على الرغم من أن تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام "داعش" قد شكل بؤرة جذب لآلاف من الشباب من معتنقي فكر تنظيم القاعدة وأحدث شقاً واضحاً في صفوف متطرفي التنظيم بعد أن نقل حلم "الخلافة" من مجرد فكرة مرتبطة بالتمكين إلى واقع بخليفة متمكن بالفعل، والإعلان وهو ما فُسَّر من جانب القاعدة على أنه "سرقة" لجهودهم وتضحياتهم طوال سنوات.

 وبالانتقال بالحالة الكلية التي خلقها "داعش" على حساب القاعدة إلى الحالة الجزئية في مناطق نفوذ كليهما داخل الحركات المتطرفة حول العالم، نجد أن منطقة المغرب العربي تعد النموذج المثالي لاختبار ولاءات الجماعات المتطرفة لهما، خاصة بعد انسحاب عناصر داعش في ليبيا، من مدينة درنة باتجاه مدينة سرت وهو ما يعني إعادة جديدة للانتشار في منطقة المغرب العربي ويطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة تقبل منطقة المغرب العربي لوجود التنظيمات الجهادية وهل ستبقى المنطقة الرخوة في تقبل أفكار القاعدة وصلبة في مواجهة أفكار داعش أم ستتحول إلى مناطق نفوذ جديدة للتنظيم الوليد؟ 

ولذلك سوف نتناول في هذة الورقة البحثية العلاقات البينية بين القاعدة وداعش في غرب إفريقيا، وأسباب التمدد والتراجع والانحسار لكليهما في مناطق النفوذ الرخوة والصلبة للوصول إلى عدد من الاستخلاصات حول طبيعة الصراع بين التنظيمين على مناطق النفوذ الرخوة والصلبة في الغرب الإفريقي 

*******

 

أولا : العلاقات البينية بين القاعدة وداعش في المغرب العربي :

شكل وجود تنظيم داعش القوي في العراق والشام فرصة لمئات الشباب من معتنقي فكر القاعدة المتطرف والحالمين بالخلافة على طريقة القاعدة للإعلان عن مبايعة داعش وخليفته أبو بكر البغدادي والتمرد على تنظيم القاعدة وأميره أيمن الظواهري الأمر الذي اعتبره تنظيم القاعدة تنحية له وسرقة لتضحياته وجهوده طيلة الفترة الماضية.

وقد أثار إعلان تنظيم داعش في منطقة الشام والعراق عن تنصيب أميره أبوبكر البغدادي "خليفة" جدلًا واسعًا وخلافات داخل الحركات المتطرفة حول العالم، لأنه اعتبر ضربة لتنظيم القاعدة وقادته، وهكذا انقسمت هذه التنظيمات بين مؤيد ورافض، وبهذا تشكلت هذه المجموعات التي وُصفت دوليا وعالميًا بأنها من أخطر التنظيمات الإرهابية وأكثرها دموية.

وقد أعطت ثورات الربيع العربي الفرصة لهذا التنظيم ليتغلغل في البلدان وان كان يختلف في حجمه من دولة إلى أخرى مع تحوله بشهادة الخبراء إلى أكبر وأوسع وأقوى تنظيم إرهابي في المنطقتين العربية والإفريقية، حتى إذا ما قورن بتنظيم القاعدة، ليتمدد تجاه بلاد المغرب وإفريقيا.( )

نظرًا إلى اختلاف المنطلقات والتوجهات وآلية العمل بين تنظيم القاعدة وداعش ، فإن تمدد وانتشار الأخير في إفريقيا التي شكَّلت الحاضنة البديلة للقاعدة بعد القضاء على حكم طالبان في أفغانستان شكَّل تهديدًا جديًّا للقاعدة في مناطق نفوذها التاريخية ، مما جعل القاعدة تستنفر قواها وتتناسى -ولو مؤقتًا- الخلافات بين فصائلها المتضاربة مصالحها ، لمواجهة داعش التي سرقت منها الأضواء والنفوذ. 

