التراث القبطي في فكر "سلامة موسى" في كتاب حول الهوية القبطية
الثلاثاء 20/سبتمبر/2016 - 01:20 م
طباعة
اسم الكتاب: مقالات في الهوية القبطية
الكاتب: ماجد كامل
الناشر: إيبارشية المعادي القاهرة 2016
الكثير من الفكر الحضاري المصري مرتبط بشكل أو بآخر بأثر الهوية القبطية المميزة لمسيحيي مصر، من هذا المنطلق قدم الباحث الكبير ماجد كامل كتابه الذي يضم مقالات متنوعة عن أثر شخصيات عظيمة من بين الأقباط أثرت في بناء الحضارة الفكرية المصرية فتحدث الكتاب عن دور القس يوحنا الشفتشي في مساعدة العالم شامبيلون في فك لغات حجر رشيد، الأمر الذي يعد الكشف الأساسي الذي قام عليه علم المصريات وكشف عن مجاهل تاريخ وأدب أجدادنا العظمي وللأسف فالمصريون ينسبون الفضل كله لشامبليون ويتجاهلون القس يوحنا الذي علمه اللغة القبطية كما يقدم ماجد في هذا الكتاب مقالة رائعة عن التراث القبطي عند التنويري الكبير سلامة موسى، وجاء فيها:
يعتقد الكثيرون أن الكاتب والمفكر سلامة موسى ( 1889 – 1958 ) لم يكن مسيحيًّا حقيقًا ولم يكن متدينًا، أو على أقل تقدير لم يكن له اكتراث بالدين، ولكن القراءة المتأنية لكتاباته تثبت عكس ذلك تمامًا، فسلامة موسى كان كارها للتعصب بأسم الدين، كما كان داعية للحرية الفكر، ومن هنا فهو كان ضد التعصب الديني، أو التزمت العقلي الذي لا يسمح للفكر أن ينطلق. ولقد عبر هو نفسه عن مرحلة معينة في حياته عاني فيها من التذبذب الفكري، وقال عنها في كتابه "تربية سلامة موسى" ومع أني نشـات في المسيحية، وأحتضنتني الكنيسة أيام طفولتي وشبابي، فإنها كانت في تلك السنين الأولي من عمري في جمود لا يحمل على الحماسة أو يبعث على الولاء، وليس من شك أن الكنيسة قد نهضت هذه الأيام، وهي الآن غير ما كانت عليه قبل خمسين سنة، وقد تغير إحساسي نحوها تغيرات مختلفة.فقد عزفت عنها أيام الشباب؛ لأن وطأة العلوم العصرية كانت شديدة على نفسي. ثم عدت إليها في حنان فوجدت فيها تاريخنا المعذب الممزق، ووجدت صوت الفراعنة ينطلق عاليا من منابرها.فأصبحت الكنيسة القبطية عندي كنيسة قومية مصرية". (الكتاب السابق ذكره، دار ومطابع المستقبل، الطبعة الثانية عام 1958، ص 259).
ولقد خص الكاتب الكبير سلامة موسى جريدة مصر بمجموعة مقالات على فترات متفرقة ومتقطعة خلال الفترة من ( 1937- 1948 ) تقريبًا ركز فيها على الشأن القبطي كثيرًا، وفي هذا المقال سوف نعرض لبعض ما تمكنا من الوصول إليه من هذه المقالات، وفي حدود المساحة المتاحة من المقال. ففي مقال بعنوان "آثار الفن القبطي" نشر في في 23 أبريل 1937، وفيه يدعو إلى ضرورة الاهتمام بدراسة تدريس الفن القبطي سواء في المدارس أو الجامعات فيقول "إن مصلحة الأمة– وليس الأقباط فقط- تقتضي العناية بالآثار القبطية والدراسة المتواصلة للغة والثقافة القبطية، فيجب علينا جميعا أن نعني بهذا الدرس ونخصه بأذكي عقولنا وأوفر أموالنا، وأولئك الذين يغارون على الكنيسة يجب أن يعرفوا أن غيرتهم لا قيمة لها ما لم ينفقوا من وقتهم ومالهم لدرس الآثار واللغة والثقافة القبطية".
وفي مقال آخر بعنوان "ثلاثة مبادئ مسيحية" نشر في 1 مايو 1937، ذكر أنه يوجد ثلاثة مبادئ عليا هي في جوهرها مبادئ مسيحية، لا تقوم بغيرها نهضة الشعوب، وهذه الثلاثة مبادئ هي:-
1- المبدأ الأول هو أن الكنيسة تخدم شعبها وليس الشعب هو الذي يخدم الكنيسة.
