مفتي الجمهورية لمسلمي تايلاند: الاسلام دين اعمار وسلام وليس ارهاب
السبت 08/أبريل/2017 - 12:13 م
طباعة
أكد فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية- أننا في مصر نعالج قضايا التطرف الديني من منطلق رسالتنا الأساسية بأن الهدف الأسمى لكل الأديان هو تحقيق السِّلم العالمي.
وأضاف في تصريحات لصحيفة "بانكوك تايمز" الأوسع انتشارًا في تايلاند أن دار الإفتاء المصرية استشعرت خطر فتاوى الإرهاب، وقامت بِحُزمة من الإجراءات لمواجهة الآلية الدعائية للتنظيمات الإرهابية ومن ضمنها داعش، وذلك من خلال إقامة مرصد لمتابعة الفتاوى التكفيرية والمتشددة، والرد على هذه الفتاوى وتفنيدها من خلال منهج علمي رصين.
وأشار إلى أن الدار أقامت كذلك مركزًا تدريبيًّا متخصصًا حول سبل تناول ومعالجة الفتاوى المتشددة، وإطلاق صفحة إلكترونية بعنوان "داعش تحت المجهر" باللغتين العربية والإنجليزية لتصحيح المفاهيم الخاطئة التي تسوقها التنظيمات الإرهابية، وإطلاق مجلة إلكترونية "بصيرة" باللغتين العربية والإنجليزية لنشر الإسلام الوسطي المعتدل، فضلًا عن ترجمة أكثر من 1000 فتوى باللغتين الإنجليزية والفرنسية نسبة كبيرة منها متعلقة بتفنيد مزاعم التيارات المتطرفة وما تسوِّقه من مفاهيم وتصدِّره من فتاوى مغلوطة، وكذلك إصدار موسوعة لمعالجة قضايا التطرف والتكفير باللغات الأجنبية.
وحول الإسلاموفوبيا قال فضيلة المفتي: تنبهنا في دار الإفتاء المصرية لزيادة وتيرة الإسلاموفوبيا وبدأنا العمل انطلاقًا من دورنا في تصحيح صورة الإسلام في الخارج، من خلال برنامج واضح واستراتيجية مرسومة، سواء من خلال إرسال علماء الدار إلى الخارج، أو التواصل مع المراكز الإسلامية ومتخذي القرار في الشرق والغرب وشرح وتوضيح السمات الحقيقية للإسلام بعيدًا عن التعصب.
وأضاف: كما قدمنا مجموعة من المقترحات التي نعمل في الوقت الراهن على تحقيقها، منها أن الضرورة أصبحت مُلحَّةً لإنشاء قنوات فضائية إسلامية موجَّهة للشرق والغرب تخاطب الجميع بلغته وتعطي صورة شاملة عن الثقافة الإسلامية وتسهم في تصحيح صورة الإسلام والعرب والمسلمين، ومن ثَمَّ فلا بد من إنتاج برامج تخاطب العالم باللغات الأجنبية بغية تصحيح صورتنا لديهم، وهذا ما تفعله دار الإفتاء على صفحاتها المترجمة باللغات الأجنبية.
ولفت إلى أن هذه البرامج والحملات الإعلامية تركِّز على تفعيل دور الإعلام الإسلامي في تحسين صورة الإسلام والمسلمين من خلال التعرف على صورة الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام العالمية، كما ينبغي طرح رؤية مستقبلية في مواجهة تشويه صورة الإسلام والمسلمين، والتعرف على تأثيرات العولمة في تشكيل الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين، وتفعيل دور الاتصال المباشر في مواجهة الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين في العالم، ومن خلال كل هذه الجهود نستطيع أن نواجه حملات التشويه ضد الإسلام.
وقال فضيلته: "لا بد من إنشاء جهاز إعلامي إسلامي للبحوث، يتولى رصد وتحليل ما يُقدَّم عن الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام العالمية، وإعداد الدراسات العلمية والحقائق التي يُعتمَد عليها في الرد على ما يقدَّم من صور مشوهة أو إساءة تتعلق بالمسلمين وثقافتهم ودينهم، وهذا ما تحقق من خلال إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم التي أنشأتها دار الإفتاء المصرية في العام الماضي لكي تضطلع بهذا الدور الهام".