 وهو الأمر الذي دفعه إلى القيام بهجمات واجادوجو، في يناير 2016، وقبلها هجمات باماكو، في نوفمبر 2015، باعتبار أنها محاولة من تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي من أجل استعادة المزيد من الاهتمام الذي فقده" وهذا الأمر لم يمنع مجاميع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي من الانضواء تحت هيمنة تنظيم "داعش" وعلى رأسها العديد من الجماعات غير الجزائرية التابعة للقاعدة، التي انشقت عن القاعدة في المغرب الإسلامي وبايعت التنظيم مما يجعل الجماعات المتطرفة المسلحة في شمال إفريقيا تخوض "امتحان البقاء"، بالبقاء في حاضنتها الأم القاعدة أو الخروج منها لحاضنة أوسع وهي داعش . ( )

 ومن هنا بدأت إفريقيا تتحول شيئا فشيئًا إلى مسرح تنافس محموم بين تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، فبرغم من الاختراقات التي حققها تنظيم الدولة في القارة، إلا أن تنظيم القاعدة لا يزال يحظى بولاء العديد من التنظيمات المسلحة في إفريقيا مثل القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وأنصار الشريعة في ليبيا وتونس، وشباب المجاهدين في الصومال، وجماعة المرابطين في شمال مالي وجنوب ليبيا.

ويعرف هذا التنافس تصاعدًا ملحوظًا بسبب عدم اعتراف أيٍّ من الطرفين بشرعية الطرف الآخر ومحاولة التفوق عليه ، فقد اعتبر تنظيم داعش على لسان الناطق باسمه، أبي محمد العدناني، أن "شرعية جميع الإمارات والجماعات والولايات والتنظيمات في المناطق التي يمتد إليها سلطان الخلافة، تعتبر باطلة"  ، وهو ما يعني تلقائيًّا القول بعدم شرعية التنظيمات التابعة للقاعدة في إفريقيا بعد ظهور جماعات تابعة لداعش هناك، بينما يرى تنظيم القاعدة أن داعش مجرد فصيل منشق عنه، وأن خلافة البغدادي لا شرعية لها. ( )

ويكشف الصحفي الجزائري المختص في الشأن الأمني بوعلام فوزي عن العلاقات البينية بين القاعدة وداعش في المغرب العربي قائلا ” غرب إفريقيا هي منطقة التمدد للجماعات السلفية الجهادية، أما سبب التسابق بين القاعدة وداعش لأنها قارة عذراء وغنية بالموارد الطبيعية كما أن دولها تعاني من ضعف في الموارد المالية وبالتالي غير قادرة على السيطرة على حدودها ويجب أن نتذكر أن تنظيم القاعدة الدولي في عهد أسامة بن لادن نفذ هجمات في وقت مبكر في نيروبي ودار السلام وهو ما يعني أن التنظيم كان يعول على التمدد في إفريقيا في وقت مبكر للغاية أما بالنسبة لتنظيم داعش فإنه "دخل القارة السمراء بواسطة آلته الدعائية القوية وتمكن في وقت قصير من التواجد في مناطق نفوذ تنظيم القاعدة الدولي في السابق ".

ويقول الدكتور بن طياب محمد، أستاذ في علم الشريعة ومختص في الجماعات الإسلامية “يحاول تنظيم داعش التمدد في دول إفريقية جديدة والحصول على بيعة جماعات سلفية جديدة فيها فيما يعمل تنظيم القاعدة في عدة دول إفريقية على تثبيت أقدامه عبر الدعوة لفكره في المنتديات الإلكترونية من جهة وإتهام تنظيم داعش بأنه جماعة غير ملتزمة دينيا واستثناء ليبيا حيث يتقاتل تنظيما داعش والقاعدة فإن المواجهة بين التنظيمين هي لحد الآن مواجهة فكرية دينية محصورة في المنتديات الإلكترونية وشبكة تويتر، والهدف منها هو السيطرة على مناطق النفوذ في إفريقيا ويستغل تنظيم داعش يستغل في هذه المواجهة فكرة الخلافة الإسلامية وشرعية وجود خليفة بينما يستغل تنظيم القاعدة فكرة الاعتدال وعدم التكفير كما يستغل الأخطاء التي يقع فيها تنظيم داعش في ممارساته اليومية في المناطق الخاضعة لسيطرته" ( ) 

