"مملكة الكراهية" قراءة نفسية وسياسية للشر الوهابي في العالم
الخميس 30/يونيو/2016 - 01:08 م
طباعة
اسم الكتاب: مملكة الكراهية كيف دعمت السعودية الإرهاب العالمي الجديد
تأليف: دور جولد
ترجمة: محمد جليد.
منشورات الجمل- ألمانيا
أثناء زياراتي إلى مؤسسات وجمعية ومفوضيات عديدة بأمريكا لاحظت دائمًا احتلال المملكة العربية السعودية مكانة متقدمة في انتهاك حقوق الإنسان والاضطهاد الديني وامتهان المرأة، وعندما كنت أتساءل عن عدم تطبيق أي عقاب أمريكي على المملكة كنت أتلقى ردودًا عائمة من قبيل أن دورنا هو الرصد فقط، وأن الاقتصاد والتحالف السعودي أمن قومي لأمريكا، حتى قرأت هذا الكتاب الذي كشف عن حقيقة أن وضع السعودية لأمريكا مثل وضع إسرائيل لها؛ حيث يوضّح المؤلف وهو بروفيسور في السياسية والقانون الدولي بالوثائق الرسمية والتواريخ والأرقام والإحصائيات الإسهام العميق والكبير الذي تسهم به المملكة العربية السعودية بتغذية الفكر الديني المتطرف وتنمية النزعات التكفيرية للفكر الوهابي علانية وجهارًا تارة وسريا تارة أخرى. ويرصد المأزق السياسي للإدارات الأمريكية المتعاقبة والازدواجية العلنية والسرية للتعامل الأمريكي مع المملكة العربية السعودية على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية. فالإدارات الأمريكية جمهورية كانت أم ديمقراطية تتعامل مع المملكة بطريقة ازدواجية مثيرة للغرابة ومتناقضة مع القيم الديمقراطية التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية، كعقيدة ثابتة تفرضها على جميع الدول التابعة تحت هيمنتها، وهي علاقة تشبه وتتقارب كثيرًا من موقف أمريكا من دولة إسرائيل.
وبينما أخذت المملكة العربية رسميًّا تدين التطرف الديني والفكر التكفيري التدميري الذي عمل بالدول والناس الأبرياء فتكًا وتقتيلًا، وزعزع الاستقرار العالمي منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 حتى اليوم- يرصد المؤلف الكثير من الجمعيات "الخيرية" التي يديرها أمراء ونافذون في المملكة "والمدارس" التي تحترف تغذية الكراهية للمواطنين السعوديين وغيرهم بدروس الحقد وتحليل دم ليس لمن لا يدين بالدين الإسلامي فحسب، وإنما تتعدى ذلك ليشمل الجميع ممن لا يدينون بالفكر الوهابي ذاته.
قراءة نفسية
يقدّم الكتاب قراءة نفسية للسلوك التاريخي للوهابية السعودية، وتوصل إلى أن هذه الدولة مؤسسة على كراهية دينية، تصنّف الآخر بما في ذلك المسلم في قائمة الأعداء، وهو تصنيف مشفوع بتبرير ديني، وهو وراء شن الحروب وغزو المناطق منذ انعقاد التحالف بين الوهابية وآل سعود؛ يقول: إن الغارات القبلية باتت تتم بوصفها فريضة دينية، فما كان يؤخذ باعتباره غنيمة قبلية أصبح الآن يفرض باعتباره خمساً. لقد شرعنت الوهابية الجهاد ضد المسلمين لأول مرة في التاريخ الإسلامي، وإن قتل أولئك الذين رفضوا الانضواء تحت واعتناق العقيدة الوهابية وبالتالي السيادة السعودية ومصادرة ممتلكاتهم يعتبر عملاً محموداً ومندوباً.
إن سمة الشرك التي ألصقها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه من بعده بكافة السالكين لغير طريقته انطوت على شحنة كراهية هائلة. تماماً كما أن تدمير قبور الصحابة وزوجات المصطفى باعتبارها أماكن لممارسة الشرك بحجة التوسل بها من غير الله، وهكذا هدم المساجد والآثار التاريخية في أهم بقعة في تاريخ البشرية وتغيير معالم المدينتين المقدّستين بحجة التوسعة أو إزالة آثار الشرك أو المؤدية اليه، لم تكن سوى تجسيدات لنزعة الكراهية المؤسسة على خلفية دينية.
ومن الناحية التاريخية، فحتى وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عام 1791 كانت ذراع الوهابية السعودية قد امتدت إلى أقصى الخليج، فكانت عمان والبحرين تدفعان الجزية، وفي عام 1803 سقطت مكة المكرمة تحت حكم الوهابيين ومن ثم أجزاء من العراق. لقد كانت حرباً شرسة يفقد فيها الرجال والنساء والأطفال أرواحهم، وتصادر فيها ممتلكاتهم، ولا ترعى فيها حرمة ولا تصان فيها كرامة.
إن حملات الكراهية بلونها الدامي شكّلت صدمة عنيفة للمسلمين الذين لم يعهدوا، منذ زوال الخوارج كأول حركة تكفيرية استئصالية في تاريخ المسلمين، ظهور حركة انشقاقية بصورة راديكالية. ولذلك قام العثمانيون بالرد السريع لوضع حد لحمامات الدم التي اقترفتها جيوش الدعوة الوهابية في المناطق الخاضعة تحت إدارة الدولة العثمانية. وقد قامت الجيوش العثمانية في الفترة ما بين 1811 و1818 بحملات عسكرية لتصفية جيوب الوهابية السعودية.