وأوضح مفتي الجمهورية أن الإسلام الذي تعلمناه وتربينا عليه دين يدعو إلى السلام والرحمة، فإن أول حديث نبوي يتعلمه أي طالب للعلم الديني: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم من في السماء» (رواه الترمذي وصححه).
وأشار إلى أن فهمنا للإسلام ينبثق من فهم معتدل صافٍ للقرآن: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]. وعندما قال الله تعالى: {لتعارفوا} لم يكن مراده تعالى أن يقتل بعضنا بعضًا، فكل الأديان متفقة على حرمة قتل الأبرياء، وإننا إنما أمرنا بالتعاون على نحو بنَّاء: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].
وأكَّد مفتي الجمهورية أن السواد الأعظم من المسلمين عبر تاريخ الإسلام الطويل قد انخرطوا في تنمية مجتمعهم وبناء شخصية صالحة، وقد أوضح ذلك القرآن: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].
وأشار إلى أن القرآن الكريم فيه ما يزيد على 6000 آية، تتعلق 300 منها فقط بالتشريع والباقي متصل بإنشاء شخصية ذات خلق حسن، وبالمثل هناك ما يربو على 60 ألف حديث تتصل 2000 منها بالأمور التشريعية، والباقي يتناول الشخصية الخلوقة، والرسول عند المسلمين موصوف بأنه رحمة أُرسلت للعالمين.
وأوضح فضيلة المفتي أن الإسلام أقام حضارة إنسانية أخلاقية وسعت كل الملل والفلسفات والحضارات، وشاركت في بنائها كل الأمم والثقافات، وإننا نرى أنفسنا بوصفنا مسلمين أناسًا استوعبوا تعددية الحضارات، فقد تعرضنا –مستوعبين- لحضارات فارس والهند والصين واليونان وضممناها لحياتنا الثقافية والفكرية، وأفدنا منها جميعًا، كما أضفنا إليها.
وأضاف أن الحضارة الإسلامية تضع الناس والعباد فوق أماكن العبادة، وهذا المنظور الإنساني والعالمي لا يسمح لنا باعتبار أنفسنا فوق ما عدانا من الخلق.
وقال فضيلته: "إننا فخورون بحضارتنا لكننا لا نتنكر للحضارات الأخرى، فكل من يعمل على التنمية البناءة في العالم شركاء لنا، وبما أن حضارتنا مهتمة بالإنسانية، فهي تجمع بين الروحي والمادي. إننا لا نبغض الحياة ولا نسعى لخلق حالة من عدم التوازن الاجتماعي، ومن يتورط في ذلك فقد سار في عكس اتجاه تعاليم ديننا وما تعلمناه عن الشخصية ذات الخلق الحسن".
وحول المشكلات التي تواجه المجتمعات الإسلامية الآن أشار فضيلته أن مشكلة "المرجعية" من أهم هذه المشكلات، ففي الإسلام وغيره من الديانات نشهد ظاهرة تصدي غير المتخصصين ممن ليس لهم نصيب وافر من التعليم الديني وتنصيب أنفسهم مرجعيات دينية، بالرغم من أنهم يفتقرون إلى المقومات التي تؤهلهم للحديث في الشريعة والأخلاق.
وأضاف: لقد أدى هذا التوجه إلى أن فُتح الباب على مصراعيه أمام التفسيرات المتطرفة للإسلام التي لا أصل لها، وفي واقع الأمر فإن أحدًا من هؤلاء المتطرفين لم يدرس الإسلام في أيٍّ من معاهد التعليم الديني الموثوق بها، وإنما هم نتاج بيئات مفعمة بالمشاكل، واعتمدوا على تفسيرات مشوهة ومنحرفة لا أساس لها في التراث الإسلامي، فغايتهم تحقيق مآرب سياسية محضة لا أصل ديني لها؛ فهمُّهم إشاعة الفوضى، ودورنا -كوننا قيادات إسلامية قضت حياتها في دراسة النصوص الدينية- هو إعادة المرجعية بإعادة مَن لهم قدم راسخة في العلم.