ومن المتوقع أن تكون الديناميكية المتسارعة لنشاطات داعش في الشرق الأوسط، حافزًا لفروعه في إفريقيا لمواكبة الديناميكية والحيوية، عبر تكثيف النشاطات وأعمال العنف، وربما تطويرها وتنويعها، خصوصًا أن قائمة المحظورات في الحرب تتضاءل لدى داعش أكثر منها لدى تنظيم القاعدة، هذا فضلًا على أن فروع التنظيم في إفريقيا تحظى بأرضية ملائمة لأنشطتها ، حيث ظهرت في دول بعضها مفكك مثل ليبيا، ، وبعضها يعاني من هشاشة في منظوماته الأمنية والإدارية وبنيته الاجتماعية كمالى، الأمر الذي يُسهِّل من مهامه وقدرته على التحرك والضرب في أماكن أكثر حساسية وخطورة. ( )

ووسط هذا التدافع يقف آلاف الشباب الأفارقة أمام خيارين راديكاليين، يستقطبان باسم الجهاد في سبيل الله، وتحفزهم عوامل عديدة للارتماء في أحضانهما، ليس أقلها شأنًا الفقر والموت في محاولة للهجرة السرية إلى أوروبا، والجهل، والظلم وغياب العدل والديمقراطية، في وقت توفر فيه هذه الجماعات "راحة نفسية" عبر رفع شعار خدمة الدِّين والجنة الموعودة، مما يعني أن غرب القارة الإفريقية ستشهد في السنوات القليلة القادمة صراعَ نفوذ محمومًا بين تنظيمي القاعدة وداعش ستكون ساحته منطقتي الساحل والصحراء وليبيا وستمتد شراراته لتطول تونس ومصر والجزائر والمغرب وموريتانيا. ( )

 

ثانيا : أسباب التمدد والتراجع والانحسار 

 هناك العديد من الأسباب التي تكشف عناصر التمدد وفي نفس الوقت التراجع والانحسار بين تنظيمى القاعدة زداعش في منطقة الغرب الإفريقي ففي الوقت تتدافع فيه المشاريع الراديكالية لكلا التنظيميين، نجد أن عوامل سيطرة وانتشار تنظيم القاعدة أوسع وأقوى من عوامل سيطرة وانتشار تنظيم داعش ويأتي على رأس هذى العوامل ما يلي : 

1- التمكن الذي أحدثته القاعدة على مدار عقد كامل من الزمن من التجذر والتمدد في المجتمعات المحلية في الصومال ومالي والنيجر والسودان ونيجيريا والجزائر وبدرجات أقل في كينيا وتشاد وليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا وبوركينافاسو. 

2- سيطرت القاعدة على أهم ممرات ومعابر التهريب في المنطقة الممتدة من السنغال وغينيا على ساحل الأطلسي إلى القرن الإفريقي على سواحل المحيط الهندي.

3- المعاناة التي شهدها الساحل الإفريقي من الفشل السياسي والفساد ونقص خدمات التعليم وندرة الفرص الاقتصادية وعجز حكوماتها على فرض سلطتها خارج المدن الرئيسية مما فتح الباب على مصراعيه لتفشي جرائم الاتِّجار بالبشر والمخدرات وتهريب السلاح وهكذا تمكَّن تنظيم القاعدة من استغلال تلك الثغرات والقدرة على التنقل بحرية في المنطقة وفي عقد تحالفات مع الجماعات المحلية والاستعانة بقبائل الطوارق وقبائل أزواد المتمردة على الحكم في مالي.

4- استغلت القاعدة الأوضاع المتردية في الدول الإفريقية جنوب الصحراء لتتغلغل وتنتشر بين المجتمعات المحلية الإفريقية وشكَّلت خلايا نائمة في كلٍّ من موريتانيا والسنغال والجزائر وتونس والسودان وشمال تشاد وإفريقيا الوسطي وكينيا وأوغندا.

