القس فادي فوزي الحاصل على الماجستير في أفكار "سيد قطب": المسئولية الدينية لا تُحاسِب عليها الدولة.. لكنها أمام الله
الأربعاء 24/سبتمبر/2014 - 08:40 م
طباعة
القس فادى فوزى
ـ فكرة الدولة عند سيد قطب مغايرة تمامًا لفكرة علي عبد الرازق
ـ الإخوان استأثروا بالسلطة وهمشوا الجميع في فترة حكمهم
ـ الدولة المدنية المعاصرة لا تقدر على تطبيق الشريعة الإسلامية كأساس للسياسات الرسمية
ـ اخترت هذه الدراسة لاعتقادي بأن حركة الإسلام السياسي سوف يكون لها دور كبير في تشكيل المنطقة
ـ التيار المتشدد لن يصلحه إلا تيار إسلامي يناقشه من نفس ملعبه الفكري
حول "فكرة الدولة عند سيد قطب وعلى عبد الرازق"، حصل القس فادى فوزى عطالله راعى الكنيسة الانجيلية بقرية الجاولي بمنفلوط بأسيوط على درجة الماجستير بامتياز من كلية اللاهوت بمصر، تحت إشراف الأستاذ الدكتور القس أندريا ذكي، نائب رئيس الطائفة الإنجيلية المشيخية، وخاصة أن القضية غريبة أن يتعرض رجل دين مسيحي في رسالة أكاديمية لقضية الخلافة الإسلامية والحاكمية التي تبناها سيد قطب، وأدت إلى إعدامه على يد عبد الناصر، ومقارنتها بالفكرة التي ترفض أن الإسلام دين ودولة والتي طرحها الشيخ على عبد الرازق، وأدت إلى فصله من الأزهر، لذلك كان لنا هذا الحوار مع القس فادي.
* لماذا اخترت هذا الموضوع تحديدا؟
**جاء اختياري لهذا الموضوع في بداية عام 2010، وذلك لاعتقادي بأن حركة الإسلام السياسي سوف يكون لها دور كبير في تشكيل الشرق الأوسط، وقد اخترت النموذجية لتناقضهما حول" شكل الدولة في الإسلام"، فالشيخ على عبد الرازق الذى قدم أطروحته في كتاب "الإسلام وأصول الحكم" كان يرفض تمامًا فكرة إعادة بعث دولة الخلافة، بينما يرى سيد قطب المفكر الإخواني، إمكانية عودة الخلافة وكان يقسم العالم إلى قسمين "الجاهلية" و" الإيمان"، كما جاء في كتابه "معالم على الطريق".
* وما المنهج الذى اتبعته في رسالتك؟
اخترت المنهج التحليلي للأطروحتين من خلال القراءة الواعية المتعمقة لكتابيْ "الإسلام وأصول الحكم" و"معالم على الطريق"، ثم تقديم دراسة مقارنة للأفكار الأساسية الواردة بالكتابين، مع تقديم خلفية لكيفية اختيار الباحثين لمنهجيهما، فالشيخ على عبد الرازق تحدى محاولة اختيار الملك فؤاد كخليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة الإسلامية بتركيا عام 1924، أما سيد قطب" فكتب كتابه في السجن وقبيل إعدامه من النظام الناصري، والذي لخص فيه أفكاره التي تبناها طوال حياته.
* كرجل دين مسيحى ألم تجد حساسية من اختيارك هذا الموضوع؟
**اختياري لهذا الموضوع جاء بالأساس لكوني باحثًا وليس رجل دين، وأنا لا أطرح نفسى كرجل دين مسيحي يحاول إحداث إصلاح فكري في تيار الإسلام السياسي، بل أردت تلقيح الفكرتين المتضادتين، لأن التيار المتشدد لن يصلحه إلا تيار إسلامي يناقشه من نفس ملعبه الفكري وليس من الخارج.
* هل يعنى هذا أنك لا تميل إلى إحدى الفكرتين؟
**لا أنكر أني كمدني أميل الى فكرة الشيخ "على عبد الرازق" بضرورة الفصل بين السياسة والدين، وأن تأخذ الدولة شكلًا ديمقراطيًا مدنيًا، لكن كباحث لا يمكن تجاهل واقع تمثله أفكار جماعة الإخوان، وفي اعتقادي أن مجال البحث يقتضى الموضوعية في العرض وليس الميول الشخصية.
