الطائفية وصناعة الأقليات في الوطن العربي
الإثنين 22/أكتوبر/2018 - 03:24 م
طباعة
الكتاب: المسألة الطائفية وصناعة الأقليات في المشرق العربي
المؤلف: مجموعة مؤلفين
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
كتاب المسألة الطائفية وصناعة الأقليات في المشرق العربي الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي يحتوي بين دفتيه ثمانية وعشرون بحثًا من بحوث قُدّمت في "المؤتمر السنوي لقضايا الديمقراطية والتحوّل الديمقراطي" الذي عقده المركز بعنوان "المسألة الطائفية وصناعة الأقلّيات في المشرق العربي الكبير"، خلال الفترة 13-15 سبتمبر 2014 في عمّان. وكما في افتتاح المؤتمر قدم للكتاب المفكّر عزمي بشارة بمحاضرة عنوانها "طروحات حول المسألة الطائفية: إطار نظري"، منطلقًا من أنّ الطائفية ظاهرة حديثة بمعناها الذي يتميز من العصبية والطوائف التي عرفها الاجتماع العربي ما قبل الحديث. يقول بشارة: "يُثبت تاريخ المشرق العربي أنّ التدين السياسي، بغضّ النظر عن نشوئه، إذا وقع في مجتمعات متعددة الطوائف وتعاني أصلًا عدم استقرار في هويتها الوطنية أو القومية، فإنه يؤول بالضرورة إلى طائفية سياسية، حاملًا معه فكره السياسي الديني، أكان سلفيًا أم أصوليًا أم إصلاحيًا، ويستخدم الطائفية في التحشيد خلفه"، مضيفًا أنّ الطائفية لا تتعلق بالدين، بل بالجماعة، وفيها المؤمن وغير المؤمن والملتزم دينيًا وغير الملتزم. وليست الطائفية حالةً تبشيريةً ودعويةً، بل هي تعصبٌ لحدود الطائفة، "وحين تجري الدعوة إلى اعتناق المذهب في حالة الطائفية، كما في حالات التشيع والتسلفن التي تقوم بها كل من إيران والسعودية، بنجاح متفاوت، فهي تقوم بذلك لأسباب سياسية وليس دينية".
ويتعرض القسم الأول، "مداخل ومقاربات نظرية"، والمكون من ستة فصول، "للطائفية تاريخ: في تَشكُّل الطوائف وَحَداتٍ سياسيةً" كعنوان للفصل الاول وفيه يسأل الباحث اللبناني أحمد بيضون عن مفاهيم الطائفة والطائفية، والطائفة والتاريخ، وترسيمة العلاقة بين دولة المحاصّة السياسية الطائفية أو التوافقية الطائفية من جهة، ومفهوم المجتمعات المركبة من جهة ثانية. وينتهي إلى أنْ "ليس ما يرجى التوصل إليه 'دولة - أمّة'، ولا دولة قومية أو وطنية، إنما هو 'دولة مواطنين' متساوين أمام قوانين اشتركوا في وضعها وموفوري الحريات والكرامة. هذه الدولة لا يسعها بحال أن تكون الدولة الطائفية".
وفي الفصل الثاني، "طوائف الخوف: تأملات في أساطير التخويف وصناعة التقسيم الطائفي"، يرى الباحث السوداني عبد الوهاب الأفندي أنّ للطائفية في تجلياتها الحديثة إطار مؤسسي هو الدولة الحديثة، إذ يقول: "باحتكارها مشروعية القهر والتصرف في موارد الأمّة الهائلة وتمثيلها على المسرح الدولي، ما يجعلها محور صراع وجائزة الجوائز التي يتنافس عليها المتنافسون". ويزيد من حدة هذا التنافس ارتباط الدولة بمفهوم الأمّة، أو الجماعة المتخيَّلة، "وهو تخيّل يقوم على أساطير متداخلة في شأن الهوية، كما أنه يصطنع أساطير جديدةً - قديمةً أخرى تؤكد هذه الهوية".