5- انهيار المؤسسات الأمنية في ليبيا (في أعقاب سقوط نظام القذافي) والتراجع المريع في السيطرة على الحدود، على تحويل ليبيا إلى مستودع للحصول على الأسلحة اللازمة لتمدد نشاط الجماعات الإسلامية المسلحة التي أصبح لديها الآن ترسانة ضخمة من الأسلحة بما فيها صواريخ مضادة للدروع بل وللطائرات. ( )

 وعلى الجهة الأخرى هناك العديد من الأسباب التي تكشف عناصر التمدد وفي نفس الوقت التراجع والانحسار بين تنظيمى القاعدة وداعش في منطقة الغرب الإفريقي ففي الوقت تتدافع فيه المشاريع الراديكالية لكلا التنظيميين، نجد أن عوامل سيطرة وانتشار تنظيم داعش أقل من عوامل سيطرة وانتشار تنظيم القاعدة وياتى على رأس هذة العوامل ما يلي: 

1- سمعة تنظيم "داعش" الوحشية التي سمحت بجذب مقاتلين من العديد من الدول الإفريقة وخاصة من غرب إفريقيا والساحل الإفريقي . 

2- الأعداد المحدودة تؤكد على أن عملية الجذب للمقاتلين ليست قوية مما جعله يحاول للترويج له من خلال "مجلة دابق التي ينشرها التنظيم بالإنجليزية على الانترنت وتنصح المتطوّعين للذهاب لتعزيز صفوف بوكو حرام إذ أصبح من الصعب الانضمام إلى الخلافة"

3- يحاول التنظيم استخدام قوته الإعلامية ، من خلال ما يضمه من العديد من الأخصائيين في مجال الاتصال على الانترنت على نشر أفلام دعائية تساعد في زيادة أنتشاره في غرب إفريقيا وهو الأمر الذي حقق بعض النجاح في ليبيا، حيث سجّلت الفصائل المتمرّدة التي بايعت التنظيم تزايداً سريعاً إذ تضاعف عددها عشر مرات (من 200 إلى 2000) خلال عام 2015م . 

4- يستفيد التنظيم من الفوضى السياسية والأمنية السائدة في غرب إفريقيا وهو الأمر الذي يُثير قلقاً كبيراً لدى السلطات الأوروبية التي بدأت تُرسل طائرات استطلاع لتُحلّق فوق قواعدها.

5- التمويل الذاتي الوافر، الذي يدار من خلال عمليات الجريمة المنظمة حيث تُدِرُّ ما يقرب من ثلاثة آلاف وأربعمائة مليون دولار في العام من مبالغ الفدية مقابل إطلاق سراح الرهائن وتوفير الحماية لعمليات تهريب السلع والمخدرات والأسلحة واستخدام هذه الموارد الضخمة في تمويل التدريب وإقامة ملاذات آمنة والقيام بعمليات داعش المسلحة. ( )

عناصر التمدد والتراجع والانحسار في الغرب الإفريقي يتساوى فيها "القاعدة وداعش" بالإضافة إلى إن عدم الاستقرار في منطقة الساحل والقرن الإفريقي وشمال القارة يمكَّن لكلاهما ويعزز من إمكانية نقل مركز ثقله من سوريا والعراق كما حدث مع القاعدة بنقل مركز ثقله من أفغانستان وباكستان إلى ملاذ جديد بعيد عن الضغط العسكري وكلاهما يستغل الفقر وندرة فرص العمل والانقسامات السياسية والنزاعات القبلية لاجتذاب وتجنيد شباب للانخراط في صفوف كلاهما القاعدة ليس فقط إيمانًا بأيديولوجيتهما وإنما أيضًا بحثاً عن مصدر للرزق.

ثالثا: مناطق النفوذ الرخوة والصلبة لداعش والقاعدة :

 تتداخل مناطق النفوذ الرخوة والصلبة لتنظيمي داعش والقاعدة في المغرب العربي بالتوازي مع تطور الأحداث الإقليمية وموجة الحرب على الإرهاب ففي الوقت الذي أحدث داعش حالة من الزخم الواسع في العالم عقب إعلان خلافته سرعان ما بدأ يفقد تمدده وانتشاره في المغرب العربى والصحراء الكبرى لصالح تنظيم القاعدة الذي أعلن على لسان زعيمه في بلاد المغرب الإسلامي عبد المالك دروكدال ان جماعة "المرابطون" الجهادية التي يقودها الجزائري مختار بلمختار انضمت إلى صفوفه وانهما شاركا في تنفيذ الهجوم الذي أودى بحياة 19 شخصًا في فندق راديسون في باماكو. وقال زعيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد المالك دروكدال الملقب بابي مصعب عبد الودود في تسجيل صوتي تم بثه يوم الجمعة 4-12-2015م على المواقع الجهادية "نبشر امة الإسلام بانضمام اسود الإسلام وابطال النزال في كتيبة المرابطين إلى تنظيم قاعدة الجهاد في المغرب الإسلامي ان الجهاديين سطروا وحدتهم بمداد الدم وكتبوا حروفها الاولى بدم شهيدين في مكان غير عادي اسمه فندق راديسون بقلب عاصمة العدو باماكو وهو ما يستلزم وحدة سائر "المجاهدين".

