ثقافة الكراهية في العقل العربي.. أخطر أسئلة الواقع
الأحد 17/مارس/2019 - 01:45 م
طباعة
هند الضوي
اسم الكتاب: الثقافة والهوية والوعي العربي
الكاتب: الدكتور محمود الضبع
الناشر: بتانة – القاهرة
يمثل كتاب الدكتور محمود الضبع الجديد "الثقافة والهوية والوعي العربي"، خلاصة عشر سنوات في تأمل المشروع العربي الثقافي وطرحًا لأسئلة خطيرة حول الثقافة المسيطرة على الواقع العربي الراهن، والتي تعيق تقدمه وتكبل حضوره في العالم الحديث، ويتضمن الكتاب خمسة فصول تدور حول: الثقافة.. التشكيل، الذي احتوى على مقارنة غير مباشرة بين الثقافة في التراث العربي. والثقافة في التراث الغربي. ومصادر الثقافة العربية طارقًا أبواب:
1- الثقافة المعتقد. -2- الثقافة اللغة. -3- الثقافة التراث. - 4- الثقافة والبيئة.
5- الثقافة والتربية. -6- الثقافة المنتج الفكري. -7- الثقافة التأثير والتأثر .
كما كشف عن أنماط ثقافة الإنسان وأنواعها، ومنها:- ثقافة الجهل - ثقافة الموروث - ثقافة العصر - ثقافة المكان- ثقافة التأمل - ثقافة الكراهية - ثقافة الحرب / ثقافة السلم- ثقافة الهزيمة الاستلاب - ثقافة المستقبل /المستقبليات .
وتعرض الفصل الثاني لـ ثقافة المثقف / ثقافة الثقافة.
وحول الموضوع الساخن دائمًا جاء الفصل الثالث: الثقافة والسلطة.
وناقش: الثقافة والسلطة وثورات الربيع العربي.. وسلطة التثفيف / تثفيف السلطة -
والسلطة والتاريخ ، ماذا سيكتب المؤرخون.. وهجرة المثقف وتهـجير الثقافة
والحراك الثقافي / الحراك السياسي ..وأنظمة الحكم / أنظمة الثقافة.
وجاءت مقدمة الكاتب الدكتور محمود شارحة لأهمية هذا الكتاب الفريد والمهم في اللحظة الراهنة التي نصدر فيها للعالم ثقافة الموت، تمثل المعرفة منعطفًا شديد الحساسية في ظل التطور العالمي المعاصر، والتدفق المعلوماتي، والانفتاح الثقافي، بحيث غدا الخطاب ما بعد الحداثي ينظر إليها ـ أي المعرفةـ بوصفها سلعةً تباع وتشترى، وآلية من آليات القوة بمفهومها الاستراتيجي، ومن ثم تخضع لإمكانية تبادلها وتقييمها بمفاهيم خارجة عنها تنتمي في الغالب الأعم إلى علوم الاقتصاد ونظرياته والتيارات الفلسفية التي تعتمد عليها المجتمعات، وما يتعلق بها من قوانين المنفعة المادية، أكثر منها انتماء لحقول المعرفة وما رسخته مفاهيم المرجعيات الثقافية عبر العصور، إضافة إلى الاتجاهات السياسية العالمية والصراع بين القوى الكبرى وبخاصة مع تغير استراتيجيات هذه القوى، واعتمادها سياسات التغيير الثقافي لخدمة أهدافها، فميزان القوى في العالم يتغير، وآلياته الأساسية في هذا التغيير تتمحور كثير منها حول حاضر ومستقبل القوة الناعمة التي تعد الثقافة مكونًا أساسيًّا لها .
إن أخطر ما يواجه الثقافة في إطار هذه التحولات يتمثل في تلك المحاولات التي تسعى لإزالة الحدود بين الشعوب وموروثاتها الثقافية تحت مسمى العولمة، واعتمادها على فلسفة التفكيك كمرحلة أولية، ثم على فلسفة المجتمع المفتوح في مرحلة تالية، والتي تفترض بدورها ذوبان الهوية الثقافية في إطار كل أكبر، والتقريب بين المتباعدات ومحو الفوارق، والانتصار لأفكار التعددية الواردة على حساب الهويات القومية التي تسعى لتوحيد الهوية أو على أقل تقدير اختيار الهوية المعيارية التي تلتف حولها الهويات الفرعية أو يجب أن تلتف.