ويرى الباحث الفلسطيني إميل بدارين في الفصل الثالث، "من الطائفية الاجتماعية إلى الطائفية السياسية"، أنّ الطائفية السياسية ظهرت لأسباب تاريخية موضوعية، وأنّها ليست حتميةً ولا فطريةً في العالم العربي، قائلًا: "ما جرى صنعه يمكن تغييره كي يتسنى للإنسان العيش بانتماءاته المركبة مع الآخرين؛ فإذا كان التنقل بين مكونات الهوية عمليةً سياسيةً بامتياز، فإنّ عملًا سياسيًا طائفيًا من نوع آخر يُعيد صوغ الهوية الطائفية وتوازناتها وعلاقاتها مع المحيط الاجتماعي، قادر على الدفع في اتجاه حلّ المسألة الطائفية".
وفي الفصل الرابع، "الطائفية بناء أم تكوين مجتمعي؟ دراسة نظرية لمفهوم بناء الطائفية أو اختراعها في الأدبيات الغربية والعربية"، تركز الباحثة المصرية مروة البدري على تحوّل بناء الطائفية في الأدبيات الغربية إلى أداة لفهم التنوع الإثني والثقافي الاجتماعي، والمنظورات الأنثروبولوجية الغربية التي اخترعت مفهوم الطائفة لاستعمار الشعوب البدائية. وتتساءل: هل الطائفة (أو الأقلية) ثابتة، غير قابلة للتحوّل؟ وهل تُبنى حول رموز معيّنة؟
كما يثير الباحث السوداني أشرف عثمان محمد الحسن في الفصل الخامس، "الدولة النيوباتريمونيالية في المشرق العربي: في المنطق العصبوي وإعادة إنتاج الطائفية"، مسألة يقظة الذوات الطائفية في المشرق العربي، انطلاقًا من فرضية تركز على غياب الدولة الوطنية الحديثة أو تغييبها لمصلحة الدولة النيوباتريمونيالية، ليعاد إنتاج البنى التقليدية وتحويلها إلى شبكات نيوباتريمونيالية، مع تجاوز مفهوم الدولة التسلطية.
وفي الفصل السادس، "آليات إنتاج النظام الطائفي وإعادة إنتاجه"، يقول الباحث الجزائري زين الدين خرشي: "إنّ الآليات المسؤولة عن عملية إعادة إنتاج النظام الطائفي تلتقي في اتخاذها الفرد هدفًا لمسعاها التطييفي، بأن تُضمّنه روح النظام ومنظومته القيمية والمعيارية، ليصير في ما بعد عنصرًا ناقلًا لمنطقه وحاملًا بذوره يزرعها أينما حلّ، ويورثها الأجيال اللاحقة". فمشروعات تجاوز الحالة الطائفية "تتّخذ من التحت المجتمعي منطلقًا لها، خصوصًا أنّ الفوق أحكمت غلقه نُخب سياسية مافياوية لا تملك الإرادة ولا المعرفة اللازمة لقيادة المجتمع إلى مرحلة ما بعد الطائفية".
أما القسم الثاني، "الطائفية والعلاقات الإقليمية والدولية"، فيتكون من أربعة فصول. وفي الفصل السابع، "أثر البيئة السياسية في الفتاوى الطائفية إبان الحرب العثمانية – الصفوية"، يقول الباحث الأردني أحمد صنوبر إنّ الخلافات السنّية الشيعية بلغت حدّ الصراع الدموي والحروب والإبادات، وإنّ الأهداف السياسية اختلطت بالفتاوى الدينية في الصراع العثماني - الصفوي، إضافةً إلى صدور بعض الفتاوى المتشددة عن بعض كبار العلماء في الدولة العثمانية تشرع قتْل الشيعة، ليعود التفكير الطائفي الذي كان يسيطر على كثير من أهل السُنة والشيعة إبان الحرب العثمانية – الصفوية، قبل أربعة قرون، غضًّا طريًّا في القرنين العشرين والحادي والعشرين مع النزاع العربي - الإيراني.
