الخبير شادى حميد لـ"سويس أنفو": "هناك فجوة خطيرة في استراتيجية أوباما ضد داعش"
الخميس 23/أكتوبر/2014 - 06:38 م
طباعة
لا يكاد يمر يوم إلا ويخرج أحد المسئولين في إدارة أوباما للتأكيد على أن مجابهة تنظيم "الدولة الإسلامية مهمة صعبة وستستغرق وقتا طويلا، بل إن وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ليون بانيتا أعرب عن اعتقاده بأن الحرب ضد داعش "قد تستمر ثلاثين عاما"، فيما يؤكد الرئيس اوباما ثقته في أن استراتيجيته ستنجح نظرا لدخول حوالي ستين دولة في تحالف دولي لمواجهة هذا التنظيم المتطرف، بل يصر على أنه لن يرسل قوات امريكية للقتال في العراق أو سورية رغم إجماع كل الخبراء على عجز الهجمات الجوية وحدها عن زحزحة داعش من المناطق التي سيطرت عليها في العراق وسوريا.
في محاولة للفهم ومزيد تسليط الضوء على هذه المسألة، قام موقع سويسانفو السويسري بمحاورة شادي حميد، الخبير في معهد بروكنجز في الولايات المتحدة لمناقشة تلك الإستراتيجية وما يلزم بالفعل لهزيمة داعش اذا توفرت الإرادة.
رغم كل الطنطنة عن وجود تحالف دولي واستراتيجية أمريكية لمواجهة داعش فإن مقاتلي التنظيم لا يتقهقرون وإنما يتقدمون كما نري في كوباني وغيرها، فما هو تقييمك لاستراتيجية أوباما؟
شادي حميد: بعد حوالى عشرة أسابيع من بدء الهجمات الجوية ضد مواقع داعش في العراق يواصل مقاتلو داعش الحفاظ على مواقعهم بل وحاولوا التقدم للسيطرة على مطار بغداد، وبينما نجحت استراتيجية أوباما في تقليص قدرة داعش على بسط سيطرتها على مزيد من الأراضي في العراق لم تسفر تلك الإستراتيجية حتى الآن عن انتزاع أي من المناطق الخاضعة لسيطرتها في العراق. أما في سوريا، فقد تمكن مقاتلو داعش رغم أسابيع من الضربات الجوية من التقدم باتجاه الحدود السورية مع تركيا وسيطروا على مئات القرى ويواصلون محاولتهم الإستيلاء على بلدة كوباني.
ولذلك يجب التمييز بين وضعين غير متماثلين في البلدين : ففي العراق هناك حكومة جديدة أكثر تمثيلا للشعب وقواه السياسية، وهناك قوات عراقية وكردية على الأرض، وقبائل سنية بدأت تُراجع مواقفها وقد تنقلب على داعش وكلها عناصر يمكن استخدامها في تغيير الوضع على الأرض وإن استغرق ذلك وقتا طويلا. أما في سوريا فيظهر الخلل في استراتيجية أوباما لأنه لا توجد قوات على الأرض بوسعها التصدي لمقاتلي داعش. فخطة وزارة الدفاع الأمريكية بتدريب خمسة آلاف من مقاتلي المعارضة السورية على مدى عام كامل لا توفر حلا عمليا حيث أن ذلك العدد لن يقوى على مواجهة تمترس مقاتلي داعش وأعدادهم في سوريا، خاصة وأنه ليس هناك ما يضمن قدرة المعارضة السورية المعتدلة على الصمود عاما آخر في مواجهة داعش وأخواتها من المنظمات المتطرفة العاملة في سوريا.