وقال: "لقد بدأنا من خلال "إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم" تقديم صورة للمرجعية الإسلامية التي ستسهم في فهم الإسلام وحقائقه".
وأضاف: "اسمحوا لي أن أكون واضحًا بأن أكرر لكم أن الإسلام ضد التطرف على طول الخط، لكننا إن لم نفهم العوامل التي تقدَّم لتبرير العنف، فلن نتمكن أبدًا من استئصال هذا الوباء، ولا بد من فهم ذلك حتى نبني مستقبلًا أفضل يضع نهايةً لهذا الوضع الذي يؤزم العالم".
ولفت إلى أن الإسلام يحتاج لمن يقدمه بطريقة أكثر عمقًا وشمولًا وبمزيد من الحساسية والموضوعية في كل من الإعلام والمناهج الدراسية خاصة في بلاد غير المسلمين.
وأكد أن دار الإفتاء المصرية تبذل جهودًا دءوبةً نحو الوصل بين الإسلام والواقع المعيش، فنحن نصدر آلاف الفتاوى بشأن حق المرأة في الكرامة والتعليم والعمل وتولي المناصب السياسية، وإدانة العنف في معاملتها، كما أيدنا الحق في حرية الضمير وحرية التعبير ضمن حدود اللياقة المشتركة.
وأضاف: "لقد عززنا المشترك الذي يتقاسمه الإسلام والمسيحية وغيرها من الديانات، وشددنا على أن الدولة الحديثة لا بد أن تكون مبنية على أساسٍ من العدل وسيادة القانون".
وأشار إلى أن الدار أدانت -وبشكل قاطع- العنف ضد الأبرياء خلال تجربة مصر المرة مع الإرهاب في الثمانينيات والتسعينيات وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر المروعة، ولا زلنا نقوم بذلك في ردودنا على المتطرفين حول رؤيتهم المشوهة للإسلام.
وقال مفتي الجمهورية: "علينا أن نسعى لتعزيز المبادئ والقيم المشتركة، ويتعيَّن علينا أيضًا أن نقبل واقع الاختلاف في العالم، واحترام الاختلافات التي بيننا هو أساس للتعايش لا الصراع، لأنه من البديهيات كي يكون الإسلام لاعبًا أساسيًّا في عالم اليوم أن يكون العلماء المسلمون المؤهلون هم مَن لهم الحق في التحدث باسم الإسلام، وقد رأينا في أحيان كثيرة أن وسائل الإعلام العالمية تستجيب للإغراءات وتعتبر المتطرفين -الذين لا يمثلون إلا أنفسهم- تيارًا سائدًا".
وأضاف أنه يمكن للإسلام الصحيح أن يُسكت أصوات الأقلية المتطرفة، وثمة تقدُّم هائل يتم إحرازه اليوم في أرجاء العالم الإسلامي لتثقيف الدعاة وطلبة العلم الشرعي في برامج التدريب والتأهيل التي تقوم بها دار الإفتاء المصرية وغيرها من المؤسسات العريقة، كما يتم مساعدتهم كذلك على الانخراط والتعاطي مع معطيات العالم الحديث وفهم الواقع وتحدياته.
ولفت إلى أنه من الضروري أن يكون حوارنا متعدد الأوجه، ليشمل الجوانب الثقافية والعلمية والاقتصادية. وينبغي أن تكون هناك علاقات وثيقة بين الجامعات ومراكز البحث والطلاب بين الدول، فتبادل المعرفة في أوساط الشباب، تعد أضمن الوسائل التي تُعين على نشر التسامح بين أوساط قادة الأجيال القادمة في كلا الجانبين.
