هل عاد "جهيمان" للحرم النبوي في ثياب "داعش"؟
الأحد 17/سبتمبر/2023 - 10:50 ص
طباعة
حسام الحداد
اسم الكتاب: حتى لا يعود جهيمان
التأليف: توماس هيغهامر- ستيفان لاكروا
ترجمة وتعليق: حمد العيسى
الناشر – منتدي المعارف بيروت
أعادت الحادثة الآثمة لمحاولة تفجير مسجد الحرم النبوي الشريف إلى الأذهان واقعة احتلال "جهيمان" للحرم، وهي الواقعة التي جمع المؤلفان كل الوثائق حولها في كتاب "حتى لا يعود جهيمان" الذي ترجمه حمد العيسى، ويتكون الكتاب من عدة مقدمات وفصلين، ويتحدث الفصل الأول عن جهيمان وأحداث احتلال الحرم، ويختص الفصل الثاني بدراسة تأثير الشيخ الألباني وأفكاره عن الجهاد علي جهيمان.
جهيمان واحتلال الحرم
وقعت هذه الحادثة في 20 نوفمبر سنة 1979 الموافق 1 محرم سنة 1400 هجرية، وهزت العالم الإسلامي لمدة 3 أسابيع كاملة. منع فيها الآذان وإقامة الصلاة في الحرم المكي تماما لأول مرة بواسطة مجموعة مسلحة من 200 إرهابي احتلوا الحرم تماما وأغلقوه، وأخذوا المصلين والمعتمرين المحرمين رهائن (رجال ونساء وأطفال وعجائز ومرضى ومعاقين) واحتموا بهم كدروع بشرية، واعتلوا المآذن، وكانوا يقومون بقتل أي أحد يقترب من الأبواب من أي قوات. وذلك عن طريق القنص بأسلحة متطورة. وهي الأسلحة التي دخلت الحرم في نعوش للموتى كإنها للصلاة عليهم وكان هناك أسلحة إضافية مخبأة في غرف الاعتكاف تحت الحرم من رمضان السابق، وكان الإرهابيون يختبئون في بئر زمزم أثناء محاولات الاقتحام على مدار أسبوعين.
حاولت القوات السعودية أكثر من مرة يقتحموا وينقذوا الرهائن وفشلوا لمدة أسبوعين ويقال: إن عدد شهدائهم كان بالمئات (تقديرات ما بين 600- 1500)، وكذلك من الرهائن (بالمئات على أقل تقدير)، وكان المسلحون يستخدمون ميكروفونات الحرم لإلقاء البيانات ولحث القوات المهاجمة على الانضمام لهم وتوقفت الحياة تمامًا في المملكة كلها (إجازة مفتوحة لكل المصالح والمدارس والجامعات).
قائد الهجوم كان اسمه جهيمان العتيبي، ويقال إنه احتل الحرم لإعلان مبايعة محمد بن عبد الله القحطاني على أنه المهدي المنتظر. وتغير نظام الحكم في السعودية.
والعملية انتهت باقتحام الحرم عسكريًّا بالدبابات والأسلحة الثقيلة تحت حماية مروحيات، وقتل العديد من الإرهابيين ومنهم القحطاني (ومئات الرهائن أيضًا للأسف)، وأسر العتيبي حيًّا (تم إعدامه فيما بعد). ويقال: إن القوات الخاصة المصرية شاركت في الاقتحام، ويقال كذلك: إن قوات مكافحة الإرهاب ومروحيات من الجيش الفرنسي شاركت في الاقتحام بفتوى خاصة (ممنوع دخول مكة لغير المسلمين، وكان ممنوع الطيران فوقها، أعتقد كانت المرة الأولى اللي حلقت فيها الطائرات فوق الحرم مباشرة)؛ حيث صدرت الفتوى التي تبيح قتال هؤلاء المجرمين في الشهر الحرام داخل الحرم بعد أن أباحوا هم لأنفسهم سفك الدماء فيه في الشهر الحرام، ويستشهد بالآية الكريمة: "ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين".