وزير الدفاع الأمريكي السابق ليون بانيتا اتهم بأن تردد أوباما وأخطاءه في التعامل مع ما كان يحدث في سوريا والعراق أسهم في خلق فراغ أدى إلى تنامي وصعود تنظيم داعش في البلدين، فهل توافقه؟
شادي حميد: بدون أي شك! فإخفاق أوباما في التدخل في سوريا عام 2012 منح داعش الفرصة في الصعود واكتساب منزلة متميزة حيث تمكنت من استغلال الفراغ السياسي والأمني في توسيع نفوذها وبسط سيطرتها على مناطق في سوريا بينما توسل مقاتلو المعارضة السورية المعتدلة لإدارة الرئيس أوباما أن تزودهم بالمعدات والأسلحة والدعم الأمريكي ولم تستجب وبمرور الوقت فقدوا القدرة على الحفاظ على مكتسباتهم وضعفت شوكتهم بينما تنامت سطوة داعش استنادا لقدرات مالية وأسس عقائدية تؤمن بها مجموعات من المقاتلين الراغبين في تقديم أرواحهم فداء لتلك الأسس وبسطوا سيطرتهم على مزيد من الأراضي ليس في سوريا وحدها وإنما في العراق.
وصحيح أن هناك الكثير من اللوم الذي يمكن توجيههه إلى أطراف عديدة، ولكن إدارة أوباما تستحق كثيرا من اللوم لإخفاقها في تبني استراتيجية جدية لبناء جيش من الثوار السوريين وتطوير قيادة مُوحّدة له وتجهيزه بأنظمة من الأسلحة المتقدمة وليس الأسلحة الخفيفة وكان من شأن ذلك السيناريو إحداث تغيير حاسم على الأرض، ويستحق أوباما الجانب الأكبر من اللوم لأنه لم يُصغ لتوصيات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع بانيتا بعمل المزيد للمعارضة السورية المعتدلة.
ولكن بماذا تفسر تجاهل أوباما لنصائح كلينتون وبانيتا إزاء ما يجب أن تفعله الولايات المتحدة في سوريا؟
شادي حميد: أعتقد أن أوباما كان ومنذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة في سوريا عازفا عن التفكير في التدخل الأمريكي في سوريا لعدة أسباب:
أولا: أن أولويته الأولي أن يسجل له التاريخ أنه الرئيس الأمريكي الذي تمكّن من التوصل إلى اتفاق مع إيران للتخلي عن طموحها لحيازة السلاح النووي من خلال سعيه لبناء علاقات أفضل مع طهران.
ثانيا: أن أوباما يشعر بعدم الثقة في قدرة الولايات المتحدة على التدخل في الصراعات الأهلية في الخارج وبطبيعة الحال تنطلق قناعات أوباما بأن التدخل الأمريكي يؤدي إلى تفاقم الحروب الأهلية من الإخفاق الأمريكي المُروّع في العراق.
ثالثا: حرص أوباما الشديد على أن يترك سجلا مفاده أنه الرئيس الأمريكي الذي أخرج الولايات المتحدة من الحروب المأساوية الباهظة التكاليف في العراق وأفغانستان وكان من شأن التدخل الأمريكي في سوريا تقويض ذلك السجل.
ولكن من المفارقات الساخرة أن أوباما الذي حاول أن ينأى بالولايات المتحدة عن التورط في سوريا، بل وحاول فك الارتباط الأمريكي بأحداث الشرق الأوسط ككل أعاد توريط الولايات المتحدة في نهاية المطاف في مشكلة أكثر عمقا وفي ظروف أكثر سوءا.
لذلك سيسجل التاريخ أن تردد الرئيس أوباما تسبب بشكل كبير في صعود نجم تنظيم داعش وفي توريط بلاده في شن هجمات جوية في كل من سوريا والعراق، وأن هناك درسا يجب تعلمه وهو إنك إذا فضلت الانتظار وعدم التدخل في الوقت المناسب واستمر تفاقم الوضع سينتهي بك الحال إلى التخل بشكل اضطراري وفي ظروف أسوأ وبتكلفة أكثر بكثير.