وأكد مفتي الجمهورية في ختام حواره أننا نحتاج أن ندرب أنفسنا والمجتمع معنا على فكرة قبول الآخر وقبول الاختلاف معه، وعلينا أن نصل إلى مرحلة التوافق والاستقرار، وذلك من خلال إشاعة ثقافة الحوار فيما بين الإنسان وأخيه أو بينه وبين الآخر، وأيضًا يجب أن نبحث عن المشترك الذي يتم به التعاون والانطلاق، وأن نستوعب التضاد في وجهات النظر ولا نحوِّله إلى صدام.
كما أكد الدكتور شوقي علام، أن رسالة الإسلام قد جاءت عالمية لم تتوقف عند حدود مكة فقط بل شملت العالم كله.
وأضاف فضيلته خلال كلمة ألقاها صباح اليوم في حشد كبير لمسلمي تايلاند بلغ أكثر من عشرة آلاف أن الإسلام من خلال هذه العالمية استطاع استيعاب الحضارات والأمم القديمة، بما تحويه من ثقافات متنوِّعة وأديان متعدِّدة وأعراف مختلفة، والتي تأكدت في آيات الذكر الحكيم، مثل قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا)، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلنَّاسِ كَافَّةً.
وأشار فضيلة المفتي إلى أنه بعد صلح الحديبية أرسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رسائله إلى كل الدنيا ملوكًا وشعوبًا متطلعًا في ذلك إلى نشر دعوة الإسلام في ربوع العالم، وقد كانت دعوته آنذاك بما يتناسب مع مقتضى العصر ومتطلبات الواقع، وبما لا يضع من مكانة الإسلام والمسلمين بين شعوب الأرض، وإنما هو عِزٌّ في لِينٍ وقوة مع نور ورحمة للعالمين، وإن رسالة المسلم كما بينها القرآن الكريم تتمثل في الوسطية (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).
واستطرد فضيلته أن المتأمل للتاريخ الإسلامي سيرى أنه حيثما وجِد الإسلام في وطن من الأوطان، وجدت معه التنمية والرحمة والحضارة في كل شئون البشر، ويتجلى هذا إذا قارنا الجزيرة العربية أو غرب إفريقيا أو إندونيسيا أو تايلاند أو الهند قبل وبعد الإسلام، فالإيمان قد أضفى على هذه الأمم مسحة من الجمال والسماحة، وكل دولة كانت تحت الحكم الإسلامي مرت بما يسمى بالعصر الذهبي.
ووجه مفتي الجمهورية عدة رسائل مهمة للمسلمين هناك حثهم فيها على ضرورة الاندماج الإيجابي في مجتمعهم مع الحفاظ على هويتهم وثوابتهم الدينية، مشددًا أن الإسلام قد أرسى قواعد وأسسًا للتعايش مع الآخر في جميع الأحوال والأزمان والأماكن، بحيث يصبح المسلمون في تناسق واندماج مع العالم الذي يعيشون فيه، بما يضمن تفاعلهم مع الآخر وتواصلهم معه دون تفريط في الثوابت الإسلامية.
وأوضح فضيلته أنه على نهج تلك الأسس ووفق هذه الثوابت يمضي المسلمون قُدُمًا في رسم الحضارة الإنسانية ومعايشة المستجدات التي تطرأ عبر التاريخ، وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا نماذج للتعايش مع الآخر داخل الدولة الإسلامية وخارجها.
وقال المفتي، في كلمته "لقد خلق الله الناس متفقين في جوهر الإنسانية ولكنهم مختلفون في ألسنتهم وألوانهم وعقائدهم وعاداتهم, وهذا التنوع سنة الحياة, فلا يوجد اثنان في هذا الوجود يتفقان في المشاعر والعواطف والتفكير".
تابع مفتي الجمهورية أن الاختلاف بين الأديان ليس استثناءًا من القاعدة, بل ينسجم مع التنوع في الخلق والمخلوقات, ومن هنا نجد البشر في مختلف بقاع المعمورة يدينون بعقائد مختلفة قد تبدو متناقضة في تفاصيلها, ولكنها في حقيقة الأمر متفقة في جوهر رسالتها وعلي الأخص في مجال القيم الأخلاقية والمباديء الإنسانية