 جماعة "المرابطون" هي الأخرى خرجت للتأكيد على التحالف الجديد من خلال تسجيل صوتي نشره مركز سايت الأمريكي المتخصص في رصد المواقع الجهادية قائلة "إننا نعلن عن انضمامنا لإخواننا وأحبابنا في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي للوقوف صفا واحدًا ضد العدو الصليبي المحتل كما ندعو جميع إخواننا المجاهدين في كل مكان للتوحد تحت كلمة التوحيد والوقوف صفا واحدا ضد عباد الصليب ونرفض ان يكون الجهاد ضحية اختلافنا". هذا التأكيد هو تتويج لما اشارت إليه سابقا اثناء في تبنيها لهجوم فندق راديسون إلى أن هذا العمل نفذ بالتنسيق مع امارة الصحراء في تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي". وايضا ما سبق وأعلن عنه المختار بلمختار، انه جدد مبايعته في مايو 2015م لتنطيم القاعدة نافيا ولاءه لتنظيم داعش وأن التنظيمين الجهاديين سيكونان سيفًا واحدًا لنحر عدوهم الأول فرنسا الصليبية وعملائها في المنطقة".( )

 وتتمثل خريطة الجماعات التي بايعت تنظيمي داعش والنصرة فيما يلى 

 أولا : الجماعات المبايعة لتنظيم القاعدة 

يسعي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي يتزعمه عبد الملك درودكال الملقب بـ "أبي مصعب عبد الودود"، إلي فتح جبهات جديدة للجهاد، وتوسيع رقعته الجغرافية إلي دول مجاورة للجزائر حيث ينتشر أتباع تنظيم القاعدة في الجزائر في عدة ولايات، أهما: غرادية، والمنيعة، وتبسة، وقسنطينة، وجيجل، وسكيكدة في الشرق. وينطلق هذا التنظيم الذي يأخذ من الجزائر نقطة تمركزه الرئيسية إلي كل من المغرب، وموريتانيا، ومالي، وأجزاء من تونس. ويتمركز هذا التنظيم جغرافيا على حدود الجزائر مع جيرانها في ثلاث إمارات، تنبثق من كل واحدة عدة سرايا عسكرية تحيط بالدولة، وتلامس حدودها مع تونس، بل تنتشر بعض معسكراته داخل حدود الدولتين. 

 كما أعاد التنظيم تمركزه داخل الحدود الجزائرية، وتعدي حدودها الجغرافية بعد إعادة بيعته من تنظيم "المرابطون"، بزعامة مختار بالمختار والذي اصبح لديه تحالف يضم كتيبتي الملثمين مع حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا ويأخذ هذا التنظيم من الجزائر نقطة تمركزه الرئيسية، بل إن مقاتليه في حالة تحرك دائم على الحدود التونسية، نظرا لزيادة عددهم من التونسيين الذي يبلغ 300 مقاتل تقريبا . 

  وفي تونس تغلغل المئات من عناصر السلفية الجهادية المرتبطين بتنظيم القاعدة أو بفروعها في المناطق التي يقطنها الطبقات الشعبية التي لا تتمتع بمستوي تعليمي متقدم، بعد إطلاق سراحهم من السجون التونسية أخيرا وفي المغرب يقتصر دور تنظيم القاعدة على الدور التجنيدي فقط، أي تجنيد واستقطاب الشباب الناقم للجهاد الخارجي. ( )

 

ثانيا : الجماعات المبايعة لتنظيم داعش 

يضم تنظيم "داعش" في غرب إفريقيا عدة جماعات أعلنت ولاءها له وبايعت الخليفة أبا بكر البغدادي هي :

1- "الجيش الإسلامي" في ليبيا: ويتواجد التنظيم الذي يضم حوالي عشرة آلاف مقاتل في منطقتي سرت ودرنة وصبراتة ومن أشهر عمليات «داعش ليبيا» قيامه بذبح العمال الأقباط المصريين 15 فبراير/شباط 2015 والمواطنين الإثيوبيين.