2- المبدأ الثاني هو أن الله آب لجميع البشر، وجميع البشر إخوة.
3- المبدأ الثالث هو أن الطبيعة حسنة ولكن المجتمع هو الذي يفسدها.
وفي مقال آخر بعنوان "قوميتنا الفرعونية هي الأساس للوطنية المصرية" نشر في 15 مايو 1937 أكد فيه على أهمية الأهتمام بتراثنا الفرعوني؛ لأنه هو الأساس الذي بنيت عليه قوميتنا المصرية حيث قال: "الحقيقة أننا مازلنا مصريين فرعونيين في دمائنا وإننا نبعد كثيرا عن السلالة السامية، ووجه الفلاح الحالي هو وجه تحتمس ورمسيس وسيتي وخوفو وخفرع لم يتأثر بالدم الأجنبي...... لذا يجب علينا أن ندرس تاريخ الفراعنة الدرس الوافي وأن تزيد عناية الحكومة بهذا الأمر".
ولقد أهتم سلامة موسى بحكم اهتمامه بالتعليم والثقافة بضرورة الاهتمام بالكلية الاكليركية، بأعتبارها هي المدرسة التي يتخرج فيها الكهنة في المستقبل، فكتب مقالا بتاريخ 21 فبراير 1938 عنوانه: "رسامة القسيسين من غير المتعلمين خطر يجب أن تكافحه البطريركية".
كما أكد على نفس الفكرة في مقال هام عنوانه "بواكير الإصلاح في البطريركية" نشر في جريدة مصر بتاريخ 25 يوليو 1946 يدعو فيه دعوة واضحة وصريحة إلى ضرورة الاهتمام للنهوض بالكلية الأكليركية فيقول: "نحن ندعو إلى النهوض بالمدرسة الإكليركية بزيادة ما ينفق عليها حتى نستطيع أستخدام خير المعلمين الأكفاء وكذلك ندعو الآباء المطارنة إلى الاتفاق على ألا يرسموا أحد قسيسا إلا إذا كان من خريجي هذه المدرسة. وبذلك يضمن طلبتها مستقبلهم ويقبلون في رغبة وحماس على الالتحاق بها".
وفي نفس الإطار على حرصه على الاهتمام بالكلية الإكليركية وتطوير مناهجها بما يتلائم مع متطلبات العصر، كتب مقالا هامًّا بعنوان "امتحانات المدرسة الإكليركية" نشر في 8 أكتوبر 1946 قال فيه: "نرجو المطارنة أن يستقروا على نظام لا يخالفونه بقرار من المجمع المقدس مثلا، وهو ألا يرسموا قسيسًا إلا إذا كان من خريجي المدرسة الإكليركية، وأن ينتهوا إلى بطلان رسامات غير هؤلاء الخريجين من الان فمستقبلا، وهم إذا فعلوا هذا رفعوا المدرسة إلى مكانة اجتماعية تجذب الشعب للتعلم فيها".
وفي مقال آخر نشر بتاريخ 31 يوليو 1946، تحت عنوان "الرهبان الأقباط" وبعد أن عرض في شيء من التفصيل للنهضة العلمية والفكرية لمدارس الرهبان اليسوعيون والفرير، يدعو الرهبان الأقباط إلى الغيرة منهم والعمل على الاققتداء بهم "ما أحرانا نحن الأقباط بأن ندرس هذه الأساليب التي يتبعها الرهبان اليسوعيون والفرير وغيرهم، فإن لنا نحن أيضا رهبان، فلماذا لا نستخدمهم في التعليم الالزامي لأبنائنا؟!".
وفي مقال بالغ الأسي والمرارة نشر في 13 نوفمبر 1946 بعنوان "أني أكتب لأوبخ" قدم في البداية عرضًا تفصيليًّا للخدمة الناجحة للكنيسة الكاثولوكية في مدارسها وصحفها، يطلب من الأقباط ان يغيروا منهم غيرة مقدسة فيقول: "إننا لا نحسد أخواننا الكاثوليك على نجاحهم ولكننا نحزن لأننا لا ننشط مثل نشاطهم ولا نجد من المجلس المللي ومن الجمعيات والكهنة الأرثوذكس ومن الشباب الأقباط مثل هذا النشاط...... أني أكتب لأوبخ".