* وكيف جاءت نتائج رسالتك؟
** أناقش في الختام مدى إمكانية التوفيق بين الفكرتين، فالذين يرفضون الشيخ على عبد الرازق يعتبرون أن فكره غربي بالكامل، والذين يرفضون سيد قطب يعتبرون أن فكره ديني بالكامل، إذًا ففكر الشيخ عبد الرازق يحتاج لصبغة شرقية لكى تناسب الواقع.
وفي رأيك ما عوامل انتشار الإسلام السياسي؟
فشل النخبة العلمانية القومية، عدم المشاركة السياسية في ظل أنظمة استبدادية، عدم قدرة المجموعات الأخرى للوصول للسلطة والثروة بسبب هيمنة النخب الحاكمة،
أثر العلاقة بين البترول والدولار ظهر في تآكل الروابط الاجتماعية التقليدية وظهور طبقات جديدة مع النمو الاقتصادي السريع.
أثر الدول النفطية في تصدير الإسلام الأصولي وكذلك التلاعب من خلال طرح فكرة الإصلاح باستخدامهما نزعتين: الماضي، والتحديث.. الماضي لجذب الأميين بقصص الأولياء والصالحين، والتحديث بجذب الجامعيين وذوي الشهادات العليا، فالنزعة التقليدية لإعادة الماضي، ليعودوا للنموذج الإسلامي الأول، والنزعة الإصلاحية للتجديد وإعادة البناء من خلال إصلاح إسلامي.
ومن هنا يمكن تقسيم توجهات المسلمين تجاه قضايا الحداثة والتغير السياسي الاجتماعي إلى 4 مجموعات
1- العلمانيون: يتبنون فكرة فصل الدين عن الدولة، ويحاولون تحديد الإسلام ليصبح أمرا شخصيا في الحياة، وهي واقعيا نظرة بعيدة عن فهم الإسلام لشكل الحكم.
2- المحافظون: ويعتبر هو موقف الغالبية، حيث أن الشريعة هي أمر الهي وعليه فهي لا تتغير فلابد للمجتمع نفسه أن يتغير ليعود للإسلام.
3- التقليديون الجُدد: يؤكدون على الرجوع إلى القرآن والسنة من أجل إحداث تجديد إسلامي، ويعملون على تنقية القوانين من الممارسات غير الإسلامية، ولهم فهم شمولي للإسلام فيرون أنه تكليف إلهي بدلا عن مادية وعلمانية الرأسمالية الغربية (توجه الإخوان المسلمون)
4- الإصلاحيون الإسلاميون: ينظرون للفترة المبكرة من الإسلام على أساس أنها المعيار، لكنهم يميزون بحدة بين المبادئ والقيم الإسلامية التي لا تتغير وبين المؤسسات التاريخية والاجتماعية والممارسات التي يمكن أن تتغير لتلبية الشروط المعاصرة.
تعرضت في الرسالة إلى موقف الدولة والشريعة، فماذا قدمت من طرح جديد؟
يجب أن تقوم جميع أعمال الدولة على المواطنة الكاملة دون أدنى تمييز، فالمسئولية الدينية لا تُحاسِب عليها الدولة، لكنها أمام الله.
هناك ضرورة للفصل المؤسسي بين الشريعة الإسلامية وأجهزة الدولة، هذا لا ينفي العلاقة بين الإسلام والسياسة لدى المجتمعات الإسلامية، فبينما يمكن الفصل بين الإسلام والدولة، إلا أنه يجب ضبط العلاقة بين الإسلام والسياسة، فالدولة المدنية المعاصرة لا تقدر على تطبيق الشريعة الإسلامية كقانون عام أو أساس للسياسات الرسمية، وهذا لا يعني أيضا فقدان أثر الشريعة ودورها في المجتمع.
الزامية الشريعة هي دائما المسئولية الدينية للفرد والمسلم، وليست للدولة كمؤسسة وكيان سياسي.
مسألة الدولة الإسلامية هي مجرد نوع من الدعاية الانتخابية، وهي أصلا خطاب مستحدث ظهر مع الحكم الاستعماري الأوربي، وشعور المسلمين بالتهديد من الغرب.
