الديني والسياسي في الموقف من الصراع التركي الروسي.
الخميس 31/ديسمبر/2015 - 03:27 م
طباعة

كثيرا ما يطالب الساسة وبعض رجال الدين المتعقلين بمناقشة القضايا حسب موضوعها ووضع حد لدخول السياسي في الديني والعكس، من فرضية ان النصوص الدينية ثابتة بينما السياسة في تغير مستمر ولا يجوز قياس الثابت بالمتغير والعكس، الا انه هناك الكثيرين الذين يتبنون ايديولوجية الاسلام السياسي دوما ما يقحمون الديني في السياسي وظهر هذا جليا في مواقف جماعات الاسلام السياسي بصدد الصراع الروسي التركي الذي ظهر على السطح بعد تبني روسيا الموقف السوري والبقاء على نظام بشار الاسد ومحاربة تنظيم الدولة "داعش" والجماعات المسلحة في سوريا، مما أدى إلى دخول تركيا في حرب باردة مع روسيا خاصة بعد اسقاط أنقرة لطائرة روسية اخترقت أراضيها، فهب عدد من العلماء المسلمين وعلى رأسهم مفتى المملكة العربية السعودية

الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية إلى المطالبة بنصرة تركيا والوقوف في وجه روسيا الشيوعية باعتبار أن ذلك واجبا شرعيا على المسلمين، مؤكدين على حرمة دعم دولة غير مسلمة ضد دولة مسلمة مهما كانت الأسباب ..
والسؤال الذي يروج له الآن من قبل المملكة الوهابية السعودية واتباعها في الداخل والخارج، هو عن موقف الإسلام من العلاقة بين الدولة المسلمة وغير المسلمة، وموقف المسلم والدول الإسلامية من وجود نزاع بين دولة مسلمة ودولة غير مسلمة، وما هي الضوابط الشرعية التي تحكم العلاقة بين الدول المسلمة وغير المسلمة، وفي ظل وجود خلاف بين مصر وتركيا ماذا يجب أن يكون موقف المواطن المصري والدولة المصرية من هذا الخلاف، فهل مصر تقف مع الدولة المسلمة التي تناصبها العداء أم مع الدولة الكافرة التي ترتبط معها بمصالح كبيرة ؟ في محاولة من المملكة الوهابية السعودية واتباعها بتحويل الصراع الروسي التركي الى صراع ديني بعيدا عن الصراع السياسي الواضح دون الاخذ في الاعتبار ان روسيا تتدخل للدفاع عن نظام عربي اسلامي وان كان علويا، مما يؤكد في البداية ان المملكة الوهابية واتباعها السلفيين والاخوان انما يؤكدون على كفر النظام السوري وانه خارج عن الاسلام، مما يؤدي في النهاية الى قبول التدخل التركي في الشأن السوري وهذا ما كان يريده ايزنهاور والملك سعود الفيصل في خمسينات القرن المنصرم، فما زال الحلم باحتلال سوريا من قبل تركيا يراود المملكة الوهابية والاتراك بمباركة امريكية.
وحول ارتباط السياسي بالديني في الصراع الروسي التركي يقول

الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أنه لا يوجد ما تسمى بالدولة المسلمة، بل هناك مجتمع مسلم، لأن الإسلام في واقع الأمر لا يؤسس لدولة دينية ولا لحكومة دينية إلا عند الشيعة في ولاية الفقيه، وهي نظرية باطلة من الناحية الشرعية، مشيرا إلى أن ما يروج لذلك هي ما يسمى بتيارات الإسلام السياسي كجماعة الإخوان والسلفية الجهادية، لافتا إلى أن الإسلام جاء لإقرار العدل والإحسان وإيتاء ذي القربة في مجتمع مدني تعظم فيه الشرائع وعلى رأسها الإسلام دون حكم سياسي ديني، موضحا أن الخلافة في التاريخ الإسلامي هي خلافة دعوية وليست سياسية، مؤكدا أنه ليس من حق أهل الشرع التدخل في العلاقة بين الدول، وهذا يترك لأصحاب النظم السياسية والحكام الذين هم أدرى بالمصلحة والمفسدة، وهذا من قبيل " فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون " مشيرا إلى أن الخوض في هذه الأمور والادعاء بنصرة دولة مسلمة ضد دولة غير مسلمة هي مفاسد ويجب الترفع عنها .
وتساءل كريمة : هل النظام العلماني التركي، وهل اباحة ممارسة الدعارة بسندات رسمية، وهل احتقار اللغة العربية في النظم التركية، هل كل ذلك يجعل أي عاقل يصف تركيا بأنها دولة دينية تنصر أو لا تنصر؟ وبالتالي يجب ترك الأمور للنظام السياسي، أما المنسوبون للعلوم الإسلامية فالصمت لهم أولى.
وأوضح كريمة أن العلاقة بين الدول تقوم على قاعدة أساسية وهي قاعدة المصالح والمفاسد، مشيرا أنه قد تكون هناك مصالح لبعض الدول المسلمة مع دول غير مسلمة، على سبيل المثال، الولايات المتحدة الأمريكية تعادي الإسلام وتكره المسلمين، ورغم ذلك الدول الخليجية أشد ولاء للولايات المتحدة الأمريكية من غيرها، مشيرا إلى أن المواطن الأمريكي في الدول الخليجية مقدم على المواطن المسلم الوافد، مشيرا إلى وجود القواعد الأمريكية في دول الخليج، وعلى رأسها القاعدة الأمريكية في قطر رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " أخرجوهم من بلاد العرب لا يجتمع دينان في بلاد العرب" وتساءل كريمة : لماذا يسكت القرضاوي على وجود قاعدة أمريكية في بلاد العرب والنبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث قبل مفارقته للدنيا إلى الملأ الأعلى. وتساءل : ماذا لو جاء العدوان من دولة مسلمة على دولة مسلمة أخرى، وجاء الخير من دولة غير مسلمة، مثلما يحدث في اليمن وسوريا والعراق وليبيا؟ لافتا إلى أن السعودية وبعض دول الخليج يتدخلون في اليمن لحماية الشرعية، ويتدخلون في سوريا ضد الشرعية ! وما الذي يعنى تحكم دولة خليجية في تعيين رئيس لدولة أخرى كما يحدث في لبنان .
وأضاف كريمة أن العرب هم من أدخل الأمريكان والروس للمنطقة، وتساءل من الذي أتى ببوش لتدمير العراق؟ مؤكدا أنه لا يوجد في الإسلام شيء اسمه دار اسلام ودار كفر، هذه المسميات كانت أعمال اجتهادية من الفقهاء التراثيين لعدم وجود جنسيات آنذاك فاضطروا إلى هذا العمل الاجتهادي الذي ليس له أدنى سند في القرآن الكريم أو في السنة النبوية، لأمور تتصل بالتشريع الجنائي الإسلامي وفقه المعاملات، أما تقسيم الديار فلا وجود له في التشريع الإسلامي .
وأكد كريمة أنه إذا جاء الخير من دولة غير إسلامية لبلد إسلامي يقدم على شرور تأتي من دولة إسلامية ضد دولة إسلامية، موضحا أن مصالح مصر الأن مع روسيا وليست مع تركيا ولا مع قطر، وبالتالي علاقتنا بروسيا أفضل، طبقا للقاعدة الشرعية التي تقول " حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله " مشيرا إلى أن الإسلام يحرم الشماتة في أي طرف، وترك الأمر للنظام السياسي الذي هو أدرى بمصلحة البلد، مؤكد أنه مع ما يراه الرئيس السيسي في مصلحة مصر قلبا وقالبا بغض النظر عن المعتقد أو المذهب .
ومن جانبه يقول

الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، أن الإسلام هو دين السماحة واليسر، ودائما الإسلام يدعوا إلى حسن الجوار، فقال تعالى " وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا * وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى* وَالْيَتَامَى* وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى* وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ " والجار هنا يشمل الجار في البيت والعمل والسفر والسكن والدول، كلها يحكمها طبيعة الجوار، والرسول صلى الله عليه وسلم قال " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"
وأشار الأطرش إلى أن علاقة المسلم بغير المسلم جاءت من خلال قول الله تعالى " يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " وبالتالي ما دام غير المسلم لم يسئ إلى المسلم فيجب على المسلم بره والإحسان إليه، ولا غرابة فقد فرض عمر بن الخطاب للذمي راتبا من بيت مال المسلمين، ودخل عمر بن الخطاب الكنيسة ورفض أن يصلى فيها خوفا من أن يدخلها المسلمون .
وأكد رئيس لجنة الفتوى الأسبق أن الإسلام يحترم أهل الذمة وأهل الكتاب، لذلك أباح الإسلام للمسلم أن يتزوج من كتابية سواء أكانت يهودية أو نصرانية ، كما بين الإسلام أن طعام النصارى حل للمسلمين فقال تعالى " وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ" لافتا إلى أن هذه الضوابط الشرعية التي تحكم علاقة الأفراد هي نفسها الضوابط التي تحكم العلاقات بين الدولة، مشيرا أنه ما دامت الدولة غير المسلمة تحترم جوار الدولة المسلمة فيجب على الدولة المسلمة احترام جوار الدولة غير المسلمة
وأوضح الأطرش أنه في حالة وجود نزاع بين دولة مسلمة وأخرى غير مسلمة فانه لا يجوز للمسلم الفرد اقحام نفسه في هذا النزاع وترك ذلك لولي الأمر طبقا لقول الله تعالي " يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم" وبالتالي هذه أمور سياسية يقدرها رؤساء الدول بعضهم البعض، مشيرا إلى أن المسلم الحقيقي لا يعرف الشماتة، ولكن من المفروض أن يكون المسلم على حذر مع غير المسلم طبقا لقوله تعالى " يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق " وبالتالي الإسلام وضع شرط وهو عدم الإيمان إلا من تبع دينكم .
مشددا على أنه ينبغي أن يكون التعامل مع غير المسلم ومع الدولة غير المسلمة بحرص وذكاء، حيث أن المسلم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم كيس فطن .
وعلى النقيض مما سبق كان رأي الشيخ

هاشم إسلام عضو لجنة الفتوى السابق بالأزهر حيث قال، أن تركيا هي دولة الخلافة الإسلامية السابقة وقبل أن ينقض عليها كمال أتاتورك، وكانت رمز للمسلمين في العالم أجمع، أما روسيا فدولة شيوعية ارتكبت فظائع ضد المسلمين سواء في روسيا أو خارجها، مشيرا إلى أن الشيوعية نوع من الماسونية اليهودية، لافتا إلى أن كارل ماركس مؤسس الشيوعية كان يهوديا أيضا، لافتا إلى أن ما يحدث هو ارهاصات لاندلاع حرب عالمية ثالثة من صراع الحضارات، لافتا إلى أن اسقاط تركيا للطائرة الروسية عمل مشروع وقانوني، وأي دولة حرة ومستقلة كانت سوف تفعل نفس الشيء مع أي دولة تخترق حدودها وسيادتها .
وأشار إسلام انه على الدول الإسلامية الأخرى تقريب وجهات النظر بين الطرفين، ورد الحق لأصحابه، مؤكدا أنه في كل الأحوال لا يجوز إعانة غير المسلم على المسلم، واضاف أن تركيا الأن ليست دولة مسلمة 100%، مشيرا إلى أن العالم الإسلامي يتعرض لهجمة شرسة منذ قرون، وبالتالي من الطبيعي أن تضرب العلمانية بلاد المسلمين ومنها تركيا، لافتا إلى أن هذه الهجمة العلمانية تحتاج إلى مواجهة من العلماء، مؤكدا أنه لا يجوز لمسلم الشماتة في مسلم أو في دولة مسلمة، وأن أي خلاف بين الدول الإسلامية يجب أن يتم حله بالحوار والصلح ورأب الصدع .
وهنا تكمن خطورة دخول الديني في السياسي فكل طرف من علماء الدين يعتقد انه ممثل الاسلام وان ما يقوله هو الاسلام في ذاته، وان اتخذنا موقف احد الطرفين واثبت فشله فيكون هنا فشلا للإسلام وليس فشل لصاحب الرأي الفقهي المعين، ومن اجل هذا وغيره نؤكد دوما على ابعاد الديني عن السياسي كما فعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو من انزلت عليه الرسالة وهو اول المؤمنين فقد ترك للمسلمين شؤون دنياهم في السلم والحرب.
موضوعات ذات صلة