ويستنتج الباحث الجزائري محمد حمشي في الفصل الثامن، "الطائفية أداة للسياسة الخارجية: مقاربة من منظور حقل العلاقات الدولية"، أنّ الطائفية بوصفها أداةً للسياسة الخارجية في الشرق الأوسط لا ترتبط بالسياسات الإقليمية الإيرانية وحدها، بل بسياسات دول أخرى، مستحضرًا السياسات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي تجاه الحراك في البحرين، وتحويله من مسألة عادية إلى مسألة أمنيّة طارئة وإضفاء طابع التهديد الأمني - الإقليمي عليها لتسويغ إقحام قوات درع الجزيرة في البحرين، مع تكرار الصورة نفسها في سورية والعراق.
وفي الفصل التاسع، "الطائفية بين الهوية والسياسة الدولية"، يحلل الباحث السوري ياسر درويش جزائرلي كتاب الانبعاث الشيعي لولي نصر مثالًا للعلاقة بين الطائفية والهوية والسياسة الداخلية، ويرى فيه قراءةً طائفيةً للشرق الأوسط تُعيد إنتاج أفكار المستشرقين والمحافظين الجدد ومنهجهم؛ لخدمة هيمنة قوًى خارجية، وخدمة رؤية الولايات المتحدة وإيران معًا. وبحسب الباحث، يوظَّف نصر الهوية الطائفية في السياسة الدولية، ثمّ إنّ المسألة الجوهرية في الشرق الأوسط المعاصر ليست مسألة الحداثة أو الديمقراطية، بل الصراع القديم بين السُنة والشيعة.
في الفصل العاشر، "الطائفية في المشرق العربي الكبير: الصراع على السلطة في زمن العولمة"، تميز الباحثة الجزائرية سامية إدريس بين الطائفية والطائفية السياسية، مركزةً على البعد السياسي في الطائفية ممثلًا في الطائفية السياسية، من دون إهمال البعد التاريخي التي تراه ضروريًا لتفنيد المقولات الثقافية والأيديولوجية الطائفية حول جوهرانية الطائفية كما لو كانت معطيات واقعيةً. وتردّ الطائفية السياسية إلى انحلال الدولة العثمانية، وتدخّل القوى الاستعمارية في المنطقة.
كما يضمّ القسم الثالث، "الموقف من الآخر ومسألة الأقليات الدينية والمذهبية"، خمسة فصول. وفي الفصل الحادي عشر، "عن المسيحيين في المشرق العربي"، يدرس الباحث اللبناني طارق متري تجاوز الطرح الأقلوي لمسألة المسيحيين العرب، مركزًا على أنّ أحوال المسيحيين العرب في اللحظات المعاصرة ليست شأنًا خاصًا بهم، بل شأنٌ يهمّ المسلمين أيضًا، مؤكّدًا أنّ الحفاظ على الوجود المسيحي الحيّ وحقوقه هو في مصلحة المجتمع. ويطرح مسألة المسيحيين العرب اليوم في سياق سياسات الهوية الدامية، مشيرًا إلى جماعات مسيحية ربطت نفسها بالخيبة العربية وانكسار مشروعها، في حين اختارت جماعات مسيحية أخرى غير هذه الطريق.
في الفصل الثاني عشر، "الدولة المصرية - صناعة الأقليات والمواطنة: الثورة المستحيلة"، تردّ الباحثة المصرية لورا جرجيس فشل الثورة إلى الفشل في تطوير خطاب يقطع الصلة بالمنطق الهوياتي ويُحلّ محلّ الخطاب القديم، ذلك أنه سرعان ما جرَت معالجة ثغرات النظام الرمزي السائد. وبحسب الباحثة، تنتج المؤسسات المعادية للثورة سرديات رسميةً عن الحدث الثوري وتحذر فاعليها بالتزام الحيّز المخصص لهم.