الجمود والتقليد في فهم الشريعة والاجتهاد فيها كان ضروريا للحفاظ على استقرار النظام السياسي أثناء فترات التدهور وانهيار المؤسسات السياسية والاجتماعية للمجتمعات الإسلامية.
إن القدسية التي يضفيها البعض على الكثير من الآراء المتعلقة بأحكام الشريعة قد أصبحت كذلك بحكم ما لاقته معظم هذه الآراء من إجماع من قِبل المسلمين عبر قرون عدة، وليس لفرضها قانونا بواسطة الدولة أو من مجموعة متفردة من العلماء. فمن المفترض أن المرجعية الإسلامية قائمة أساسًا على الرجوع إلى التقاليد الأساسية في الإسلام وهي القرآن والسنة، والقضية ليست في هذه التقاليد، لكن في الفهم البشري لها والذي يجب أن يكون قائما على فهم الإطار التاريخي وتجارب الشعوب والإنسانية، وعليه فالمطلوب من الدولة هو حيادها تجاه العقائد الدينية، بمعنى ألا تفرض تفسيرا معينا للعقائد الدينية وتدافع عنه، هي تدرك أهمية دور وتأثير الدين في المجتمع، لكنها تحكم عن طريق مرجعية المواطنة.
الدور الأساسي للحكم الدستوري يتمثل في ضمان أن تكون رؤى ومصالح الذين ليست لديهم سلطات مباشرة على نطاق الدولة محترمة ومُعتَبرة بصورة جيدة من جانب أولئك المتحكمين في أجهزة الدولة.
كذلك تعرضت للدولة والعلمانية.. فكيف شرحت الخلاف مع الحركات الأصولية لهذا المصطلح الملتبس؟
لا يوجد تعريف محدد أو شكل واحد للعلمانية لكنها تختلف بحسب اختلاف المكان والملابسات التاريخية لكل مكان على حدة.
قد يكون هناك اتفاق شكلي بين العلمانية والحركات الأصولية (الإسلام السياسي)، لكن من ناحية أخرى هناك خلاف منهجي كبير بين المدرستين. فالسلفيون يستخدمون المنهج النازل (بحسب تعبير حسن حنفي) والذي يبدأ من النص إلى الواقع (التنزيل)، بينما يستخدم العلمانيون المنهج الصاعد فالبداية دائما بالواقع وهو ما يُطلق عليه التأويل.
فيتفق السلفيون والعلمانيون على وجود نص وواقع، لكن الخلاف من أين نبدأ وكيف ننتهي.
نقطة التعارض بين الإخوان المسلمين والعلمانيين هي كيفية تفسير الإسلام ذاته، ففي الوقت الذي ترى فيه العلمانية أن الإسلام هو دين، يرى فيه الإخوان المسلمون أنه أيديولوجية تستطيع أن تقدم نسقا فكريًا متكاملًا لتفسير الحياة، وهو ما اعتادوا على تسميته في أدبياتهم بأن الإسلام دين ودولة أو دين ودنيا.
من خلال الرسالة والنظريات المطروحة هل يمكن أن تقدم تقييم أداء الإخوان المسلمين لفترة حكمهم البلاد؟
عجز الإخوان عن تحويل شعاراتهم ومبادئهم لتصبح واقعًا يستطيع أن يلمسه المواطنون، فنجد سيولة في الكلام والتصريحات مع تنامي نبرة الغضب في الشارع.
لم يتناس الإخوان سنوات السجون التي قضوها في ظل النظام السابق، وبدأوا في التلويح بنفس الأداة أي سجن أو تهديد المعارضين.
نفس نبرة اللامبالاة التي تبناها النظام السابق، فالإعلام يضج بالنقد والنظام الحالي مُستغرِق في أحلامه.
تعامل الإخوان وجماعات الإسلام السياسي بنبرة التعالي على كل أطياف المجتمع المغايرة لهم، وكأنه من إحساناتهم السماح لباقي الشعب مشاركتهم العيش في الوطن.
الاستئثار بالمواقع القيادية في الدولة، ومحاولة التغلغل في مفاصل الدولة جميعها، وهي تتبع منهجية الإخوان في التغيير بالتدريج والتي نجحوا فيها طوال الوقت الماضي وبث للفتنة الطائفية والاستهزاء بمشاعر شركاء الوطن بصورة هدمت كل أحاديثهم اللينة عن المواطنة.