والأمر لو سار على هذا النحو– استراتيجيات العولمة وأهدافها المعلنة- فهو الحلم الذي عملت البشرية منذ نشأتها سعيا للوصول إليه، إلا أن هواجس الوعي الثقافي لا تستطيع الفكاك من تساؤلاتها حول طبيعة هذه الهوية العالمية المرجو الاستظلال بظلها، وحول هوية مَن سيعيد تشكيل الهوية، وبمفهوم الفكر ذاته: مَن المستفيد؟ وما المنفعة الكامنة خلفها وعلى من ستعود أو يجب؟ أهي منفعة لصالح البشرية جميعًا، أم منفعة من يرى أنه يجب أن يكون، وما دونه ليست له كينونة؟ بل لا يجب أن يكون له وجود؟ وأخيرًا، حول طبيعة الثقافة التي يجب أن تسود؟ وعلى حساب أية ثقافة؟ ومن الذي سيصوغ هذا الكل الأكبر ولصالح من؟
إن هذه التساؤلات وغيرها كثير، هي التي تمثل المنعطف شديد الحساسية نحو ما يتم وما سيتم، ذلك أن الثقافة كفعل غدت تتحكم في تحريك الأحداث، ولم تعد بمعزل عن الواقع السياسي في البنى الفوقية والتحتية للمجتمعات والدول والأقاليم، لقد كان العمل على الثقافة هو المنجز العصري الذي جسد قمة التطور الإنساني في المساس بهويات الشعوب، والأمر مطروح– في وعينا العربي؛ لأن الثقافة على وجه الخصوص تمثل أكثر القضايا التي لم يتم الاتفاق على مفاهيمها ومحدداتها حتى وقتنا الراهن، ولم تزل بعد تمثل حقلًا معرفيًّا يتم تداوله دون الغوص فيه، فكل منا يرى الثقافة بمنظوره، وتبعا لمرجعياته التراثية أو الحداثية، أو الدينية، أو الفكرية.. إلخ، وباختصار فإن كلا منا يرى الثقافة تبعًا لمدخلاته المعرفية، فهل الثقافة هي القدرة على الكلام والبيان والفصاحة، أم القدرة على الإقناع، أم القدرة على عرض المعلومات على نحو ما؟ أم القدرة على امتلاك معلومات في حقول معرفية متعددة؟ أم أنها التخصص الدقيق في مجال واحد بعينه؟ أم هي الانتاج؟ أم هذه جميعًا؟ أم هي سواها.
إن الرؤية التي تحتكم إلى المنظور الشخصي في تحديد مفهوم الثقافة– عربيًّا- قد أسهمت في بناء فكر مضلل حول مفهوم المثقف ليس فقط لدى العامة والبسطاء، وإنما في أحيان لدى من يمتلكون طرفًا منها، إذ لم يزل بعد يتم الحكم بها وبنفيها وصفًا لشخص تبعًا للاتفاق أو الاختلاف معه، بل الأمر يتعدى بإثباتها لمن يحمل معلومات مغايرة حتى لو لم تكن سليمة، فالسلامة ذاتها غدت هي الأخرى تفتقد إلى المرجعية، ليس بمفهومها الأخلاقي، وإنما بالمفهوم العلمي، فما طرحته أو تطرحه العولمة والانفجارات المعلوماتية يؤكد نفي إمكانية إلمام البشرية بحجم ما يتم التوصل إليه في كل ثانية من معارف ومعلومات جديدة، وذلك بعد أن كانت تقاس المعلومات بعشرات ومئات السنين من افتراضها وتجريبها، فحين توصل نيوتن – مثلا - إلى كروية الأرض انقلبت الدنيا رأسًا على عقب لأزمان حتى تم تجريب الكشف وانتظمت الحياة عليه لسنوات وسنوات، إلا أنه اليوم وفي ظل التدفق المعلوماتي يمكن بسهولة إثبات أن الأرض شفافة مثلًا، والأمر لن يقيم الدنيا ولن يقعدها، فكل شيء في العلم أصبح مباحًا وفي الإمكان التوصل إلى معتقدات مغايرة– بالمفهوم العلمي– لما كنا نعتقده.. هكذا يسير الأمر الآن، فما الضابط إذن، وما المرجعية التي يمكن الاحتكام لها؟ وبخاصة في حقل العلوم الإنسانية التي لا يمكن تجريب منجزها في تجربة علمية مجردة، لاحتكامها إلى مشاعر إنسانية وتدخلات ذهنية (عقلية بمفهوم المخ وأبحاثه)؛ مما يجعلها لا تحقق النتيجة ذاتها مع الشخص ذاته في الموقف ذاته مع تغيير عنصر الزمن مثلا، أو تغيير الحالة المزاجية (أي استحالة قياس الصدق والثبات ) .
هكذا يمكن الدخول إلى عالم الثقافة محاولة للبحث فيما تعنيه في المرجعيات العربية وغير العربية، ليس على المستوي التاريخي، وإنما على مستوى المنجز والواقع والتداول، فكل منا يحمل مفهومه الخاص عن الثقافة، وكل منا يسير بها وفقًا لمرجعيته أو مدخلاته المعرفية، وقد لا ندري جميعا في ظل المنعطف إلى أين نسير!