ولكن جاء أحفاد عبد الله وهم محمّلون بروح الانتقام لإعادة بناء دولتهم على الكراهية الدينية، ونشروا فكراً يقوم على تقسيم العالم إلى موحدين ومشركين ومؤمنين وكفار، وانطلقت جحافل الدعاة في أرجاء المعمورة لتحيل منها جبهات حرب مفتوحة. وفي الثلاثنيات من القرن التاسع عشر كانت الحركة الوهابية قد تسللت إلى القارة الهندية ودشّنت قواعد لها في مجتمعات القارة تلك، وفي عام 1912 كانت الخلايا الوهابية تعمل في أرجاء آسيا الوسطى.
يقول رود جولد بأنه كان على خطأ قبل تأليف لكتاب مملكة الكراهية، فقد كان يعتقد بأن آل سعود يعارضون الوهابيين، ولكنهم تسامحوا معها بسبب نفوذها الواسع داخل الجزيرة العربية، ولكن تبيّن له من خلال تقصيه الحثيث للعلاقة التاريخية بينهما بأن الوهابية وآل سعود هما وجهان لعملة واحدة.
من الاكتشافات أيضاً أن البريطانيين، الذين تحالفوا مع ابن سعود لإقامة دولة سعودية مضادة للامبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، اعتقدوا بأن ادعاءات السعوديين بأن كراهيتهم للعثمانيين هي بسبب عدم نقاوتهم الدينية لا تدلل على عداوة تجاه المسيحيين أيضاً. إلى جانب، يعتقد البريطانيون، بأن ماذا يمتلك العرب أو غيرهم من قوة يوجهونها ضد امبراطورية جلالة الملكة. لقد بدأ البريطانيون باكتشاف أنه بعد الحرب بأنهم لحظوا عدم قدرة الاتحاد الوهابي السعودي من إزالة الدولة الهاشمية من الجزيرة العربية. وبخلاف العثمانيين، فإن البريطانيين كانوا غير قادرين على تصعيد البعد العسكري أكثر من الأبعاد الدينية والسياسية للهجوم المتطلب لهزيمة الهرطقة الدينية الممثلة في الوهابية.
الأمريكيون الذين ورثوا البريطانيين في الهيمنة على المنطقة لم يدركوا حقيقة وطبيعة المشكلة التي سيواجهونها في المستقبل. فقد كان التفسير الكلاسيكي لدى مكتب الاستخبارات الأمريكية في شركة أرامكو النفطية يفسّر الوهابية على أنها المعادل العقدي للحركة الطهرانية. ومنذ ذاك كانت الحكومات الأمريكية تعتقد بأن سلطة العائلة المالكة ستحول دون انفلات التطرف من قمقم الوهابية، وأنها ستضع القيود على التطرف الوهابي، وهو ما ثبت بطلانه بصورة مدوّية.
فأن تقوم العائلة المالكة بشن حملة تيولوجية ضد الوهابية مستبعد للغاية، فبدون الوهابية فإن العائلة المالكة لن تصمد في الحكم ولن تكون قيادة في الجزيرة العربية، بل لن تكون هناك دولة في الأصل. وبوضوح أكثر، فإن سلوك العائلة المالكة المعتل والفاسد لا يجعلها تحظى بصفة دينية، بل هناك كثيرون في الداخل والخارج ينظرون إلى تصرفاتها ومواقفها وسياساتها بأنها مخالفة للشرع الإسلامي، ولذلك فإن وجود المؤسسة الوهابية يضفي عليها هذه الصفة ويبرر اقترافاتها الفظيعة المناوئة لقيم الدين. فالوهابية بالنسبة للعائلة المالكة إحدى ضمانات السلطة السعودية. ولذلك يعتقد البعض بأن الفكرة القائلة بأن العائلة المالكة قادرة على أن تكسب شرعية غير دينية ولتكن الديمقراطية هي مجرد وهم. فآل سعود حسب صاحب كتاب مملكة الكراهية متمسكون بالنمر الذي يمتطون.
في كافة قارات العالم الآن، هناك رؤية موحدة حول الإسلام فرضتها الوهابية باسم أكثر من مليار ونصف مسلم يدفعون ثقلين من الكراهية: الأول من الحكم التكفيري الاستئصالي للوهابية ضدهم والمؤسس على قاعدة تجريد المسلمين غير المنتمين للوهابية من الإسلام، والثاني من دول ومجتمعات استيقظت على وقع زلزال الإرهاب الذي ضرب كل زوايا العالم باسم الإسلام، فأصبح المسلم متهماً أينما كان، فسنّت القوانين الصارمة للحد من حركة المسلمين والتضييق عليهم في أرزاقهم ومعائشهم. ولا يجب أن ننسى الاقترافات الشنيعة من قبل الحلفاء الاستراتيجيين للدولة السعودية الذين أمدّوها بالمال والسلاح كيما تصل إلى مرحلة التغوّل، فلولا الدعم المتواصل لما استطاعت ذراع التطرف أن تبطش بكل اتجاه. فبريطانيا تتحمل قسطاً من مسئولية الدعم المالي والعسكري لابن سعود كيما يؤسس دولة الكراهية في الجزيرة العربية، كما تتحمل الولايات المتحدة قسطاً آخر من المسئولية والجريمة في توفير مقوّمات الاستقرار والاستمرار للدولة السعودية، وأن تشترك معها في مشاريع جهادية بحجة مقاومة المد الشيوعي ليس في أفغانستان وآسيا والصين والقارة الإفريقية بل وحتى أمريكا اللاتينية، فمملكة الكراهية لم تتأسس بدون دعم الغرب والولايات المتحدة بخاصة.