وفاة القس "أثناسيوس بطرس" أحد شهود اعتقالات سبتمبر 1981
الإثنين 29/سبتمبر/2014 - 10:28 م
طباعة
* في سجن طرة رفضوا استلامنا وقالوا: (لا نسجن مسيحيين هنا)
* وفي المرج سجنت في سجن (التجربة)
* دير أبو مقار قام بإصلاحات دورات المياة في سجن وادي النطرون
* اتهمونى بتحريض الشباب على القيام بمظاهرة ضد الدولة
* القس إبراهيم عبده رفض الأكل فحبسوه في السجن الانفرادي
في سبتمبر من كل عام تأتي ذكرى الحدث الفريد لتاريخ الكنيسة المعاصر عندما قرر الرئيس السادات أن يعتقل 1536 مصريًّا من مختلف التيارات، بينهم البابا شنودة الثالث و8 أساقفة و24 كاهنًا كان من بينهم الأب القس أثناسيوس بطرس راعي كنيسة مارجرجس بالزاوية الحمراء بالقاهرة... التقيناه ليروي لنا تجربته المثيرة التي رغم كل هذه السنين لا زالت ساكنه في خياله لا تبرحه، فمن النادر أن يعتقل قسًّا في العصر الحديث......
* أولًا ما هي الصورة العامة لمصر قبل أحداث الاعتقال عام 1981؟
** قبل هذه الاحداث كان هناك حالة هياج إعلامي شديد ضدالأقباط على مستوى الصحف والاذاعة والتليفزيون تتناول شئونهم بصورة سيئة جدا وهناك انتقادات عنيفة للكتاب المقدس وتفسيرات مثيرة وبطريقة مهيجة فكان لا بد من الرد عليهم داخل الاجتماعات والكنائس لاننا لم ناخذ فرصة للرد بهذه الوسائل.الإعلامية
* وأين كنت تخدم وقتها؟
**انا في الأساس كنت اخدم في دولة نيجيريا وعدت لانتدب للخدمة بكنيسة الملاك في منطقة عشوائية تسمى "عزبة الرئيس بالمطرية" وكانت الكنيسة مجرد مخزن تحت الارض، وعندما وصلت لتلك الكنيسة تعاطفت جدا مع شعبها البسيط- وبالمناسبة الان الكنيسة كبرت ولها منارات على ارتفاع 7 أدوار- وكنت اخدم ايضا كقائد شباب- وتقريبا هو نفس دور اسقفية الشباب الان بشكل مصغر- وفي وقت اعتقالي كان قد مر 7سنوات على رسامتي كاهنا حيث رسمت في 11/11/1973 وكان عندي طفلان هما مينا ومونيكا.
* ماذا حدث في ليلة الاعتقال؟
**كان ذلك في الساعة الثانية صباح الأربعاء 2سبتمبر 1981 حيث دق جرس الباب وفتحت فوجدت اخي الاصغر ومعه مجموعة من الناس ولم اتصور شيئا غريبا لان ابي كان عندي فلم انزعج فانا ككاهن معتاد على زيارة الناس في أي وقت لذلك توقعت انها مشكلة من المشكلات التي تحتاج أن اتدخل فيها بسرعة وفوجئت أن الضيف الذي كان مع اخي يقدم نفسه بطريقة مهذبة بانه العقيد "فلان لا اذكر اسمه ولكن اذكر انه كان في قمة الذوق والأخلاق" فتكلمت معه بفكاهة وسخرية عندما قال لي:
- اسمح لنا بتفتيش الشقة
فقلت له:
- لا تنتظر اتفضل فتش قبل أن أخفي شيئا.
وفي نهاية جولة التفتيش التي تمت بأسلوب راق قلت له "لا يوجد غير الثلاجة تحب افتحها" وبنفس أسلوبه المهذب قال" نحتاجك معنا لمدة يوما أو ثلاثة" وعرفت بعد تطور الاحداث انني الوحيد الذي قيل له سوف تمكث يوم أو ثلاثة. فجهزت شنطة ملابسي ونزلت معه من باب الشقة حيث وجدت مجموعة من الجنود بملابس مدنية امام باب الشقة وحتى المصعد وفي أسفل العمارة وحتى الشارع حيث كان صفان متقابلان من الجنود ووجدت سيارة مرسيدس سوداء وركبتها وكانت تسير امامنا سيارة بوليس نجدة وخلفي عربة امن مركزي ووصلت إلى قسم شرطة الشرابية ولم يجر معي هناك أي تحقيق بل اخذوني في عربة صغيرة حيث جلس بجواري ضابط برتبة نقيب وتوجهت السيارة نحو شارع كورنيش النيل بعد ذلك إلى سجن طرة ووجدني الضابط حينما وصلنا إلى مصر القديمة أرفع صوتي بالتسبيح والترتيل إلى أن وصلنا إلى "ليمان طرة" وكانت أبوابه مفتوحة على مصراعيها والاضواء الكاشفة المبهرة تملا المكان وحينما بدات اخطو خطوات إلى داخل الليمان فإذا بلواء يتقدم بصوت عال قائلا" نحن هنا لا ناخذ مسيحيين اذهب به إلى سجن المرج"! ورجعت مع الضابط وعدنا من نفس الطريق وهنا تحدث الضابط الصامت طوال الوقت قائلا:
- انت مش خايف؟
- قلت "إطلاقا".