2-   "عقبة بن نافع" في تونس وهو منشقٌّ عن تنظيم "القاعدة" في تونس ويضمُّ عدة مئات من الجماعات المسلحة الذين قاتل بعضهم في سوريا ثم عادوا إلى تونس ليرتكبوا مذابح مروَّعة، منها حادث جبل الشعانبي ومتحف باردو وحادث فندق أمبيريال مرحبا في سوسة وغيرها من الأعمال المسلحة التي لا تزال مستمرة.

3-   جند الخلافة في الجزائر وهو بقيادة خالد أبي سلمان الذي ظلَّ حتى وقت قريب متعاوِنًا مع قيادات تنظيم القاعدة والتي من أشهرها عبد المالك دروكدال ومختار بلمختار وقوري عبدالملك وغيرهم.

4-  داعش في المغرب: والتنظيم هنا جاء انشقاقًا عن التنظيم الأكبر "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، ووفقًا لبيانات وزارة الداخلية المغربية فإنَّ 1354 مغربيًّا قد ذهبوا للقتال في سوريا، إلا أن فعالية التنظيم داخل المغرب محدودة.

5- تنظيم بوكو حرام  في نيجيريا (أهل السُّنَّة والدعوة والجهاد) بقيادة أبي بكر شيكاو، وهو تنظيم مسلح بات يسيطر على حوإلى 20% من مساحة نيجيريا التي تُعدُّ أكبر دولة إفريقيَّة من حيث التعداد البشري 177 مليون نسمة وأكبر دولة إفريقية في انتاج النفط، ولقد بايع التنظيم خلال عام 2014 تنظيم الدولة في بلاد الشام والعراق.

6- تنظيم "الملثمون"  في مالي وهو منشق عن تنظيم "المرابطون" التابع للقاعدة ويعمل في شمال مالي.

7-   الشباب المجاهدون في الصومال في الصومالوهي جماعة انشقَّت عن القاعدة وأعلنت عام 2014 مبايعتها لتنظيم "داعش" بقيادة البغدادي، وقامت هذه الجماعة بالعديد من العمليات المسلحة في كينيا.

8-   داعش في السودان: تتمركز في إقليم دارفور ممثَّلة في جماعات مسلحة صغيرة وهي على تواصل مع "بوكو حرام" ومع الجماعات المسلحة في ليبيا.

9-  جيش تحرير أوغندا المسلم: ويتمركز في سلسلة جبال "روينزوري" (سلسلة جبال صغيرة في وسط إفريقيا، على الحدود بين أوغندا والكونغو الديمقراطية). وتشنُّ هذه المجموعة المسلحة هجمات ضد المدنيين من وقت لآخر وتقوم بعمليات اختطاف لناشطين في منظمات إغاثية، وقد بايعت "داعش" في خريف 2015.

10-  جماعات داعشية صغيرة ومنتشرة: وهي موجودة في بعض الدول الإفريقية منها دولة جنوب إفريقيا وفي موريتانيا وبوركينا فاسو، وإنْ كانت بلا تأثير فعَّال مثل الجماعات السابقة. ( )

 هذه الخريطة للمبايعات تؤكد على أن منطقة غرب إفريقيا شهدت مابين عامي 2014 و 2015 سلسلة من التطورات في ظاهرة الإرهاب تدل في مجملها على أن تنظيمي داعش والقاعدة يخوضان حرب مواقع للسيطرة على القارة الإفريقية انطلاقا من منطقة غرب إفريقيا. 

النتائج:

 من خلال ما سبق يمكن التوصل إلى عدد من الاستخلاصات حول طبيعة الصراع بين تنظيمى داعش والقاعدة على مناطق النفوذ الرخوة والصلبة في غرب إفريقيا تتمثل فيما يلى: 

1- أن ثورات الربيع العربي هي من أعطت كلا التنظيمين الفرصة لهذا ليتغلغل في البلدان الإفريقية مع الأخذ في الأعتبار اختلاف حجمه من دولة إلى أخرى

2- يمكن اعتبار هذا الصراع نوع من الحرب على مواقع السيطرة على القارة الإفريقية بين تنظيم القاعدة الدولي أو وكلائه المحليين من جهة و ووكلاء داعش في إفريقيا ” .

