في ظل الصراع الدائر في اليمن منذ مظاهرات فبراير 2011، والتي أدت إلى تنحي الرئيس علي عبدالله صالح، وفقًا للمبادرة الخليجية في 2012، والأمور تزداد تعقيدًا، فقد تعاظمت قوة الحوثيين بدعم إيراني واضح وقوي في صعدة- معقل قوتهم- وسيطروا على عددٍ من المحافظات وأهمها محافظة عمران، ثم استغل الحوثيون رفع أسعار الوقود" الجرعة"،  ليقفزوا على الدولة، ويعتلوا موجة ارتفاع الأسعار، محققين هدفهم باحتلال العاصمة وإسقاط الحكومة.

أدت الأوضاع الجديدة إلى أفول نجم جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، ولكن هذه الأوضاع نفسها تمهد لشكل جديد في الدولة، بتعاظم قوة الحوثيين مع تصاعد مظاهرات الحراك الجنوبي، وتراجع قدرة مؤسسات الدولة عن أداء مهامها، في ظل حالة من الفوضى  المستمرة، مهدت إلى احتمالية تقسيم اليمن.

على الرغم من تعمد مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر بتوقيع اتفاق تهدئة بين الحوثيين والحكومة اليمنية.

والذي يضم 17 بندًا من بين بنوده انسحاب الحوثيين من العاصمة صنعاء ومن مداخلها الرئيسية، وكذا انسحابهم من محافظات عمران والجوف، كما تضمن تخفيض أسعار المواد البترولية، وتعيين مستشار للرئيس من الحوثيين، وكذلك إنهاء الاعتصام المسلح. ولكن الحوثيين رفضوا التوقيع على ما يعرف بالوثيقة الأمنية والعسكرية، ولم يكن هذا الرفض سوى التمهيد لتعزيز موقف الحوثيين العسكري.. حتى جاء يوم الأحد 21/9/2014 الذي قامت فيه الميليشيات الحوثية بالاستيلاء على مقار رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع والبنك المركزي اليمني، وإذاعة صنعاء والتوجيه المعنوي للجيش والعديد من المقار الحكومية الأخرى، إضافة إلى المجمع التلفزيوني الرئيسي بصنعاء.

أولاً: منذ سقوط نظام "علي عبد الله صالح" برغبة شعبية يمنية عارمة لم يكف عن التآمر على الثورة، ووجد في التعاون مع الحوثيين أقرب الطرق لإسقاط الحكومة اليمنية، خاصة وأن حلفاء "عبد الله صالح" في المؤسسة العسكرية مفاصل الدولة المختلفة لم يتم التخلص من تواجدهم وتأثيرهم.

ثانيًا: تنامي جماعة "أنصار الله" المدعومة إيرانيًا، وتبني النظم شعار الخلافة على طريقة "داعش"، وقد دعمت إيران جماعة "أنصار الله" بالسلاح والمال؛ مما سمح لها بالاستيلاء على القرى والمدن واحدة تلو الأخرى، حتى وصلوا للعاصمة "صنعاء".

ثالثًا: استفادت إيران من انشغال أمريكا والغرب بالتحالف ضد "داعش" واستبعاد إيران من التحالف الدولي. بأن تقدم الدعم الكامل للحوثيين وأن تطرح نفسها كشريك لا يمكن تجاهله بالمنطقة.

رابعًا: تخاذل دول "التعاون الخليجي" عن دعم الحكومة اليمنية اقتصاديًّا وعسكريًّا علمًا بأن دول مجلس التعاون الخليجي وعدت بضم اليمن إلى المجلس خلال عشر سنوات، ولكنها لم تقدم ما يؤكد على تحقيق هذا المشروع.

خامسًا: أن تنقسم اليمن إلى ثلاثة أقسام يكون القسم الشمالي تحت قبضة الحوثيين هو هدف استراتيجي بالنسبة لإيران، وتدشين دولة شيعية في مواجهة دول الخليج حلم يراود إيران.

سادسًا: يتوافق تقسيم اليمن مع المشروع الأمريكي بخلق دويلات صغيرة بالمنطقة تقوم على أسس طائفية وقبلية يخدم مشروع الفوضى الخلافة، وأصبحت ثلاث دول بالمنطقة العربية قابلة للتقسيم أقرب منه للتوحد هي العراق وسوريا واليمن، وطبعًا المستفيد الأول والأخير من هذا الوضع هو إسرائيل حيث جميع الكيانات المطروحة لا تضع على أجندتها مشروع الحرب ضد إسرائيل ولا يتعدى هدفها سوى أكبر قدر من الكعكة.

مع توقيع الحكومة اليمنية اتفاقًا مع جماعة الحوثي لإنهاء الأزمة في البلاد، برعاية من المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر، ودعم وترحيب من مجلس التعاون لدول الخليج العربية يجنب اليمن مؤقتًا حربًا أهلية ليست بعيدة، إذا لم يتم تنفيذ بنود الاتفاق وأيضًا عدم استبعاد وتنحية أي من القوى الوطنية وفي مقدمتها الحراك الجنوبي.

الاتفاق أيضا جنّب اليمن أن تكون على مائدة المفاوضات الأمريكية الإيرانية، وعلى الدولة مواجهة الجماعات المسلحة، لأن الجماعات المسلحة في أي دولة تعمل مثل "أنصار الله" و"داعش" و"حزب الله" و"جبهة النصرة".. إلخ، كلها كيانات تعمل على الأرض من أجل رسم خريطة جديدة للمنطقة تحت شعار التقسيم.