- من وقت ما استقللت السيارة وانت تغني؟
-لا دي مش اغاني دي ترانيم.
- ولماذا ارتفع صوتك وانت في مصر القديمة؟
- مصر القديمة بها عدد كبير من القديسين فكنت ألقي لهم التحية لاني احبهم.
وعندما وصلنا إلى سجن المرج دخلت لمكتب المأمور"محمود الجميل" الذي وقف لاستقبالنا بادب واحترام وتقدير وطلب مني الجلوس وعندما دخلت حجرة المأمور شعرت بقلق إذ رايت بعض"عكاكيز-عصا الاباء الاساقفة" واستنتجت أن هناك هجمة على الكنيسة كلها وعدت بذهني إلى تاريخ كنيستنا القبطية المشهور بالشهداء والمعتقلات والمسجونين ورنت في داخل قلبي هذه الأبيات من إحدى الترنيمات "معك يا إلهي... معك كل حين، معك يا إلهي دائما فرحين". وطلب مني مأمور السجن أن افرغ ما معي من محتويات وما في جيبي وأن أخلع صليبي الجلد وكان يقول بكل ادب" الصليب محفوظ عندنا بكل احترام وانا اعرف أن زجاجة الزيت مقدسة واخذ محفظتي وأخرج النقود كامانات وسمح لي بمناديل اليد والقمصان وفوطة والكتاب المقدس والاجبية وكل ما معي وضعه في ظرف وكتب عليه اسمي، وأخذني مجند سري من المباحث اسمه "علي" إلى الزنزانة وفي الطريق للزنزانة عرفت أن المكان المخصص لهذه الزنازين اسمه سجن التجربة، تذكرت في صلاة "ابانا الذي""ولا تدخلنا في تجربة" ودخلت زنزانة رقم18 فوجدت أمامي د. ميلاد حنا فعانقنا بعضنا لأني كنت أعرفه وقضيت معه وقتا ممتعا تحدثنا فيه عن شئون البلد، وفي آخر النهار نقلت إلى زنزانة رقم 22 وكانت ممتلئة جدا حيث تقابلت هناك مع القس زكريا بطرس والقس بيشوي يسي وثلاثة علمانيين ومساحة الزنزانة لا تسع بالكاد اثنين علاوة على أن دورة المياة كانت داخل الزنزانة بدانا مع الاباء نصلي ووجدنا أن التعزية في قراءة سفر الرؤيا فكنا نتبادل القراءة والحوار والتامل وفي صباح الخميس قمنا على صوت عال يقول"يا إخوانا اسمعوني من فضلكم انا اسمي سمير تادرس محرر صحفي بأخبار اليوم معي في الزنزانة الأنبا ويصا اسقف البلينا فهل يوجد في بقية الزنازين اساقفة وكهنة سنبدا التعارف من الزنزانة المجاورة للباب وهنقوم بعمل اذاعة مرتين في النهار واي وارد- قادم- جديد يحكي لنا عن آخر الاحداث في الخارج"، وأضاف: "أنا متعود على السجون وسوف أقدم لكم خبرتي" وفي أقل من نصف ساعة كنا قد تعرفنا على الآباء الأساقفة والكهنة وكان معي 7 أساقفة و24 كاهنًا؛ لأنه حتى هذه اللحظة لم يكن القبض تم بعد على الأنبا تادرس اسقف بورسعيد، وتركنا اليوم الأول في الاذاعة للأستاذ سمير تادرس أما يوم الجمعة فعندما جاء الأستاذ سمير لبدأ الاذاعة قال الأنبا بيمن "نحن نشكرك على الخبرة والفائدة، وأنت تعلم أننا مجموعة من رجال الدين ونريد أن نمارس حياتنا بطريقتنا الخاصة سوف نقسم الأيام على الآباء الأساقفة على كل اسقف يقود يوم نصلي جميع الصلوات وبالليل تسبحة ودراسة في الكتاب المقدس وندوة مفتوحة وتساؤلات بالغروب" كان هذا البرنامج اليومي، وكنا ناكل اكل السجن فحتى 16 أكتوبر لم يدخل إلينا أكل مدني- من خارج السجن- الا مرة واحدة عن طريق الراحل الأنبا صموئيل وفي 19 سبتمبر دعيت إلى المدعي الاشتراكي أنا والقس زكريا بطرس .