ويطالب سلامة موسى الكنيسة القبطية بالاهتمام بتراثها ومخطوطاتها، فيكتب في مقال بعنوان "مؤلفاتنا الطائفية" نشر في 11 أكتوبر 1946، فيقول: "يوجد في مكتبة الدار البطريركية بل كذلك في الاديرة من الكتب المخطوطة عشرات مما يستحق النشر بين الجمهور، ويمكن للدير المحرق مثلا أن يرصد ألف جنيه كل عام من إيرادته لمثل هذا العمل الجليل، وكل ما نحتاجه في الوقت الحاضر هو تأليف لجنة للدرس التمهيدي لهذا الموضوع. مثل هذا المشروع لا ينتفع به الأقباط وحدهم، إذ تعم منفعته التاريخية على جميع المصريين".
ولقد طالب سلامة موسى بحكم عمله كصحفي أساسا، بضرورة الاهتمام بالصحافة القبطية والعمل باستمرار على تطويرها، وفي هذا الإطار كتب مقالا بالغ الاهمية بعنوان "صحافتنا القبطية في حاجة إلى نهضة" نشر بتاريخ 10 أغسطس 1946، قال فيه: "إننا نحتاج إلى مجلة تعني بالأديرة والقوانين الكنسية والأحوال الشخصية بين الأقباط والجمعيات الخيرية وكذلك أيضا الكتب الدينية التي تعني بالعقيدة الآرثوذكسية واللغة القبطية التي تعد الباب الذي يفتح لنا تاريخ جدودنا".
ولقد أكد على نفس الفكرة في مقال آخر بعنوان "مجلة للبطريركية القبطية الأرثوذكسية" نشر بتاريخ 7 يوليو 1947، أكد فيه على ضرورة وجود مجلة دسمة مشبعة باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
ولقد حث سلامة موسى الشباب القبطي على ضرورة الاهتمام بالقراءة والثقافة الحرة التي تغذي العقل وتنميه، فكتب مقالا بعنوان "إلى الشبان الأقباط اقرأوا" نشر بتاريخ 9 سبتمبر 1946، قال فيه: "هناك مؤلفون في مصر يجب أن يقرأ الشباب الأقباط مؤلفاتهم مثل طه حسين وأحمد أمين وحسين فوزي ومحمد مندور وإبراهيم ناجي وتوفيق الحكيم وإبراهيم المازني وأحمد الصاوي وغيرهم الكثير".
كما أكد على أهمية وضرورة التعليم للأقباط، إذ كتب مقالا بتاريخ 12 سبتمبر 1946 بعنوان "إلى الشبان الأقباط تعلموا".
ولقد اهتم سلامة موسى أيضا بضرورة الاهتمام بالاديرة القبطية خصوصا التعليم فيها، حيث كتب مقالا هاما بعنوان "الأديرة القبطية" نشر بتاريخ 23 فبراير 1948 قال فيه: "ونحن نتتظر من صاحب الغبطة البطريرك أن يحث على ترقية التعليم بالأديرة وتزويدها بالكتب التي تحتاج إليها، كما نرجو أن يهتم غبطته بإرسال البعثات الدينية إلى الكليات الدينية الأرثوذكسية وربما يكون من الحسن الذي يلائم عصرنا أن يجد حملة الشهادات العليا مكانة مهمة في الأديرة إذا رغبوا في حياة الرهبنة".
ويتابع سلامة موسى الكتب الجديدة عن الأقباط التي تظهر في دور النشر العالمية، فيكتب تحت عنوان "كتاب جديد عن الأقباط" نشر بتاريخ 8 مارس 1948 قال فيه: "أخرجت جامعة ميتشجان كتابا جديدا عن الأقباط هو موجز تاريخهم عامة عامة ولغتهم القبطية خاصة، والمؤلف هو مستر وليم ورل وهو على معرفة دقيقة بنشأة اللغة القبطية وتطوراتها".
ويهتم سلامة موسى بالمصلح الكبير البابا كيرلس الرابع، فيكتب عنه مقالا هاما بعنوان "ذكرى كيرلس المصلح" نشر بتاريخ 31 يوليو 1947 قال فيه: "وما زلت أتعجب كيف أن هذا الراهب الصعيدي استطاع أن يدرك في سنة 1847 قيمة التعليم للمرأة القبطية، وكيف جاهد وتعب حتى أخرج بناتنا من الحارات والأزقة المظلمة وقادهن إلى المدرسة القبطية في الأزبكية؟".