وفي الفصل الثالث عشر، "الحركات الإسلامية ومقاربتها مسألة الطوائف والمذاهب: جماعة الإخوان المسلمين والدعوة السلفية في مصر أنموذجًا"، يبحث الباحث الفلسطيني حسن عبيد في التحولات الأيديولوجية للإخوان والسلفيين في مصر، وموقفهما من الأقباط. وهو يرى أنّ من أهم الأخطاء التي ارتكبها الإخوان، بعد ثورة 25 يناير 2011، عدم الاهتمام بتوضيح الفرق بينهم مواقفهم ومواقف التيار السلفي من الطائفية والأقباط. فالجماعة لم تبذل جهدها لإبراز التمايز بينها وبين الحركات الإسلامية الأخرى الحديثة في التجربة السياسية.
في الفصل الرابع عشر، "الموقف من الآخر في الفكر الإسلامي - من التعصب إلى التسامح: بعض المسائل الأصولية أنموذجًا"، يقول الباحث التونسي حمّادي ذويب إنّ إقصاء المبتدع تثبيت لهيمنة الفكر الواحد المنتصر، وقضاء على الثراء والتنوّع والاختلاف الذي يمثّله فكر الآخر غير السُني، ومحاولة لحبس الفكر في الماضي، "بالنظر إلى أنّ الابتداع خروج على ما هو مألوف عند السلف من سَير مطّرد على طريق الاجتهاد ونبذ التقليد، كما أنه علامة على انقطاع الموقف الأصولي عن واقعه التاريخي".
وفي الفصل الخامس عشر، "الأقليات الدينية في الوعي الفقهي: النظام الفقهي ومأزق الدولة"، وبحسب الباحث السوري معتز الخطيب، فإنّ إشكالية الأقليات الدينية فرضت نفسها على البحث الفقهي المعاصر، من أجل التلاؤم مع متغيرات السلطة والسياق الدولي من جهة، ومحاولة تقديم حلول إسلامية لهذه الإشكالية الحديثة من جهة ثانية، ومن أجل الإجابة عن التحديات التي تُطرح في وجه تصورات المشروع السياسي الإسلامي من جهة ثالثة. وهذه التحديات فرضت على الخطاب الفقهي المعاصر مراجعةً نقديةً لتراثه الفقهي والقول بتاريخية كثير من أحكام الفقهاء الأقدمين وتصوراتهم في هذا الباب لمصلحة تصورات ومفاهيم حديثة.
ويضمّ القسم الرابع، "في الطائفية السياسية والصيرورة السياسية للهويات الطائفية"، ثلاثة فصول. وفي الفصل السادس عشر، "الميثاقية الطوائفية وأزمة بناء الدولة: دروس من المخبر اللبناني"، يرى الباحث اللبناني وجيه كوثراني أنّ الدائرة المدنية للمواطنية ليست فرديةً فحسب، بل هي دائرة فردية - جماعية، "والجماعة هنا ليست الطائفة بالضرورة، بل الجماعة الوطنية، فالمواطن يحمل صفة الانتساب إلى الدولة/ الوطن، ويتمتع بحرية الحركة والتعبير في مجتمع سياسي ومجتمع مدني أيضًا". وليست التعددية تعدديةَ جماعات دينية أو طوائف فحسب، بل هي تعددية آراء وأفكار وفلسفات وضعية ومناهج وحرية انتماء أيضًا.
أمّا في الفصل السابع عشر، "الطائفية السياسية في العراق إنكارًا واعترافًا"، فيعالج الباحث العراقي حيدر سعيد ثلاثة ارتباكات عميقة ومتداخلة تعيشها المنطقة اليوم: فشل دولة ما بعد الاستبداد في العراق، وخفوت الأمل الذي حمله الربيع العربي، وصعود الراديكالية الدينية.
ويحلل الباحث السعودي أحمد سعد العوفي في الفصل الثامن عشر، "الهوية الشيعية في صيرورة سياسية: تطور مجال القوة وإعادة إنتاج الهوية الشيعية في السعودية"، المسألة الشيعية في القطيف السعودية، ويقول إنها مرّت بعدة مراحل: انتظام العلاقات في أنموذج سياسة الوجهاء، ثمّ حصول تحولات قادت فاعلين من غير الطبقة التقليدية إلى تغيير شروط التنافس بخطاب ديني ظهرت معه بوادر الإنتاج الخطابي للطائفة بصفتها فئةً دينيةً يُشدّد عليها، ثمّ سياسة الدولة القائمة على الاحتواء، ودفعها التفاعل من تأكيد وجود الطائفة في المعارضة إلى تمثيل مصالح الطائفة عند النظام، وأخيرًا مرحلة التأثيرات الخارجية الكثيفة.