وأول ما دخلنا صرخ المستشار بأعلى صوته في الضابط الذي كان معي قائلاً: "اخرج به خارج الحجرة وفك قيوده وادخله إلى حرا فهو مواطن حر ليس عليه تهمة مهما كان الأسلوب البوليسي الذي تدار به البلاد"، فكانت بداية طيبة ودخلت فوجدت في حجرة المستشار الأستاذ عبد المسيح برسوم محام أرسله لي الأنبا صموئيل لحضور التحقيق معي، استقبلني المستشار بترحاب وطلب مني أن اجلس وأول تعبير قال لي:
- أبونا تحب تشرب ايه، وهذا حقك قانونا؟
- من فضلك عايز كوب ماء نظيف وكررتها مرتين فرد على المستشار:"ثلاثة بالله العظيم فهمت يا أبونا ما تقصده وسوف ارسل وكيل نيابة لرؤية المياه التي تشربونها في الزنازين" واحضر الرجل لي كوب ماء وكوب ليمون ثم قال:
- يا أبونا لا يوجد لك دوسيه عندي والموجود هو ورقة من مباحث امن الدولة وانا لست موظفا في المدعي الاشتراكي فانا قاضي منصة وهذا الأسلوب يريحني من الناحية القانونية لذلك سوف اسالك سؤال إذا اردت أن تجيب عليه اجب وإذا لم ترد فلا تجب.
وكان السؤال أو الاتهام الأول هو"
- يوم 14 يناير كنت تحرض الشباب في ليلة عيد الغطاس على القيام بمظاهرة ضد الدولة ما ردك واجبت عيد الغطاس إجازة رسمية وكان يوم19 يناير هذا أولا.
- ثانيا نحن عندما نعظ مرتبطين بانجيل القداس فالمنبر منبر تعليمي ذو منهج ونحن نتكلم في الالهيات والفضائل ولا ننول بتعليمنا إلى مستوى نتناول فيه الامور الارضية من المسائل التي تناقش على المقاهي والنواصي.
- انت متهم بانك متعصب ديني ومثير فتنة طائفية فماذا تقول؟
- اجبت- أولا انا اشرح كلمة متعصب، المتعصب في اللغة هو من يضع عصابة على عينيه فهو أعمى لا يرى أما انا فأعرف طريقي تماما وأخطو اليه بخطوات ثابتة فلست متعصبا ولا صاحب عصابة وارفض أن اكون هذا الشخص أما من جهة إثارة القتن الطائفية معروف أن أقباط مصر من أساتذة الوحدة الوطنية ما بقيت مصر حتى الآن. وانا واحد من هؤلاء الأقباط وبعد أن انتهت التحقيقات وهمست في اذن المحامي عبد المسيح برسوم- الذي لم ينطق بكلمة طوال التحقيق- قائلا: "أعطني جنيه" واخذت منه2 جنيه اعطيتهم للعسكري لكي يذهب إلى بيتي ويخبرهم بمكاني في سجن المرج حيث كان أهلي لا يعرفون مكان سجني، وقد عدنا إلى الزنازين وكنت قد استقررت في زنزانة رقم7 مع أبونا يوسف اسعد حيث اقمت معه 40 يوما قصصنا على الآباء ما دار في التحقيقات إلى لم تتكرر الا بعد مقتل السادات.
*بالمناسبة كيف عرفتم واستقبلتم موضوع موت السادات؟
** في يوم 5 أكتوبر جاء المقدم محمود الجميل مأمور السجن إلى منطقة الزنازين وطلب أن تفتح وقال "غدا بعد انتهاء العرض العسكرة سيأتي الأنبا صموئيل ومعه وفود قيادات وزارة الداخلية لزيارتكم والاطمئنان عليكم من فضلكم نحن نحتاج إلى تنظيف الزنازين والملابس". وأغلقت الزنازين. وفي يوم 6أكتوبر بعد العرض العسكري لم يحضر الأنبا صموئيل وبدا الكلام عن الرجل بطريقتين طريقة تهاجمه بشدة واثنان فقط كانا يدافعان عنه هما القمص بولس باسيلي وأبونا يوسف اسعد الذي كان يدافع بشدة واحتجاج قائلا أن الذي يمنع الأنبا صموئيل عن زيارتنا اما موته أو مرضه الشديد، وتبدلت في هذه الامسية الروحية لحوار صاخب حيث كان البعض يرى أنه جلس على عرش البابا وباعنا للحكومة.