وبعد ذلك أضاف المترجم سبعة ملاحق، الأول والثاني فقرات من كتب غربية عن السعودية وحادثة جهيمان، والثالث حوار لصحيفة السفير اللبنانية مع الملك فهد بعد إنهاء التمرد وكان حينها ولياً للعهد، والملحق الرابع حوار لذات الصحيفة مع الأمير نايف وزير الداخلية آنذاك، والملحق الخامس نقل فيه بيان هيئة كبار العلماء، وأما السادس وهو الأهم فقد تضمن ترجمة 35 وثيقة من برقيات السفارات الأمريكية في جدة والظهران والكويت ودمشق وعمان والقاهرة والرباط اشتراها المترجم من حرِّ ماله-وهو الذي لا يجد دعماً ولو معنويًّا مع الأسف-، والملحق السابع للصور؛ وإحداها تنشر لأول مرة في كتاب صادر بالعربية، وهي صورة الضباط الفرنسيين الثلاثة ومعهم ضابط سعودي طمس وجهه؛ ولا أدري ما سبب الطمس؟
ومما جاء في الكتاب أن أمريكا كانت أول من أعلن نبأ احتلال الحرم على لسان مساعد وزير خارجيتها في ذلك الوقت هودنج كارتر قبل أن تعلنه المملكة؛ واتهمت أمريكا إيران والشيعة بذلك، وبالمقابل رد الخميني بأن الحادث خطة أمريكية للسيطرة على الحرم لتندلع مظاهرات عارمة في باكستان ضد السفارة الأمريكية أدى لإحراقها وقتل دبلوماسي أمريكي، أما الاتحاد السوفيتي والشيوعيون العرب فوصفوا الاحتلال بأنه انتفاضة الطبقة العاملة، وكانت السلطات السعودية قد قطعت جميع الاتصالات ومنعت الوصول لمكة حتى لا يتسرب الحدث وتطوراته، ويقول المترجم إنه من حسن حظ الحكومة السعودية أن وسائل الاتصالات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي لم تكن معروفة حينذاك.
وحاول المؤلفان تعليل هذه الحركة، وذكرا عدة أسباب، لكن أهم عامل منها حسب توضيح المترجم في هامش ص31 هو سرعة وتيرة التحديث التي أدت لتحرر المجتمع، علماً أن التحديث ليس مشكلة بحد ذاته، وإنما البلاء في ضياع الهوية وفقدان البوصلة، وقد أشارت السفارة الأمريكية في الوثيقة المهمة رقم 35 إلى أهمية التعاون مع الحكومة المحلية في التحديث المتدرج بما لا يصادم بقوة الثقافة السائدة.
ويضيف الباحث الأمريكي جوشوا تايتلباوم إلى ما تقدم أنه كان لفقدان العلماء المتخصصين في الدين استقلاليتهم في نظر الناس بعد أن تحولوا لموظفين حكوميين برواتب أثر في انخفاض قدرة المؤسسة الدينية على توجيه الناس، وليت شعري لو رأى تايتل هذه المؤسسة وما تتعرض فما كان سيقول؟! وفي هامش ص 55 يتساءل المترجم:هل دعم السعودية للجهاد الأفغاني كان لاسترداد شيء من شرعية النظام الإسلامية التي اهتزت بعد حادثة الحرم؟ وهو ذات التساؤل الوارد في وثيقة للسفارة الأمريكية.