وفي القسم الخامس، "الدولة والطائفية والمواطنة"، خمسة فصول. وفي الفصل التاسع عشر، "الدولة - الأمّة: الطائفية والفضاء العمومي في العالم العربي"، يقول الباحث الجزائري نوري إدريس إنّ الدولة الوطنية في العالم العربي لم تكن نتيجةً ديناميةً داخليةً يمتص فيها المقوّم السياسي من الأبنية العضوية، بقدر ما كانت نتيجةً ديناميةً للتحرر من الاستعمار. فالأنظمة السياسية العربية اعتقدت أنّ الاعتراف بالتناقضات والاختلافات الثقافية والسوسيولوجية والمذهبية والطائفية يضعف الجسم الاجتماعي ويفتته، ووجدت في الأيديولوجية الشعبوية المصطبغة بالدين مبررًا لفرض الأحادية الحزبية والهوية القومية الواحدة، وكلّها كانت مسوّغات لإقصاء الجماعات الأخرى من السلطة.
وفي الفصل العشرين، "بناء الدولة - الأمّة ومشكلة الانشطارات الدينية/ المذهبية من التسييس إلى العسكرة: مقاربة سوسيولوجية - سياسية (العراق أنموذجًا)"، يتناول الباحث العراقي فالح عبد الجبار نجاح الدولة في بناء الأمّة أو فشلها، بوصفه المنبع الأكبر لتسييس الهويات في الحالة العراقية، على الرغم من استناد هذا التسييس إلى مخزونات تاريخية ورمزية وتخيلية وطقسية سابقة، منطلقًا من تحديد المفاهيم التي يستخدمها البحث حول الأمّة والدولة، والدولة - الأمّة، والانتقال في العراق بوصفه دولةً بلا أمّة، وتحديد خصائص العهود الجمهورية بوصفها عهود تفتيت.
في الفصل الحادي والعشرين، "أزمة دولة المواطَنة بعد الحراك العربي: الفدرالية حلّ أم مأسسة للطائفية؟"، يخلص الباحث المغربي محمد سعدي إلى أنّ تطبيق الفدرالية في العالم العربي للشفاء من الطائفية ليس أمرًا سهلًا، فلا حلّ لمشكلة الطائفية إلا من خلال صوغ إستراتيجية متكاملة للتعامل مع حقيقة التعددية المذهبية في أبعادها المختلفة الموجودة في المجتمعات العربية الإسلامية، من أجل بناء وطني لا يُلغي الانتماءات ولا ينغلق فيها.
ويجد الباحث جلال حسن مصطفى في الفصل الثاني والعشرين، "الفدرالية الإثنية وعدم الاستقرار السياسي في العراق"، أنّ المراحل المبكرة من إعادة بناء الدولة العراقية بدأت بعد سقوط نظام البعث، "مع مساومات ومفاوضات بين المجموعات الإثنية - الدينية العراقية، ومع ذلك، تميّزت هذه المرحلة بإقصاء السُنة العرب، ما خلّف انعكاسات سلبيةً على تصميم المؤسسات". وبحسب الباحث، يُعدّ التسييس والتمثيل غير المتوازن لبعض المؤسسات الفدرالية في العراق مصدرًا لانعدام الاستقرار السياسي في البلاد.
أمّا في الفصل الثالث والعشرين، "التعددية الإثنية واللغوية والدينية في عُمان وعلاقتها بالاستقرار السياسي"، فيرى الباحث العماني أحمد الإسماعيلي أنّ التعددية اللغوية والإثنية والدينية والمذهبية والقبلية فرضت على العقل العماني لغة التسامح الديني الذي فقدته أكثرية الدول العربية، مستشرفًا أنّ هذا الاستقرار لا يملك ضمانات مؤكدةً لاستمراره في الأعوام المقبلة.
