كيف تعامل تنظيم داعش مع هزائمه في الموصل؟
الثلاثاء 02/مايو/2017 - 04:36 م
طباعة
تشارلي وينتر، الباحث بالمعهد الدولي
نشر موقع معهد الدولي لدراسات الأصولية والعنف السياسي "ICSR"، التابع لجامعة لندن، أول مقابلة مع تشارلي وينتر، الباحث بالمعهد والذي أصدر دراسة عن "كيفية تعامل تنظيم داعش مع هزائمه بالموصل إعلاميا".
- لاحظتم أن معظم المواد الإعلامية لداعش لم تركز على أنشطتهم العسكرية بل على حكمهم للولايات؟ هل بدأ هذا التحول منذ بدء معركة الموصل؟
قام تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المتطرف- والمعروف إعلاميا باسم تنظيم "داعش" – بتغيير جذري لتحركاتها خلال الـ 17 أو الـ 18 شهرا الماضية، فمنذ وصول التنظيم لذروته في 2014/2015، اضطرت المنظمة لاستيعاب علامتها التجارية في ظروف غير مواتية لها بسبب ما تواجهه في العراق وسوريا.
فلا تزال صورة الـ"يوتوبيا" محور دعاية التنظيم، لعكس مثالية حكمه للمدن الواقعة تحت سيطرته، إلا أنه نسبة هذه الدعاية تراجعت بمقدار الخمس مع بداية عام 2017، والآن تقلصت أكثر لتسجل نصف ما كانت تنتجه من مواد مرئية مقارنة بعام 2015، ويرجع السبب وراء هذا التقهقر الإعلامي إلى تضرر الآلة الدعائية التابعة للدولة الإسلامية، من تعرضها لضربات مؤلمة من قبل القوات التي تدعمها قوات التحالف الدولي، الأمر الذي أدى أن ينتج التنظيم دعاية أقل بنسبة 48٪ عما كانت عليه قبل ثمانية عشر شهرا.
على هذه الخلفية لن يكون من المفاجئ أن نعرف أن هذا الترجع كرد فعل الهجمات المتتالية وغير المنتظمة على التنظيم، الضربات التي أدت إلى عدم تماسكه، وعلى الرغم من هذا فقد تبنت دولة الخلافة استراتيجية إعلامية في استمرار بث حكايات مدنها الفاضلة، في ظل وجود احتمالية أن تتخلى عنها هذه الأيام، ولكن حاليا تكرس وسائل إعلام التنظيم في الموصل - وبشكل فريد – تصوير الدولة الإسلامية في الحرب.
- غالبا ما يصور تنظيم الدولة الإسلامية نفسه على أنه ضحية مؤامرة دولية ضد الإسلام. هل كانوا يلعبون هذا الموضوع في الآونة الأخيرة مع خسائرهم في ساحة معركة الموصل؟
لعب التنظيم حيلة الضحية بشكل كبير خلال الأشهر الأربعة الماضية وإن تذبذبت، ففي البداية، ركز تنظيم داعش من خلال إعلامه على الأضرار المدنية الكبيرة التي لحقت بمدنية الموصل، في محاولة لتصوير ضربات التحالف ضده بأنها "جرائم" لتكون في متناول إعلام العالم الخارجي.
من واقع الرصد للمشهد السياسي والاعلامي فمن المثير للاهتمام مشاهدة تغيير الدعاية الإعلامية لداعش، خاصة بعدما تم انتزاع مدينة الموصل من سيطرة التنظيم، فكلما زاد عدد المناطق التي يفقدها التنظيم والتي بدأت منذ أكتوبر 2016، كلما قل عدد الدعاة الذين تعرضوا للضرر الناجم عن هذه المعركة، كما لو كانوا حريصين باللعب بدور "الضحية"، تخوفا من المبالغة.
وربما يكون هذا التحول مؤشرا على أن الدولة الإسلامية أعادت معايرة مقاييس استهداف الدعاية. لم تعد وسائل الإعلام موجهة نحو جذب المجندين الجدد. الآن، يبدو أن تركز أكثر بكثير على الحفاظ على الروح المعنوية للمؤمنين الحقيقيين من رسم في الدم الطازج. وأعتقد أنه من المهم أن نلاحظ أن دعاية الجماعة لم تكن مجرد "تجنيد" - في السياق الحالي، فإن وظائفها الأخرى أكثر أهمية من أي وقت مضى.