وفي لقاء الملك فهد- ولي العهد آنذاك- مع صحيفة السفير في 09 يناير 1980 روت الصحيفة على لسانه أن مجلس الشورى سيعين خلال شهرين، وبعد ذلك يتولى المجلس مناقشة النظام الأساسي وإقراره، لكن الذي حدث- لأسباب وجيهة ربما- أن النظام الأساسي صدر بعد هذا اللقاء بإثني عشر عامًا، وعُين مجلس الشورى بعد صدور النظام الأساسي بعامين. ثم نقلت الصحيفة- والعهدة عليها- قوله: "بين المواطنين من هو أغنى من أفراد عائلتنا وإن أكثرنا كعائلة لا يتمتع بواحد في المائة مما يتمتع به الكثير الكثير من المواطنين لا من ناحية السكن ولا من ناحية المعيشة".
أما الأمير نايف فقد أصر في لقائه مع ذات الصحيفة المنشور في 10 يناير 1980 على استخدام السيف في القصاص دون التفات للرأي العام الغربي، وفي عام 1434 وجهت وزارة الداخلية إمارات المناطق بإمكانية استخدام الرصاص في القصاص بديلاً عن السيف. وفي اللقاءين تكرر تضايق الملك والأمير من غياب المهنية في الإعلام، وتزوير الحقيقة.
ويتبين من ملحق وثائق السفارات الأمريكية أن السفارة تستفيد من الموظفين الأمريكان المدنيين والعسكريين في تقصي الأخبار؛ فضلاً عن وجود مواطنين لبعضهم وظائف مهمة أو مكانة مرموقة ويتحدثون مع موظفي السفارة دون تحفظ! وعلى سبيل المثال: نقلت المصادر للسفارة أن أعداد القتلى والجرحى أكبر من المعلن عنها رسميًّا.
وللسفارة متابعة دقيقة للإعلام المحلي باللغتين؛ حيث ذكرت إحدى الوثائق أن أوسع تقرير عن حادثة جهيمان نشر في صحيفة محلية ناطقة بلغة أجنبية! وحسب السفارة فقد حظيت زيارة وزير المالية الأمريكي باهتمام صحفي أكثر مما حظيت به 26 زيارة تضامنية للمملكة بعضها من زعماء!
وتحدثت الوثائق عن أهمية سلامة المواطن الأمريكي وأمنه سواء رضيت الحكومة المحلية أو غضبت، ولذا استنفرت أمريكا للسؤال عن مصير اثنين من الأمريكيين المشاركين مع جهيمان، وحصلت القنصلية في الظهران على تأكيدات عليا بالحماية؛ مع نصيحة بعدم إعلان مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد والامتناع عن الخروج حال السُّكر!
وخصصت الوثيقة رقم 35 لتقرير السفارة عن السعودية عام 1979؛ حيث تضمن التقرير أربع مشكلات تواجهها أمريكا في العلاقة مع المملكة، وهي:
1- الثورة الإيرانية وتأثيراتها وهي مزعجة للحكومة السعودية والأكثر إزعاجاً تخلي أمريكا عن صديقها الملك المخلوع!
2- النزاع الفلسطيني اليهودي والتعهدات الأمريكية لتطمين الحكومة السعودية المهتمة بفلسطين.
3- التهديد الروسي للمنطقة.
4- الفساد بالمعنى الغربي ويعنون به الفساد المالي والإداري.
ويوصي التقرير بحل مشكلات تحديث المجتمع بالتعاون مع الحكومة بوتيرة هادئة لا تثير ولا تصادم الثقافة الشعبية، ويشير إلى رغبة أكثر المواطنين بأن تستعيد الحكومة التزامها الديني، ويصف مشاعر أغلب السعوديين بأن علاقة الحكومة مع أمريكا تصب في مصلحة أمريكا فحسب، ويعلق معد التقرير أنه لحسن الحظ فالقيادة لا تشارك شعبها في هذا الشعور! ثم يختم باحتمالية وقوع حوادث أخرى مستقبلا؛ حيث أثبتت الحادثة أنه ربما يمكن لمجموعة دينية أخرى غير منشغلة بمزاعم مهدوية أن تسبب تهديداً جدياً للنظام إذا أثارتها سياسات التحديث والفساد في الحكومة. فهل عاد جهيمان في أجساد داعش؟