ويشتمل القسم السادس، "الفانتازم والواقع وأسئلة النهضة في الحالة السورية"، على خمسة فصول. وفي الفصل الرابع والعشرين، "الصورة النمطية وصناعتها للطوائف والأقليات في بلاد الشام في كتب الرحّالة الفرنسيين في القرن التاسع عشر"، يرى الباحث عبد الملك الزوم أنّ الصورة التي نقلها الرحالة الفرنسيون عن الشرق لا تستجيب لمعايير الصدقية العلمية، بل إنّها لبَّت أهدافًا وُضعت سلفًا، وكانت تقتضي تهيئة الجانب الفكري للحملة الاستعمارية. وقد كانت كُتب الرحالة المدرسة الحقيقية لحرب الإعلام بوسائل تصاحب عصر النهضة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ إذ مثّل الكتاب وسيلةً للحرب، لا وسيلة معرفةٍ فحسب.
يعود الباحث السوري عبد الله حنا في الفصل الخامس والعشرين، "الطائفية والطبقية والوطنية في تاريخ سورية الحديث والمعاصر"، إلى التاريخ الاجتماعي - الاقتصادي السلطاني العثماني لبلاد الشام عمومًا وسورية خصوصًا ما قبل القرن التاسع عشر، فيرصد حركات العامة في دمشق وحلب ممثلةً بالتجار والحرفيين والباعة والخدم والجنود المحليين وفئات العامة الرثّة والهامشية، والصراعات بين مراكز القوى المسيطرة، وما بين الأشراف والإنكشارية، ليصل إلى مرحلة هبوب رياح الطائفية.
في الفصل السادس والعشرين، "موقف الفكر العربي النهضوي في بلاد الشام من الطائفية والوحدة الوطنية (البساتنة أنموذجًا)"، تدرس الباحثة الأردنية فدوى نصيرات الدور التاريخي الذي أدّاه آل البستاني في التبشير بالأفكار الوطنية ومحاربة الطائفية والتعصب، والدعوة إلى الوحدة الوطنية، وتعاطي البساتنة مع التنوع الطائفي في بلاد الشام، وتصورهم النهائي لفكرة الوطنية. وتختم بالقول إنّ رؤية البساتنة وكثير من النهضويين لتوحيد العرب هي رؤية وحدوية ترتكز على اللغة العربية والتاريخ الواحد والتراث المشترك، ما يستدعي اليوم دراسة الإرث الثقافي للنهضويين العرب، والبناء على أفكارهم.
وفي الفصل السابع والعشرين، "الطائفة العلوية بين الفانتازم والواقع: محاولة في تحليل القراءة الطائفية للحوادث في سورية"، ينقد الباحث السوري أكرم كشي القراءات الاستشراقية للتحولات الحادة في الوطن العربي، ولا سيما سورية وتفكيكها، من خلال رؤية للطوائف وتواريخها بوصفها كيانات جوهرانيةً، مناقشًا مقولة إنّ الثورة لم تحدث أساسًا لأنّ الكائن العربي كائن ديني غريب عن فكرة الثورة، ومنتقدًا رؤية ميشيل سورا في الدولة البربرية القائلة إنّ الحاضر استمرارٌ لماضٍ مستمر.
أمّا في الفصل الثامن والعشرين، وهو الفصل الأخير، "الطائفية من منظور علم النفس الاجتماعي: الحالة السورية أنموذجًا"، فيتناول الباحث السوري عزام أمين الطائفية في المجتمع السوري من منظور علم النفس الاجتماعي، دارسًا السلوك الطائفي الفردي والاجتماعي منذ اندلاع الثورة. وبحسب رأيه، "لا خلاص لسورية ولا تطور اجتماعيًا أو نهضويًا سيتحقق فيها، إذا لم يتخلّص أبناء الأقليات من شعورهم الأقلوي والانطلاق نحو المواطَنة بوصفهم أيضًا حاملين مشروع التغيير".