هل يمكن أن تُغيّر الحقائق على الأرض الآن من موقف أوباما وتجبره على التدخل الأمريكي الحاسم للحيلولة دون تمكن داعش من إلحاق أخطار استراتيجية بالمنطقة؟
شادي حميد: ما نراه الآن هو تغير فعلي في توجهات أوباما بطريقة"مكره أخاك لا بطل"، فقد وجد نفسه مضطرا إلى الحديث للشعب الأمريكي عن حتمية المجابهة مع داعش من خلال هجمات أمريكية في دولتين ولكن يبقى السؤال مطروحا: إلى أي مدى يمكن أن يذهب أوباما في تلك المواجهة وهل يريد فقط مجرد احتواء مخاطر داعش أم يسعى بالفعل إلى إلحاق الهزيمة بها؟
فإذا كان صادقا في السعي لهزيمة داعش فيجب أن يُعيد حساباته فيما يتعلق بسوريا تحديدا بحيث يستهدف القتال كلا من تنظيم داعش وكذلك نظام الأسد الذي أسهم بشكل مباشر وغير مباشر في تشجيع تنامي ذلك التنظيم لاستخدامه كحجة على أن ما حدث في سوريا كان مؤامرة خارجية بمقاتلين أجانب. لكن تحليل موقف أوباما يُفضي إلى أنه غير راغب حتى في التفكير في خيار استهداف نظام الأسد وهو ما يوضح أن هناك فجوة خطيرة في استراتيجية أوباما.
ولكن ما الذي يمكن أن يحدث للمصالح الأمريكية ولحلفاء واشنطن في المنطقة العربية إذا تمكنت داعش من تغيير خريطة الشرق الأوسط كما نعرفها؟
شادي حميد: لقد تمكنت داعش بالفعل من تغيير خريطة الشرق الأوسط في سوريا والعراق حيث أن حدود الدولتين كما نعرفها لن تعود إلى ما كانت عليه و"سيكون من الصعوبة بمكان تخيّل وضع يمكن أن تعود فيه سوريا إلى وضعها السابق كدولة موحدة، ويصعب تصور الكيفية التي سيمكن بها استعادة المناطق التي استولت عليها داعش من الحكومة العراقية.
وبالتالي فإن أي نظرة موضوعية للحقائق على الأرض توصلنا إلى قناعة بأن داعش ستبقى معنا بشكل أو بآخر ليس لمجرد عام أو عامين بل يمكن أن تستمر خمسة أو عشرة أعوام إن لم يكن لفترة أطول للأسباب التالية:
أولا: تنظيم داعش ليس تنظيما إرهابيا تقليديا بل إنه يشكل ما يُشبه الدولة وله طموح في الحكم، بل بدأ بالفعل في ممارسة نوع من فرض الأمن والنظام في المناطق الخاضعة له ويقدم خدمات اجتماعية للسكان وبذلك يحاول تقديم نموذج مختلف عن تنظيم القاعدة يعتمد على البناء وليس التدمير، ونجح التنظيم رغم ممارساته الإرهابية في تقديم شكل ناجح للحكم المحلي.
ثانيا: هناك عوامل سلبية متأصلة في النظام العربي توفر لتنظيم داعش فرصة لملأ فراغ وجدته في الشرق الأوسط الجديد تمثل في إخفاق نظم الحكم العربية، والإفتقار إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي، ومواصلة سياسات إقصاء قوي سياسية بعينها، وعدم وجود ممارسة ديمقراطية تتيح للشعوب التعبير عما تشعر به من مظالم بالإضافة إلى فشل الربيع العربي في تحقيق طموحات الجماهير وخاصة الشباب مما يفتح الباب على مصراعيه لوقوعهم في براثن داعش التي تقول لهم إن السعي نحو الديمقراطية في العالم العربي مضيعة للوقت وأن السبيل الوحيد لإزالة المظالم وتحقيق العدل هو "إقامة دولة إسلامية بالقوة المسلحة".