3- أن كلا التنظيمين يستخدم أدواته في فرض السيطرة ففي الوقت الذي  يستغل تنظيم داعش في مواجهة القاعدة فكرة الخلافة الإسلامية وشرعية وجود خليفة بينما يستغل تنظيم القاعدة فكرة الاعتدال وعدم التكفير كما يستغل الأخطاء التي يقع فيها تنظيم داعش في ممارساته اليومية

4- تبني تنظيم القاعدة استراتيجية تعتمد على مواجهة تمدد تنظيم داعش على تحريك المنظمات الكبرى التابعة له من خلال الدعوة لفكر القاعدة الذي يسميه معتدلا، و اعتبار أمير القاعدة ايمن الظواهري أميرا شرعيا للجماعات الجهادية في العالم.

5- أن تحالفات داعش على الرغم من قلتها في الغرب الإفريقي الإ انها الأكثر عنفا وخطرا مما يضاعف من قدرتهم على الأذى حال استبدلا أهدافهما المحلية باستهداف مصالح غربية في المنطقة، مما يشكل "سيناريوهات مريعة" على الغرب . 

6- أن القاعدة لا زالت قادرة على التمدد في المغرب العربى والصحراء الكبرى على حساب داعش على الرغم من الزخم الذي أحدثه التنظيم الدموى عقب ظهوره بدولته المزعومة وخليفته الوهمى .

7- مع عدم الحسم في تموقع الحركتين في سياق التوجهات التي تعرفها الجهادية العالمية وما يطغى عليها من استقطاب بين القاعدة وتنظيم داعش فإنه من المحتمل أن تنساق الجماعات الجهادية الأهم في الغرب الإفريقي للقاعدة منهما لتنظيم داعش .

المراجع

1- اتفرح أحمد دولة ، الصراع بين القاعدة وداعش في بلاد المغرب، موقع اليوم ، فبراير 2016م ، 3 ص ، الرابط http://www.alyaum.com/article/4122335 

2- الحسين الشيخ العلوي ، صراع النفوذ بين القاعدة وتنظيم الدولة في إفريقيا ، مركز الجزيرة للدراسات ، تقارير ، فبراير2016م ، الرابط 

http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2016/02/2016217925474124.html

3-  محلِّلون: داعش تحاول انتزاع القيادة من القاعدة في إفريقيا ، موقع بوابة إفريقيا الإخبارية ، نوفمبر 2015م ، الرابط http://www.afrigatenews.net/content

4- صراع نفوذ بين داعش والقاعدة في إفريقيا ، موقع إسلام أون لاين ، تقارير ، فبراير ، 2016م ، الرابط http://islamonline.net/15183

5- الحسين الشيخ العلوي ، المرجع السابق . 

6- محلِّلون: داعش تحاول انتزاع القيادة من القاعدة في إفريقيا ، المرجع السابق . 

7- حمدي عبد الرحمن ، صعود القاعدة في غرب إفريقيا ، موقع الجزيرة نت ، سبتمبر 2011م . الرابط http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions

8- خطر "داعش" يتنامى في إفريقيا ، موقع جريدة السفير ، 10-12-2015م ، الرابط http://assafir.com/Article/5/461204/SameChannel

9-  مصطفى أمين عامر ، القاعدة تحافظ على مواقعها في المغرب العربى والصحراء الكبرى و"داعش" تتراجع ، موقع بوابة الحركات الإسلامية ، تقارير ، ديسمبر2015م ، الرابط http://www.islamist-movements.com/32436

10-  أبوالفضل الإسناوي ، شبكات العنف "الجهادية" في المغرب العربى ، مجلة السياسية الدولية العدد الثامن والتسعون ، موسسة الأهرام ، الرابط 

http://www.siyassa.org.eg/NewsQ/4947.aspx

11-  صراع النفوذ بين القاعدة وتنظيم الدولة في إفريقيا ، المرجع السابق .