والتعليمية في مواجهة مصادر تهديدها، وعناصر النجاح والإخفاق في إطارها.
ب- طبيعة التغيرات التي لحقت خرائط الحركات الإسلامية عمومًا، والراديكالية والسلفية، ومصادر قوتها وضعفها، وكيفية التعامل معها.
ج- تأثير العولمة وتحولات مجتمعات ما بعد الحداثة ثم يعدد في هذه النقطة الكثير من الدراسات المطلوبة من الدولة لمناقشة ودراسة هذه الظواهر ومحاولة إيجاد إجابات للإشكاليات المختلفة.
2- المؤسسات الدينية الرسمية: سياسات لإعادة التكيف، حيث يتعين على هذه المؤسسات أن تأخذ مسألة التجديد في الفكر والخطابات الفقهية من خلال درس مكونات عملية التجديد في إطار رؤية كلية مؤسسة على دراسة تاريخ التجديد الديني، والتحديات المعاصرة التي تواجه الإسلام والمسلمين ومصر بكافة مكوناتها الدينية والمذهبية.
فلم يعد مطلب التجديد في الفكر والتجربة الإيمانية الإسلامية محض مطلب نظري، وإنما ضرورة ملحة واستثنائية في هذه المرحلة الحرجة من تطور مصر إقليميًا وعالميًا.