ولقد طالب سلامة موسى الشباب القبطي بضرورة أن يعي تاريخه وحضارته جيدا، ونقطة البداية عنده هي دعوته إلى ضرورة الاهتمام باللغة القبطية وأهمية الصلاة بها، فكتب مقالا بالغ الأهمية بعنوان "اللغة القديمة وواجب المصريين" بتاريخ 27 أبريل 1935 قال فيه: "اللغة المصرية القديمة هي لغة المصريين القدماء بعد أن كتبت بالحروف الإغريقية وزيدت عليها بعض الألفاظ الإغريقية. ومن واجب كل قبطي أن يلم بها بل عليه إذا أستطاع أن يدرسها وأن يجعل من درسها الوسيلة إلى معرفة المصرية القديمة".
كما كتب مقالا آخر بالغ الأهمية بعنوان "خطتنا نحوها هي نفس خطة المحافظين" ويقصد بها طبعًا الكنيسة القبطية بتراثها وحضارتها، ولقد نشر المقال بتاريخ 18 نوفمبر 1936، حيث قال: "إن كثيرين من يتذمرون من بقاء اللغة القبطية في كنائسنا ويزعمون أن الصلاة تجري بها في حين يجهلها المصلون. ولكهنم ينسون أن العيب هنا هو عيب المصلين وليس عيب الكنيسة. وهذه اللغة تربطنا بآبائنا قبل سبعة آلاف سنة. وقد كانت ولا زالت مفتاحًا للغة الفراعنة، وهي من هذه الوجهة تراث مجيد يجب إلا نتهاون فيه. يجب أن تبقي كنيستنا محتفظة بكل ما ورثته من مأثورها وتقاليدها. فإن تاريخ الطائفة القبطية هو في الحقيقة تاريخ الكنيسة القبطية. وليست اللغة القبطية وحدها هي التراث الوحيد الذي نرجو بقاءه في كنيستنا، فأن الملابس القبطية التي يتخذها الكهنة وقت الصلاة، وأيضًا بعض الأعياد التي نحتفل بها كذلك بناء الكنائس وهندستها".
وفي لمسة وفاء جميلة نحو زميله في مسيرة التنوير عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وبعد أن قرأ الفصل الذي كتبه عن الكنيسة القبطية في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر "كتب سلامة موسى مقالًا في جريدة مصر بتاريخ 10 يولية 1946 عنوانه "طه حسين والكنيسة القبطية"، قال فيه "هذا ما قاله طه حسين. وما أجدرنا بالانتباه إليه والتأمل فيه. فنحن في حاجة إلى طبقة جديدة من الرهبان والقسيسين. وذلك لا يكون إلا بإيجاد المدارس كما أننا بحاجة إرسال البعثات التي تلتحق بالكليات الدينية في أوروبا".
وبمناسبة الاحتفال بعيد النيروز، كتب مقالا بعنوان "عام جديد للأقباط" نشر بتاريخ 10 سبتمبر 1946 قال فيه: "إن كل شاب قبطي يجب أن يحس هذه المسئولية التاريخية ويجب أن يجهد نفسه لرفع شأن هذا الشعب القبطي الفرعوني.ويجب أن نكون جميعا على وجدان سام بتاريخنا ورسالتنا. وكما يعجب العالم بآثار جدودنا قبل خمسة آلاف سنة، يجب أن تكون رسالتنا أن نؤدي من الخير والبر والشرف ما يجعل العالم بعد خمسة آلاف سنة يعجب بآثارنا نحن".
أيضا من المقالات الجميلة التي تؤكد على أهمية الحضارة القبطية في فكر سلامة موسى، مقال نشر في جريدة مصر بتاريخ 7 يناير 1948، وكان العدد كله بمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، وعنوان المقال هو "نحن الأقباط" قال فيه: "نحن الأقباط نمتاز بقومية ونتسم بسحنة وننفرد بأخلاق تميزنا جميعا إينما كنا، حتي ليقال عن أحدنا عند أول رؤية.هذا قبطي لا غش فيه، ولنا دين قد تغلغل إلى نخاع عظامنا وغير طبيعتنا البشرية إلى الطبيعبة المسيحية، وقد علمنا عادات ووجهنا بأخلاق تجعل القبطي مع زوجته والقبطية مع أبنها على أوزان وقيم من الرحمة والرفق والرفق والنخوة. تجعل العائلة القبطية قوة وقدوة في كيانها وسلوكها".
