خبير ألماني: انهيار داعش العسكري قد يخلق دواعش أكثر تطرفا
الإثنين 03/يوليو/2017 - 07:28 م
طباعة
أكد إعلان الجيش العراقي استعادة جامع النوري بالموصل. الانهيار العسكري لـ"داعش" كان مسألة وقت ليس إلا، وهو ما لا يعني بالضرورة نهاية وجود هذا التنظيم، بل قد تظهر تنظيمات أكثر تشددا كما يرى الخبير الألماني شتيفان بوخن.
أعلن الجيش العراقي اليوم نهاية "دولة الخلافة" في الموصل بعدما سيطر على جامع النوري هناك، وهو جامع يكتسي رمزية كبيرة، فمن منبره أعلن أبو بكر البغدادي نفسه "خليفة على المسلمين" عام 2014. كصحافي وخبير متتبع لتطورات الوضع في الشرق الأوسط، كيف ترى الهزيمة العسكرية لداعش من الناحية السياسية والعسكرية؟
لابد أن نلتزم الدقة، فالقوات العراقية لم تعلن استعادة الموصل بكليتها، ولكن مما لا شك فيه، أن هذه المعركة ستنتهي لا محالة يوما ما، وقد تكون نهاية المعركة قريبة. ولكن لا نستطيع اليوم القول بأن المعركة انتهت، كما أن المتحدث باسم القوات لعراقية لا يدعي ذلك.
هذه ليست أول مرة يستعمل فيها الجيش العراقي لهجة حماسية لوصف انجازاته العسكرية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"؟
كل طرف يسعى لتوظيف الجانب الإعلامي والدعائي حتى ينال من معنويات الطرف الآخر، لكن الواقع على الأرض ليس بهذا التعقيد وليس عصيا على الفهم. فالقوات العراقية تحاصر الموصل وتطوق البلدة القديمة. كما أن عدد مقاتلي داعش يقل رويدا رويدا، وبالتالي من المتوقع أن تنتهي هذه المعركة في المدى المنظور. لكن لا ننسى أن عناصر داعش قرروا أن لا يستسلموا وأن يواصلوا القتال حتى الرمق الأخير.
ما الذي يجب أن يحدث عمليا حتى نقول إن داعش هُزم، وهو تنظيم إرهابي قد يستمر بأشكال أخرى حتى بعد انهياره عسكريا من معاقله الكبرى؟
هذا تحليل ليس بالجديد، فنهاية معركة الموصل في المستقبل لن تعني نهاية داعش بالعراق. إن مقاتلي التنظيم يتواجدون في المنطقة الحدودية السورية العراقية في أطراف مدينة دير الزور حيث يختفي أبو بكر البغدادي على الأرجح، ولكن أيضا في مناطق أخرى على شواطئ الفرات. بمعنى آخر، لا تزال هناك مناطق جغرافية تخضع لسيطرة التنظيم. ولكن حتى هذه المناطق قد يُهزم فيها داعش. وأنا كتبت قبل عامين أن "دولة الخلافة" مساحة جغرافية سيهزم فيها تنظيم داعش عسكريا من قبل قوات مختلفة وهذا ما يحدث بالضبط اليوم. لكن التنظيم سينتقل من العلن إلى الخفاء وسيتحول إل خلايا، ستحاول إلحاق أكبر قدر من الأضرار والخسائر بأعدائه بهجمات إرهابية كما حدث مؤخرا في أوروبا.
أنا لا توقع أن يختفي داعش تماما كتنظيم إرهابي، وربما يقوم مكانه تنظيم آخر سني متطرف. اللغة العربية غنية، وليس من الصعب اختراع اسم جديد لتنظيم إرهابي سني متطرف جديد. لقد رأينا ذلك في الماضي، داعش غير اسمه أكثر من مرة، وهذا الأمر قد يتكرر في المستقبل أيضا.
على ذكر السنة، إذا ما عدنا للوراء قليلا، فالصعود المثير لتنظيم داعش كان مرده جزئيا على الأقل، للسياسة الطائفية التي انتهجها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي. في رأيك ماذا تعني الهزيمة العسكرية لداعش على ضوء الصراع الطائفي في العراق؟
هناك فراغ أمني وسياسي في الشرق الوسط، وهناك دواعٍ لوجود مثل هذه الجماعات السنية المتطرفة. فحتى لو انهزم داعش عسكريا فسيواصل وجوده على شكل خلايا إرهابية في بغداد ومناطق أخرى في الشرق الأوسط، وربما تظهر تنظيمات أخرى أكثر تطرفا. فسنة العراق في حاجة لمن يمثلهم أمام حكومة بغداد التي يسيطر عليها الشيعة. ومن الواضح جدا أن داعش هو أسوأ من يمثل السنة، وحتى بعد هزيمة داعش، بل ولاسيما بعد هزيمة داعش، فهم سيواصلون البحث عن من يمثلهم.
وعنما نتحدث عن الحكومة العراقية، فهي ستحاول أولا الدفاع عن مصالحها الطائفية، ولا أعتقد أنها ستأخذ بعين الاعتبار مصلحة الدولة العراقية. ولا يوجد اليوم أي طرف سياسي أو أمني سواء في العراق أو في سوريا يستطيع أن يدعي بأنه يدافع عن مصالح الدولة. فمفهوم الدولة التقليدية كما تبلور بعد المرحلة الاستعمارية أصبح من الماضي. لذلك فإن القوى الطائفية الفاعلة تبحث عن مفاهيم جديدة تحدد نوعية وطبيعة الخارطة السياسية الجديدة في الشرق الأوسط.
إذا نحن أمام سيناريوهات متشائمة أحلاها مر؟
السيناريوهات ليست متشائمة، فالتغيير أحيانا تطور مرحب به، فأنا لا أعرف أناس كثيرين نادمون على نهاية العالم القديم. فالكثيرون يرون أن الخارطة السياسية القديمة هي وليدة النظام الاستعماري. وكان من المتوقع، وحتى من المرغوب فيه أن تتغير تلك الخارطة في يوم من الأيام حتى يقوم وضع جديد.
بالطبع ما يقع في سوريا والعراق مأساوي تماما، لأن الحرب مأساوية دائما حيث يقضي الكثير من المدنيين الأبرياء حتفهم. ولكن كل من ادعوا أنهم يدافع عن الدولة السورية أو العراقية بالمفهوم القديم، مأساويون أيضا. فالشرق الأوسط كان متوجها في جميع الأحوال لسفك الدماء في مأساة كبيرة كان من الصعب تفاديها، لأن عناصر الصراع تراكمت بشكل كبير عبر عقود بشكل جعل أي حل سلمي يبدو غير واقعي، وبالتالي فإن ما يحدث اليوم لا يفاجئني كثيرا رغم مأساويته.
حوار لدويتشه فيله