وفي صباح 7 أكتوبر كنا انا وأبونا يوسف اسعد في الفسحة نصف ساعة يوميا للخروج من الزنازين ووجدنا المأمور يقف مع الأنبا بيمن وسمير تادرس والقس زكريا بطرس الذي كان يسكن معه في نفس العمارة، فانضممنا لهم.
فقال المأمور لسمير تادرس:
- انت بتقول انك صحفي فماذا تقول حاستك الصحفية فرد سمير قائلا:
- بدون فكاكة اما أن يكون السادات قد مات واما انقلاب عسكر قد حدث!
فقال المأمور للأنبا بيمن:
- بالفعل اغتيل السادات أمس في أثناء العرض العسكري وقتا معه الأنبا صموئيل وهنا وجدت أبونا يوسف اسعد يقفز بطريقة هستيرية وهو يردد" مش انا قلت...مش انا قلت".
واكمل المأمور حديثه للأنبا بيمن:
- الجماعات الاسلامية عندما عرفت بالأمر اشعلت النار في سجن طرة وفي المراتب والبطاطين فماذا سوف يفعل الذين بالزنازين؟
- قال له الأنبا بيمن:
- سوف ترى عجبا.
- تضمنهم يا انبا بيمن.
- برقبتي حضرتك تعرف أن أصغر كاهن في الموجودين عندنا بيقود شعب يصل إلى 40 أو 50 ألفًا فكلهم على مستوى عالٍ من المسئولية وبعد هذه العبارة طلب من المأمور الذهاب إلى الزنازين وفعلنا ثم دخل المأمور وأعلن بصوت جهوري افتحوا الزنازين وعندما فتحت قال: "أعلنت حالة الطوارئ القصوى في البلاد لوفاة السادات".
وقال لنا المأمور بعد ذلك:" انا لا أعرف الطريقة ولكن سأطلب من الضابط أن يقوم بتنفيذ رغبتكم" ثم غطت المنطقي في صمت عجيب، وبدا بعد قليل صوت صراخ هو صوت أبونا يوسف اسعد الذي أعلن فيه موت الأنبا صموئيل مع السادات. ونجا الذين هاجموا الرجل وساعده في ذلك الاب بولس باسيلي ولكن بأسلوب سياسي.
وبعد أن هدأت الامور قليلا رفعت صوتي إلى سمير تادرس وسالته كيف عرف بموت السادات قال "ابدا انا الزنزانة بتاعتي بجوار الباب الخارجي وكان العسكري السهران مشغل الترانزيستور والاذاعة طوال الليل تذيع موسيقى عسكري وقران كريم فتوقعت قتل السادات".
وبعد مقتله انتقلنا إلى العنابر بليمان وادي النطرون وذلك في عربات المسجونين وكانت العنابر على أحسن ما يكون لان العنبر الذي الحقنا به كان مستشفى ومن 16 أكتوبر سمح لنا بالجرائد والاكل المدني والزيارات ولم يحدث في داخل السجن أي نوع من انواع المعاملات المهينة الا مرة واحدة كانت هناك شدة مع القس إبراهيم عبده الذي رفض الاكل ورمى به من باب الزنزانة فسجن انفراديا لمدة "يوم" واحد فقط.
وبعد ذلك بدأت سلسلة المحاكمات والتحقيقات تكثر وجاء 3 لواءات لزيارتنا في ليمان وادي النطرون وبلغونا أن دير أبو مقار يريد أن يتكفل بنا من الغذاء والملابس والغطاء فرفضت ادارة السجون وقالت أن هؤلاء ضيوف عندنا ونحن لا نكل ولا نمل بضيوفنا، ولكنهم قبلوا من ادارة الدير أن تقوم بإصلاح وتوضيب دورة المياه لنا ولا توجد في الليمان أحداث ذات شان، وعدنا في 16 نوفمبر مرة أخرى لسجن المرج ولكن ليس في الزنازين وأنها هذه المرة عنابر واضح عليها انها جهزت لنا خصيصا من جهة النظافة والسراير واذكر أن الأنبا امونيوس اسقف الاقصر عمل السرير كمغارة بالبطاطين لكي لا يراه احد، وأجمل ما اذكره في ذلك الوقت هو قداس 7 يناير 1982 حيث طلبنا من ادارة السجن أن نصلي ليلة العيد قداسا في داخل العنابر وجاءت الموافقة واخذنا مكتب الضابط وفرشناه كمذبح وكانت الكنيسة قد احضرت لنا اللوح المقدس والأواني واتصلوا بأغلب اسرنا واحضروا لنا ملابس الخدمة الكهنوتية وطلب الضابط المقيم بالسجن أن يشاركنا المساجين المسيحيون الجنائيون القداس فرحب الأنبا بيمن بذلك وصلى الأساقفة والكهنة القداس الإلهي وسط تهليل وتسابيح.