كما أكد على أهمية الرعاية والاهتمام بالآثار القبطية باعتبارها تراث مصري لكل المصريين، فكتب مقالًا هامًّا في جريدة مصر بعنوان "آثارنا القبطية تصان وتدرس" نشر بتاريخ 27 مايو 1947 وبعد أن ذكر جهود العالم الكبير مرقس باشا سميكة في تأسيس المتحف القبطي كتب عن جمعية الآثار القبطية الموجودة حاليا بشارع رمسيس بجانب الكنيسة البطرسية قال فيه: "هذا المتحف القبطي كان يحتاج منذ إنشائه إلى جمعية تضم المهتمين بهذه الآثار لبحث مكانتها ومغزاها في تاريخ مصر والعالم، واستطاع الأستاذ مريت بطرس غالي ان يؤلف هذه الجمعية منذ أكثر من عشر سنوات، وأن يخرج مجلة الآثار القبطية. وقد أخرج إلى الآن بمعاونة الأستاذ بشنتلي سكرتير الجمعية طائفة من المطبوعات التي تشرح لنا ذلك العصر. وقد استخدمت المجلة مواهب الكثيرين من المؤرخين الذين درسوا تاريخ الأقباط من مختلف نواحيه منذ العلاقات بين مصر وبيزنطة. ومثل الآثار الباقية في الكنائس والأديرة والجبانات وما كتب على قبور الأقباط القديمة مما يوضح التاريخ في تلك القرون. وبحث النصوص التي تتصل بالآداب والقوانين والطقوس والكتب المقدسة. وكذلك النحت والرسم..... إلخ. والمجلة التي تخرجها الجمعية هي ثمرة الذكاء والولاء، وهي تخرج من وقت لآخر حافلة بالفصول الممتعة التي تشرح تاريخ الأقباط. وهي تكتب باللغات القبطية والإغريقية واللاتينية. ونحن نجد فيها أسماء جورجي صبحي بك، عزيز سوريال عطية، وأسكندر بدوي، وإيريس حبيب المصري، ومراد كامل، ويسي عبد المسيح، وكذلك أسماء الأب دريتون وزكي محمد حسن والمسيو مونييه وكثير غيرهم من الأوروبيين المهتمين بالدراسات القبطية. وقد جمعت الجمعية نحو 1300 مجلد في مختلف المجالات بمختلف اللغات تبحث التاريخ القبطي وما يتصل به. ولعل القراء الأقباط يجهلون مع الأسف العظيم أن هذه الجمعية قد أقامت معرضًا للآثار القبطية في عام 1944. وقد ضم هذا المعرض كثيرا من المنسوجات القبطية في القرون الستة السابقة للفتح الإسلامي. كما ضم أيضًا الكثير من معروضات الحجر والخشب المنقوشين.
وتنوي الجمعية القيام بإجراء حفائر في الأديرة الأثرية هذا العام. هذه هي خلاصة موجزة بل قد تكون مخلة في إيجازها عن جهود جمعية تخدم التاريخ القبطي ولكن يجهلها الكثير من الأقباط. ولذلك نحتاج إلى إبراز قيمتها والتنويه بمكانتها. لأنها تزيد وجداننا القبطي إذ تثر أذهاننا في ناحية ثقافية تمس قلوبنا. والفضل الأول في الدراسات القبطية يعود إلى المرحوم مرقس سميكة باشا. والفضل الثاني يعود إلى مريت بطرس غالي. وأخيرًا نحب أن نرى مؤلفات شعبية باللغة العربية تستخرج من أبحاث هذه الجمعية؛ كي يقف الجمهور المصري مسلميه وأقباطه على تاريخ هذا الوطن فيما يقرب من سبعمائة سنة تكاد تكون مجهولةً".
ويبقي في النهاية أملان ورجاءان: الأمل والرجاء الأول هو أن تهتم مؤسساتنا القبطية المعنية بالتراث بالعمل على جمع وتوثيق مثل هذه المقالات وغيرها من المقالات التي لم نستطع الوصول إليها، وجمعها ونشرها في كتاب ذخيرة للأجيال المقبلة. أما الأمل والرجاء الثاني فهو ضرورة تبني مشروع كبير لجمع وتوثيق ورقمنة كل المجلات والدوريات القبطية، فهي تحوي كنوزًا لا تقدر بمال، كما أن المجلة إحدى المصادر المهمة لدراسة التاريخ إن لم تكن أهمها على الإطلاق. فهل نجد من يستمع ويستجيب لهذين الرجائين؟!