- هل قام تنظيم داعش بتغيير رسالته منذ بدء حملة الموصل في أكتوبر 2016، بعدما تعرضت المدينة للهجوم حتى تم تحريرها الآن؟
بالعودة إلى الوراء والنظر في أرشيف وسائل الإعلام في الموصل، تجد هناك اختلافا بين الدعاية التي يقوم بها تنظيم داعش في الضفة الشرقية تجاه الدعاية التي يقوم بها في الضفة الغربية تجدها مختلفة تمام الاختلاف مما كان يبث أو يصور قبل بضعة أشهر، وهو نفس ما قام به التنظيم خلال النصف الثاني من معركة الفلوجة عام 2016، حيث ركزت على المناوشات التي يقوم بها أفرادها في بعض الأحيان، ولم يكن الأمر كذلك عندما اقتربت القوات المدعومة من التحالف ناحية شرق الموصل في أكتوبر 2016، وبعد ذلك، قضى مسؤولوا الدعاية في تنظيم الدولة الإسلامية وقتا أطول بكثير "لمواجهة" أجندة الأخبار الرئيسية.
كما لو أنهم يتحدثون عن معركتين مختلفتين في جزأين مختلفين من العالم، وعلى الرغم من أن القوات العراقية تتمركز حاليا في الجنوب الغربي، فإن رد فعل تنظيم دولة الخلافة صامدا، بل مازال عناصر التنظيم يتواصلون الآن أكثر بكثير مما كانوا عليه قبل بضعة أشهر مضت، ولكن بحرص وتحفظ أكبر.
- دائما ما تعلن القوات العراقية عن اعتقال أو مقتل قادة تنظيم داعش في معركة الموصل. ما هو شكل الدعاية التي تعالج بها داعش مثل هذه الأنباء؟
يعد تنظيم دولة الخلافة – داعش – أكثر وضوحا عندما يتعلق الأمر بهذا النوع من الأنباء، حيث أن التنظيم يحيي ذكرى المفجرين الانتحاريين والدعاة، ولكنها لا تشير إلى القادة منخفضي المستوى، هذه المواد الدعائية ذات مستوى منخفض، غالبا ما يكون مآلها النسيان السريع بمجرد بث هذه المواد. ولكن بالنسبة للقيادات الفعلية، فإن الدولة الإسلامية التزمت الصمت ولم تبث أي مواد إعلامية بشأن مصيرهم، وبعيدا عن معارك الموصل، غالبا ما يقر التنظيم بوفاة أحد قادته بعد مرور أشهر أو سنوات من تاريخ الوفاة الفعلي؛ على سبيل المثال، التنظيم لم يؤكد رسميا وفاة أبو وهيب (القائد العسكري ذو الشعر الأشعث)، إلا بعد وفاته بعام تقريبا. ولكن سقوط كل من أبو محمد العدناني وأبو محمد الفرقان في خريف عام 2016، كان إعلان وفاتهما سريعا، لذلك هناك حالة ترقب لمعرفة ردة فعل التنظيم في حال معرفة قوات التحالف من تحديد موقع أبو بكر البغدادي.
- كيف ترى الدعاية ورسائل تنظيم دولة الخلافة الإسلامية في حال سقوط الموصل؟
كثيرا ما نسمع أن الموصل له أهمية جوهرية لتنظيم داعش أو دولة الخلافة الإسلامية، ولكني أرى خلاف ذلك، أعتقد أن تنظيم داعش تخلى عن الموصل قبل أشهر، وكانت المدينة مجرد مسرحية دعائية له، الدعاية التي من شأنها أن تسمح لها في السنوات القادمة لمواصلة التباهي بـ"يوتوبيا" ولاياتها في حكمها لها، حتى لو لم تعد تسيطر عليها في الواقع.
الدولة الإسلامية ليست حركة سياسية "طبيعية" تعمل على تحقيق أهداف سياسية "طبيعية". الأكثر من سيطرته على الأراضي، فهو يهدف إلى أن يستوعب العالم أيديولوجيته، حتى لو اضطره هذا الهدف إلى الاستيلاء على مساحات شاسعة من المناطق، وفقدها خلال بضعة أشهر.